الأمل بالعمل



الأكثر زيارة
 الصفحة الرئيسية   مقالات  

توازن الرعب والردع بين سورية والمملكة العربية الاسرائيلية .. الرعود تنتظر الذبيحة.... بقلم نارام سرجون
December 18, 2013 01:57

 كل الأخبار - مقالات :

ليس توازن الرعب هو فقط ذلك الشعار الذي تحقق على الحدود الفاصلة بين لبنان والاحتلال الاسرائيلي .. لكنه شعار ينتقل الآن الى الصراع بين السوريين والغزاة من التكفيريين والوهابيين ..
 المشكلة هنا ليست في تحقيق توازن رعب بل هي في تحقيق توازن الدناءة مع المسلحين .. والسكين بالسكين ..والذبح بالذبح .. والهمجية البهيمية بالهمجية البهيمية .. وهذا مالايمكن أن تستدرج اليه الدولة الوطنية السورية .. ولكن اياكم أن تتخيلوا أن الدول تتردد في قول كلام فاصل حاسم حتى لمن لايعرف الا الدناءة .. واياكم أن تتخيلوا أن الدولة السورية لايعنيها ان تقول كلمتها لمن لايفهم سوى لغة الرعب .. فلديها علاج وترياق يوازن هذه البربرية ويعيدها الى القفص ودون ان تلوث يديها وفمها بالدناءة الثورية .. فالأمم التي تخترع الأبجديات تقدر على أن تخترع الردع بالغضب الراعد على أكمل وجه .. أما الدول المولودة بالزنا عندما يثمل الزمن وينام في فراش الصدفة فانها قد تصاب بالجنون والنزق والسكر .. وهي دول مارقة بطبيعتها مثل أميريكا وكيانها الاسرائيلي والمملكة العربية الاسرائيلية المسماة "السعودية" .. وشتان مابين الرعد الرادع والنزق المجنون للزانيات..
في بداية الأحداث في سورية كان من الواضح أن من يقوم على ادارة المتمردين اراد ان يخلخل سمعة الدولة السورية وجهازها الأمني مستفيدا من التجربة اللبنانية عندما قتل الحريري وتم احراج الأجهزة الامنية السورية وضباط الأمن اللبنانيين وحشرهم في زاوية الاتهامات والاعتقال والاستجواب ولجان التحقيق بعد أن كانت هذه الأجهزة هي التي تقوم على عملية الملاحقة الأمنية للعملاء والمطلوبين الخطرين وهي التي كانت تقوم على استجواب المتهمين وحشرهم في الزاوية ..فاذا بها تتحول الى قيادات متهمة وفي السجون ..
انكفأت القيادات الأمنية بسرعة بسبب ذلك الهجوم العنيف على الشخصيات الأمنية التي أدارت الملف اللبناني حيث ارتفعت عمدا وبشكل مدروس اصوات المطالبة بمحاكمتها وتم تجريدها من سمعتها وهيبتها بتداول أسمائها كمطلوبين وسجناء يتداولهم القضاة الدوليون والتحقيقات والشائعات والاعلام الخبيث .. وهذا الانكشاف الأمني وغياب الرادع النفسي شجع الفوضى وأغرى التمرد وصار نمو الفوضى والسلاح والتيارات الدينية السلفية في كل لبنان بلا حدود ولاضوابط ولعبت الطبقة السياسية اللبنانية في تيار المستقبل وعائلة الحريري دور الراعي والحامي لهذه الفوضى والتشهير بسلاح المظلومية التي مارستها الأجهزة الأمنية السورية واللبنانية التي تعاونت معها..
في بدايات الأزمة السورية كان هناك اصرار ملحوظ على التحرش بالأجهزة الأمنية لاستفزازها وتوريطها في الدم من أجل احراجها دوليا وبالتالي اجبارها على الانكفاء - وفق النموذج اللبناني - تحت الضغط الاعلامي الشديد والنقد اللاذع من"منظمات حقوقية دولية".. لافساح المجال أمام الراغبين بالمشاركة لتوسيع المظاهرات عندما تضطر الأجهزة الأمنية للتراجع وترك الشارع للفوضى الثورية .. ولكن ترافق ذلك أيضا بسياسة الهجوم العلني المسلح على الأجهزة الأمنية من قبل أفراد مدربين جيدا على الاشتباك المسلح ومن ثم تصوير مشاهد الاعتداءات على مقار الأجهزة الأمنية بل واختطاف عناصر أمنيين لتصويرهم تحت تحقيق وتعذيب قاسيين كنوع من الدعاية لكسر هيبة الجهاز الأمني وتصويره ضعيفا أمام الناس يتعرض للقهر والتحقيق والعنف المذل لينمو شعور الخائفين بالقدرة على التمرد والتحدي .. وكي يتحرك الناس يجب أن يزول ذلك الغطاء من الرهبة من جهاز الأمن .. ثم ظهرت سلسلة عمليات انتحارية استهدفت المراكز الأمنية تم تصويرها على انها من عمل النظام لتبرير الفتك بالثورة رغم أن كل الناس حتى المتحمسين للثورة كانوا يعلمون أنها لايمكن ان تكون من تدبير النظام .. لكن تحدي الأجهزة الأمنية بعمليات عنيفة كانت الغاية منه اسقاط هيبتها وكسر الشعور الداخلي لدى كثيرين من أن هذه الأجهزة لم تعد تخيف .. ولم تعد الفرائص ترتعد من دخولها والشفاه لم تعد ترتجف من مجرد المرور بجانبها بل ان هذه الأبنية الأمنية ترتعد من مرور أحد بجانبها .. ففي زمن مضى كان هناك رعب حقيقي من استدعاء الى فرع أمني فهو قد يعني الغياب الطويل في المجهول لأن الشائعات والأقاويل التي كانت المخيلة الشعبية تنسجها حول كل دخول الى ظلام الفروع الأمنية ومجهولها جعلت الداخل مفقودا والخارج مولودا ..
الى جانب محاولة انزال الجهاز الأمني عن عرش الهيبة التي تربع عليها لم تتلكأ غرف العمليات الغربية في دفع القوى المتمردة الى محاولة الاستيلاء على ذلك العرش باشاعة جو من الرعب والهلع لدى المدنيين بأن من ينتقد الثورة سيلقى عقابا صارما وسيعرض حياته للخطر وربما حياة ابنائه وعائلته .. لتتقمص بحماس الدور القديم لسمعة أجهزة الأمن عن دراية وقصد .. ولم تتردد في وضع قوائم علنية للتصفيات الجسدية لمواطنين عاديين بحجة انهم شبيحة .. وكلما تسنت لها الفرصة قامت باختطاف المدنيين الذين لاناقة لهم ولاجمل سوى انهم لايزالون مترددين بالانضمام للثورة المقدسة او انهم يجاهرون بعدم تحمسهم لها .. ثم تطورت عملية القمع الثوري العنيف الى مستوى في غاية العنف عندما كانت تقوم بعمليات سحل جثث المواطنين في الشوارع وتصوير اعدامهم أمام الكاميرات .. ورغم سخاء الوحشية والبربرية والعنف فان منظمات حقوق الانسان والمنظمات الغربية التي تراقب الأداء الديمقراطي للمتصارعين قلما وجهت انتقادات واضحة للثوار واكتفت بتوزيع العنف على النظام وماسمتها "بعض فصائل المعارضة المسلحة" ولكن اغماض العين كان مفهوما على أنه موافقة ضمنية وغطاء على سياسة البطش الثوري لأنها الطريقة المثالية لقمع الوطنيين السوريين الذين صاروا تحت التهديد بالبطش الثوري ..لأن من أسباب نجاح الثورة هو اخراج الجمهور العريض من المعركة وتحييده بالرعب والموقف السلبي من التدخل والتحول الى شاهد زور على مايحدث رغم رؤيته للزور والتزوير الدنيء وانكشاف النهج العنيف للمعارضة التي تفتك بالناس بلا رحمة .. ومجزرة عدرا الأخيرة التي يهلل لها الثوار ويتباهون بها ويتناقلون البشائر بها هي سياسة منهجية ومتعمدة وترجمة دقيقة لفهم الاسلاميين ولفلسفة الغزو الديني القائمة على مفهوم خاص لعبارة مجتزأة من سورة الأنفال (... ترهبون به عدو الله وعدوكم) .. ولذلك يتسابق الثوار الى التقاط الصور وهم يقطعون الرؤوس ويحملونها وهم يكبرون كالوحوش والقبائل البدائية ويجزون الأعناق بحماس منقطع النظير أمام جمهور مسعور تحول الى قطيع من البهائم .. وصار الثوار يبتكرون كل يوم طرقا في الاعدام والتعذيب والقتل العشوائي .. أخجلتنا جميعا من الحضارات .. ومن الأخلاق .. ومن الأمم .. ومن الله .. ومن سورة الأنفال ..
لكن عملية العنف الأعمى وصلت الى مرحلة غير مسبوقة هستيرية تريد فرض توازن رعب تشرف عليها السعودية مباشرة دافعها الجنون من فكرة أن كل هذا الذي بذل وحشد لم يسقط النظام السوري ولا خيار الشعب السوري ولا يبدو أنه تزحزح قيد انملة .. ويستنتج المراقب الى أن هناك اصرارا على اشاعة الرعب الأقصى من وحشية المسلحين وكأن ذلك كان تشجيعا على انزال العقوبة الجماعية بالشعب السوري لرفضه ابتلاع فكرة الحرية الفوضوية التي يرعاها الناتو والمملكة العربية الاسرائيلية ..السعودية ..
وكان من الواضح أن العنف الثوري يستند الى لامبالاة الرأي العام الخارجي المقصودة بضحايا الدولة الوطنية .. فتصرف القتلة من المسلحين بشعور كامل بالاطمئنان الى انهم مطلقو اليد بمعرفة ومباركة القوى الدولية ذات السطوة الاعلامية التي نسبت اعمالهم كلها الى الدولة السورية .. فالغرب يغمض عينيه كلما اقترف المسلحون مستوى قياسيا من الوحشية وتجلى ذلك بعد تمثيلية المجزرة الكيماوية في الغوطة التي نفذها المسلحون ومرت دون معاقبتهم لأنها كانت ذريعة مطلوبة للتصعيد .. مثل مجزرة الحولة وبابا عمرو ومجزرة جسر الشغور ومجازر الساحل وخان العسل وعدرا .. ولكن الغرب كان يظهر الغضب ويرغي ويزبد كلما قيل ان الدولة السورية كانت مسؤولة عن هجمات ضد المدنيين وكأنه حريص على دم المسلمين والمدنيين رغم أن ماتقتله الطائرات من غير طيار الأمريكية من المدنيين المسلمين الباكستانيين والأفغان يصل الى بضعة آلاف سنويا وهم في أعراسهم أو مدارسهم وبيوتهم ومساجدهم حتى صارت العاب الطائرات الأميريكية تثير حتى حرج واشمئزاز الأميريكيين لأن بعض عمليات القتل كانت بسبب لامبالاة العسكريين الأمريكيين والذين كانوا يمارسونها بسادية وبتهور حتى عندما كان مستوى الثقة من دقة المعلومات المتعلقة بالهدف لايجاوز 25% .. وعرضت احدى المحطات الغربية جنودا امريكيين يتسلون باطلاق الصواريخ على أهداف اختاروها وهم يقامرون بالمراهنات أمام شاشات الكومبيوتر على اصابة الأهداف التي بدت أحيانا كما لو أنها لعبة كومبيوتر يقتل فيها اللاعب الوحوش أو يصطاد فيها اللاعب طيورا وطرائد ..
للأسف فان مايسمى بالعنف الثوري الأعمى يلقى تفهما شديدا من المتعاطفين مع المسلحين ومديحا ضمنيا من الكثيرين الذين يزيدون من مستوى العنف عبر الدفاع عنه كونه كما يقولون نتيجة لظلم الدولة وبأنه الرد الأمثل لعنف الدولة ومجازرها حتى اكتسب السلوك الثوري البهيمي صفة القداسة فهو لاينظر اليه الا على أنه جزء من غضب الله وقصاص الله بيد الأحرار .. وانهمك هؤلاء يفتشون في كتب التاريخ لتبرير العنف الثوري بأنه ضرورة من ضرورات الثورات الأساسية .. حتى أن بعضهم اعتبر أن الثورة لايمكن أن تكتمل صفاتها ولاتكون ثورة مالم تكن حمراء تمارس العنف ومنتهى الوحشية ويستفيضون في استعراض الثورات الفرنسية والبلشفية .. ولكن في قرارة نفوس هؤلاء كانت هناك رغبة جامحة لاتقاوم في أن ترهب الثورة الناس جميعا بسلوكها المتوحش وتثني قطاعات واسعة من الناس عن الاعتراض عليها لكي تتربع على عرش الرعب دون منازع وأن يخشاها الناس وأن تكسب هيبتها من دمويتها وسياسة العقاب الجماعي البهيمي الذي تمارسه .. فالطريق الى الحكم هو الافراط في ارهاب الجمهور ليفسح للثورة في الطريق ..لأنه بزعم هؤلاء لم تنجح ثورة شعبية ضد الديكتاتورية في العالم بالسلمية من الفرنسية الى البلشفية الى الايرانية .. وثورة غاندي السلمية ليست ثورة لأنها كانت ضد محتل وليس ضد طاغية !!

المشكلة التي تواجه الدولة الوطنية السورية دوما هي أنها لاتستطيع الرد على الوحشية بوحشية مماثلة من منطق دورها الدستوري والوطني كحامية للقيم المدنية للمجتمع السوري ومستقبله .. ولايمكنها أن تتورط في العنف البربري المفرط الذي تستدرج اليه .. ولعل الأهم ان درس الثمانينات الذي يردده البعض ليس درسا يعتد به وهو درس صغير فاشل بمقاييس الحلول الجذرية لأن الدولة ردت على عنف الاخوان المسلمين في الثمانينات بعنف مفرط فانفرط عقدهم وتاهوا في أربع رياح الأرض لكن الحقيقة هي أن تلك المعركة كانت هزيمة عسكرية فقط لم يتم فيها استئصال الفكر الاسلامي المتطرف العنيف بل بترت ذراعه وثعابين رأسه دون أن تقطع رأس الميدوسا .. ماحدث في الثمانينات أن بذور العنف الاسلامي وأبواغه انتثرت ونامت تحت رماد المعارك وتم تأجيل نهوضه من جديد الى حين هذه المرحلة ..وكل هزيمة عسكرية له هي هدنة ..
الدولة السورية الحالية لاتريد الحاق هزيمة "عسكرية" مؤقتة فقط بالمشروع الديني السياسي على غرار الثمانينات على يد القوات الخاصة بل تريد تحقيق هزيمة نهائية وشاملة واقتلاعا عسكريا واجتماعيا من الشروش للاسلام السياسي من الثقافة السورية عبر جعل هزيمته علي يد "الشعب والجيش" معا بعد أن كانت هزيمته العسكرية مرحلية لا استئصال فيها للفكر السياسي الاسلامي بل قصقصة لأجنحته العسكرية .. فالجذر الايديولوجي العميق للاسلام السياسي بقي في تراب المجتمع بحكم الشعور العام بحقه المشروع في الحكم وبمظلوميته التي ادعاها باكيا اثر هزيمته العسكرية الماحقة .. وهاهو ينبت من جديد وقد شققنا قلبه فظهرت منه الوهابية السياسية كنهج اجتماعي يجتاح التنظيم السياسي .. ولذلك فان ادارة الصراع معه حاليا أخذت أخطر الأشكال على الاطلاق لأنها صراع لاقتلاع الجذر نهائيا مع الأذرع العسكرية وحرث لأرضه بالملح كيلا تقوم له قائمة بعد اليوم ولاتنبت فيه نبتة ..انها فرصة تاريخية لاتفوّت ..
الجيش يتولى عملية قطع الأذرع والرؤوس واشراك الشعب السوري في اتخاذ قرار الاستئصال الايديولوجي كان للوصول الى الجذور العميقة للمشكلة الدينية في المجتمع .. ويمكن تسمية الهدف الرئيسي للدولة هو (الاجتثاث الكامل) في استفادة من تقنية الغزو الأمريكي التي لجأت الى اقتلاع البعث من المجتمع العراقي في عملية (ديبعثيفيكيشن) وزرع نبتة شيطانية هي الوهابية الاجتماعية المنتشرة وخاصة فيما كان يعرف بالمثلث السني المتمرد الذي كان "البعث" هو النموذج السياسي المسيطر قبل عقد من الزمن .. ولذلك كان قرار الدولة في هذه المعركة خوض معركة شرسة جدا لتطبيق (اجتثاث الاسلام السياسي) من سورية عسكريا واجتماعيا والحاق هزيمة مزدوجة مميتة عسكرية وشعبية بحيث لاتقوم له قائمة بعد اليوم لأنه تبين ان الاسلام السياسي تحول الى مطية غربية وبغال تجر عربات المدافع الغربية والصهيونية وهو ديناميت بجوار القلب ..
موت المشروع الاسلامي السوري سيعني امتداد الموت الى الجذور الاخوانية في الاقليم المجاور كله وبالذات الجذر السلجوقي الشمالي وفروع الاسلام السياسي في لبنان (المستقبل) وفلسطين (حماس) .. ومن هنا تريثت الدولة الوطنية لاطلاق الاستئصال العسكري والثقافي الاجتماعي على مدى عامين .. فالمشروع السوري الطموح سيطيح بكل اسلاميي الاقليم واسلاميي المستقبل ..
السبب في هذا الطموح هو أن عملية تسويق الثورة السورية الاسلامية نجحت في البداية في اقناع شرائح كثيرة أن المشروع الاسلامي هو نهج في الحكم فقط وليس امتدادا لنهج اجتماعي ظلامي صحراوي متخلف لاينسجم مع نموذج الحياة السورية.. وكانت عملية التصدي العسكري له ستحيي تذكيرا بمظلوميته المزعومة في الثمانينات وسقاية له لينمو اكثر وينتشر كالنار في الهشيم ليكتسح المجتمع في ظل رعاية اقليمية ودعاية سوداء خبيثة وذكية للغاية .. ولكن تمكنت أعصاب الدولة الفولاذية من محاصرة النهج والشرائح الوهابية التي تحولت الى جزر معزولة تمارس العنف المنبوذ ... ولذلك نجد أن التيار الديني الأصولي مستقتل في هذه المعركة وهو يحس أن جذره بدأ يغادر ترابه على غير توقع .. فبالغ في العنف ضد الشعب ورأى الجميع قذائف الهاون والمدافع وقنابل اسطوانات الغاز العشوائية ورأى الناس الهستيريا في مجزرة عدرا .. وهذه الرعونة في العنف سببها احساس القيادات الدينية للمشروع الاسلامي بأنه يمر بمرحلة حساسة لأنه بدأ يلمس المجاهرة الشعبية الواسعة وخاصة في البيئات الدينية السورية بلفظ اطروحاته بعد ان تورط في عملية الضغط والمساومة على البلاد وتسبب برعونته في جر البلاد الى كارثة كان بكل سهولة يمكن تفاديها لو تحلى ببعض الشجاعة السياسية..
الجدل الكبير يدور في أروقة الدولة السورية منذ فترة بين قانونييها ومشرّعيها وأولئك الذين يشرفون على رسم استراتيجيات مشروع الاستئصال النهائي للايديولوجية السياسية الدينية .. البعض يرى ان الحكمة تقضي باستئصال الاذرع العسكرية دون تأخير حتى ولو تأخر اقتلاع العنصر الايديولوجي لأن الحسم العسكري سيوفر مناخات تميت الايديولوجية السياسية الدينية .. ولكن البعض يرى اننا قد نضيع فرصة العمر لاقتلاع كل شيء دفعة واحدة اذا لم يتم اشراك الشعب والجيش معا في عملية الرفض واللفظ والتقيؤ لأن النتيجة هي تجربة خاصة بالشعب السوري وخلاص ابدي من فكرة عودة الاسلاميين الى مجتمع لايمكن ان يقبل بمغامرة أخرى بعد 30 عاما أخرى تتكرر في دوروية المزاج الديني وحسب رغبة رعاة البغال .. ويدور صعودا وهبوطا كما أجنحة الطواحين بلا نهاية .. فالطاحونة وجناحها مع الطحين يجب التخلص منهم والقاؤهم في البحر .. وليس فقط أجنحة الطواحين ..
الدولة في معركتها لاستئصال نهائي للتيار السياسي الديني تخوض حربا ضروسا ولكنها في مواجهتها للفشل الأخلاقي للاسلام السياسي لايمكن ان تلحق به الى أرض الفشل الأخلاقي فترد على السكين بالسكين وعلى الذبح بالذبح .. لكنها تدرك أنها بحاجة الى اشاعة فلسفة "الردع الوطني" أيضا ضد العنف الهستيري .. وهذه معادلة صعبة للغاية لأنها تريد الرد على عنف البربرية الفوضوي بطريقة رادعة ليست مهمتها قتل المسلح فحسب بل ردع الباقين عن غواية حمل السلاح ومغامرة التمرد عبر الوصول الى الرادع النفسي .. والتأكيد على أن الدولة لا تتهيب الرأي العام الغربي ومنظمات حقوق الانسان .. والأهم أن العقاب المطبق بحق القتلة يجب أن يساوي نفس مستوى الجريمة ..ليس أقل منه ..وهذه الرسالة بالذات يجب وضعها في بريد المسلحين ان كانوا يقرؤون ..أو افهامهم اياه بالتي هي أحسن ..
المعترضون على انطلاق فلسفة الردع الوطني للعنف الاسلامي يشككون في حكمة هذا السلوك في سياق أزمة وطنية والذي تصفه قيادات سياسية بأنه فكرة غير جذابة بل مروعة لاعتماده اظهار قسوة القانون ويد الدولة على الارهابيين والقتلة .. فهو بالفعل قد يبرد القلوب المحتقنة ويهدئ من نار الغيظ والرغبة بالقصاص لكنه سيزيد من مستوى العنف في المجتمع الذي لاتنقصه مشاهد الموت .. ولن تزيده رؤية المشانق وسماع احكام الموت والاعدامات الميدانية الا بعدا عن روح العصر والمدنية .. وهي خطوة الى الوراء في عملية بناء الدولة العصرية والديمقراطية ..ولكن النقاش الذي دخل مرحلة حاسمة يبدو أن "الصقور القانونيين" فيه هم الذين سترجح كفتهم بسبب مجزرة عدرا لأن هؤلاء استندوا الى أن المشرّعين الأميريكيين مثلا أعادوا النقاش حول تشريع التعذيب قانونيا في مداولاتهم ومؤلفاتهم الكثيرة بعد أحداث سبتمبر .. لأنهم رأوا أن التعذيب ان كان أداة فعالة لانتزاع اعتراف مجرم قد يمنع اعترافه جريمة ومذبحة ارهابية كبرى فانه يدخل في اطار العمل القانوني لخدمة الصالح العام وهو ضروري وواجب ..ولذلك لابد من التساهل مع عنف الدولة لاستئصال عنف الاسلاميين ..
ويقال ان الدولة قد تكتمت على بعض الحالات بسبب الحيرة في الموقف القانوني والأخلاقي الذي يجب اتخاذه .. ففي احدى الحالات قام سكان احدى القرى في ريف حلب (لم يتم ذكر اسم القرية منعا لعملية ثأر همجية) بتمزيق أحد الارهابيين التونسيين الذي وقع بين أيديهم بالصدفة حيث ربطه القرويون من ساقيه بين جرارين زراعيين وجروه باتجاهين متعاكسين حتى شطر الى نصفين .. فيما قام قرويون في حماة بقطع الأعضاء الذكرية لمسلحين اثنين معتقلين لأنهما كانا ضمن مجموعة قامت بأعمال اغتصاب وخطف .. حيث هاجمت الجموع الغاضبة السيارة التي يتم نقلهما بها وانتزعت المعتقلين بالقوة قبل أن تقوم باقتلاع أعضائهما الجنسية بالسكاكين .. وكانت الدولة تتكتم على هذه الحوادث وتوبخ الجهات التي وقعت هذه الأحداث تحت سلطتها لأنها تخشى من تفشي عادة الثأر الشعبي والعنف الشعبي الذي سيسبغ عليه البعض لقب (الردع الشعبي) الذي لن يمكن ضبطه وسيتحول الى تغذية للعنف المجتمعي الذي يغذيه التمرد الحالي سلفا .. ويصبح ثقافة غالبة على ثقافة الخضوع للقانون وسلطة الدولة والقضاء..
مفهوم "الردع الوطني" ليس عودة للدولة البوليسية ولاحالة قانون الطوارئ ولا سلطة محكمة امن الدولة العليا لكنه استباق لفوضى الثأر وانفلات العواطف الشعبية الجامحة .. فما قررته الدولة من انتهاء مرحلة المدرسة الأمنية التقليدية والقمع الكلاسيكي لاتراجع عنه وسيحل محله الانتقال الى مرحلة "الردع الوطني" الذي يرفض المسؤولون تسميته بتوازن الرعب لأن الدولة لاتقبل بالتوازن والمقارنة مع مجموعات من القتلة ولاتبادلهم ممارسة الرعب لكنها ستتفوق على ذلك بما تسميه "ردع الدولة" .. وهو أسلوب يدخل ضمن اطار حق الدولة والمجتمع في اقتلاع حالة الرعب التي يثيرها المسلحون عمدا في أوساط المدنيين العزل لنشر ثقافة دموية مرعبة تدمر اطمئنان المجتمع ..
والبعض يرى فائدة عظيمة في اعلان عمليات الاعدام الميداني للقتلة الذين تورطوا في عنف هستيري والمحاكمات العلنية للمسلحين الخطرين وتعليق المشانق في الساحات الرئيسية أو تنفيذ احكام الاعدام في نفس أماكن الجرائم التي نفذها القتلة ويراها ضرورة وطنية لايستطيع أحد الاعتراض عليها بل ستعزز من شعور المواطنين السوريين بالرضا وتقلل من حالة الاحتقان الضاغطة على مشاعرهم وهم يرون تمادي المسلحين في تدمير البشر والحجر .. ويدللون على أن أميريكا نفسها سخرت من حقوق الانسان في غوانتانامو .. بل هي التي كانت تروج لقصص الثأر المرعب من مسلحي القاعدة .. ففي أثناء غزو أفغانستان تروي الشائعات غير الموثقة أن القيادات الأميريكية غضت الطرف عن حادثة قيل فيها أن عسكريا أميريكيا القى القبض على احد المسلحين السعوديين الذي أقر رفاقه الأفغان انه قد ذبح بنفسه خمسة من الجنود الأفغان وامرأة اتهمت بالتجسس لصالح الجيش الأمريكي .. فأمر الضابط الأمريكي أحد المعتقلين الأفغان المرافقين للسعودي بأن يمسك سكينا ليذبح بها ذلك السعودي ففعل دون تردد وفصل رأسه عن جسده .. وفي حادثة أخرى قيل بأن أحد الجنرالات الذين تكتمت الصحافة عن سلوكهم قام بدهس 7 من مقاتلي طالبان بالدبابات وهم أحياء ليتردد بين الأفغان معنى أن الوحشية الأمريكية بلا حدود وأنها لن ترحم .. ولكن هذه السلوكيات الغربية كانت نهجا رسميا ظهر في ابو غريب والذي كانت الغاية من تسريبه القاء الهلع في قلوب العراقيين واذلالهم واظهار أن لدى العقلية الأمريكية قدرة على تحقيق الرعب الأقصى .. رغم أنه نشر على الملأ أيضا في سياق تنافس قوى داخل الادارة الامريكية لاحراج بعضها ..
وفي سياق جدل كبير بين الجنرالات الأمريكيين حول الوسيلة الناجعة لثني التمرد في العراق جاء فريق اسرائيلي متخصص بالمقاتلين العرب من خلال خبرته الفائقة عبر تعامله مع المقاتلين الفلسطينيين .. وكانت النصيحة هي أن العربي لايكسر ظهره الا أهله وعرضه .. ونوهوا عن معرفة غنية بالشخصية والتاريخ العربيين الى أحداث تاريخية .. والغريب أن معركة بواتييه (بلاط الشهداء) بين شارلمان وعبد الرحمن الغافقي أوردت مثلا من أن المقاتلين العرب الاشداء انكفؤوا الى الخلف عندما علموا أن شارلمان قد أغار على مؤخرة جيشهم حيث عائلاتهم ونساؤهم .. فالعربي لايذله الا أهله .. وأسلوب الابتزاز بالأهل هو اسلوب اسرائيلي بامتياز .. ولذلك اتبعته القيادات العسكرية الأمريكية في العراق .. وقامت باعتقال نساء المقاتلين وأبنائهم وهددت بانتهاكات جنسية ضدهم .. وفعلت في أحيان كثيرة كما ظهر في أبو غريب الذي كان سجنا للاهانة الجنسية والشرف..
ولايغيب هنا قرار اعدام الرئيس صدام حسين لأنها اصرت على اعدام الرئيس صدام حسين علنا ونشرت صور اعدامه لاشعال الفتنة الدينية .. ولكنها فعلت ذلك ايضا لالقاء الرعب في قلوب المواطنين العرب من أن رمز قوتهم واعتدادهم قد تم اعتقاله كالجرذ وشنقه في يوم العيد فمابالكم بقتل كل من يعترض على الارادة الأمريكية؟؟ !! .. وبالطبع كانت هذه رسالة مزدوحة لأن الرؤساء والملوك العرب قد وصلتهم الرسالة على عناوين بريدهم من أن من يتمرد منهم سيلحق بمشنقة صدام حسين .. ويالطبع لايشك احد أن امر اعدام الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي بهذه الوحشية الحيوانية صدر من الغرب ويحمل نفس الرسالة المرعبة الى نفس العناوين ..الشعبية ..والعناوين الملكية .. والجمهورية ..
ربما صار من حق الدولة الوطنية السورية ممارسة حق الشعب السوري في اطلاق سياسة الردع الوطني وهو مغاير للرعب والترهيب الثوري المتوحش البهيمي .. لكنه حق طبيعي من باب القصاص الضروري لمشاعر الجمهور .. ولكن كيف ستطلق الردع الوطني الصارم وفي نفس الوقت تقوم بحماية المجتمع من انفلات العنف كسلوك عام وثقافة شارع؟؟ هذا ماسيعرفه المسلحون وداعموهم قريبا وسيكونون أول شهود عيان على سياسة الردع التي ستقلب ميزان الرعب .. وتجعل ذبّيحة المعارضة يتخلون راضين عن مباهاتهم بسياسة الذبح الثوري على الطريقة الاسلامية .. لأن القصاص الذي سيحله فيهم الردع الوطني سيعلمهم أن الدول تعرف كيف تمارس القصاص على أصوله .. وبالطبع ليس على طريقة العين بالعين والسكين بالسكين والذبحة بالذبحة .. لأن الدولة السورية دولة لاتتعامل بمنطق الانفعال والانجرافات الدونية المنحطة ..
ومالفت نظري في محاولة تحليل ذلك عبارة لأحد التقارير الخاصة الذي قال بأن الأيام ستثبت أن الدولة السورية ستقوم بتنفيذ العنف الأقصى ضد المسلحين "بيد غيرها" .. ولم أفهم هذه العبارة خاصة أنني قرأت شبيها لها في أحد التقارير الغربية العابرة .. لكنني عندما قرأت بعض مايطرحه الخبراء الغربيون ربما كان بامكاني الاستنتاج أن من سيقوم بالعنف الأقصى مع المسلحين هم المسلحون أنفسهم .. وربما بيد الأجهزة الدولية التي ترعاهم !! ..
وقد يوصلنا هذا الى فهم أكثر من سؤال طرحه أحد رجال المخابرات الغربيين الذين زاروا دمشق منذ فترة وعقدوا اجتماعات أمنية كثيرة وهامة وتقدموا بمجموعة من الطلبات المتعلقة بمعلومات عن شخصيات غربية خطرة تم اختفاء اثرها في سورية ولايعرف ان كانت قد عادت الى الغرب أم توجهت لجبهات أخرى أم قتلت أم اعتقلت أم لاتزال تقاتل في سورية .. ويعتقد انها تسيطر على شبكات غربية نائمة خطرة للغاية لكنها شبكات تتمتع بسبب طيبعتها فائقة السرية بآلية تسيير ذاتي ..
ويخشى هؤلاء القادة الأمنيون من أحد احتمالين .. الأول أن يؤدي غياب القيادات السلفية الخطرة التي ربما وضعت عليها المخابرات السورية اليد أو على وسائل تسييرها الى نشوء مايسمى بهجرة هذه المجموعات نحو أهداف أخرى في أوروبة وغيرها بسبب لعبة استخباراتية تقوم بها أجهزة استخبارات سورية وايران وربما روسية عبر السيطرة على أجهزة التحكم ومن خلالها تتم السيطرة على المجموعات الاسلامية لتسييرها بعكس اتجاهها نحو روسيا بل نحو أعداء روسيا طالما أنها روبوتات رخيصة ..
الخشية الغربية هي أن تكون هذه القيادات الدينية قد صارت تحت سيطرة مطلقة لأجهزة مخابرات الخصوم والتي ستتحكم من خلالها بالشبكات النائمة في الغرب التي يتابع الغرب عديدا منها لكن لايزال بعضها غامضا بالنسبة له .. ومايطرح الآن دون مواربة في اللقاءات الأمنية الغربية التي نقلت كهواجس حقيقية هي ان تطاول الأزمة السورية أعطى السوريين ميزة الاقتراب والاحتكاك مع المجموعات المسلحة ودراستها أكثر ومعرفة اسلوبها وعقلها مما يعني أن الفجوة الأمنية التي أحدثتها عدة أجهزة استخبارات غربية قد تم تداركها في سورية وأن العقل الأمني العريق في سورية وايران قد تمكن بعد ثباته الطويل من امتطاء ظهر التنظيمات الدينية كما يمتطي مروضو الثيران الهائجة ظهورها حى تصبح تحت سيطرتهم بالتدريج .. فعقل المخابرات الحاذق عادة لايكترث بتدميرالثيران الهائجة وقتلها بقدر مايهتم ويعمل على امتطائها ومن ثم استعمالها وتوجيه قرونها حيث يشاء .. فحكمة العسكري هي (اقتل الثور الهائج) .. وعقل رجل المخابرات يقول له (لاتقتل الثور الهائج بل امتط ظهره لترويضه) ..
مايخشى هو ان نشاط هذه الشبكات الغربية لن يكون مثل مايزعم أنه انفلات اسامة بن لادن لأنه لن يكون تماما تحت العين الغربية هذه المرة كما حال القاعدة التي كانت دوما ربيبة السي آي ايه .. وان حدث انفلات هذه المجموعات الدينية في أوروبة فلن يكون انفلاتا ساذجا بل مدربا بشدة ومشحونا بألاعيب عدة أجهزة مخابرات تنسق فيما بينها وصارت تعرف لعبة الاسلاميين وروبوتاتهم..
الفريق الأمني الغربي الذي أمضى عدة ايام في دمشق عرض كما ذكر مطلعون تقديم ملفات كاملة عن الاسلاميين السوريين ونشاط المعارضين جميعا في الغرب لأنهم تحت المجهر والأجهزة الأمنية الغربية تتابعهم مثل ظلهم في المساجد وكل اللقاءات والمراسلات .. والمفاجأة أن الزوار الغربيين أبدوا تفهما ملحوظا للحاجة الى العنف الأمني الوطني في موازنة سياسة زرع الرعب من المسلحين ضد المدنيين ..
كلما ازداد الهجوم وهستيريا العنف ازددنا ثقة اننا في موقعنا الصحيح المتوازن .. فنحن من اخترع التوازنات كلها .. من مفهوم التوازن الاستراتيجي مع العدو الاسرائيلي الى توازن الرعب بين حزب الله والجيش الاسرائيلي .. واليوم نحن من أوجد مفهوم توازن الردع الوطني في مواجهة هستيريا العنف وهو الذي سيصيب الذبيحة بالرعب .. وكل من يباهي بذبائحة سيمسك بالسكين ليذبح نفسه .. كيلا يتذوق غضب الردع الوطني .. والرعد الغاضب آت .. والحر ان وعد صدق .. وان غدا لناظره قريب ..



  عدد المشاهدات: 1667

إرسال لصديق

طباعة
شارك برأيك

الاشتراك بالقوائم البريدية
البريدالإلكتروني: