الأمل بالعمل



الأكثر زيارة
 الصفحة الرئيسية   الصحافة السورية  

المشاركة السياسية.. مفهومها وأشكالها
December 20, 2013 12:45

المشاركة السياسية.. مفهومها وأشكالها

 
كل الأخبــــــــــار - الوطن
ثمة إجماع بين علماء السياسة والباحثين المتخصصين في قضايا ومشكلات التحول الاجتماعي والسياسي، على الأهمية القصوى للمشاركة السياسية في عملية التمهيد والانتقال التدريجي من بنية معينة في الحكم وإدارة شؤون السلطة والبلاد إلى بنية أخرى، تقوم على التعددية الشاملة سياسياً وحزبياً وإدارياً وثقافياً وإعلامياً، في سياق توافق وطني عام. والواقع أن أزمة المشاركة السياسية تعد من أبرز الأزمات التي تواجه الأنظمة السياسية للدول النامية. فقد كانت ومازالت تشكل المصدر المباشر لتفشي حالة عدم الاستقرار السياسي بانعكاساتها السلبية على الحياة السياسية بشكل عام.
 
وإذا كانت هذه الأزمة ناجمة عن تزايد أعداد القوى السياسية الساعية للحكم، واتساع مجال تأثيرها في الحياة السياسية لهذه الدول، فإن العوامل النابعة من طبيعة العملية السياسية الجارية في أنظمتها السياسية تعد العامل الرئيس في نشوء هذه الأزمة أيضاً(1).
 
 
1- مفهوم المشاركة السياسية
المشاركة السياسية هي نشاط سياسي يرمز إلى مساهمة المواطنين ودورهم في إطار النظام السياسي. وتبعاً لتعريف صموئيل هنتنغتون وجون نيلسون، فإن المشاركة السياسية تعني تحديداً ذلك النشاط الذي يقوم به المواطنون العاديون بقصد التأثير في عملية صنع القرار الحكومي، سواء أكان هذا النشاط فردياً أم جماعياً، منظماً أم عفوياً، متواصلاً أم منقطعاً، سلمياً أم عنيفاً، شرعياً أم غير شرعي، فعالاً أم غير فعال(2).
وبدوره يؤكد الباحث عبد المنعم المشاط أن المشاركة السياسية شكل من أشكال الممارسة السياسية، تتعلق ببنية النظام السياسي وآليات عملياته المختلفة، حيث يكمن موقعها داخل النظام السياسي في المدخلات، سواء أكانت لتقديم المساندة للسلطة القائمة أم المعارضة، ولكنها تستهدف تغيير مخرجات النظام السياسي، بالصورة التي تلائم مطالب الأفراد والجماعات الذين يقدمون عليها(3). لكنه يشير في الوقت نفسه إلى أن المشاركة السياسية لا تقف في كثير من الأحيان عند حد مدخلات النظام السياسي، وإنما تتعدى ذلك إلى مرحلة تحويل المطالب، وخاصة إذا وجد أفراد أو جماعات قريبة من تكوين المؤسسات ومن نطاق عملها(4).
ويرى جلال عبد اللـه معوض أن المشاركة السياسية تعني في أوسع معانيها حق المواطن في أن يؤدي دوراً معيناً في عملية صنع القرارات السياسية، لكنها في أضيق معانيها تعني حق ذلك المواطن في أن يراقب هذه القرارات بالتقويم والضبط عقب صدورها من جانب الحاكم(5).
ويفرق معوض بين المشاركة بهذا المعنى والاهتمام من ناحية والتفاعل أو التجاوب من ناحية ثانية. فالاهتمام يعني عدم السلبية، حيث يشعر المواطن العادي أن الدولة والشؤون العامة والقرارات السياسية ترتبط بحياته ووجوده الذاتي تأثيراً وتأثراً.
وسواء أدى ذلك إلى استخدام حق معين في عملية اتخاذ القرار السياسي أم لا، فإن الاهتمام يظل مفهوماً مستقلاً عن المشاركة. أما التفاعل فإنه يعني التجاوب، حيث ينسى المواطن ذاته في نطاق الوجود السياسي. هذا التفاعل يشكل حلقة تتوسط الاهتمام والمشاركة. فالاهتمام قد يؤدي إلى التفاعل، وكذلك المشاركة تفرضه(6).
وتختلف أشكال المشاركة السياسية من جانب المواطنين في الدولة، تبعاً لاختلاف الأنظمة السياسية، حيث تتوقف مستوياتها على طبيعة النسق السياسي وتتخذ أشكالها وفقاً لنمطه، لأن كل نسق يتضمن العديد من الأدوار، التي يؤديها الأفراد داخله، كالمواطن الذي يتوقف دوره على الإدلاء بصوته في الانتخابات العامة، والسياسي المحترف وأعضاء الحزب النشيطين، حيث تنتظم العلاقة بينهم على أساس الترتيب الهرمي في شغل الأدوار، فهي علاقة تنظيمية تتحدد وفقاً لشكل المشاركة ومداها، أي الدور الذي يقوم به المشارك(7).
وتؤثر مؤسسات المجتمع المدني في الدولة عادة من خلال المجالس النيابية أو مجالس الشورى، أو الصحافة ووسائل الإعلام، وجماعات الضغط والمصالح المنظمة (Lobbies)، كما من خلال شبكات الاتصال غير الرسمية وغير المعلنة، كالجماعات القرابية وجماعات الزملاء والأصدقاء.
وقد تمارس مؤسسات المجتمع المدني تأثيرها في الدولة من خلال اللجوء إلى القضاء أو التظاهر والاعتصام والمقاطعة، أو أخيراً -وهو الأسوأ- باللجوء إلى العنف المنظم أو غير المنظم. ولكن المعنى الأكثر شيوعاً لمفهوم المشاركة السياسية، هو قدرة المواطنين على التعبير والتأثير العلني الحرّ في اتخاذ القرارات، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، أم من خلال اختيار ممثلين لهم يقومون بهذه المهمة. ولا شك في أن العلاقة السوية بين المجتمع والدولة، تنطوي على قدر كبير من المشاركة السياسية للمواطنين وتنظيماتهم (غير الحكومية) في اتخاذ القرار. أي إن المشاركة السياسية هي مؤشر تفاعلي لصحة العلاقة بين المجتمع والدولة. فبقدر ما تكون الدولة تعبيراً أميناً عن مجتمعها، تزداد المشاركة السياسية السلمية المنظمة لأفراد المجتمع في الشؤون العامة، سواء بصفتهم الفردية أم الجماعية، أو من خلال مؤسساتهم الطوعية(8).
وتعد المشاركة السياسية من سمات المجتمعات والأنظمة السياسية الحديثة والمتطورة. وتتمثل أهميتها وضرورتها باحتواء التشنجات التي تتولد من عملية التعبئة والتحولات الاجتماعية المرافقة لإجراءات التحديث السياسي والتنمية السياسية والاقتصادية. وهو ما يجعل منها عملية شاملة، بمعنى أنها عملية متعددة الأبعاد. فلا تنحصر أبعادها في حجم الضغط السياسي عن رغبة القوى الاجتماعية المتعددة الساعية إليها وإنما في مدى استجابة النخب السياسية الحاكمة لمشاركة هذه القوى ونطاق مشاركتها، ومن ثم في القدرات المؤسسية للنظم اللازمة لاستيعاب هذه القوى وحفظ الاستقرار السياسي وإدامته أيضاً.
وحسب رأي عدد كبير من الباحثين، فإن المشاركة السياسية تشكل المظهر الرئيس للنظام الديمقراطي، غير أن توسيع نطاقها دون التوسع بعملية المأسسة السياسية يحمل معه تهديداً خطيراً للاستقرار السياسي. ولاشك في أن عملية التعبئة الاجتماعية تعمل على رفع درجات الميل نحو المشاركة السياسية لدى القوى الاجتماعية، وتدفع بها باتجاه النظام السياسي من أجل التأثير فيه والحصول على مكانة أكبر في تطوره، ومن ثم على دور أوسع في الحياة السياسية، ما قد يؤدي إلى زعزعة الاستقرار السياسي، إذا ما عجز النظام عن استيعاب هذه القوى من خلال المؤسسات السياسية القائمة، أو تباطأ في بناء المؤسسات الجديدة.
فالاستقرار السياسي يرتكز على التناسب بين عمليتي المشاركة السياسية من جهة، والمأسسة السياسة من جهة ثانية. فلا يمكن ضمان الاستقرار السياسي إلا إذا تطورت المؤسسات السياسية بصورة تواكب التوسع السريع في المشاركة السياسية من أجل استيعاب القوى الاجتماعية، التي باتت تهتم بالحياة السياسية وتشارك فيها، كي يستمر الاستقرار السياسي، الذي كان سائداً قبل قدوم هذه القوى إلى ساحة العمل السياسي ودخولها في إطار النظام السياسي(9).
وبالتالي، فإن عملية التعبئة للقوى الاجتماعية باتجاه المشاركة السياسية والانخراط بالنظام السياسي بكثافة متزايدة، تقتضي ضرورة بناء المؤسسات السياسية اللازمة لاستيعابها، ومن ثم استبعاد إمكانية لجوئها إلى العنف لفرض مشاركتها على النظام السياسي الحاكم، عن طريق القوة وتقويض الاستقرار السياسي.
فالتحديث السياسي، إذاً، يستلزم بالضرورة إجراء تحولات مهمة في مركز، أو مراكز السلطة في المجتمع، ما يعكس درجة المشاركة السياسية والاستيعاب الإيجابي الفعال للقوى السياسية والاجتماعية المنخرطة حديثاً في إدارة شؤون البلاد.
إن هذه المشاركة يمكن أن تتم في أطر ومستويات مختلفة، تقوم بدور الآليات المناسبة لرعاية المشاركة الشعبية في العملية السياسية. وهي مشاركة لابد من أن يسبقها بالضرورة زيادة فاعلية المؤسسات والأجهزة السياسية وتخصصها.
 
2- العلاقة التفاعلية
بين المشاركة والعملية السياسية
عندما يجري الحديث حول المشاركة السياسية، فإنه يعني بالدرجة الأولى مساهمة المواطنين في العملية السياسية التي تجري في إطار النظام السياسي. وتنطلق هذه المقاربة من الربط الجدلي بين المشاركة السياسية والعملية السياسية، ولاسيما عملية صنع واتخاذ القرارات السياسية، لكون القرارات السياسية تمثل المحور والناتج النهائي لأي عملية سياسية، سواء كان موضوعها يتعلق بقانون أو بإجراء أو بسياسة ما(10).
وبهذا المعنى تصبح العملية السياسية بمنزلة القاعدة التي تنطلق منها كل ممارسات النظام السياسي، فضلاً عن كونها القاعدة التي تعتمد عليها درجة نجاح النظام السياسي في إنجازه وظائفه المختلفة. ولهذا تختلف العملية السياسية من ناحية تعقيدها ورشدها ودرجة شموليتها وسرعة تواترها وتحركها، من نظام سياسي إلى آخر، وذلك تبعاً لطبيعة النظام وطبيعة وظائفه وحجم العناصر الأساسية الداخلة في دائرة التفاعل لإنجاح العملية السياسية والتأثير في تشكيل نتائجها، الأمر الذي ينعكس تلقائياً على طبيعة القرارات السياسية التي تصدر عنها. ويتأتى هذا الاختلاف من كون العملية السياسية تتطلب توافر عناصر معينة وتتباين الأنظمة السياسية في قدرتها على امتلاكها، حيث ينبغي أن تستكمل في العملية السياسية الشروط الآتية(11):
أ - وجود المؤسسات السياسية الرئيسة وخلق التكامل المؤسسي.
ب- رسوخ التقاليد العملية للعمل السياسي.
ج- تطور أساليب وأدوات العمل المستخدمة.
وتتمايز الأنظمة السياسية بعضها عن بعضها الآخر بطبيعة العملية السياسية الجارية ضمنها. وتعد الشروط المؤسسية للعملية السياسية ذات أهمية قصوى، لكونها معيار التمييز بينها، فعلى قدر امتلاك المؤسسات والتكامل بينها تتوقف درجة ومستوى المشاركة السياسية. فهناك نمطان من العملية السياسية، هما العملية السياسية التي تتم عن طريق التفاعل المؤسسي، والعملية السياسية التي تتم عن طريق المؤسسات السلطوية.
مما تقدم يتبين أن المشاركة السياسية في الدولة، تعني أن المجتمع بتكويناته المختلفة، يمتلك القدرة على الـتأثير في اتخاذ القرارات ذات العلاقة المباشرة، بحياته ومصيره.
ويتراوح تأثير المجتمع المدني على الدولة من حالة إلى أخرى. ففي حده الأقصى يصل تأثير هذا المجتمع إلى عملية صياغة الدولة نفسها، واختيار النظام السياسي، وانتخاب الحكومة ومحاسبتها وتغييرها بصورة دورية مقننة. أما في حده الأدنى، فيكون تأثير المجتمع المدني شبه معدوم، ويقتصر الأمر على السخط الصامت، أو لجوء بعض المجموعات المناهضة للنظام إلى العنف والتدمير والاغتيالات، والخروج على قوانين الدولة، وعدم الالتزام بكل ما يصدر عنها، وصولاً إلى الخروج على المجتمع نفسه.
وحسب رأي عدد كبير من الباحثين، فإن المشاركة السياسية تشكل المظهر الرئيس للنظام الديمقراطي، غير أن توسيع نطاقها دون التوسع بعملية المأسسة السياسية يحمل معه تهديداً خطيراً للاستقرار السياسي. ولاشك في أن عملية التعبئة الاجتماعية تعمل على رفع درجات الميل نحو المشاركة السياسية لدى القوى الاجتماعية، وتدفع بها باتجاه النظام السياسي من أجل التأثير فيه والحصول على مكانة أكبر في تطوره، ومن ثم على دور أوسع في الحياة السياسية، ما قد يؤدي إلى زعزعة الاستقرار السياسي، إذا ما عجز النظام عن استيعاب هذه القوى من خلال المؤسسات السياسية القائمة، أو تباطأ في بناء المؤسسات الجديدة.
وعليه، فإن درجات المشاركة السياسية ترتبط بطبيعة البنى السياسية للأنظمة المعينة، ومدى ملاءمتها للنشاطات السياسية للمواطنين، ومدى انفتاحها على مساهمتهم الفعلية في العملية السياسية، أو بتعبير آخر بمدى توافر المؤسسات السياسية القادرة على استيعاب النشاطات السياسية للمواطنين. وفي المحصلة، فإن المشاركة السياسية إجراء نظامي يسمح به الهيكل السياسي للنظام القائم وهو أمر يختلف من دولة إلى أخرى ومن مجتمع إلى آخر. وستكون لنا وقفة أخرى لدراسة وتحليل أزمة المشاركة السياسية في الوطن العربي وأبعادها المختلفة.
 
الهوامش:
(1) حسين علوان البيج، «المشاركة السياسية والعملية السياسية»، المستقبل العربي، السنة 20، العدد 223 (أيلول /سبتمبر 1997)، ص 64.
(2) المصدر نفسه.
(3) انظر:عبد المنعم المشاط، التنمية السياسية في العالم الثالث: نظريات وقضايا (العين: مؤسسة العين للنشر والتوزيع، 1988)، ص 306.
(4) المصدر نفسه، ص 306.
(5) جلال عبد اللـه معوض، «أزمة المشاركة السياسية في الوطن العربي»، المستقبل العربي، السنة 6، العدد 55 (أيلول/ سبتمبر1983)، ص108.
(6) المصدر نفسه، ص 108.
(7) حامد عبد اللـه ربيع، أبحاث في النظرية السياسية(القاهرة: مكتبة القاهرة الحديثة، 1971)، ص 217-218.
(8) انظر: إسماعيل علي سعد، مقدمة في علم الاجتماع السياسي (الإسكندرية: دار المعرفة الجامعية، 1987)، ص 363.
(9) انظر: د. سعد الدين إبراهيم (منسق الدراسة ومحرر الكتاب)، المجتمع والدولة في الوطن العربي، مشروع استشراف مستقبل الوطن العربي (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، ط1، 1988)، ص185.
(10) المصدر نفسه، ص 186.
(11) عبد المنعم المشّاط، التنمية السياسية في العالم الثالث: نظريات وقضايا، ص 333-334.
(12) انظر: عبد المعطي محمد عساف، مقدمة إلى علم السياسة (عمّان: دار مجدلاوي للنشر والتوزيع، ط2، 1987)، ص 279.
(13) المصدر نفسه، ص 291-292.



  عدد المشاهدات: 2281

إرسال لصديق

طباعة
شارك برأيك

الاشتراك بالقوائم البريدية
البريدالإلكتروني: