الأمل بالعمل



الأكثر زيارة
 الصفحة الرئيسية   الصحافة السورية  

ستبقى سورية…!!-صحيفة الثورة
September 30, 2015 11:21

ستبقى سورية…!!-صحيفة الثورة

لا يكتفي الإعلام الغربي بمطالعات تنسف الحقيقة بعد أن لوى عنقها إلى حدّ الخنق على مدى السنوات الماضية، بل يعود إلى مسخها وإعادة تظهيرها لتتقاطع مع أجندات أطماع ساسته، ناهيك عن الشرح الأعوج والخاطئ للحالة القائمة، وما ترسمه من خطوط تقاطع في الصياغة السياسية والإعلامية مع تلك الأجندات التي تستهدف المنطقة وسورية على وجه التحديد في وجودها ومصيرها، وهي تروّج عن سابق إصرار لتلك الأطماع الاستعمارية البغيضة، التي لا تريد أن تصدق أن لا وجود لها إلا في أوهام ساستها وأحلامهم العبثية.‏

واللافت أنها جاءت بموازاة مقولات راجت في الآونة الأخيرة على لسان مسؤولين غربيين أو في سطور تقارير مراكز البحوث والدراسات الغربية عن الخرائط الجديدة في المنطقة، وما يتهدد بعض الدول لتطرح سؤالاً أكثر خبثاً من الترويج ذاته: ماذا لو اختفت العراق وسورية بالتزامن مع خطاب الإرهاب ذاته وترويجه لداعش و«خلافتها» المنتظرة غربياً، لتكون شاهداً إضافياً على خزي ساسته ومُنظّريه والكثير من أبواق إعلامه؟!‏

فالخطأ هنا لم يعد في قراءة الماضي بل يذهب إلى حدود الخطيئة في قراءة الحاضر وإلى مستوى الارتكاب والإجرام في قراءة المستقبل أيضاً، ولا يجد غضاضة في تحميل الأشياء ما لا طاقة لها على حمله، وفقط من أجل أن يوصل الرسالة التي عجز الإرهابيون عن إيصالها بكل ما مارسوه بحق السوريين على مدى أربع سنوات ونصف، والتي حاكت في مجملها وفق تعبير الرئيس بوتين جرائم النازية.‏

والأخطر حين يكون ذلك الرأي محمولاً على سبيل التحليل والاستنتاج ليصل في نهاية المطاف إلى تسويق صورة مقلوبة للواقع ومعكوسة بشكل لا يستفز العقل فحسب، وإنما يأخذ المشهد إلى سياق آخر مختلف، وتحديداً ما يتعلق بشرح المشكلة وأسبابها وأبعادها، وتسخيف عوامل الصراع القائم وتجاهل الأدلة والقرائن على الدور الخارجي والأطماع الاستعمارية المستيقظة من سباتها أو تلك المستجدة في الوظيفة الغربية وتفصيلاتها المختلفة، والتي تدفع هولاند إلى اللغو والثرثرة على وتر الحلم التركي الساقط بحامليه وواضعيه في منطقة عازلة أو غيرها من التسميات الدارجة في زمن العوَز السياسي.‏

لا نختلف على ما أعتقد في توصيف الدور الذي مارسته أوروبا في عهدها الاستعماري من فعل تخريبي، لم يكتفِ حينها بتقسيم ما هو موجود من دول عربية، ومحاولات محمومة لمحو ما تستطيع، بل أضاف إلى الخريطة ما يستوي من إمارات مع أطماعه وما يحقق جزءاً من مشروعه المستقبلي حين تعوزه الحاجة إلى ذلك، مع ترك ما يكفي من نقاط تفجُّر ذاتي تتحرك وفق الطلب الغربي، لكن هذا في نهاية المطاف كان أقصى ما استطاعت أن تحققه في ذلك الحين، وقد جرّبت بريطانيا مع نظيرتها الفرنسية أقصى درجات العهر السياسي، لتسقط مع حقائق الأرض والوجود والتاريخ، وهو زمن ولّى وأفل، وليس من قوة على الأرض قادرة أن تعيد الحياة إليه.‏

وفي الوقت الحالي ليس بمقدورنا إلا أن نختلف إلى حدود التعارض والتناقض والمواجهة المفتوحة على جبهات الصراع بأذرعه وأقدامه وأيديه، وإن تطلّب الأمر مع رؤوسه الحاملة لتلك النظرة القاصرة وهزالة واضعيها أو صانعيها وصولاً إلى مسوّقيها، وليس باستطاعتنا إلا أن نكون في الخندق المواجه والمحارب وقد صمدنا سنوات خمساً ولدينا الإرادة والمقدرة لنصمد خمساً إضافية ولعقود خمسة وإن تطلّب الأمر قروناً خمسة.‏

فإزالة الدول أو تقسيمها صناعة مفلسة في الحاضر والمستقبل، وهي ليست حالة عابرة أو سلوكاً يستجيب لتمنيات وأضغاث أحلام المهووسين، ولا هي محاكاة هزلية لخرائط تفترضها الأطماع وتتقاسمها الشهوات بالسيطرة والهيمنة، وقد قدمت تجارب التاريخ ما يكفي للجزم بأن خيوط المشهد لم تعد تحددها تلك الأطماع، ولا تؤطرها بقايا الفعل وما استجد منه على خلفية أربع سنوات ونيّف من العزف المشبوه على المصطلحات والتعابير وقد لاكت الألسن الغربية العشرات منها إن لم يكن المئات.‏

سورية كانت وستبقى موجودة ولا تنتظر مرجعية ذلك الوجود من ناقم هنا أو حاقد هناك أو طامع بينهما، ولا من مستعمر يجترّ أحلام يقظته المتورمة، ويحاكي تمنيات مرتزقته المهزومة، سورية كانت قبل وجودهم وستبقى بعد رحيلهم، فلا خريطة للمنطقة ولا للعالم إن لم تكن سورية تسوّرها، ولا وجود للحضارة إن لم تكن بصمات السوريين تزيّنها.‏

التاريخ بيننا.. وقد مرّ غازون وحالمون وطامعون ومجرمون وسفاحون وإرهابيون وقتلة، كما مرّ واهمون وساقطون ومولعون ومتمنون وموعودون ومنافقون وكاذبون وخائنون ومرتزقة وسفلة وساسة وقادة وأشباه ساسة ونصف قادة وكثير من صبية ومراهقي سياسة.. وكلهم رحلوا وبقيت سورية، وهؤلاء جميعهم خاسئون وراحلون، وستبقى سورية وستعود نابضة بشعبها.. بأرضها.. بوجودها.. بإنسانها الذي صمد وتحدّى وضحّى وقاتل واستشهد.. بخريطة أبجديتها الحضارية، وهذا ما يصعب عليهم أن يهضموه، وربما يستحيل أن يفهموه.‏

بقلم: علي قاسم

مشاركة
 



  عدد المشاهدات:

إرسال لصديق

طباعة
شارك برأيك

الاشتراك بالقوائم البريدية
البريدالإلكتروني: