الصفحة الرئيسية   الصحافة السورية  

«بريكس» و«منظمة شنغهاي» تصحيح للنظام العالمي في عالم متعدد الأقطاب
July 12, 2015 11:24

«بريكس» و«منظمة شنغهاي» تصحيح للنظام العالمي في عالم متعدد الأقطاب

تشرين - يونس أحمد الناصر
بعد انهيار الاتحاد السوفييتي في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي اختل نظام القطبية الدولية وانفردت أمريكا قوة متغطرسة 
وجبَّارة في التحكم بمصير البشرية من دون وازع من ضمير أو أخلاق, تزرع الحروب وتغذي النزاعات, وقد يقول قائل إن السياسة مصالح ولا علاقة لها بالأخلاق, وهذا خطأ فادح يعيد البشرية إلى شريعة الغاب ويتجاهل مسيرة البشرية الطويلة في ميادين الحضارة وإذا كانت ثنائية الخير والشر قد رافقت وجود الإنسان على هذه الأرض كغيرها من المتضادات، كان من الواجب بمنطق القوانين الفيزيائية وسيرورة الحضارة البشرية إعادة تصحيح القطبية من الأحادية إلى الثنائية.
وليس على البشرية في أي حال من الأحوال القبول بمنطق الجريمة والتسليم به, فلابد من رادع يردع المجرم وقانون يحاسبه، وإن المنطق يقتضي أيضاً أن لكل جوادٍ كبوة، ولكن على الفارس الحقيقي أن يعتلي صهوة حصانه مجدداً، وهذا هو بالضبط ما تفعله روسيا اليوم بعد عقد ونصف على تفكك الاتحاد السوفييتي.
وهذا هو بالضبط ما يفعله الرئيس فلاديمير بوتين الذي قرر إعادة أمجاد روسيا وإعادة القطبية الثنائية للعالم الذي يبحث عن مخرج لمآسي أحادية القطبية الأمريكية.
إن مجموعة «بريكس» و«منظمة شنغهاي» للتعاون، تشكلان بارقة أمل في التصحيح الهيكلي للنظام العالمي الجديد، وأصبحت الدول الصغيرة منها والكبيرة تتسابق للانضمام إلى هذا التحالف الدولي الجديد الذي يمثل الجانب الخيِّر في مستقبل البشرية التي تعاني الويلات والحروب.
ما سبق يستدعي التعريف بمجموعة «بريكس» وظروف نشأتها والدول المنضوية في قوامها..
«بريكس»: هو مختصر للحروف الأولى باللغة اللاتينية- BRICS من أسماء الدول صاحبة أسرع نمو اقتصادي في العالم, وهي (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا)، وكان اسمها «بريك» قبل انضمام جنوب إفريقيا إليها.
عقدت أول قمة بين رؤساء الدول الأربع لمجموعة «بريك» في (ييكاتيرينبرغ– روسيا) في حزيران 2009 لتكون إشارة إلى نظام عالمي ثنائي القطبية، وانضمت دولة جنوب أفريقيا إلى المجموعة عام 2010, فأصبحت تسمى «بريكس» بدلاً من «بريك».
تشكل مساحة هذه الدول ربع مساحة اليابسة، وعدد سكانها يقارب 40% من سكان الأرض, كما أن المتوقع بحلول عام 2050 أن تنافس اقتصادات هذه الدول، اقتصاد أغنى الدول في العالم حالياً- حسب مجموعة «غولدمان ساكس» المصرفية العالمية- ومن المتوقع أن تشكل هذه الدول حلفاً أو نادياً سياسياً فيما بينها مستقبلاً.
منظمة «شنغهاي» للتعاون (سكو): هي منظمة دولية تضم عدة دول في شرق آسيا, تأسست في العام 2001 وتضم كلاً من: الصين، روسيا، كازاخستان، قرغيزيا، أوزباكستان، طاجيكستان، وباستثناء أوزباكستان، كانت الدول الأخرى أعضاء في «خماسي شنغهاي» التي أسست في العام 1996، بعد دخول أوزباكستان في المنظمة، سميت المنظمة باسمها الحالي.
من الأهداف المعلنة للمنظمة: مكافحة الإرهاب ومواجهة التطرف والحركات الانفصالية، والتصدي لتجارة الأسلحة والمخدرات، وينظر إلى المنظمة باعتبارها أقرب ما يكون إلى حلف سياسي وعسكري، ويتم العمل على تطويره اقتصادياً.
وتوسيع عضوية «منظمة شنغهاي للتعاون» (سكو)، وتوطيد أواصر العمل المشترك بين الدول المنضوية فيها، يساهم بثقل في إنضاج معادلات عسكرية وأمنية وسياسية واقتصادية عالمية تعكس الموازين المستجدة، وقد قررت القمة الأخيرة التي استضافتها مدينة أوفا الروسية ما بين 8-10 من شهر تموز الجاري مجموعة من القرارات في صدارتها مكافحة الإرهاب.
فقد دعا زعماء دول «شنغهاي» إلى تكثيف الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب، وجاء في البيان الختامي الصادر عن القمة: «أعربت الدول الأعضاء عن قلقها البالغ لتنامي أبعاد الإرهاب والتطرف الدوليين، وتدعو الدول إلى تكثيف الجهود المشتركة للمجتمع الدولي لمكافحة المنظمات الإرهابية وذلك بمراعاة القرارات الصادرة عن مجلس الأمن الدولي ذات الصلة».
تسوية الأزمات في الشرق الأوسط من دون تدخل خارجي ومكافحة التطرف والعمل الوقائي لمنع انتشار التطرف الديني والتعصب العرقي والطائفي وكراهية الغير وتنامي نزعات التطرف في المجتمع.
وأضاف البيان الختامي: «وإلى جانب التعاون على مستوى أجهزة الأمن بما في ذلك الهيئات القضائية ومراكز التحليل، سُيولى اهتمام خاص في هذا العمل لاستخدام قدرات مؤسسات تعليمية وعلمية ووسائل إعلام ومنظمات غير حكومية ودينية وأوساط أعمال, كما رحب زعماء «شنغهاي» بالجهود الرامية إلى تسوية قضية برنامج إيران النووي.. وأشار البيان الختامي إلى أن ذلك يعزز النظام الدولي لمنع انتشار الأسلحة النووية ويساعد على تعزيز السلام والاستقرار في المنطقة.
وفيما يتعلق بتوسيع منظمة «شنغهاي» للتعاون رحّب البيان الختامي لقمة «أوفا» منظمة «شنغهاي» بتوسيعها، وأعربت دول المنظمة عن ارتياحها وانضمام الهند وباكستان ومنح بيلاروس وضع عضو مراقب وكل من أذربيجان وأرمينيا وكمبوديا ونيبال كدول شريكة في الحوار, كما تطرق المجتمعون إلى خطر زيادة قدرات الدفاع الصاروخي من جانب واحد الذي سيلحق ضرراً بالأمن العالمي وسيؤدي إلى زعزعة الاستقرار في العالم, وعلى أهمية تسوية الأزمة الأوكرانية على أساس اتفاقات «مينسك» ودعت دول «شنغهاي» إلى إحلال السلام في أوكرانيا بشكل عاجل على أساس تنفيذ الأطراف اتفاقات «مينسك» بالكامل, في ظل عدم وجود بديل للتسوية السياسية الدبلوماسية للنزاعات في مختلف أنحاء العالم انطلاقاً من الالتزام الدقيق بمبادئ القانون الدولي, ورفض العقوبات أحادية الجانب.
كما أعلنت دول «شنغهاي» أنها تؤيد التعاون الدولي الواسع في مجال تجاوز الهوة في المجال التكنولوجي والاقتصادي والاجتماعي بين الدول على أساس السماح لجميع الدول باستخدام ميزات العولمة الاقتصادية على أساس المساواة ومن دون أي تمييز.
بينما أعلن الكرملين بأن انضمام إيران إلى منظمة «شنغهاي» للتعاون سيتقرر بعد رفع العقوبات عنها، وتالياً فإن المنظمة ستواجه الخطر الأمريكي كما أن انضمام الهند وباكستان إلى عضوية الـ(سكو) سيمكن المنظمة من معالجة التداعيات المحتملة في أفغانستان، وانعكاساتها على دول الجوار، بعد أن تنسحب منها قوات (إيساف) التابعة لحلف شمال الأطلسي، ولاسيما في ضوء الفوضى الأمنية التي يشهدها العديد من البلدان، نتيجة تمدد تنظيم (داعش)، وأفغانستان من الدول المرشحة لتمدد التنظيم الإرهابي إليها، وهو ما سيشكل تحدياً أمنياً كبيراً لكل دول جوار أفغانستان, وفي الإطار الأوسع، فإن انضمام الهند وباكستان إلى «منظمة شنغهاي للتعاون»، كدولتين دائمتي العضوية، يرفع عدد الدول النووية في المنظمة إلى أربع دول، روسيا والصين والهند وباكستان، ويصبح عدد سكان دول المنظمة ما يقارب نصف سكان العالم، ورغم أنه ليس من أهداف المنظمة تشكيل حلف عسكري، ينافس حلف شمال الأطلسي (ناتو)، إلا أن مستوى التنسيق العسكري المتقدم بين الدول الأعضاء في الـ(سكو) يخلق معادلة جديدة على المسرحين الآسيوي والأوروبي، ستشكل حاجزاً أمام مخططات (ناتو) بزعامة الولايات المتحدة الأميركية، التي تتطلع من خلال خططها الاستراتيجية للقرن الحادي والعشرين نحو السيطرة على منطقة المحيط الهادي وشرق آسيا، فضلاً عن نفوذها التقليدي الكبير في منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي.
وخلال السنوات الماضية استطاعت «منظمة شنغهاي للتعاون» أن تفرض نفسها على المسرح الدولي، في عالم متعدد الأقطاب وليس محكوماً بقطبية أحادية أميركية، والارتقاء بفاعلية ودور الـ(سكو) إلى هذا المستوى سيفضي إلى قلب موازين النسق الدولي برمتها، فالقدرات الاقتصادية والعسكرية لدول المنظمة تفوق قدرات الولايات المتحدة الأميركية ودول (ناتو)، أو على الأقل توازيها. واستشعاراً منها للدور الذي باتت تلعبه منظمة الـ(سكو) في وقت مبكر حاولت الولايات المتحدة التخريب على عمل المنظمة، عبر محاولة الانضمام إلى عضويتها بصفة مراقبة، وبعد رفض طلبها حاولت أن تفرض مراقبة على المناورات العسكرية المشتركة لدول المنظمة، وقوبل هذا الطلب بالرفض أيضاً.
مما لا شك فيه، يبدو أن كل العوامل الموضوعية تصب في مصلحة تطوير عمل «منظمة شنغهاي للتعاون» وتوسيعه، وتحوله إلى قطب دولي فاعل، عسكرياً وأمنياً واقتصادياً وسياسياً، ودخول الهند وباكستان نقلة نوعية جديدة في مسار المنظمة.
وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في بيان له: (إن دول «بريكس» تظهر النظام الجديد للعلاقات الدولية) حيث تنشأ «مراكز جديدة للقوة» معتبراً أنها رد على «عالم تسيطر عليه الولايات المتحدة».
بدوره وصف فيودور لوكيانوف رئيس مجلس السياسة الخارجية والدفاع الروسي في مقال في صحيفة «روسيسكايا غازيتا» الروسية مجموعة «بريكس» بأنها «تبشر بولادة عالم جديد لا يهيمن عليه الغرب».
وعلى هامش القمتين عقد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأربعاء الماضي اجتماعات ثنائية مع عدد من قادة دول «بريكس» وركز مباحثاته مع رئيس جنوب أفريقيا جاكوب زوما على أولوية إطلاق برنامج تطوير الطاقة النووية في جنوب أفريقيا, بينما تناول الرئيس بوتين خلال لقائه رئيس الوزراء الهندي نارندرا مودي في المناسبة ذاتها موضوع التعاون في إنشاء منطقة التجارة الحرة بين الهند والاتحاد الاقتصادي الأوراسي.
وعلى هامش فعاليات قمتي «بريكس» و«منظمة شنغهاي للتعاون» وقعت المصارف المركزية لدول «بريكس» في موسكو الثلاثاء الماضي اتفاقية بشأن شروط الدعم المتبادل في إطار صندوق احتياطي مشترك للعملات, وتم الإعلان عن إطلاق عمل بنك «بريكس» للتنمية بهدف تمويل مشروعات البنية التحتية في دول «بريكس» والدول النامية الذي يعد أحد أهم النتائج الملموسة لتعاون مجموعة «بريكس» كما وقعت اتفاقية لإنشاء آلية مشتركة للاستثمار في مشروعات البنية التحتية بمشاركة الصندوق الروسي للاستثمارات المباشرة ومجموعة /اي دي اف سي/ الهندية وشركة /بي تي جي/ باكتشول وصندوق «طريق الحرير» الصيني ومصرف التنمية في جنوب افريقيا.
إن هذا الحلف الجديد يشكل حائط الصد في وجه التمدّد الأطلسي (الأميركي– الأوروبي) وإحدى آليات دفاع قلب العالم عن نفسه، كما يصفه علماء الجيوبوليتيك، أمام هجوم الدولة البحرية الأقوى وأعني الولايات المتحدة, كما يقول بريجنسكي في كتابه (لعبة الشطرنج الكبرى).
وتعد هذه المنظمة تجسيداً لرؤية روسية- صينية لعالم ما بعد النيوليبرالية ورداً آسيوياً على العولمة بمفهومها الغربي «لأمركة العالم»، بعيد سقوط الاتحاد السوفييتي، كما أن دعوات أعضائها للحوار بين الحضارات المختلفة تشكّل جواباً على بطلان دعاوى (صراع الحضارات) التي نادى بها هنتغتون كتفسير لمسيرة التاريخ الحضاري للبشرية، وإشارة إلى أن التاريخ لم ينتهِ كما بشّر المفكر الأميركي فوكوياما في كتابه ( نهاية التاريخ).
لاشك في أن «بريكس» و«منظمة شنغهاي للتعاون» بارقة أمل بل أمل يتحقق ويرسم تحولاً عالمياً جديداً مع بدايات القرن الحادي والعشرين وتصحيحاً لنظام القطبية التي فقدتها البشرية في نهاية القرن العشرين.
 



  عدد المشاهدات: 1760

إرسال لصديق

طباعة
شارك برأيك

الاشتراك بالقوائم البريدية
البريدالإلكتروني: