الأمل بالعمل



الأكثر زيارة
 الصفحة الرئيسية   مقالات  

دمشق .. هانوي العرب بقلم : يونس أحمد الناصر
December 10, 2013 01:07

دمشق .. هانوي العرب بقلم : يونس أحمد الناصر

كل الأخبــــار - توب نيوز
لم يمر على مدينة في العالم ما مر على دمشق , أقدم مدينة مأهولة في التاريخ .
 دمشق مدينة باقية رغم أنف الغزاة والحاقدين , استمرت فيها الحياة استمرار وجود الإنسان في هذه الأرض , مرّ عليها الغزاة ثم رفعوا راية الاستسلام ,  فهي المدينة التي لا يستقر فيها غاز ولا تستكين لمحتل , إنها باختصار مدينة لأبنائها الذين يعرفون سرّها ويحفظونه , تمنحهم الحب فيبادلونها الوفاء , إنها دمشق حروف الشعر , وزقزقات عصافير الغوطة , وشموخ قاسيون , وتعانق المآذن مع الكنائس  .
 إنها مدينة لكل أبنائها من مختلف مشاربهم , موزاييك دمشق ليس مثله في العالم و أعني التعايش بين مختلف أطيافها و اعتزازها و أهلها بهذا التعايش الذي لا يقايضون عليه بكنوز العالم,  لاعتقادهم بأن الحب هو الكنز الحقيقي الذي يجب أن يحفظوه ويدافعوا عنه .
دمشق مدينة ساحرة لا يمتلك زائرها إلا الدهشة وهو يعبر سوق الحميدية ليتناول البوظة التي نسميها في دمشق ( بوظة عربي ) ,  مرورا بمقهى النوفرة خلف الجامع الأموي ليأخذ استراحة تتفوق على كل مقاهي العالم , وهل هناك مقهى في العالم  ما للنوفرة من ذكريات ؟
وتمضي بعد أن تكون قد تناولت بعض مناقيش الزعتر وامتلأ صدرك بعبق الياسمين , لتدخل في حواري دمشق القديمة وتشاهد إبداعات إنسان دمشق , الذي تضرب جذوره في عمق هذه الأرض عبر التاريخ المعروف للبشرية ويتجاوزه بكثير , لتصل بعدها إلى باب توما و باب شرقي مهد المسيحية الأول في العالم , تلج كنائسها فتعود بك الذاكرة آلاف السنين , فمن هنا انطلق الرسل لتبليغ رسالة الحب والتسامح رسالة السيد المسيح إلى أوربا التي كانت تعيش عصور الظلام .
 نعم فنور الحضارة انطلق من هنا إلى العالم , مئذنة جامع تعانق جرس الكنيسة بانسجام  , حيث يممت وجهك تجد الوجه السوري الحبيب يبتسم لك , انك لست غريبا فأهلا وسهلا بك , أنت في بلدك , ألم يقل أحدهم لكل إنسان في هذه الأرض وطنان وطنه الذي يعيش فيه وسوريا .
تعود في شارع آخر , بعد أن تحين منك التفاتة إلى الشارع الطويل أو ما يسمى بمدحت باشا , مئات المحلات التجارية تصطف على جانبي هذا الشارع الأنيق لتعرض كل ما يخطر ببالك من التحف والهدايا و الألبسة التراثية والعطورات و...الخ ,  مرورا بحارة اليهود الذين أقنعت الكثير منهم الدعاية الغربية والصهيونية لمغادرة جنّة دمشق والتيه مجددا , لتصل بعدها إلى باب الجابية,  فمن هنا انطلق أهل دمشق لدحر الصليبيين في معركة مرج الصفر( شقحب )  جنوب دمشق .
 وهنا خياراتك كثيرة من سوق البزورية والحريقة وسوق الخياطين أو باتجاه سوق النحاسين ( الذين يطوعون النحاس بإبداع الإنسان الدمشقي) تتجه غربا لتدخل باب السريجة بمحلاته التجارية التي تطفح بالخيرات و المطاعم الشعبية ومحلات الحلويات الدمشقية الشهيرة , ينتهي هذا السوق بجامع زيد بن حارثة ويتقاطع مع شارع خالد بن الوليد , نعم فشوارع دمشق كلها تحمل أسماء من  أثروا في تاريخ البشرية , تنعطف في هذا الشارع باتجاه مركز المدينة , لتطالعك محطة الحجاز بقامتها البهية في حي القنوات عند تقاطع شارع النصر مع شارع خالد بن الوليد , وهذه المحطة تؤرخ لقطار الحجاز الذي انطلق من دمشق إلى المدينة المنورة لنقل الحجاج القادمين من كل دول آسيا ,  ثم  تمضي باتجاه جسر فيكتوريا وحي الصالحية , دخولا إلى دمشق الحديثة والعصرية , ميمما شطر قاسيون الذي يحتضن المدينة و الذي يضم تاريخا غنيا من مزارات الصالحين , بدءا من سيدنا آدم الذي تؤرخ له مغارة الدم حيث قتل قابيل أخيه هابيل القصة الرمزية لصراع الخير والشر,  ومن قاسيون لابد انك ستأخذ نظرة إلى دمشق الوادعة الغافية في حضن هذا الجبل كالأب الحاني ويمتد بصرك لترى المزّة و كفرسوسة و ساحة الأمويين و غيرها من أحياء دمشق , لتغريك بالاقتراب والمشاهدة عن قرب .
إنها دمشق القلعة , إنها دمشق بردى , إنها دمشق الغوطتين , إنها دمشق الياسمين , إنها دمشق اليوم بماضيها التليد وحاضرها المجيد , للضيف تقول أهلا والسيف لمن يريد الشر بدمشق و أهلها .
دمشق يا أخوتي  حسد الحاسدين , وعبر تاريخها تعرضت للكثير من هجمات الطامعين , و لكنها لم تستسلم لأي منهم , كلهم جاؤوا و اندحروا ولكن دمشق باقية رسوخ قاسيون .
واليوم جاؤوا دمشق كعادتهم و اندحروا على أبوابها , ولكن الأدهى هذه المرة إنهم استعملوا أدوات من الداخل السوري باعوا أرواحهم للشيطان الوهابي  بحفنة من الدولارات ,  وكانت الهجمة أشد و أشرس من سابقاتها فقد وظفت لها وكالات الاستخبارات العالمية الكثير من الإمكانات, من وسائل إعلامية حازت في فترة من الفترات ثقة المواطن العربي ورصدت لتنفيذ هذا المخطط الجهنمي مليارات الدولارات ,  ولكنهم سقطوا مع مخططاتهم ودولاراتهم أمام وعي المواطن السوري الذي استطاع  أن يعري أهدافهم ويفضح مخططاتهم بسرعة قياسية و استطاع إسقاط هدفهم الرئيسي وهو تفتيت سوريا على أسس مذهبية وإخراج سوريا من معادلة الصراع مع عدو الإنسانية الكيان الصهيوني الغاصب,  واندحروا على أبواب دمشق كانحدار النازية على أبواب ليننغراد وصمدت دمشق بوجه أشرس  هجمة عرفتها في تاريخها الطويل صمود هانوي – فيتنام في وجه الآلة الهمجية الأمريكية المجرمة... فاستحقت دمشق لقب – هانوي العرب بجدارة .
 



  عدد المشاهدات: 3441

إرسال لصديق

طباعة
شارك برأيك

الاشتراك بالقوائم البريدية
البريدالإلكتروني: