الأمل بالعمل



الأكثر زيارة
 الصفحة الرئيسية   مقالات  

الاخصاء الذهني لعلاج جهاد النكاح .. الفصل بين العلم والسياسة ...بقلم نارام سرجون
March 11, 2014 15:06

 

أصدقكم القول بأنني احترت في هذا المقال من أين أبدأ .. هل أبدأ بالحديث عن الجرح النرجسي للمعارضين العرب؟ .. أم هل أبدأ من التشابه بين توكل كرمان وريم تركماني في حالة الخصاء الذهني .. ؟؟ أم أحدثكم عن الفصل بين العلم والسياسة قبل الفصل بين العلم والدين أو بين الدولة والدين ؟؟
سنذهب اليوم في رحلة فلكية .. لنطل على بقعة حمراء بلون الدم على سطح كوكب "المشتري" السياسي للمعارضة السورية .. ودعوني أطلق تحذيرا لمن يرغب بالسفر في هذه الرحلة بأنها رحلة مواجهة مع كائنات غريبة عنا مخصية ذهنيا .. ومصابة بالجراح النرجسية .. الاكسجين قد ينفذ أثناء الرحلة لكثرة الحاجة اليه ونحن نتنفس خطابات مسمومة مريضة .. وقد ينفذ الصبر ونحن نحاول اكتشاف هذا الكوكب ذا البقعة الحمراء للمعارضة .. ولكن الاكتشاف والمعرفة يستحقان هذه المغامرة ..
فعندما كنت أرى المعارضين العرب على اختلاف مشاربهم كنت أحس أنني أبحث عن طريقة لفهم هؤلاء الذين ينتجون هذا الفكر الوطني الرث وهذه التناقضات العجيبة في تقديم الحلول العجيبة لمجتمعاتهم والتي لايمكن وصفها الا بالعاجزة المصابة بعاهات خلقية والتي هي حلول كارثية بامتياز لاتأتي الا بالمآزق .. جعلت الديكتاتوريات تشمت بنا جميعا.. وكانت أمامي المعارضة العراقية نموذجا فريدا يستحق الدرس والتحليل عندما انهمك العراقيون في مشروع "استيراد الحرية" وتفصيلها في مصانع التكنولوجيا الغربية كما لو كانت أزياء أو سيارات رباعية الدفع .. وكنت أتعجب من هذه الحرية المستوردة التي تجرها الدبابات الأمريكية بينما كان ذهن عتاة المثقفين العراقيين وكثير منهم من حملة الشهادات العليا يتفتق عن مقايضة ساذجة تبرعوا فيها باختراع معادلة "النفط مقابل الحرية" وكأن الحرية تشرى بالنفط !! .. رغم أن اللبيب كان يعرف أن رعاة البقر القادمين من تكساس متخصصون جدا في تدمير الشعوب والحضارات وأنهم لم يدخلوا بلدا الا نكبوه ومزقوه اربا... ورغم اننا نصحناهم الا أن المثقفين العراقيين "لم يستبينوا الرشد" الا في ضحى السيارات المفخخة والانقسامات المذهبية والعرقية شاقوليا وعموديا وتصدعات وصلت الى الصفائح التكتونية للارض العراقية والى ألواح حمورابي نفسها عبر الزمن ..
ولكن سبحة المعارضات العربية كرّت .. وسارت جميعها على نفس الدرب العراقي الذي اعتقدنا انه نسيج وحده .. وتبين ان المشكلة ليست في العراقيين وحدهم بل تكويننا السياسي الذي لم يكتمل وتجربتنا التي لم تنضج .. وفي عودنا المعرفي الغض والطري .. والساذج .. الذي يمارس السياسة المقهورة فيتقهقر أكثر .. وكان لابد من دراسة هذه الظاهرة العربية الفريدة في التاريخ في استجلاب الحرية واستيرادها محملة على ظهور الدبابات وفي علب الناتو والتي تنتج عن عقلية متقهقرة .. ومقهورة حضاريا ونفسيا ..
كنت أحتاج الى مفتاح سحري يفتح لي أسرار هذا الجيل الذي ينتج المآزق والكوارث ..والى كلمة سر تفسر هذا الانتحار الجماعي الذي تقوده مجموعة متهورة موتورة من المعارضين العرب .. وربما وجدت ضالتي في كتاب قرأته منذ سنوات عن "سيكولوجية الانسان المقهور" للدكتور مصطفى حجازي .. ويعتقد القارئ للوهلة الأولى أنه كتاب لمحاكمة الديكتاتوربات التي تقهر مواطنيها .. ولكن القارئ الذي يغوص فيه بعمق يدرك انه محاكمة للنظم الثقافية والأسرية .. والموروثة ..ومحاكمة للاستعمار قبل الديكتاتوريات .. بل انه قد يفسر سبب انتاج الديكتاتوريات وانتاج المعارضات الرثة التي تمارس الديكتاتورية اكثر من الديكتاتوريات ..وهنا يكتشف القارئ كلمة السر .. بأن التخلف بلاء لايقتصر على قاع المجتمع بل يجتاحه شاقوليا أيضا .. ونستطيع أن نفهم التناغم والتفاهم بين راكبي سيارات الدوشكا في شوارعنا والمكبرين عند الذبح .. وبين حملة شهادات جامعية من الغرب يرون في القتلة ثوارا .. وفي الفوضى مشروع نهوض .. والحقيقة أن الاثنين يعبران عن تكامل في العقلية لأن التخلف شامل .. ولايستثني أحدا ..والتخلف فنون وألوان ..

وبالطبع تذكرون قصة "البروفيسور" موسى الكردي الذي نشرت عنه صحف العالم أنه بروفيسور في جامعة كمبريدج البريطانية وانه كان أستاذ الرئيس بشار الأسد؟؟ .. وقد نقلت عنه الصحف العالمية تصريحاته وتوبيخاته للرئيس الأسد وامتعاضا من تهوره وقسوته .. وتبين أن البروفيسور المذكور ما هو الا مجرد طبيب عادي جدا في مشفى صغير في مقاطعة كمبريدج وليست له أية علاقة بجامعة كيبمريدج من الناحية الأكاديمية وأنه ليس أكاديميا ولابروفيسورا .. ولكن الاعلام يحتاج أبطالا من ورق يحرقهم لاشعال الحرائق .. يريد أبطالا للمشاهد الغربي .. وللمشاهد العربي .. فالمشاهد الغربي يحتاج لاقناعه بوجهة نظر البي بي سي والغارديان وغيرهما لتقديم اسماء ليست محرجة من نوع ووزن الملا عمر أو عدنان العرعور أو رياض الشقفة .. بل من حملة الشهادات العلمية والألقاب المفخمة .. وقد اكتفى الاعلام الغربي بالاشارة الى الأستاذ الذي درّس الرئيس الأسد في دمشق دون ذكر لقبه "الكمبريدجي" الذي فلقتنا به الثورة السورية وصحف العرب .. لأن الحقيقة أنه ليس استاذا في كيمبريدج ..
ولاشك أن لقب من عيار "بروفيسور في السوربون" مثل برهان غليون كانت مضللة جدا واستعملت مثل عملية ترويج لمنتج فاسد ضعيف توضع عليه صورة جامعة عريقة .. استاذ السوربون غليون كان مغمورا لكن صنعت منه الجزيرة والاعلام الغربي رئيس مركز دراسات الشرق المعاصر الذي يناصر الثورة ويمدها بنظرياته واكتشافاته عن الشرق .. ليتبين ان الوظيفة الأصلية للبروفيسور متواضعة وقيمتها العلمية عادية جدا .. لكن الوظيفة الحقيقية من وراء هذا التمجيد كانت تصنيع أغطية وشراشف ذات أبهة علمية للثورة السورية "الدينية" لرياض الشقفة و"أبو محمد الجولاني" وأيمن الظواهري .. وقد تسبب استعمال شهادة غليون في الثورة في احراق تلك المكانة العلمية الصغيرة لغليون ولم يبق منها الا الرماد .. ولكن عملية تجنيد المتعلمين وأصحاب الخبرات والشهادات بلغت حدا مبتذلا ومهينا جدا للعلم ولنا جميعا .. وخاصة عندما نعرف القيمة الحقيقية لهؤلاء الطارئين على العلم والسياسة معا ..
ومن هذه المنتجات الاعلامية المضخمة التي تفقس كل يوم مايطلق عليه الاعلام الثوري والعربي (العالمة الفلكية) ريم تركماني التي تقدمها الصحافة العربية والاعلام العربي على أنها أول عالمة عربية فلكية .. (تكبير !!!!) .. وفي الامبريال كوليج في لندن (تكبير!! ).. لتبدأ عملية التسويق والتضليل وبيع المنتجات الفاسدة القديمة على ظهر مخلوقات قادمة من مريخ المعارضة .. ومشتريها ..
وتتم الاشارة الى السيدة ريم على أنها عالمة فيزياء وباحثة فلك .. وفي سيكولوجية الانسان العربي فان ذروة التفوق الغربي هي في علوم النجوم والفضاء التي قهرت الكواكب وهنا تكمن عقدة نقص هائلة .. وعلم الفلك والفيزياء لايزال يذكر العقل العربي بالفارابي وابن سينا والكندي ثم بالفضاء وناسا وابولو ويوري غاغارين .. فما بالك ان قيل بأن علم الثورة التحررية تقوده عالمة فلك عربية في قسم الفيزياء في الامبريال كوليج في لندن..؟؟ ..
وكوني مهتما بالبحث العلمي منذ دراستي البحثية في فرنسا فقد قمت بزيارة موقع الامبريال كوليج الذي تعمل فيه "العالمة" ريم .. ووجدت أن السيدة الفاضلة تركماني ليس لها موقع أكاديمي متميز بل هي تدرس مثل آلاف السوريين المنتشرين في معاهد العالم وينشرون أبحاثا اثناء فترة التمرين والبحث من على منصات المعاهد العلمية ضمن سياقات كلاسيكية وممرات اجبارية لنيل شهاداتهم .. (وتصنيفها العلمي هو باحثة زائرة) يعني ليست بروفيسورة ولا صاحبة نظرية ولاحتى محاضرة في الجامعة .. وكل الطلاب العرب الذين يعملون في معاهد علمية يعرفون معنى (الباحث الزائر أو عضو أبحاث) أي أنه مجرد طارئ وعابر سبيل وكثير من الطلاب يصنفون على أنهم باحثون زائرون .. ومجموع كل أبحاثها الأصيلة هي خمسة أبحاث منذ عملها عام 2000 واثنان على الأقل غالبا هما ملخصات بسيطة لمشاركة في مؤتمرات روتينية .. وآخر ملخصاتها كان عام 2006 .. وهناك بحثان حشر اسمها فيهما ضمن مجموعة كبيرة من الناشرين وربما كان عملها فيهما هو تنضيد الأوراق لأن ترتيب اسمها كان متأخرا جدا .. وفي ميدان البحوث والعلوم فان عدم نشر بحث علمي منذ عام 2006 يقال له علميا (يفتح الله) .. وأنا شخصيا ضحكت من هذا الرصيد العلمي الضئيل الذي لاشك لايبهرني لأنه عمل متواضع للغاية ولايستحق صاحبه هذا اللقب وهذا التبجيل .. وهو أقل مايمكن أن يملكه أي طالب في مجال العلوم .. لأنني أعرف معنى البحث العلمي وأعرف ماذا يعني نشر ثلاثة ابحاث فقط على مدى سنوات في سياق الدراسة لنيل شهادة الكتوراه .. ان عالما لم ينشر بحثا علميا اصيلا باسمه منذ 10 سنوات مدعاة للسخرية وعليه الاعتذار عن هذا الاحتيال والاعتراف بالحقيقة أنه طالب.. والسيدة ريم تركماني تعرف ذلك جيدا .. وهي ليست الوحيدة في انتحال صفة المشاهير والعلماء .. فالصحف العربية تزخر بفتوحات هؤلاء المساكين ومبالغاتهم .. وأنا أعرف على الأقل وبشكل شخصي ثلاثين صديقا عربيا وسوريا نشر أقلهم مئة ورقة بحث اصيلة في اختصاصاتهم في أرقى المجلات العلمية الغربية .. ولكن واحدا منهم لم يقدم نفسه على أنه عالم وباحث لايشق له غبار .. ولم يتحول الى ممارسة بيع الشهادات والأبحاث وتصنيع شهرته الجوفاء من جلد الشهادات ولحم العلم والعلماء .. السيدة العالمة كانت تدرس للدكتوراه فقط مثل عشرات آلاف الطلبة في الغرب .. ولكن الثورة جعلتها أستاذة وعالمة ..وهي ساقت بالقصة وصدقتها ..
ومن الواضح أن تسميتها بعالمة قد أصابتها ببعض الصلف والخيلاء .. وبدا ذلك في ملامحها المتشنجة القاسية التي تكاد تتحول الى ملامح رجل .. وهذه ظاهرة نراها عند المغتربين ممن يعيشون في الغرب وبالذات يعملون في المؤسسات الغربية العلمية بوظيفة متواضعة لأن هيبة الغرب أتت من سبقه العلمي فينعكس ذلك على سلوكهم الاستعلائي .. وخاصة اذا ماكانت تنتمي اجتماعيا الى ذلك الغرب عبر الزواج من غربي كما هو حال ريم .. فهي متزوجة من مواطن بريطاني اسمه كريس دويل رئيس مايسمى مجلس التفاهم العربي - البريطاني (؟؟؟!!!) .. اي أنها تنتمي نفسيا واجتماعيا ومستقبليا الى بريطانيا وليس الى سورية ..
وهي في خطابها التمثيلي مصرة بشدة على ايصال رسالة صارمة الى المشاهد المسكين .. وهذه الرسالة هي أنه يرى أمامه نموذجا لايحب المزاح ولا الابتسام ولايقدر المشاهد على تذكر قول عنترة العبسي "فوددت تقبيل السيوف لأنها .... لمعت كبارق ثغرك المتبسم" لأن ريم عالمة جدية جدا لاتبتسم ولايبرق لها ثغر .. ومتجهمة جدا لأنه يجب على المشاهد أن يحس أنه يرى نموذجا متفوقا عليه (الا في صورها في الجامعة الانكليزية التي لاتجرؤ فيها على التجهم).. وتبدو السيدة تركماني تعاني من عقدة اضطهاد لاتخفى على العالمين بعلم النفس .. وأنا أسميها "عقدة المغترب المتخلف" الذي يعامل الناس بفوقية وينظر لهم باستعلاء .. وجه صارم عابس متشنج يوحي بالقشعريرة وأن صاحبها مصاب بتشنج الأمعاء.. يتحدث وكأنه يأتي بالمسلّمات غير القابلة للطعن .. وهناك احساس يصل المشاهد انها تحتقر كل المشاهدين وترى نفسها فوق الجميع وخاصة العرب وينطبق عليها ماوصفه كتاب سيكولوجيا الانسان المقهور عن "الجرح النرجسي" .. وهذا طبعا رغبة في تقديم صورة ثابتة "لها هيبة" واحترام ..فهي عالمة كتبت ثلاثة أبحاث عن الفلك .. تكبيرررر !!!
يعني ريم تركماني هي أفهم قليلا من "توكل كرمان" اليمنية الحاصلة فقط على بكالوريوس تجارة وبعض الملحقات التجميلية وجائزة نوبل .. ولكن الفارق الذهني والمعرفي والفلسفي والوطني بين كرمان وتركماني ليس كبيرا على الاطلاق وهناك أرضية مشتركة كبيرة ان لم نقل انهما متطابقتان كثيرا فيما يسمى (الخصاء الذهني).. وأرجو الا يزعج هذا التشبيه السيدة الباحثة والعالمة الكبيرة تركماني .. أي تشبيهها ذهنيا بجاهلة يمنية مثل توكل كرمان التي أعطيت جائزة نوبل للسلام ولكن فهمها للسياسة مثل فهم الحج أبو صلاح بعلم الفلك وبموقع الامبريال كوليج ..
فقر السيدة ريم السياسي المنطقي كان واضحا في محاولة نسب الجرائم للدولة السورية والقاء اللوم على الدولة حتى في انحراف الثوار .. وتكرار حكاية الصواريخ والبراميل المتفجرة .. وكانت في مقابلاتها سابقا تقول مالايقوله عبد الباري عطوان ومحمد كريشان أو عدنان العرعور عن الشعب الذي يدافع عن نفسه ضد القمع .. وذكرتني بمراهقة من الغوطة قالت ان الجيش السوري يسمم حليب الأطفال ليسمم "الشعب" السوري ..
تبدو ريم في ريائها مثالا ممتازا على سيكولوحيا الانسان المقهور الذي تحدث عنه مصطفى حجازي .. فقد استمعت الى السيدة ريم بالأمس في يوم المرأة العالمي والذي تناول معاناة المرأة السورية في الأزمة .. ولكن ردودها المتشنجة والعصبية والاتهامية دلت على أن من أمامنا ليست عالمة وليس فيها من مهارة البحث والاستقصاء شيء .. وهي نموذج فاقع لما يسمى (الاخصاء الذهني) الذي يتميز به الانسان المقهور .. والدليل الفولاذي على ذلك هو أن ريم تركماني مثلا هاجمت قناة الميادين بشدة واتهمتها بترويج دعائي رخيص لكذبة اسمها "جهاد النكاح" لأنه -كما قالت- لايوجد دليل واحد عليها .. أي الدولة السورية تفبرك وتهتك عرض الثورة .. علما أن قضية جهاد النكاح ظلت محل تجاذبات وأخذ ورد وتجاذبات ومماحكات وعدم اثبات الى ان قدم وزير الداخلية التونسي مداخلة مذهلة في صراحتها وصدمتها الى البرلمان التونسي واعترف فيها بخطورة المشكلة والحيرة في كيفية التعامل مع عشرات التونسيات العائدات من سوريا وهن حوامل من جهاد النكاح .. والمشكلة كما قال الوزير في مطالعته الشهيرة أن كل واحدة منهن قد جامعها العشرات من المجاهدين (حسب وزير الداخلية التونسي لا السوري) .. والأطفال القادمون لن تتمكن حكومته من معرفة نسبهم الشريف ..
وكي ننزلها من الفضاء والأوهام علينا بتذكيرها بأن هجومها مثلا على ماسمته دعاية وبروباغاندا "جهاد النكاح" وعنادها في رفض حقيقة وجود جهاد النكاح هو بعينه ماطرحه كتاب الانسان المقهور عن أزمة التخلف التي تعشش في عقل الطبقة المتعلمة .. فالانسان المقهور يرفض كل الحقائق والاثباتات ويتشبث بالعناد الأجوف .. حيث يتسلط انعدام المنهجية في التحليل العلمي .. فيقع صاحبه في فخ "الصدّ المعرفي" وهذا البلاء يكون حتى على مستوى الجامعيين والأكاديميين الذين ينتجهم مجتمع الانسان المتخلف المأزوم معرفيا وانسانيا ونفسيا .. فالعقل المتخلف يتميز بالتحيز التلقائي العنيف نظرا لتدخل العواطف والعوامل الانفعالية في قبوله للأشياء ..
لو كانت العالمة الفيزيائية تعرف شيئا عن المجتمع المتخلف لما تنطحت للدفاع عن هذه الظاهرة ونفيها بيقين .. ولعرفت ماذا يعني الاستلاب الجنسي والعقائدي والاقتصادي للمرأة في ثقافة التخلف حيث تختزل المرأة الى وعاء للمتعة ويتضخم البعد الجنسي لجسدها الى حد ورمي مريض .. ويتمدد الافراط في اختزال الجسد الانثوي الى مجرد وظيفة جنسية الى حد الشطط والقسوة والجنون الأقصى .. وعندها ستعرف كيف يمكن أن يخترع الناس جنون الجنس وثورات النكاح (راجع سيكولوجيا الانسان المقهور من صفحة 199 - 225 من قسم المرأة) ..
المجتمع الثائر لدينا في الحقيقة في معظمه مجتمع متزمت دينيا وخاصة في الأرياف بدليل أن المجاهدين يريدون اقامة امارات اسلامية وليس جامعات ومعاهد .. وجميع نسائهم منقبات في دلالة على سيطرة ذكورية مطلقة واستعباد للجسد .. وكلهم يريدون حكم الشرع والشريعة الوهابية الظلامية .. ولذلك تبدو قضية جهاد النكاح ترجمة طبيعية لمأساة الاستلاب الجنسي في المجتمع المتزمت المتخلف الذي يصادر الجسد الانثوي ويحكمه بقوة القانون الشرعي والفتوى الالهية .. ومع ذلك تصر العالمة على انكار العلم والعلوم الاجتماعية واعترافات مؤلمة وموثقة لوزير من دولة "ثورية" وتصدق بيانا من بيانات الثوار يتهرب من الحقيقة المخجلة ..
الثورجية ريم في تعريفها لنفسها على صفحتها في الجامعة البريطانية تعرف بنفسها على أنها عضو باحث في قسم الفيزياء وأنها لاتبحلق في السماء بالتلسكوب بل تصنع نماذج على الكومبيوتر وتضع فرضيات (وهي الطريقة الدراسية التقليدية في ذلك المجال) .. ولكنها في تفنيصاتها السياسية لاتبحلق في الواقع بل تضع نظريات وتنشرها بين الناس دون أدنى احترام للاستقصاء والنهج العلمي في البحث عن اليقين.. فهذه العالمة في بعض مقابلاتها السابقة كانت تقول ان النظام يقصف بالصورايخ والبراميل المتفجرة المدنيين فتسبب بحالة اللجوء ولكنه كان يترك الأبنية التي تتمركز فيها القاعدة دون أن يمسها لأنه يريد للقاعدة أن تمسك الثورة !!! (تكبيررر) .. وهذا هو مايمكن تعريفه أنه النظر الى المريخ بالتلسكوب دون النزول عليه .. يعني تهويمات واجتهادات على الكومبيوتر من بريطانيا .. فهي لاتعرف لماذا لاتقدر الدولة على قصف مواقع علنية للقاعدة .. والسبب طبعا هو أن فيها مئات المحتجزين المدنيين والرهائن العسكريين الذين تستعملهم القاعدة دروعا بشرية .. واكبر دليل على ذلك مثلا هو عدرا العمالية .. وبعض المناطق الشهيرة في حلب ..
والعيب الذي يستحق عليه ان ينظر اليها بازدراء هو ما قالت بأن المشهد الذي يصور اعدام فتاة سورية بسلك معدني في الرقة على يد الاسلاميين ليس صحيحا .. أي ان مايتناقله العالم عن قصص البراميل المتفجرة والصواريخ الباليستية على المدنيين السوريين صحيح أما مشهد صريح لاعدام الفتاة السورية بالسلك فهو غير صحيح .. وهنا نسأل العقل المتخلف المسكين سؤالا منطقيا: هل يعني هذا أيضا وبنفس المقياس بان الثورة المباركة قد روجت اكاذيب عن جثث ومذابح النظام أم ان الاكاذيب لها اتجاه واحد وأن الثورة لا تكذب؟؟

اذا قبلنا تفسيرها الجريح فان عليها ان تقبل أن الثورة قامت على البرباغاندا المشوهة أيضا .. والسيدة "العالمة" وضعت على موقع جامعة امبريال كوليج عنوانها وعنوان بريدها الالكتروني ويمكن ان نرسل بها كل الوثائق والصور والعناوين ومشاهد الذبح بالمئات والاعدامات والمذابح الجماعية بيد الثوار .. واذا ارادت يمكن ان نرسل هذه الصور مع عناوين المذبوحين واسماء اولادهم وزوجاتهم وعناوين بيوتهم الفقيرة وفي أحيان كثيرة أسماء القتلة والذباحين فاننا على استعداد لذلك .. ويمكنها عندها أن تبحلق فيها من دون تلسكوب لتقول لنا ان كانت مفبركة أيضا ولاتستحق التعليق..
ومايدعو للغضب هو أن يتنطح كل حامل شهادة لممارسة السياسة وهي ليست من اختصاصه .. وأن يفرش شهادته العلمية مثل سجادة حمراء للمشاريع الثورية أو كبساط الريح لاكتساب الشهرة .. ومايدعو للاشمئزاز أن يجعل منها سرجا يضعه على حمار الثورة ليحمل الناس والجهلة والأغبياء والمساكين في الأرياف الفقيرة الى المراثي والكوارث والمآزق الاجتماعية ومخيمات اللجوء .. فالباحثة الفلكية وعالمة الفيزياء تدلي بدلوها منذ بداية الأحداث في كل صغيرة وكبيرة حتى في الحروب والمواجهات والمجاعات وتقديم الرؤى السياسية للكتل الدولية .. وتوقعات النجوم لمستقبل ومصير الرئيس الأسد .. وبالطبع يكفي أن يشير المذيع الى انها عالمة فلكية في قسم الفيزياء في الامبريال كوليج حتى يعتقد المشاهد أن روح نيوتن تخاطبه وأن ستيفن هوكينغ قد ارسلها في مهمة خاصة بالأزمة السورية ..
ودعوني هنا أقتبس من كتاب التخلف الاجتماعي (مدخل الى سيكولوجية الانسان المقهور) العبارات التالية التي تبدو مطابقة لما نعيشه من مأزق في خلط الأشياء وتداخلها وربما نكتشف اذا ماأعدنا قراءة الكتاب أنه مدخل الى سيكولوجية المعارض العربي ودخول الى عقل ودهاليز نفسية ريم تركماني:

يلاحظ هناك تداخل بين أعلى درجات التنظير الفكري واشد اشكال التخلف في الممارسة .. وهناك احيانا هوة بين الفكر والواقع المعاش .. كما أن الفئات الاجتماعية المتميزة والمتعلمة مثلها مثل الفئات المغبونة فهي لاتخلو بدورها من التخلف على جميع الصعد .. وهي تتصف بالخصائص نفسها التي تتحكم بالطبقات المغبونة .. وهذه الفئات تتستر بقناع زائف من التقدم يكفي انتزاعه حتى نتحقق من أن سلوكها تحكمه المعايير والآراء التي تحكم الانسان المقهور المتخلف .. فهي تتمتع ببعض مظاهر التقدم لكنها تبقي مظاهر سطحية .. وتنتج مايطلق عليه الباحثون في علم اجتماع التخلف (أثر الاستعراض) .. ويقصد بهذا المصطلح محاكاة المظاهر الخارجية للتقدم دون أن يصل الى حد الانتاح الابتكاري .. شأن الكثيرين من متعلمي البلاد النامية .. فوراء العلم الظاهري تظل النظرة الأساسية للوجود والاشياء ذات طابع متخلف.. ومن هنا نشأ علم "اجتماع التخلف" لأن نظريات علم الاجتماع التقليدي لاتنطبق على هذه العينة البشرية ..المتخلفة..
------------------------------------------------------
قد يقول البعض انني أهاجم من لايتفق مع وجهة نظري ولكن الحقيقة هي انني اريد ان يتوقف هذا الهراء والاستهتار بالعلمية والموضوعية .. وان نتوقف عن انتاج حالة التخلف التي ينتجها فريق من المجتمع كان عليه أن يوجد حالة القطيعة مع حالة التخلف لكن هذا الفريق في الحقيقة هو من يقود عملية التخلف والتقهقر عبر دفع كل من له لقب أو يحمل شهادة الى ممارسة السياسة .. فالسياسة ايضا علم وتجربة غنية وتحتاج تفرغا ولايمكن ان تكون طارئة وعملا اضافيا .. ويمارسها الهواة والطامحون والغاضبون وطلاب الشهرة .. فالفاشلون علميا هم من يمارس السياسة .. فيمكن لجورج بوش أو رونالد ريغان أو تيودور روزفلت أن يمارسوا العمل السياسي في فترة من حياتهم ولكن لايبدو مستحبا أن علماء وكالة ناسا يمكن أن يمارسوا السياسة ويشكلوا تيارات سياسية وهم يعملون في معاهدهم لاستغلال وظائفهم العلمية في الترويج لبرامح سياسية والا تعرضوا للفصل والابعاد ..
وربما قرأ أحدنا لبعض الباحثين شيئا في السياسة ولكنه يبقى على الدوام بعيدا عن التدخل العميق ويبقى مجرد رأي عام .. فمثلا قرأت لستيفن هوكينغ عن الأزمة السورية .. ولكن مقالته كانت مجرد رأي موضوعي انساني عام يدعو فيه الى النظر بانسانية الى نتيجة الجدل السياسي والكارثة الانسانية .. ولكنه لم يلم النظام ولا المعارضة لأنه ليس اختصاصيا في السياسة ولايجد ان له الحق قي توجيه النصائح كما لو كان يحاضر في كتاب "التاريخ المختصر للزمن" .. وادلاؤه بدلوه الرصين هنا مقبول جدا ولايعيب موقعه العلمي .. وقد لاحظت من خلال احتكاكي بالغرب أن هناك عملية تخصص وفصل بين العلم والسياسة أكثر صرامة من الفصل بين الدين والدولة .. فالباحثون في الشؤون العلمية والأكاديمية لايتدخلون بالسياسة ويتركونها للسياسيين .. يقولون آراءهم ولكن لاينخرطون في العمل السياسي والأكاديمي في نفس الوقت .. ومن يرغب في قيادة العمل السياسي يترك موقعه الأكاديمي ويتفرغ للسياسة تماما .. اما المعارضون العرب فيبقى في عمله الأكاديمي وينظّر في السياسة ويطعم السياسة من طبق العلم والفيزياء ويسقيها من الفيمتو ويرصعها بالكواكب والنجوم ..ويرصع اسمه بالألقاب الوهمية ..
وقد انقشع الغبار عن هذه الظاهرة الملفتة للنظر في المعارضات العربية ولكنها تجلت في أكثر الأشكال ابتذالا وانحطاطا في الأزمة السورية وأبطال معارضتها والتي أنتجت بضاعة جديدة لم تسبق اليها وهي " تسييس العلوم والفيزياء" .. فما يثير الاستغراب هو ظهور مذهب سياسي جديد وتجارة جديدة يتم فيها دمج العلم بالسياسة .. وترصيع المعارضة بالفيزياء والكيمياء وأسماء العلماء .. حيث تم تسييس الشهادات والمؤهلات العلمية وبيعها في المزاد العلني في أسواق السياسة والنخاسة .. وصارت الشهادة العلمية هي التي تطعم الموقف السياسي وتخدمه لا العكس .. وصار لكل شهادة ثمن في مماحكات السياسة .. وهذه ظاهرة تدل على خلل بنيوي حقيقي في مفهوم العمل السياسي العربي .. وخلل أكبر في فهم العمل المعارض .. وتصورات مشوهة للعمل الثوري والسياسي بل ولدور طبقة المتعلمين في المجتمع الناهض .. ولكنها أيضا تشير الى عملية احتيال وسرقة وسطو على المكانة الراقية للعمل العلمي وتوظيفه بشكل انتهازي وقح في السياسة .. وتوظيف غبي ينطلي على أغبياء المعارضين فقط .. وكما يسرق الثوار المعامل والصوامع فان حملة الشهادات منهم في الغرب الذين درسوا على حساب الشعب السوري ودولته الوطنية يبيعون شهاداتهم العلمية لصالح برامج وأجندات سياسية كما لو كانوا يبيعون شوالات الحبوب المسروقة في الرقة وحلب .. ولايكتفون بالبيع بل يبيعونها مغشوشة أيضا ..
وقد يقول قائل بأن ربط العلم بالسياسة صنعة يهودية مثل استعمال اسم نوبل اليهودي واينشتاين .. ولكن هذا مثال خاطئ جدا .. فعندما تستعمل الصهيونية اسم ألفريد نوبل اليهودي لغايات سياسية وتمنح الجائزة لمن ترضى عنه المؤسسات الصهيونية فهي تتكئ على مخترع الديناميت الذي أثّر في التاريخ العسكري والسياسي كله .. وعندما ينشق ألبرت اينشتاين عن الدولة الألمانية النازية فان استعمال اسمه في البروباغاندا ضد الألمان سلاح قوي ومبرر لأن اينشتاين صاحب النظرية النسبية التي غيرت العالم والفيزياء .. ولأنه يهودي معني بمشروع الدولة اليهودية .. ولكن أن لانملك نوبل واينشاتين لايعني أن علينا أن نمارس الاحتيال على الناس والضحك على اللحى .. ونخترع العلماء والاينشتاينات..ونفقس العلماء الذين ماأوتوا من العلم الا قليلا ..
انني أحس أن كلمات جبران التي تقول محذرة الامم: ويل لأمة تأكل مما لاتزرع وتلبس مما لاتنسج وتشرب مما لاتعصر انما هي كلمات تعني صناعة الحرية وصناعة المعرفة .. وزراعتهما وعصرهما .. فالحرية لاتستورد .. والمعرفة لاتمارس الغش .. بل هي التي تجب زراعتها وحياكتها وعصرها وصناعتها بيد الأمة لا بيد غيرها ..وكي نزرع ونصنع الحرية والمعرفة علينا اقتلاع مكونات التخلف الاجتماعي وبذورره .. والبدء باعترافات قاسية بأننا متخلفون جدا من رأسنا حتى أخمص قدمينا .. وأن قادة التخلف الاجتماعي وصناعه .. هم أنفسهم المتعلمون الذين لايعلمون .. والذين لايزرعون .. ولاينسجون .. ولايعصرون .. بل يسرقون ويحتالون وينشرون القيح .. والقبح ..



  عدد المشاهدات: 1525

إرسال لصديق

طباعة
شارك برأيك

الاشتراك بالقوائم البريدية
البريدالإلكتروني: