الأمل بالعمل



الأكثر زيارة
 الصفحة الرئيسية   مقالات  

نظرة لما وراء استهداف النقاش لسعادة والسوريين القوميين؟.. بقلم : أحمد رفعت يوسف
February 09, 2014 14:58

نظرة لما وراء استهداف النقاش لسعادة والسوريين القوميين؟.. بقلم : أحمد رفعت يوسف


لفت نظري كثيراً استهداف الأستاذ أنيس النقاش للحزب السوري القومي ومؤسسه أنطون سعادة دون غيره من الأحزاب في كل إطلالة إعلامية للنقاش كان آخرها قوله " إن أنطون سعاده قد أتى بأفكار غربية لمنطقة عربية".


أنا شخصياً يعجبني النقاش وأتابعه في كل لقاء له لعدة أسباب لعل أهمها علمي أن لديه معلومات ويقدم شيئاً جديداً في كل إطلالة له غير التنظير الإعلامي الخالي من المعلومات الذي يقدمه معظم المحللين السياسيين ولدى النقاش القنوات التي تزوده بالمعلومات وتحديداً القنوات الإيرانية سيما وأن إيران الآن تعلب دوراً كبيراً في محيطها الإقليمية وسيكون لها الشأن الكبير في المنظومة الدولية الجديدة التي تتشكل من رحم الأزمة السورية وبشكل سيجعل إيران من الدول العظمى في هذه المنظومة وفي العالم.
لكن استهداف النقاش لسعادة والقوميين دون غيرهم يجعل السؤال مشروعاً عن سر هذا الاستهداف وأسبابه وإلى أين يصل ولماذا سعاده والقوميون وليس غيرهم.
من خلال متابعتي الحثيثة للتطورات الجارية في المنطقة وتوقعاتها المستقبلية أرى أن موقف النقّاش لم يأت من فراغ وله أسبابه الحقيقية وهو أعمق بكثير من مجرد موقف من محلل سياسي يأتي من خلفية فكرية معروفة وأرى فيه نتاج قرار استراتيجي اتخذ في مكان ما وتحديداً في إيران لكن امتداداته تطال المنطقة كلها وهو يتعلق بمستقبل المنطقة والتغيرات العميقة التي تشهدها والتي سينتج عنها على المدى المتوسط (5-10 سنوات) منطقة جديدة مختلفة كلياً عما هي عليه الآن جغرافياً وسياسياً واجتماعياً ودينياً.
إن نظرة هادئة وموضوعية لتداعيات الأزمة السورية تؤكد أن البنى التي قامت عليها هذه المنطقة تتداعى كعمارة تقع في منطقة إستراتيجية على وشك الانهيار وهناك أكثر من جهة تتسابق لاغتنام الفرصة لإشادة بناء جديد مكانها وهذه الأساسات المتداعية يعود بعضها لترتيبات سايكس بيكو وبعضها لعدة قرون وتحديداً لمعركة كالديران بين العثمانيين (الأتراك) والصفويين (الإيرانيين) والتي انتصر فيها العثمانيين وفتحت الباب أمام إقامة الإمبراطورية العثمانية لكن بعض هذه الأسس يعود أيضاً إلى أبعد من ذلك ليصل إلى وجود الإسلام وحتى ما قبل ذلك.
يدور الصراع على إعادة البناء بين المشروع الصهيوني الغربي الاستعماري, والمشروع العربي المشرقي الذي تحدث عنه الرئيس الأسد بقوله "نسعى إلى مشرق عربي جوهره المقاومة" مع التأكيد على أن هذا الصراع هو صراع وجود لابد أن ينتهي بانتصار طرف وانكسار طرف آخر إن لم يكن بالضربة القاضية فبالنقاط العالية.
يجب التأكيد هنا إلى أنه لكل من المشروعين أذرعه وامتداداته الإقليمية والدولية التي تتصارع فيما بينها حيث يدخل ضمن المشروع الصهيوني الغربي مشاريع إسرائيلي الكبرى - العثمانية الجديدة – الإسلام الصهيوني (الوهابية والأخوان المسلمين) أما المشروع المشرقي فيدخل فيه القومي العربي – التمدد الشيعي – السوري القومي (بلاد الشام).
ومع انتصار الدولة السورية فقد أصبح من المؤكد نجاح المشروع المشرقي لتبدأ الآن تطفو على السطح ملامح الصراع بين أطراف المشروع الواحد على هوية هذا المشرق الجديد الذي بدأت ملامحه بالظهور.
بنظرة موضوعية للأطراف الثلاثة التي تشكل أسس المشروع المشرقي نستطيع التأكيد أن المشروع القومي العربي مجسداً بفكر البعث تلقى ضربة قاسية بفعل تداعيات وهم الربيع العربي والسقوط المدوي لفكرة القومية العربية - على الأقل في المرحلة الراهنة - ليبقى في الساحة المشروعين القادمين بقوة إلى سورية والمنطقة ككل (بلاد الشام والرافدين) وهما الفكر الشيعي والسوري القومي.
من هذه القراءة الهادئة للحراك العميق الذي تشهده المنطقة والذي سيحدد هويتها ندرك الخلفيات التي تقف وراء استهداف النقاش للسوريين القوميين ونستطيع التأكيد أنه ليس من باب التحليل السياسي وإنما تنفيذاً لقرار يجب أن نعترف بأنه ذكي وواعي لما يجري في المنطقة ومدرك لتداعياتها المستقبلية.
إن ما يهم التأكيد عليه هو أن هذا الحراك يأت في سياق تطور منطقي ومشروع خاصة وأنه يقوم على أسس فكرية وقيمية وليس على أسس دموية كما هو حال المشروع الصهيوني الغربي وخاصة في ذراعه الوهابي التكفيري والأخواني الإقصائي.
أنا شخصياً أرى أن هذا الحراك لن يكون على أساس وجودي (منتصر ومهزوم) وإنما سيكون برابحين لأنها قادمين لملء فراغ أكثر مما هو لفرض هيمنة إقصائية حيث المشروع السوري القومي جاء ليملأ الفراغ الذي يتركه تراجع البعث والفكر القومي العربي أما المشروع الشيعي فيأتي ليملأ الفراغ الذي يتركه خسارة الوهابية والأخوان المسلمين.
إن نظرة لسورية (بلاد الشام) المستقبل أراها (بقوة الإرث الحضاري والتاريخي والتعددي) دولة علمانية يجعل من السوريين القوميين (بفعل قوة المنطق وجاذبية الفكرة) مع البعثيين (المستمرين بفعل قوة السلطة) مع بقايا شيوعية وناصرية وعلمانية أخرى مهيمنين على الحياة السياسية في سورية مع تمدد شيعي في سورية وخاصة إلى أرياف حلب وإدلب والجزيرة مع بقاء هيمنة الإسلام السني (الشامي المعتدل) في مراكز بعض المدن مما يجعل كفة الطرفين متعادلة وينهي لعدة قرون مقبلة الأغلبية العددية للإسلام السني في المنطقة لكن هذا لا يعني بأي حال من الأحوال تمدد ولاية الفقيه لتشمل بلاد الشام لأن بلاد الشام هي تاريخياً مصدرة للعقائد والأفكار ومؤثرة حتى بالقوى التي جاءتها على مدى التاريخ ولم يسبق إن ذابت يوماً بفكر أو عقيدة أيا كانت حتى ولو كان التمدد الشيعي متوقع وصوله مستقبلاً حتى سواحل الأطلسي.



  عدد المشاهدات: 1585

إرسال لصديق

طباعة
شارك برأيك

الاشتراك بالقوائم البريدية
البريدالإلكتروني: