الأمل بالعمل



الأكثر زيارة
 الصفحة الرئيسية   مقالات

صادق جلال العظم في حديث المومياء وسايكس بيكو الثانية ...بقلم: نارام سرجون‏


لايغضبني المسلحون .. ولايخيفونني .. والنظر في عيونهم مثل النظر في عيون المواشي ذات العيون الواسعة السوداء ذات القرون والأظلاف .. لاتفقه ولاتفهم ولاتحس الا بالسياط ولاتسمع الا صفير الراعي والرعاة .. وتساق من مذبح الى آخر ولاتتعلم الا لعبة الرحيل الدامي .

. ولكن تثير اشمئزازي تلك الشخصيات الثورية المحنطة التي كانت مغطاة بلفائف القماش الابيض والكتان وأوراق الثقافة لأكتشف اننا كنا نعيش بين مومياءات تملي علينا عقائدها الوثنية وتخفي عنا رائحة الموت .. والمضحك أن هذه المومياءات لايزال هناك من يقنعها أنها لم تمت وأن أحشاءها ليست مجوفة
..

واليوم بدأت الاهتزازات العنيفة الأقرب الى الزلازل وبدأت المومياءات تخلع عنها لفائفها وعصائبها البيضاء .. بدأت الانفراجات الدولية والاقليمية وبدأت الأزمة السورية تتخطى أهم مرحلة على الاطلاق .. وهي أن مشروع تقسيم الجغرافيا السورية قد انتهى .. وأقر الجميع أن سورية بلد موحد واحد .. بعد أن ملأت الدنيا ماسميت أخبار الحرب "الاهلية "السورية في توطئة لمرحلة التقسيم بعد تحديد خطوط التماس والدويلات الدينية وداعش واماراتها الوهابية والطالبانية .. فاليوم ربما بدأت نهاية سايكس بيكو 2 عسكريا

..

عندما تهزم المشاريع وتبدأ مساراتها بالتعرج والانكسار يتحول منظروها والمتحمسون لها الى محنطات في تحد للفناء .. ومرحلة التحنيط هي التي يكثر فيها اصرار المهزومين على انكار الهزيمة ويخترعون فلسفة القيامة من النهاية .. بل ويصل الوهم ببعضهم ان كثرة الموت تشي باقتراب الانتصار .. فيسمع الناس حديث المومياء ..ومنذ ايام تحدثت مومياء صادق جلال العظم .. وفي صوت المومياء سمعنا ماذا ستقول الثورة على طاولة جنيف

..

قبل التطرق الى أحاديث المومياء دعونا نراجع الأحداث الأخيرة كما صارت تلخصها تسريبات الكواليس ..فالأمريكيون وحلفاؤهم كما صار معروفا وصلوا الى حافة الحرب في تهديداتهم ولكن المفاجأة أن السوريين وحلفاءهم لم يتراجعوا حتى آخر لحظة .. وحكاية السلاح الكيماوي الذي استعملته المعارضة للقضاء على النظام وتدميره بشكل شامل عبر استدراج الناتو حولته الديبلوماسية السورية البارعة الى كارثة على المعارضة .. لأن هذا الفخ تحول الى سلاح دمار شامل دمّر مشروع "الثورة" السورية تدميرا شاملا وبدأت تفاعلاته فورا بعملية بيع بالمزاد العلني والظرف المختوم للثورة .. اذ بدأت الادارة الامريكية مشروع مقايضة قدمت فيه ذراع الثورة السورية العسكري مقابل عرض سوري روسي بالتخلي عن السلاح الكيماوي .. وقعت المعارضة في الحفرة التي حفرتها وستكون عملية قطع ذراع "الثورة" العسكري قريبا قبل انتخابات عام 2014 كما صار متداولا بين سياسيين وأكاديميين غربيين .. فقد باع السوريون السلاح الكيماوي وقايضوه بذكاء منقطع النظير وبحسابات في منتهى الدقة .. وفي سلة المقايضة حصلوا على مايريدون بالضبط بعد صبر عامين وأنجزوا اتفاقا دوليا باسقاط سايكس بيكو 2 كان قادما بكل اندفاع ..بصمودهم الملحمي
..

الأمريكي لم يكن يريد السلاح الكيماوي بل كان يريد فرض خطوط سايكس بيكو على الأرض .. لأن تقسيم سورية سيقسم سلاحها الكيماوي وغير الكيماوي أيضا أو سيكون تسليم السلاح الكيماوي وغيره تحصيل حاصل كما حدث عند هزيمة العراق وليبيا .. وفي كلا البلدين تم تسليم السلاح قبل الحرب لكن مشروع التقسيم لم يتوقف العمل عليه حتى أنجز .. فالعراق لم يعد بلدا واحدا معافى وكذلك ليبيا

..
وعندما تبين أن التهديد بالحرب الاقليمية لم يزحزح السوريين وحلفاءهم حتى آخر لحظة كان الموقف الأمريكي متوترا للغاية ومترددا .. وعرض الامريكيون اتفاق ضربة مسرحية لأهداف وهمية في سورية دون أن ترد عليها سورية .. لكن المفاجأة أن الرد السوري الايراني عبر الوسيط الروسي كان أن الضربة الوهمية ستلاقي ردا لاوهميا .. ويبدو أن السوريين وحلفاءهم قرروا تحويل الحدث الكيماوي من فخ لهم الى سلم يصعدون به الى نافذة مفتوحة .. وانكفأ البريطانيون بمهارة وبدأ أوباما يستند الى ذريعة الحاجة للكونغرس للبحث تحت الطاولة عن اتفاق .. وكان يغطي المفاوضات بضجيج التهويل والحرب ..

ويقال بأن السوريين وحلفاءهم قدموا عرضا سخيا متمثلا ب "سورية بلا سلاح كيماوي" مقابل انهاء مشروع سايكس بيكو 2 .. كان العرض مفاجئا ومنقذا من تعهدات الحرب.. واعتقد الامريكيون أنه مناورة مراوغة فسارعوا لقبوله .. وفي ساعات أعلنوه كشرط مسبق عبر تصريحات كيري لتفويت الفرصة على السوريين والروس لسحبه من الكواليس .. ولكن السوريين كانوا يقدمون العرض الكيماوي بيد ويتناولون باليد الأخرى سلاحا يحقق توازن الرعب مع اسرائيل .. ويميل البعض لتصديق ماسمي أنه لب الصفقة من أن الروس قدموا للسوريين سلاحا نوعيا لكنهم كشفوا وثائق للمرة الأولى وثيقة خطيرة للغاية من عمق الملفات الاستخبارية الروسية حصلوا عليها منذ سنوات تؤكد أن اسرائيل ليس لديها سلاح ذري ولكن لديها امكانات صناعته .. بل ان فيها مستودعات لسلاح نووي اميريكي موجه منذ ايام الحرب الباردة كمحطة متقدمة ضد الاتحاد السوفييتي .. وهناك تعهد أميريكي بمنع أي عدو لاسرائيل من امتلاك قنبلة ذرية وبأنها تحت المظلة النووية الأمريكية .. ومفاعل ديمونا ليس الا شبيها بمفاعل بوشهر الايراني لانتاج الطاقة .. وكانت اشارة بوتين لسلاح ذري اسرائيلي تعني المخزون الأميريكي في اسرائيل .. وهذا يشير الى ان مسرحية مردخاي فعانونو الذي سرب أسرار امتلاك اسرائيل للسلاح الذري ربما كانت لايهام العرب أن اسرائيل حقا دولة نووية ولاشك في ذلك .. مثل مسرحية دافوس لصاحبها أردوغان الذي أوهمنا أنه يريد تحرير غزة وكاد يضرب شيمون بيريز بالحذاء غضبا لفلسطين وغزة .. فاذا به ماسح أحذية للغرب واسرائيل .. ولكن هذه الفرضية عن عدم امتلاك اسرائيل للسلاح الذري لاتزال تلقى استخفافا واستهجانا من الكثيرين ويحذر كثيرون من أن الاسترخاء والاستسلام لها غلطة عمر كبرى .. لأن عقل الاسرائيلي الذي يخشى الشتات والخراب لايمكن الا أن يفكر بخيار شمشون الانتحاري

..
ولكن هل يتراجع الاميريكون عن أهم مشاريعهم الذي سيقطع فيه رأس آسيا في سايكس بيكو 2 ويقطع فيه رأس التنين الصيني والدب الروسي ؟؟


الجواب هو أن المشروع مستمر بدليل السعي الغربي المستميت لادراج الاتفاق تحت البند السابع .. ولكنه ربما بدأ يتخلى عن صيغته العسكرية الاسلامية ولصالح الصيغة السياسية .. الا أنه قبل أن يرمي سلاحه الاسلامي يريد أن يتأكد أن سايكس بيكو 2 يتم تحضيره عبر طريق ناعمة ملساء وأنه دخل البيت السوري عبر مفاوضات جنيف التي بدأت ملامحها تتضح .. في جنيف 2 سيحاول الاميريكي وضع أول اساس ديمقراطي لسايكس بيكو 2 .. ومن يريد أن يعرف ماهي سايكس بيكو 2 فعليه أن يقرأ بعض كتابات الثورجيين ومنظّريهم .. ولكن أولى هذه الارهاصات ظهرت عبر كتابات مومياء الثورة ودونكيشوتها صادق جلال العظم الذي يبدو أنه يمهد لما يراد فرضه في جنيف من طبق عسل فيه نكهة التقسيم المؤجل

..
صادق جلال العظم المفكر المحنط والمومياء الثائرة .. تتصاعد من مجرد رؤية كتاباته أبخرة المومياء وينتثر غبارها بمجرد ملامسة قماشها الكتاني .. وصادق هو حالة جديرة بالاهتمام لأنه يتنطح تدريجيا لدور منظّر الثورة السورية ومرشدها الروحي والفلسفي ومحامي دفاعها الأول ويتقدم لسد الفراغ الفكري والعلماني بعد وفاة برهان غليون سياسيا ونهاية عزمي بشارة بشكل مأساوي ودراماتيكي .. لايزال صادق يعتقد أنه فارس على صهوة الفكر وسيكون له دور المخلّص (هانيبال) الذي سيخلّص الثورة .. وأن مايقوله نظريات مثل نظريات فيثاغورس .. ولايزال المسكين ينتظر ان تتمدد الجذور العثمانية من تحت الأرض وتنبثق لتنبت أشجارا في سورية ومصر .. الرجل الفيلسوف تحول الى مسلسل تركي مسلّ بالنسبة لي .. لم يعد يرى في الدنيا الا النموذج التركي صالحا لحل مشاكل العصر ومشاكل سورية ومصر .. ومشاكل الصراع بين الشرق والغرب .. ولم يقدر عقل المومياء أن يرى سقوط النموذج التركي في مصر وغرقه الى الأبد في نهر النيل .. ولم ير اندحاره في سورية بعد كل هذا التراجع الغربي .. ولم تلحظ عيناه المتعبتان المرهقتان تشقق النموذج التركي نفسه من الداخل .. ويتمنى القارئ لما يكتب صادق العظم أن يأخذه الى مصحة نفسية وعلاج مكثف من مرضه الطائفي .. فالرجل مسكون بشيء اسمه السنة والشيعة والعلويون .. ولايسكنه شيء آخر .. ليس في عظام جمجمته عظم واحد للحرية ولا للاستقلال ولا للكرامة ..وقراءته يشم منها ما قد يتم طرحه في جنيف كبديل عن عسكرة الثورة وتقسيم سورية بالسلاح .. الى طائف سوري لتقسيمها بالدستور .. والاصرار على عدم ترشيح الأسد الذي يردده الثرثارون هو استباق لشرط دستوري عبر عنه صادق جلال العظم عبر ماسماه ونحته من مصطلح اخترعه وهو .. انهاء العلوية السياسية

.. !!
في عظام مومياء صادق جلال العظم وأمثاله تكمن علة الشرق كله الذي يبحث أطباء القومية العربية عن علاج له ولم يجدوا منذ ان حط نابليون بعسكره قرب أبي الهول .. وهي تعبير عن المطلب الوحيد "لثوار الكرامة" في جنيف .. وهي ماسيكون على الطاولة

..
ربما كان الحريق السوري نعمة لأن النار أخرجت منا قبحنا وقبح مثقفينا .. والسكاكين مزقت أكياس قيحنا المخبوء في عظامنا وعظام الشرق .. وثقبت خزانات الصديد العميقة التي بدت كآبار النفط التي لاتنضب .. وتجلى القيح والصديد في قلوبنا في أن الحرية لم تكن يوما هاجسا لدى الشرقي بل ان هاجسه هو الله .. لأن العقل الشرقي لايرى في أي مشروع انساني أو حضاري الا أنه متعلق بأثواب الله .. فالثورة التي سماها ... هيثم المناع ثورة كرامة لم تكن ضد الديكتاتورية على الاطلاق لأن الثورة كانت تعبر عن عقدة شرقية فولاذية هي عقدة الدين والطائفة والاله .. وما ادعاء أن (النظام) قد دفع بالطائفية والصقها بالثورة الا حجة سخيفة لاتستوي مع العقل والمنطق والفطرة .. فمن المستحيل أن تلبس الثورة الحقيقية ثوبا ليس على مقاسها مهما حاول النظام تفصيل أثواب ليست لها لتلبسها .. فكيف لبست الثورة منتشية الثوب الديني بسرعة وكان على مقاييس جسدها بشكل مذهل .. ثم ارتدت القمصان الطائفية كما لو أن جسمها مفصل على مقاس ثوب الدين والطائفة؟؟ .. وكل من يقول بأن الانتكاسة الدينية والطائفية للثورة هي من تدبير (النظام) عليه أن يدخل غرفة معزولة لايراه فيها أحد ويسأل نفسه بصدق ان كان مقتنعا بما يقول ويحدّث نفسه بصوت عال ويسأل قلبه باخلاص عن السبب الرئيسي لهذا الحراك الديني وأجنحته الطائفية

..
كيف يمكن ان تستحيل ثورة للكرامة الى بركان ديني ودخان طائفي بسرعة خلال أسابيع؟ ..وكيف يمكن أن يركّب (النظام) أجنحة طائفية ومحركات اسلامية بسرعة فيما الشعار الذي يتم التجنيد فيه للثورة السورية منذ الأيام الأولى وعلى لسان القرضاوي وعزمي بشارة والعريفي وطيفور واردوغان ومرسي هو أن "أهل السنة يقتلون بيد العلويين" .. وهاهو حديث المومياء يؤكد على ذلك ..

" ..
فقط في برلمانات اوروبة كان الحديث يتم عن شعب ثائر ونظام قاس ديكتاتوري لغايات الترويج والتسويق الانساني قبل الولوج الى مصطلحات الحرب الأهلية .. ولكن كل الاعلام العربي والفضاء العربي والمصارحات الثورية دون استثناء لاترى في الصراع السوري الا سنة يقاتلون شيعة .. وشريعة تأكل شريعة .. وأن الله السني يحارب الله الشيعي .. لينال حريته وكرامته

!!!
تقول عظام صادق جلال العظم المتقيحة كلاما لايحلم به تيودور هرتزل نفسه: ان طائف لبنان قد أنهى المارونية السياسية .. وفي سورية يجب انهاء "العلوية السياسية" .. مصطلح جديد نحته صادق من عظام تيودور هرتزل وركّبه لنا عظمة عظمة ..وهو قلب جنيف 2 وعتبة سايكس بيكو 2 الذي سيفرض جدوله الأمريكيون وسيهرول خلفه ثوار المومياء .. وبتحليل هذه العبارة نجد أنه لايسكن جمجمة العظم التركي لرأس صادق العظم الا عقل تركي .. والعقل الثوري لايستريح الا بين أذرع العظام المتقيحة بالعثمانية السياسية والوهابية السياسية .. فهذا أكبر اعتراف من هذا الثائر المتزنر بالمنطق أن الثورة السورية هي ثورة المومياء الديني وليست ثورة الحرية .. مومياء عثمانية ووهابية لاتريد أن تبقى في مدافنها .. ولم تكن الثورة السورية بسبب المادة الثامنة ولا في وحدانية حزب البعث العلماني ولا في قانون الطوارئ الأزلي .. القضية كلها بالنسبة للثوار هي في شخص الرئيس ومذهبه بغض النظر عن نهجه وفكره وانتمائه الوطني .. فيما القضية كانت للأميريكيين هي في فكره ونهجه وبرامجه الطموحة الوطنية بغض النظر عن دينه ومذهبه .. وهنا التقت الرؤيتان الأميركية والثورية .. الرئيس الحالي لايوافق الأمريكيين في نهجه ولايوافق الثوريين في مذهبه .. ولذلك فان الثوريين سيتعاونون مع الأمريكيين في مقايضة النهج بالمذهب .. يسلم الأميريكي السلطة لأهل السنة ويأخذ باليد الأخرى نهج الرئاسة الوطنية .. ويأخذ كل طرف حصته بكامل الرضا .. يعني هذا نظريا أنه لو رشح الامام علي بن أبي طالب أو السيد المسيح للرئاسة في سورية فهذا سيكون خرقا للرؤية الثورية التي ستصوغ الدستور على اساس الوهابية السياسية التي ستتصدى لما يسمى العلوية السياسية لأنهما ليسا سنيي المذهب .. ولو كان صلاح الدين تاريخيا غير سني فان صلاته في بيت المقدس وتحريره مشروخ الهيبة وحطينه هي مجرد مغامرة مثل مغامرات حسن نصر الله

..
لايهم العقل العثماني المتقيح ولا يزعجه في المشهد السياسي السوري كله الا أن يكون الرئيس ليس من طائفة بعينها .. وهذا يعني أن الحكم في سورية والدستور السوري يجب أن ينص صراحة في طاولة جنيف على أن دين الرئيس ليس الاسلام كما هو الحال الآن (وهو دستور يمس المواطنة السورية في الصميم ويسلب المسيحيين السوريين الوطنيين حقهم الطبيعي في رئاسة الجمهورية عندما يكون لديهم مرشحهم الوطني) .. بل وفق دستور الصحابي الجليل جلال صادق العظم رضي الله عنه فان على الدستور أن ينص صراحة على أن مقام الرئاسة حكر ووقف خاص بالمذهب السني .. وهذه هي الترجمة الحرفية لعبارة انهاء العلوية السياسية .. واطلاق فصائل 14 آذار سوري متناحرة..

..
هذه العبارة هي التي تعني ان شرط عدم ترشح الرئيس لن يطرح لكن الدستور الجديد (العثماني) لن يمكنه من الترشح للرئاسة الا اذا كانت حصريا لطائفة بلا سلطة .. وبهذا يتم تفكيك أول حجر في بناء الدولة السورية عبر ازاحة نهج الرئيس باستعمال القضية المذهبية .. وهذه العبارة ستعني اطلاق الوهابية السياسية أو العثمانية السياسية والقضاء على المواطنة السورية الجامعة .. وستعني أن تكون الطوائف الأخرى بمرتبة الوصيفات لمقام الرئاسة .. وهذا يعني أن الدساتير القادمة يجب أن توزع الحصص السياسية على الطوائف وسيكون لكل وظيفة في الدولة طائفتها .. فطالما أن الرئاسة تم تفصيلها على مقاس المذاهب فستكر السبحة على كل المؤسسات بنفس الطريقة اللبنانية والعراقية .. علما أن الفرنسيين هم من أسسوا لخارطة لبنان ولمذهب المارونية السياسية .. ثم طعمه السعوديون بمذاق وهابي عبر آل الحريري الذين يتصرفون في لبنان كما لو كان زوجة من زوجات الملك عبد العزيز .. كما أن الأمريكيين وبول برمر تحديدا هم من أسس للطائفية الدستورية العراقية الحالية والتي جعلت العراق بلدا ممزقا بين الطوائف ومشلولا بين ايران والسعودية وتركيا يتلقى آلاف السيارات المفخخة ولايقدر على الرد أو جمع شتاته ليرد على من يرسل السيارات المفخخة من السعودية وتركيا

..
ان نحت هذه العبارة النشاز تشويه وتشبيه ظالم .. فالمارونية السياسية كانت مفروضة دستوريا من فرنسا وتمارس بشكل مقدس في لبنان .. وكان اتفاق الطائف للتخفيف من قداستها الدستورية وتحويلها الى مارونية وطنية تجلت في وطنية الرئيس ايميل لحود وصوفيته اللبنانية .. بل ان الطائف اللبناني كان عملية معاكسة تماما للمشروع الفرنسي في مارونية السياسة اللبنانية وهو ختما مناقض لما يريده صادق جلال العظم وأمثاله لأن طائف لبنان قايض المذهب لصالح النهج الوطني .. أما العلوية السياسية فهي اتهام باطل حقير ومن منتجات قاموس تركيا العثمانية والسعودية السياسيين .. وليست في الدستور السوري ولن تكون .. وليس لها أي ظل أو زاوية دستورية ولن يكون .. وليس لها صدى في الواقع السياسي السوري لأن السياسي السوري لايتخذ قرارا يراعي فيه طائفة على حساب أخرى بل المصلحة الوطنية السورية العليا .. والسوريون يعرفون أن مؤسسات الدولة السورية لايتم توزيعها أو تداولها وفق حصص طائفية كما لايتم حصر اي منصب رسمي بطائفة واحدة على الاطلاق بما فيه طبعا منصب الرئاسة كما هو مفهوم المارونية السياسية اللبنانية المخجلة

..
كم كان الله لطيفا بعباده بدحر هذه الثورة والوهابية العثمانية السياسية .. لأنه لو قدر الله وانتصرت لكانت كل طائفة اليوم تبحث عن زعيمها وحدودها الدستورية وحقائبها .. ويحدث شرخ اجتماعي يؤسس لدويلات طائفية .. ولكل طائفة زعيم ولكل زعيم مرجعية اقليمية .. فيصبح الشعب السوري الذي ثار لكرامته كما قيل .. له مرجعيات اقليمية في طهران وأنقرة والرياض .. وكلما جاءت انتخابات الرئاسة تبدأ الرحلات المكوكية بين العواصم الاقليمية لترضى العواصم قبل أن يرضى الشعب السوري

..
لايرى هذا المفكر من تحت قماش المومياء الذي يغطي عينيه أقدام الوهابية السياسية التي تطأ الدستور السوري بهذا الطرح.. ولا العثمانية السياسية .. ولا الصهيونية السياسية .. ومايريده هو استبدال طوائف بطوائف فقط .. اي انهاء العلوية السياسية واطلاق السنية السياسية بنكهة عثمانية لأنه من اصول تركية

..
وهاهو صادق جلال العظم يرقد في حفرة في تابوت المومياء مع ثورته ينتظر من يهيل عليه التراب .. ليدفن مع الوهابية السياسية والعثمانية السياسية والعلوية السياسية التي يروج لها .. ومعه حطام سايكس بيكو 2 .. ولتنهض سورية الواحدة الموحدة .. ودستور الوطن للجميع .. الرئيس للجميع .. والجميع للرئيس .. الرئاسة للجميع وسورية للجميع ..والجميع لسورية ..وهذا هو الأساس الوحيد لذهابنا الى جنيف

----------------------------------------------

الأثقال العثمانية تتفوق على وحشية رامسفيلد


لم أقدر على انهاء هذا المقال قبل أن أشير الى مايثير الغثيان في هذا المومياء والدونكيشوت العثماني الذي صار يدافع مستميتا بشكل حقير عن همجية الثورة وله اسلوب في منتهى الوقاحة والاستبداد واحتقار الانسان والوطنية .. فهو لايلجأ كغيره لتبرئة الثوار من الدم والعنف واللجوء الى اللعبة السمجة والدعاية الفاجرة باتهام النظام بكل المجازر والعنف والاغتصاب وتدمير الوطن السوري على رؤوس شعبه .. بل تقدم هذه المومياء الأعذار والمبررات الوطنية لقطعان المسلحين بأن عنفهم مقصود ومبرمج وله غاية دقيقة وذكية .. وان نهج التدمير ليس عفويا ومصادفة ورصاصا طائشا بل هو قلب الاستراتيحية الثورية لتدمير النظام .. لأن تدمير البلاد سيفضي الى تدمير النظام .. أي أن الثوار محقون في تدميرهم لسورية لانها الطريقة المثالية والوحيدة لاضعاف النظام المستبد

..
منطق ثوري يسجل له ماركة خاصة .. وقطعان الثوار تعمد الى تجسيد وصاياه بحذافيرها عبر تدمير غير مفسر لكل مايقع بين يديها .. ومن هنا يبدو أن التدمير الممنهج للبنية التحتية السورية ليس فكرة اسرائيلية صرفة بل لأفكار صادق العظم وأمثاله حصة .. وتبين أن الثورة تعي أن ماتفعله هو تدمير للبلاد ولكنه حلال شرعا لأنه يجب تدمير كل شيء .. الشعب والدولة والنظام والجيش والاقتصاد .. ولايمكن تدمير النظام وحده دون الشعب والدولة والاقتصاد والجيش معا .. شيء لايكاد يصدق لأنه حتى دونالد رامسفيلد كان يقول بخبث عند اجتياح العراق "اننا نقتل النظام دون ان نقتل الدولة العراقية لأنها ملك الشعب العراقي الذي يجب المحافظة على ثرواته التي نهبها صدام حسين ونظامه لاعادتها اليه" .. حتى دونالد رامسفيلد لم يتفوق على عبقرية صادق جلال العظم الذي يرى أن الثوار محقون وعبقريون في تدمير البلاد وادخالها في الكارثة والخراب طالما أنها الطريقة الوحيدة الناجعة لاضعاف النظام

..
أي أن نظرية صادق تعني أنه اذا نجحت المعارضة في الاستيلاء على السلطة فان من حق المعارضة القادمة المشروع أن تدمر البلاد من جديد طالما أنها طريقة تضعف النظام الذي لاتريده ومن حقها فبركة الكذب ومن ثم طلب التدخل الدولي والفصل السابع واعادة نفس المسرحية البكائية والكيماوية ونفس الجريمة ونفس العقاب .. ويعيدنا هذا العقل الموميائي الى تعريف غريب لشعوب الشرق العربية في أحد القواميس الاوروبية والذي ذكره الباحث الاسباني والمستشرق خوان غويتيسولو في كتابه (اسبانيا في مواجهة التاريخ .. فك العقد) والذي قال بأن ذلك القاموس الاوروبي يعرّف العرب "على أنهم مجموعات بدوية عنيفة متناحرة تأتي كل مجموعة وتعصف بمن سبقها دون رحمة وتدمر بلا تردد كل ماجاء به من قبلها.." وليس من شك أن جمجمة العظم تنتمي الى تلك المجموعات البدوية وليس فيها الا عقلها البدوي .. وهو يبارك لها انعاشها لعقله التركي ..ولاأزال أنتظر رأي صادق العظم في جهاد النكاح لأنه لن يقوم بالاعتذار عنه بل سيجد منفذا فلسفيا لتبريره انسانيا ..وثوريا .. لأن من يخترع مصطلح العلوية السياسية سيتاح له اختراع مصطلح من مثل: المرحلة الجنسية للثورات الشعبية ..النكاح الثوري مثالا..الذي لاشك أن اعلام الثوار ينشط هذه الايام في الرد على جهاد النكاح بالترويج لحفلات الاغتصاب التي يقوم بها الجيش السوري كما تفعل العربية (التي لاتذكر شيئا عن سوق بيع النساء الذي يقوم به السعوديون في معسكر الزعتري) ..

..
الأسئلة التي علينا مواجهتها منذ الآن هي التالية: هل ماحدث يعني أن الوهابية السياسية قوية لدرجة أنها انتصرت واجتاحت عقل شخص عاش في كنف الغرب وافكاره الفلسفية أم أن عقل صادق العظم وهابي أساسا وهو الآن يمارس جهاد النكاح مع الوهابية .. واذا كان هذا الشخص مثقوبا الى هذا الحد فماذا فعلت الوهابية السياسية بالدهماء والغوغاء؟؟ .. وكيف هزمت القومية وشعلتها العلمانية الناصرية في مصر بسبب سياسات الوهابية السياسية في المنطقة؟؟ .. وكيف هزم حزب البعث في العراق وتقاسمت تركته "الشيعية السياسية" و "الوهابية السياسية" و "العثمانية السياسية".. وكاد حزب البعث في سورية يخسر آخر معاقل العلمانية في الشرق .. وتتقاسمه الوهابية السياسية والعثمانية السياسية .. ودعي اليها الوليد الجديد الذي أخرج عنوة من رحم الثورة السورية على لسان العظم وهو "العلوية السياسية" التي تنضم كوليد جديد الى وليمة نهش الأوطان

..
يذكرني قول هذا المومياء العثماني صادق جلال العظم بقول القرآن الكريم "اذا زلزلت الأرض زلزالها .. وأخرجت الأرض أثقالها .. وقال الانسان مالها" .. لأن في التفاسير أن اثقال الأرض هي موتاها ومدافنها .. والزلزال الشرقي الذي حدث في الربيع العربي كان اللحظة التي تقيأت الأرض هذه المومياءات وأخرجت علينا أثقالها من هذه الشخصيات الميتة والمومياءات .. واليوم جاء الوقت الذي تعاد فيه الى التوابيت والمقابر .. فهلموا معي لدفن المومياء بلفائف الكتان ولدفن الموتى بالأكفان .. وأكثروا من ذرو التراب عليها وكونوا أسخياء في اهالة الردم على تلك الحفر وازرعوا أشجاركم السامقة عليها .. كي يخترق جذرها صدر المحنطات وعصائب المومياء وعيونها .. وتبقيها تحت الأرض ..الى الابد

  عدد المشاهدات: 1720
 
طباعة
شارك برأيك

الاشتراك بالقوائم البريدية
البريدالإلكتروني: