الصفحة الرئيسية   أخبار العرب  

وزراء خارجية دول الخليج يحتاجون لمراجعة سريعة لمواقفهم حتى لا يصدموا مجددا في سوريا ...عبد الباري عطوان
November 29, 2013 13:06

 

كل الأخبار - رأي اليوم :

حدد بان كي مون، الامين العام للامم المتحدة يوم 22 كانون الثاني (يناير) المقبل، موعدا لانعقاد مؤتمر جنيف الثاني حول الازمة السورية، ولكن قراءة متفحصة لمواقف الاطراف الداعية والمدعوة اليه، تخرج المرء بانطباع راسخ بأن احتمالات التأجيل اكبر بكثير من فرص الانعقاد.

السيد احمد الجربا رئيس الائتلاف  قال ان مشاركته في المؤتمر مرهونة بـ “نقل السلطة” الى هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات والسلطات، بما فيها الصلاحيات الرئاسية والعسكرية والامنية، وعلى ان لا يكون للرئيس ومساعديه اي دور في المرحلة الانتقالية هذه ومستقبل سورية.
بعد ساعات معدودة جاء الرد سريعا على هذه الشروط على لسان السيد فيصل المقداد، نائب وزير الخارجية السوري عندما وصف المعارضة بانها “تعيش في القرون الوسطى” وترفض الديمقراطية، وما يريده الشعب السوري.
واذا كانت مواقف المعارضة والسلطة لا تحمل اي جديد فقد سمعناها عشرات المرات في الاشهر الماضية، فان الجديد هذه المرة جاء في البيان الذي صدر في ختام اجتماعات وزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي التي انعقدت امس في الكويت، حيث طالب الوزراء بوضع اطار زمني لتشكيل حكومة انتقالية يجب ان لا تضم اي فصيل معارض بخلاف الائتلاف الوطني السوري.
لو صدر هذا البيان عن وزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي قبل زلزال الاتفاق النووي مع الدول الست العظمى، لكان الامر عاديا ومتوقعا، ولكن ان يصدر بعده، والانقلاب الذي احدثه في معادلات المنطقة السياسية والامنية والاقتصادية وتهميش اوروبا وامريكا لهذه الدول، وكشف انخراطها في مفاوضات سرية مع ايران دون علمها واين؟ في مسقط احد الدول الرئيسية في مجلس التعاون، والاعتراف بايران كقوة اقليمية عظمى، فهذا يؤكد بان ما قاله السيد المقداد، بانه ليس فقط الائتلاف الذي يعيش في القرون الوسطى، وانما ايضا معظم وزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي، الذين تصرفوا تصرف نيام اهل الكهف.
***
وليسمح لنا معالي الوزراء الخليجيين ان نلفت انتباههم، او ان نذكرهم، بأن الائتلاف  الذين يريدونه ان ينفرد بتشكيل الحكومة الانتقالية، والمشاركة فيها مع وزراء النظام في شراكة متساوية، هو الاقل تمثيلا للمقاتلين على الارض السورية، ولو حجبت عنه المملكة العربية السعودية، الكفيل الاساسي، المساعدات المالية لما بقي احد في هيئاته، ولنا في" المجلس الوطني السوري" الذي كفلته دولة قطر، قبل ان ينقرض ويتلاشى، المثال الابرز في هذا الصدد.
خريطة المنطقة تتغير بسرعة بعد الاتفاق الامريكي الايراني، وكذلك خريطة الصراع في سورية، فالاولوية لم تعد الاطاحة بالنظام السوري ، واتحدى ان يقف زعيم عربي واحد، ويعلن على الملأ، بأن ايام الرئيس السوري معدودة، وان الاطاحة به باتت حتمية مؤكدة، وعليه مغادرة سورية فورا مثلما كانوا يتبارون فيما بينهم لتكرار هذه العبارات، ويتنافسون في تسخين مفرداتها.
اتحدى امين عام الجامعة العربية الدكتور نبيل العربي الذي جمدت منظمته عضوية سورية ان يراجع تصريحاته التي ادلى بها قبل عامين، هو وكل وزراء الخارجية الذين كانوا يجتمعون تحت مظلته كل اسبوع تقريبا، ويخرج فيها عن حيادية منصبه، ويطالب بتدخل عسكري لحلف الناتو ضد دولة عربية شقيقة، ويعود لتكرارها الآن ايضا طالما انه قالها عن قناعة ويثبت خروجه عن مقتضيات التغيير الحالي العسكري في مصر.
السيد احمد داوود اوغلو وزير الخارجية التركي واحد مهندسي الازمة في سورية، واعلى المطالبين صوتا بالاطاحة بالنظام السوري ورئيسه، كان بالامس في قلب طهران يلتقي نظيره محمد جواد ظريف، ولم نسمع منه كلمة نقد واحدة للنظام السوري، بل سمعنا اتفاق الجانبين، التركي والايراني، على وقف تدريجي لاطلاق النار وبما يمهد الطريق للحل السياسي، انه تراجع مقداره 180 درجة املته المصالح والمخاوف والتغيرات في المنطقة، وهذا قمة الدبلوماسية والواقعية في رأينا.
فعندما تصبح موسكو، وليس واشنطن، “كعبة” حجيج حلفاء امريكا القدامى والمعّتقين، غضبا، وحردا، وارتباكا، فان هذا يعني الاعتراف بحدوث تغيير كبير في المنطقة، لصالح حلفاء العاصمة الروسية، وايران وسورية وحزب الله على وجه التحديد، ومحاولتهم تقليص الخسائر وانقاذ ما يمكن انقاذه.
الائتلاف لن يكون ولا يجب ان يكون، المظلة الوحيدة للمعارضة السورية في مؤتمر جنيف في حال انعقاده، فهناك هيئة التنسيق الوطنية التي تضم معارضي الداخل، والوزير المقال قدري جميل ومجموعته، والاكراد بمختلف فصائلهم، وحتى السيد رفعت الاسد يعتبر نفسه صاحب حصة كبرى في المعارضة، وجميع هؤلاء التقوا المستر روبرت فورد السفير الامريكي في دمشق، مثلما التقوا مسؤولين في موسكو، لتقديم اوراق اعتمادهم وضمان بطاقة الدعوة، وحجز مقاعدهم بالتالي في المؤتمر.
في الماضي كانت المعارضة المسلحة هي التي تفرض شروطها على النظام، وكان يصمت  لانه كان معزولا محاصرا، الآن النظام هو الذي يفرض شروطه، لانه استعاد شرعيته لدى الدول الغربية ولم يعد يهتم باستعادتها لدى الدول العربية، او يجاوب مع غزل بعضها، وعاد وكرسها له حليفه الايراني بتوقيعه اتفاق مع امريكا، فلو كان نظاما ناقص الشرعية او معدومها مثلما قالت الجامعة، لما كان هذا النظام اول طرف يتلقى بطاقة الدعوة الى جنيف ويقبل بها، وقبل ان ترسل هذه الدعوات الى الجامعة ومجلس التعاون الخليجي بل لعب دورا رئيسيا بتحديد موعد المؤتمر، وتحديد جدول اعماله، وعلم وزراء الخارجية العرب به ودولهم عبر وسائل الاعلام.
***
لا نتمنى صدمات جديدة، او مفاجآت غير سارة اخرى لمحور “الاعتدال العربي” ووزراء خارجيته، على غرار تلك التي جاءتهم من جنيف، او الثانية التي انطلقت من مسقط، ولكننا لا نستبعد ان تكون اعمال مؤتمر جنيف “الحقيقي” تسير على قدم وساق في الغرف السرية في “عاصمة ما” عربية او غير عربية، وما مؤتمر جنيف العلني هذا الا منصة احتفالية لتوقيع الاتفاق الذي سيتم التوصل اليه في حضور الدول الست دائمة العضوية في مجلس الامن الدولي، وبعض شهود الزور من وزراء الخارجية العرب.
عندما اعلن سيرغي لافروف وزير خارجية روسيا “الداهية”، ان الاولوية لم تعد الاطاحة بنظام الرئيس الاسد، وانما مكافحة الارهاب في سورية وضحت الصورة، وتحددت معالم خريطة المستقبل، اي تقسيم المعارضة المقاتلة للنظام السوري الى معسكر “صحوات” تقاتل مع النظام وفي خندقه لتصفية القسم الآخر، اي الجماعات الاسلامية الجهادية، وبعدها قد تجري انتخابات صورية ويفوز فيها الرئيس الاسد في حضور مراقبين دوليين يتزعمهم الرئيس الاسبق جيمي كارتر.
الصورة سيريالية.. نعم.. صعبة التصديق.. نعم كبيرة ايضا، ولكن الم تكن الصورة كذلك، بل اكثر تعقيدا، قبل توقيع الاتفاق النووي الامريكي الايراني؟!
صحّحونا اذا كنا مخطئين او مبالغين.





  عدد المشاهدات: 881

إرسال لصديق

طباعة
شارك برأيك

الاشتراك بالقوائم البريدية
البريدالإلكتروني: