April 27, 2013 12:58


بين ليلة وضحاها استفاقت أميركا على اكتشافاتها الاستخباراتية ولونتها حسب الطلب ووفق ما استجداه الأعراب وما تمناه الإسرائيليون مراراً وتكراراً.
وتولت ماكينة دبلوماسيتها بأذرعها المختلفة ملف الترويج الواضح لإبريق زيت‏ لم يبق فيه ما يمكن أن ينضح منه، ولا ما يمكن التعويل عليه لتعديل كفة المشهد أو للتلاعب بمسار القرينة الدامغة على التخبط الأميركي.‏
وفجأة تدفقت المعلومات على المسؤولين الأميركيين وتناوبت مصادر قرارها في رسم التوليفة السياسية المناسبة، حيث سارعت إلى نسج قصة تفاوتت في تفاصيلها وربما تناقضت في بعض تأويلاتها، لكنها تتفق على خط واحد يقود إلى رسالة خالية من التشفير المعتاد، مفادها بأن القرار الأميركي بالتصعيد مستمر، واللجوء لهذا المسار قد اتخذ، بعد أن لمست واشنطن عجزاً واضحاً في المسارات الأخرى، ولم تنفع معها رحلات كيري ولا زيارات هاغل، ولا حتى جولة أوباما.‏
فالأميركيون يعرفون وبالدليل القاطع أن فبركة قصة استخدام السلاح الكيماوي ليست وليدة اللحظة، ولا هي موضع نقاش استجدّ على دائرة الحدث، وتعلم إلى حد اليقين أن ما لديها من مؤشرات لا يكفي لإطلاق حملة سياسية من هذا النوع، لو لم تستجدّ تطورات لا علاقة لها بالسلاح الكيماوي، لأن الحكومة السورية هي التي طلبت التحقيق في استخدام الإرهابيين لهذا السلاح، ولديها من القرائن ما يكفي، ويتوافر بالضرورة لدى الأميركيين أيضاً ما يكفي من أدلة على ذلك.‏
وفي المقلب الموازي له، يعلم الأميركيون بأن استخدام هذا التفاوت في حدة التوظيف السياسي لإعادة خلط الحسابات، لن يحدث التعديل الجوهري في بنية الأوراق التي تمتلكها، لكنه قد يوفر لها بعض الوقت وبما يتيح لها المناورة لفترة أخرى على الجبهة السياسية، ريثما يحدث ما تنتظره من وعود وطمأنات أعادت اطلاقها، وهي تزحف أدواتها فرادى وجماعات في رحلة الحج للبيت الأبيض.‏
إذ لا يمكن لعاقل أن يتجاهل توقيت الاستيقاظ الأميركي المفاجئ على سيل المعلومات مع بدء الحجيج الأعرابي باتجاه البيت الأبيض، وخصوصاً حمد القطري الذي كان مع مرتزقته وإرهابييه أول من روّج للقصة وتبنى المعلومات، حتى قبل أن يتطرق إليها أي أحد في هذا العالم، وليست من باب المصادفة البريئة أن تبادر الماكينة السياسية الأميركية إلى النفخ في القربة المثقوبة، بعد أن لمست مدى التعب القطري من النفخ فيها وحيداً دون طائل، وتتلاقى مع نعيق بان كي مون الذي كان له دور مشهود في تسييس لجنة التحقيق وبالتالي حرفها عن مسارها.‏
وجاءت التباينات في التصميم الأميركي لزوبعة القربة الكيماوية، لتميط اللثام عن بقية التفاصيل التي رسمت في النهاية هذا التعرج في مخارج الطرح الأميركي، والذي يعكس تعرجاً أكبر في مدخلاته، حيث لم تستفد من مطبات الماضي ولم تنفع معها النصائح الاستخباراتية ولا الإرشادات الإسرائيلية.‏
فالأمر لم يكن بحاجة إلى توصيف، وكان فيه ما يكفي من مؤشرات على فهم الأبعاد الكامنة خلفه، لكن في الوقت ذاته تحضر فيه عدّة جوانب حمالة أوجه تحتاج إلى توقف وتمعن يتجاوزان ما يطفو على السطح من تناقضات في التوصيف الأميركي ذاته، وخصوصاً ما يحمله الإصرار الأميركي على الاحتفاظ بما تبقى من بؤر اشتعال تعتقد أنها كافية لافتعال المزيد من المعارك السياسية، كمقدمة لمغامرات أملتها نصائح الحجيج الأعرابي وطلبات الرؤوس الحامية في إسرائيل، خصوصاً أن واشنطن أدركت - بعد جولات التسخين السياسي في المنطقة - أن ما لديها لا يكفي للجلوس على طاولة المفاوضات، ولا بد من تحسين الشروط بأوراق إضافية حتى لو اقتضت التناغم مع الأعراب في قرع المزيد من طبول العدوان.‏
ما يمكن الاستدلال عليه لا يتعلق فقط بعودة النفخ الأميركي في قربة مثقوبة أخرى لا طائل منها، بل يتعداه إلى ما يمكن استنتاجه من نيات مبيتة وذرائع تخرج اليوم إلى العلن، وقد أفسحت المجال أمام تكهنات تدفع إلى الجزم بأن التهويل الأميركي ليس وليد حالة العجز فحسب، بل محاولة اقتناص في الفراغات السياسية لتعويض خسائره على مسرح السياسة، والتخفيف من هزائم أدواته في ميدان المواجهة.‏
لكن في المحصلة النهائية لا يغيب عن بال الأميركي أن حساباته التي لم تطابق وعود مرتزقته، ولا تمنيات أدواته طوال عامين ونيف، لا يمكن أن تصطاد في الوقت الضائع ما يحول دون انكفاء الأميركي سياسياً في نهاية المطاف، حيث تتبلور مواصفاته النهائية على وقع ما تحققه سورية في ميدان المواجهة مع الإرهاب، وأي معادلة خارج هذا السقف لا مكان لها في سورية، ولا يمكن لقوة في العالم أن تفرض تعاريف تتعارض مع أبجديات السوري التي تملي إيقاعها.‏
بقلم: علي قاسم



شارك برأيك

الاشتراك بالقوائم البريدية
البريدالإلكتروني: