الأمل بالعمل



الأكثر زيارة
 الصفحة الرئيسية   ربيع نتنياهو

الربيع الأعرابي - ادريس هاني ( المغرب )

مع الاستحقاق السوري الأخير تكون دمشق شقّت طريقها نحو ربيع عربي ممانع.
أي ربيع عربي غير مخصي ولا هو مستباح للثّورة المضادة.
لم تكن سوريا موضوعيا رافضة للربيع العربي ولكنها ظلت ممانعة ضدّ الربيع

الأعرابي.
أي أنها تعتبر ممانعتها اليوم استمرارا لممانعتها بالأمس,  فالهزيمة التي إريد لها أن تقتحم سوريا قوميّا يراد لها اليوم أن تفرض بعنوان الربيع الأعرابي.
أما إسرائيل فهي تسعى أن تدخل اليوم إلى قلب العرين السوري على دبّابة الربيع الأعرابي.
هناك معزوفة أوبرالية حيوانية تذكّرنا بحكايات لافونتين، نسمع فيها نباحا ونهيقا وحتى أصوات "بني كلبون"، لتسليح الإرهابيين داخل سوريا.
الأعراب وإسرائيل متحمّسون هذه الأيام لدعم المعارضة التي انكشفت علاقتها بإسرائيل بالمباشر وغير المباشر.

 

سيحسب لسوريا أنّها قدّمت مظهرا جديدا لما يمكن أن نسمّيه بالربيع العربي الممانع.

وهذا ما كنّا نتمنّاه لسوريا أن يقود بشار نفسه بيرسترويكا داخل الحزب والدّولة لصالح الممانعة,  وبأن يجعل سوريا أرضا تتصالح فوقها استحقاقات الثورة والممانعة، ربيع الثورة وربيع المقاومة.
اليوم لا مجال للحزب الوحيد في سوريا وحتى الأسد يمكن أن يرشّح نفسه ويمكن أن لا يرشّح نفسه في الانتخابات القادمة، بل وحتما لن يتعدّى الدّورتين.
دستور يعزّز التّعدّدية وهي ما لا تتوفّر عليه دساتير بطاريق الربيع الأعرابي.
طيلة أزيد من عشرة شهور كانت سوريا تقوم بعمل مزدوج: تعزيز الممانعة الدّاخلية ومناقشة مراسيم الإصلاح التي أطلقها بشّار الأسد.
هذا يعزّز ما قلناه قبل شهور من أنّ سوريا أخذت بالمقاربة الشمولية.
اليوم سوريا وضعت دستورا جديدا للاستفتاء الشّعبي صوّت عليه أغلبية الشّعب فيما ظلّت حفنة من المعارضة على عدميتها لا تكاد ترى شيئا.
هناك جيش يقوم بواجبه الوطني لم تتمكّن منه أيّة دعاوى سخيفة للانشقاق، وهناك مبادرات سياسية ترجمت على الأرض.
اليوم لم يعد مستساغا الحديث عن الديكتاتورية والحزب الوحيد، بعد أن أقرّ الدستور الجديد بالحرّيات والتّعددية, دستور عصري متقدّم على كثير من الدساتير العربية. اليوم بات المطلوب أن تصدّر سوريا نموذجها الدستوري إلى قطر وأخواتها.
ومن المفارقة أن مواقف البطاريق العربية ازدادت حنقا في الوقت الذي تعيش فيه دمشق ربيع الاستفتاء على دستور جديد يمسّ بنية النّظام.

يبدو أنّ المتحرّشين بسوريا لا يهمّهم التغيير، لذلك لا يرونه منذ عشرة أشهر. فاليوم يتحدّثون بوقاحة عن تسليح الإرهابيين في سوريا لمزيد من الخراب.
هم من لم يشبع من دماء الشّعب السوري وهم من يقتله.
قبل فترة قالوا: وجب على النّظام أن يتغيّر.

حينئذ قال لهم السوريون: الوضع لا يسمح بالتغيير يجب أن تهدأ الأمور.
قالوا: لا ، نريد التغيير الآن وليس غدا.
اليوم حدث التغيير في حمأة الأحداث.
قالوا تلك مسخرة يجب أن تهدأ الأمور.
عدنا إذن إلى حكاية من يسبق من: البيضة أم الدجاجة؟
كما عدنا إلى حكاية جحا والحمار.
من الطبيعي أن يرفض خصوم سوريا وعصائب المعارضة العدمية الدستور الجديد في سوريا,  فهم كانوا يعتقدون أن النظام السوري لن يقبل بالتعديل الدستوري ولن يتخلّ عن البند الثّامن من الدستور القديم ولن يقبل بالتّعددية.
هم يدركون اليوم أنهم في حاجة إلى الدّعم الخارجي لأنهم لن يستطيعوا الاحتكام إلى صناديق الاقتراع، ولأنهم يدركون أن بشّار سيهزمهم أمام صناديق الاقتراع لأنّه لم يبع سوريا للأجنبي, فلقد كان بمقدوره أن يبقى في الحكم دون إصلاحات وبمجرّد ورقة صغيرة تدخله نادي أصدقاء واشنطن, بل كان بإمكانه أن تطال يده صيصان المعارضة الخارجية في صفقة صغيرة مع واشنطن, بل كان بإمكانه أن يكون حليف واشنطن الأوّل فيما لو زايد على الجولان مثلما تفعل معارضة غليون ليل نهار.
إن خوف هؤلاء من سوريا الإصلاحات هو أكثر مما يخيفهم من سوريا من دون إصلاحات، لأنّ مشكلتهم رأس النّظام الذي حافظ على سوريا ممانعة وأظهر معدنه الحقيقي في المواجهة.
حينما أخلص بشّار الأسد للمقاومة جازاه التّاريخ ليكون قائد التغيير في سوريا نفسها بعد محاولات إصلاحية دشّنها منذ وصوله إلى الحكم في سوريا.
لقد تكاملت الممانعة مع التغيير الجديد، ولم يعد من أهمّية للضجيج الخارجي, فلا شيء يرضي خصوم سوريا هذه الأيّام، لأنهم يشعرون بخيبات الأمل. وكنّا نتمنّى أن يقبلوا بالهزيمة لأنهم كانوا أهلها دائما,  فلو أنهم رفضوا الهزيمة أمام إسرائيل مثلما يرفضون الهزيمة اليوم، ولو أنهم امتلكوا هذه الحماسة للضغط على إسرائيل دفاعا عن الفلسطينيين كما يفعلون اليوم، لصدّقناهم.
على من يضحك هؤلاء العربان؟ فشل القوم في مؤتمر أعداء سوريا ولم يفعلوا شيئا. وحينما اعترفوا بالمجلس الوطني الاسطنبولي فعلوا ذلك من باب الإحباط ، ولكنهم لم يحققوا من خلال ذلك الاعتراف سوى انشقاقا داخل مجلس ولد ميتا.
إنهم ينشقون داخل فراغ وإحباط وانسداد الآفاق,  أمام بؤس المعارضة العدمية في الخارج وبكائيات عرب النّفط لم يعد من أفق سوى الفتنة التي قد تصبح وبالا عليهم إن هم مضوا فيها بعيدا.
ذلك لأن استقرار سوريا على نصيبها من الربيع العربي حتما سينقل التجربة إلى البيداء العربية وسيوقظ تلك الشعوب التي تعيش أعلى مستويات الاحتقار والتهميش والظّلم كما لو أنها تعيش في كوكب آخر من دنيانا السياسية.وإذا أصبح لا شيء يمنع هؤلاء من التصريح بدعم الإرهابيين داخل سوريا، فهذا يعني أنّ اللّعب بات اليوم على المكشوف؛ ليس أمام سوريا اليوم سوى أن تضرب بيد من حديد على من يهدّد الاستقرار ويتآمر مع الخارج ويؤذي المدنيين.
أما في الميدان، فثمة العشرات اليوم ممن يسلّمون أسلحتهم للنّظام ويقدّمون معلومات حقيقية عن طبيعة ارتباطاتهم الإقليمية والدّولية, فالمجموعات المسلحة التي تزعم أنها جاءت لتدافع عن المدنيين هي في الحقيقة من يقتل المدنيين,  فهذه مجموعات لا تقاتل في الصحراء ولا في أي مكان آخر، بل هي مجموعات درّبت على حرب المدن.

ومعروف عند أهل الخبرة ماذا تعني حرب المدن,  فهي تعني جرّ الحرب إلى الشوارع والحارات وتهجير أو حرق المدنيين.
سوف يسجّل التّاريخ أن مجموعة من العربان الذين لا يحسنون أن ينطقوا العربية ، تآمروا قدر وسعهم للإطاحة بنظام ليس لشيء إلاّ لأنّه شكّل استثناء في الممانعة العربية.
ولا يهمّهم دم الشعب السوري ما داموا يدفعون بالأمور نحو التّفجّر والفتنة والاقتتال، وماداموا هم أنفسهم دكّوا الشّعب البحريني الأعزل أمام أنظار العالم بجيش جرّار، ومادام بعضهم وقف إلى جانب زين العابدين بنعلي وحسني مبارك ضدّ شعبيهما ، وماداموا لم يتحمّسوا للقضية الفلسطينية ويدعموا المقاومة الفلسطينية ويرفعون قضيتها زرافات إلى مجلس الأمن.
فالدّم العربي كلّ لا يتجزّأ. والاستثناء هنا استحمار,  ولو كنّا نعلم أن ما يجري في سوريا هو ما تنقله الجزيرة وأخواتها لكنّا أوّل من يعترض.
لكنّنا على علم بأنّ موقف غالبية الشعب السوري مع التغيير دون انهيار النظام وتخريب سوريا.
وليقيننا أنّ البديل الذي يسعى إليه المتآمرون على سوريا سيفتح فتنة داخل سوريا إن هي حدثت لا سمح الله فسيعدّون ضحاياها بالملايين.
نحن نعبّر عن موقف ملايين من الشعب السوري التي صمدت في وجه المؤامرة والإعصار الخارجي وهي تستحقّ اليوم التغيير والاحترام.

أما المتآمرون على بلادهم فهم لا يستحقون منّا الاحترام، لأنهم قلّة مهملة أولا ولأنّهم ليسوا وطنيين ثانيا.
الذي يريد سفك دماء الشعب السوري هو الذي ينتمي إلى جوقة المحرّضين على سوريا.
إنّ تسيير المسيرات دعما للشعب السوري هو طقس جماهيري لا يقدّم ولا يؤخّر,  فمثل هذه المسيرات الشعبوية لم تفعل شيئا لردّ العدوان ضد الفلسطينيين ولا هي استطاعت أن تمنع الغزو عن العراق ولا هي اليوم ستفعل شيئا.
الرأي العام ليس معصوما, بل الرأي العام هو مجال للاستغلال بتقنية الصورة وتزييف الحقائق.
الحقيقة لا نأخذها من الرأي العام بل يجب تنوير الرأي العام.
قال أحد الصحفيين لفؤاد نجم: أنت وحدك على هذا الموقف هل كلّ هؤلاء على باطل؟

يقول هذا بعد أن أخذ رأي مجموعة من الشباب في البلاطو.
قال فؤاد نجم: أنا لست ضدهم ، بل يكبروا ويعرفوا.
قال الصحفي: وهل أنت وحدك الذي يفهم؟
قال له فؤاد نجم: "عندي أكثر من ثمانين سنة وما بفهم"؟
الرأي العام لا يتوفّر على معطيات، ولم يكن في يوم من الأيام مصدرا للحقيقة.الرأي العام ضعيف أمام شاشات التلفزيون.

الرأي العام لا يقول لك بأن الحقيقة هي هذه كما فكّرت فيها، بل يقول لك بأن الحقيقة هي هذه كما عرضوها في التلفزيون.
الرأي العام مخلص لقضيته لكنه معرّض للخديعة.
وليس أدلّ على ذلك من أن الرّأي العام الذي خرج في المسيرات يندّد بالأسد وديكتاتورية حزب البعث وحقوق الإنسان ويدعوا إلى التّدخل الخارجي وقتل الأسد هو نفسه وبدم بارد خرج في يوم من الأيام نصرة لصدّام الذي حكم شعبه بديكتاتورية الحزب الواحد وهو زعيم حزب البعث في العراق وهو صاحب حروب الإبادة ضد المدنيين كما في حلبجة وكما فعل في الأنفال.
ويومها وقف الرأي العام ضدّ الشعب المقهور ولاموه على التّدخل على الرغم من أنه لم يأت به، ونعثوا المعارضة في الخارج بأنهم جاؤوا على دبابة أمريكية؟
ما الذي تغيّر في مشاعر ومعايير الرأي العام؟
لماذا صدّام بطل قومي يجب أن يحيى ويموت شعبه والأسد مجرم على الرّغم من أن شعبيته أكبر بحسب ما كشفت عنه " مجموعة مناظرات الدّوحة" القطرية"؟
غدا سيتعلّم الرأي العام، لأننا نؤمن بالحقيقة لا بالرأي العام,  فالذين يريدون أن يفوزوا برضا الرأي العام هم من يريد أن يكذب على الرأي العام ويستغلّ عواطفه. إنّ حكاية الأغلبية هنا حكاية مزيّفة, فإنّ الذي ينطبق على الرأي العام اليوم هو أن أكثرهم لا يعقلون وأكثرهم غافلون، لأنهم ضحايا لعبة الصورة وتحريف الأخبار.
هذا إذا لم ننس أنّ هناك أغلبية صامتة دائما,  فلو شئنا أن نقرأ الأمور بلعبة الأرقام، فإنّ أغلبية المعمورة هي مع سوريا وليست مع خصومها,  فمليار ونصف صيني فضلا عن مئات الملايين في روسيا ودول البلقان وإيران والهند والبرازيل وأمريكا اللاتينية وسائر البلاد العربية والإسلامية عدد لا يستهان به,  والرأي العام المعتبر هنا هو الرأي العام داخل سوريا وليس الرأي العام في سوريا الافتراضية المعروضة على الفضائيات التحريضية.
إن الرّأي العام السوري المؤيّد لبشار الأسد في الدّاخل هو الرّأي العام الشّرعي وهو يفوق بضعة مئات أو آلاف خرجت للدفاع عن مواقف شرذمة من المعارضة الخارجية والجاليات، لا عن عموم الشعب السوري.
أتساءل إن كانت كل تلك الخرجات تفوق في المصداقية والعدد وقفة مليونية للشعب السوري في ساحة السبع بحرات؟!
إن سوريا لا تقدّم أموالا لأصدقائها,  وهنا تختبر المبدئية. ولكن خصوم سوريا اليوم يوزّعون المال بالجملة على أعداء سوريا من الأغراب ومن أبناء جلدتها.
سوف يستكثر "الإشلاميون" منّا هذا الموقف، غير أنّ أنهم وهم يذرفون دموع التماسيح ويهتفون بسقوط الأسد لأنه فضح" إشلاميتهم"،عليهم أن لا ينسوا أنّهم قبل سنوات قليلة جدّا، ترحّموا وقرؤوا الفاتحة داخل مجلس النواب على صدّام حسين:

الديكتاتور البعثي الذي قتل شعبه، أليس كذلك؟!
هذه ال"شكيزوفيرنيا" السياسية والنضال المزدوج الذي يطبع السلوك الاحتجاجي لمجموعات يهمّها أن تستعرض قوتها الجماهيرية أمام النّظام، من باب: إيّاك أعني واسمعي يا جارة، لن تغيّر من المعادلة شيئا.
لكن هذه الجماهير هي نفسها سيتغيّر مزاجها في يوم من الأيام، لمجرّد أن يجدّ الجدّ. إنّ حبل الكذب على الجماهير قصير,  لكن عمر الحقيقة أطول.
فمهما طالت لعبة التشويه ، ستنكشف وتبلى وتصبح وثيقة عار ضدّ صاحبها.
ويبدو أن لسان التشويه طال أكثر مما يجب.
قبل أيّام كتب الطاهر بنجلون كلاما خياليا عن الأسد أعجب الكثير من الغافلين,  فيه استسهال للحدث وتساهل مع المعطيات وإسهال في التخييل.
وحق القول أن بعض الروائيين يتبعهم الغاوون.
يفترض الكاتب الفرونكوفوني أنه نجح في اقتحام دماغ الأسد وشرع في قراءة أفكاره,  والحقيقة أن بن جلون الذي ظلّ عاجزا عن أن يعبّر عن خياله بالعربية هو أعجز من أن يقتحم رأسا مضمّخا بالعروبة: إنه دماغ غير قابل للترجمة فرونكوفونيا,  فبنجلون يتجاهل هنا علاقة الفكر باللغة,  إنّه يقرأ دماغه بإسقاط مريع,  فهو ينتظر أي حدث ليثير عواطف جمهوره ويستغل عواطفهم من أجل الدّعاية لنفسه، إنه يترجم حقائق التلفزيون.
لكن بن جلون المسكين الذي لا يحمل تصورا حقيقيا لتعقيدات المشهد لن يجرؤ على اقتحام أي دماغ من أدمغة عربان المؤامرة، إذ لم نسمع عن عطّار الرواية "الفاكانسية" أنه تجرّأ يوما لاختراق دماغ شارون أو أي ديكتاتور أو مجرم حرب ترضى عنه فرنسا.
يستطيع بنجلون أن يعير خياله الفرنكوفوني للتعبير عن الربيع الأعرابي لكنه لن يستطيع إعارته للتعبير عن الربيع العربي.
فالمطلوب اليوم حتى لا نظلم الربيع العربي أن نتحدّث عن فصل المقال فيما بين الربيع العربي والربيع الأعرابي من انفصال.
فالربيع العربي الذي أبدعته سوريا هو ما يجب أن نصطلح عليه من الآن فصاعدا:" الربيع العربي الممانع" وليس الربيع الأعرابي الملتبس الذي قوامه سرقة الثورات وتحريف مساراتها والتحريض على الفتنة

  عدد المشاهدات: 1848
 
طباعة
شارك برأيك

الاشتراك بالقوائم البريدية
البريدالإلكتروني: