الأمل بالعمل



الأكثر زيارة
 الصفحة الرئيسية   مقالات  

بطريرك الثورة في تل أبيب تتحداه ثورة البطريرك السوري.. أسرار البرق / بقلم : نارام سرجون
September 15, 2014 09:49

بطريرك الثورة في تل أبيب تتحداه ثورة البطريرك السوري.. أسرار البرق / بقلم : نارام سرجون

ما أجمل الأجوبة القاطعة التي لها حد كحد الشفرة تقطع لسان السؤال وتصرع شارة الاستفهام بالضربة القاضية وتجعل كل شارات الاستفهام ترفع الراية البيضاء مستسلمة من اللحظة الأولى التي ينظر فيها الجواب القاطع في وجهها.. وما أروع الأجوبة الخاطفة التي تشبه البرق الذي يرسم شقوقا في السماء ويكسر وجه الليل الأسود بالوميض وتخشاه كل الأسئلة السوداء.. والتي ترتعد فيها فرائص إشارة الاستفهام السوداء من صوت الرعد وهيبة البرق الذي يحمل ضفائر الشمس.
إن الاستفاضة في الإجابة عن سؤال وحشد جيوش الكلمات لهزيمته لا تعني أنه سيهزم لأن السؤال المحصن بالشوك والشك لا تقتلعه أعتى الفلسفات وجيوش الكلام الجرارة.. ولكن جيش الأسئلة الكبيرة العاتية الذي يدحره جواب بسيط ببضع كلمات وينحر شارة الاستفهام من عنقها يشبه الأجوبة المقتضبة في الفيزياء والكيمياء.. فبضعة حروف لنيوتن في قانون الجاذبية دحرت كل أسئلة الفيزياء السابقة التي حكمت فيزياء الوجود الأرضي لقرون والتي أخرسها قانون الجاذبية إلى الأبد.
وأنا كنت دوماً أبحث عن كلمات خاطفة كالبرق أو حروف في كلمة واحدة ألخص بها الثورة السورية والربيع العربي لأكون "نيوتون" في كتابة معادلة سياسية قصيرة تلخص ملايين الصفحات عن الثورة السورية.. لأن أعظم مقاطع البيان هي التي تشبه في سحرها وإفحامها وهيبتها الأرقام والمعادلات العلمية القصيرة التي تلخص جوهر الأشياء وقوانين وجودها وتخلصها من الغموض.
منذ اللحظة الأولى كنا نعرف أن الربيع العربي هو صراع بين اتجاهين في العقل العربي والضمير الشرقي.. اتجاه يريد للشرق أن يستقل عن الغرب واتجاه يريد أن يعيد الشرق إلى العبودية للغرب بعد أن هزم الغرب أمام مشروع النازية واضطر للانسحاب إلى داره للعق جراحه.. ولكن أي عبارة لها سطوة معادلة نيوتون ستلخص الحقيقة وتسحق كل الشكوك والأسئلة؟؟.
بالأمس أهداني كمال اللبواني مشهدا كنت أبحث عنه في معادلة ناقصة لأكتب معادلة نيوتون في السياسة السورية.. فقد ظهر اللبواني في نفس التوقيت الذي ظهر فيه مشهد رجل وطني سوري اسمه غريغوريوس لحام يعلن ثورة في واشنطن.. فكل معادلة الربيع العربي والثورة السورية لخصها رجلان ومشهدان اثنان.. إن رأيتهما فإنك لا تحتاج لأي شرح عن الثورة السورية وعن الوطنية السورية التي تواجهها.. وستعرف معنى البرق في الليل وماذا يعني أن تكتب في السياسة معادلات نيوتون التي تخرس كل الثرثرات والسفسطات.. فالمشهدان يلخصان كل شيء ويرسمان طرفي معادلة نيوتون الصارمة في قانون الجاذبية في سورية:
الطرف الأول في المعادلة هو في موقف البطريرك غريغوريوس لحام في واشنطن الذي دافع بشرف ووطنية منقطعي النظير عن سورية وعن المقاومة وعن الإسلام المحمدي وعن القيم المسيحية الشرقية.. وهو المسيحي السوري الذي لا ينتمي إلى أي تيار سياسي.. البطريرك فجر ثورة عارمة في قلب واشنطن ردا على دعوة دنيئة رخيصة للاستسلام لتل أبيب وإعلان الهزيمة أمام كتائب إسرائيل الإسلامية في داعش والنصرة والثورة السورية.. وغضب أشد الغضب من الدعوة الوقحة للتنصل من المشروع الوطني السوري والمقاوم.. وبدا مستفزا إلى أبعد الحدود من الدعوة لإعلان الحرب على الإسلام والمسلمين الذين يحاربون إسرائيل.. أي تيار المقاومة.. فالدعوة الوقحة كانت تقول للبطريرك أن ينضم بشكل ما إلى داعش وإسرائيل.. لقتال حزب الله والمقاومة..
وأما الطرف الثاني في المعادلة فقد تجسد في ظهور كمال اللبواني "بطريرك الثورة السورية" وهو يحسم أمره بالكشف عن وجه الثورة السورية الحقيقي بعد مقدمات مراوغة كثيرة لم تفد في إخفاء نيته في الظهور العلني والطفو على سطح الدولة العبرية.. فقد وصل قطار الحرية والكرامة للثورة إلى تل أبيب أخيرا.. وهو المشهد الذي ستتلوه مشاهد كثيرة للثوار السوريين في قلب تل أبيب قريبا بعد أن تقدم اللبواني وكسر المحظور وتخلى عن التقية الثورية.. وعرفنا الآن أن الثورة السورية انطلقت نظرياتها من مختبرات الموساد في تل أبيب.. وأن غايتها كانت أن تصل كل دروب الشعب السوري إلى تل أبيب كما وصل اللبواني أخيرا ليقول الثوار: إن كل الدروب تؤدي إلى تل أبيب.. وكل الثورات الصناعية تؤدي إلى تل أبيب.. وكفى مراوغة وتغطيا وتقية.. فهذا هو لب الثورة السورية..
ويستحيل أن تكون الدعوة للمسيحيين الشرقيين للاستسلام في واشنطن دون توقيت مقصود مع ظهور اللبواني (المسلم) في بيت أهله في تل أبيب.. لأنها تريد أن تحاصر العقل بمشاهد استسلام "الجميع" لتل أبيب.. فالمسيحيون المشرقيون يستسلمون والإخوان المسلمون الذين أوفدوا كمال اللبواني باسمهم يستسلمون (وهم يغضون الطرف عن الجريمة).. وهذا الاستسلام المزدوج يعني التسليم بأن كل الطرق تؤدي إلى تل أبيب.. من واشنطن ومن استانبول ومن الرياض ومن بيروت.. ومن كنيسة إنطاكية وسائر المشرق إلى الجامع الأموي في دمشق..
مشهد اللبواني يضع القيد في عنقه يجيبنا عن سؤال مهم جدا وهو: أين انتهت الثورة السورية؟.. الجواب البسيط هو: انتهت إلى حيث بدأت وبدأ الربيع!!.. أي إلى حيث انتهت قدما اللبواني على أعتاب الموساد.. الموساد مفجر الثورة وأبو الثورة السورية.. والمثل الذي قال (كل فتاة بأبيها معجبة).. يصبح (وكل ثورة بإسرائيل معلّقة).. وربما ينطبق المثل الشائع (طب الجرة على تمها.. بتطلع البنت لأمها) على الثورة السورية ليكون (طب الجرة على تمها بتطلع الثورة لأمها.. إسرائيل)!!..
والسؤال الثاني الذي ظهرت مئات النظريات للإجابة عليه دون أن توفق تماما هو: لماذا صمدت سورية في حرب كونية لا سابقة لها؟ الجواب بسيط جدا على هذا السؤال المعضلة وقد أظهرته ثورة البطريرك غريغوريوس لحام وهو: لأن غالبية السوريين سترونهم في ضمير غريغوريوس لحام وأمثاله فهو قطعة من الضمير الوطني السوري.. وضميره لا يؤدي إلى تل أبيب.. وهي ثقافة الشعب السوري الذي لا ينتمي معظم أفراده إلى أحد سوى شرفهم الوطني.. ومشرقيتهم الصافية.. وضميرهم النقي.. ولذلك تصبح المعادلة التي تشرح كل شيء هي:
بطاركة الثورة السورية يسقطون أمام ثورة البطريرك اللحام
وتصبح العبارة النيوتونية في الثورة السورية هي عبارة قصيرة نيوتونية التوازن:
ثورة اللبواني في تل أبيب لا تهزم ثورة اللحام على تل أبيب..
******
في تفسير المشهدين يمكن وصف وصول اللبواني إلى تل أبيب بأنها المصير الأسود والتقهقر إلى القواعد الحقيقية واليأس والقنوط من أي أمل.. فالثوار انتظروا الدخول إلى دمشق من استانبول على حصان بطلهم المفضل اردوغان.. وانتظروا الدخول من الأردن.. وانتظروا البحر المتوسط كي يأتي لهم بالفرج عبر سفن أوباما.. وانتظروا أن يدخلوا دمشق من القلمون ولبنان.. ولكن سقطت كل الرهانات.. وصار الوصول إلى تل أبيب هو اليأس بعينه من وصول الثورة إلى دمشق إلا بالرهان على الأمل الأخير وهو لوبي إسرائيل الذي يسلم له الثوار كل ما يطلبه حتى ما بقي عليهم من ثياب تسترهم..
وزيارة اللبواني العلنية لإسرائيل جاءت في توقيت آخر هو التحضير لما يسمى التحالف الدولي للحرب على الإرهاب.. ولكي لا تجهدوا أنفسكم في البحث عن فلسفة اللبواني فسأختصرها لكم كما صار يتردد من تقارير البلهاء في استانبول وهم يتداولون الوهم ويروجون الأحلام.. فهؤلاء أقنعهم الأمريكيون أنهم سيقومون بإنشاء منطقة عازلة لأول مرة شرق نهر الفرات بحجة الحرب على داعش.. أي لأن الطائرات الأمريكية تريد مجال عمل واضح لا يسمح فيه لطائرات أخرى بالعمل فيه.. أي الطائرات السورية.. وهذا يعني عمليا حماية لداعش -وغيرها- من الطيران السوري.. وبعد ذلك تقوم مسرحية دخول القوات المعتدلة للمعارضة برا التي تسلحها دول التحالف ضد داعش وهي تحت حماية الطيران الغربي لملء فراغ داعش التي ستنسحب انسحابا تكتيكيا (إلى تركيا طبعا).. وتصبح المعارضة في المناطق التي كانت لداعش أمرا واقعا وتنتقل الحكومة الانتقالية إلى شرق الفرات وتؤسس دولة "سنستان".. الأرض الموعودة.. وهي ستقوم بدور داعش تماما كفاصل بشري بين العراق وسورية دون أي فرق سوى أن العنف سيكون غير علني.. ويتم بعد خلع ثياب داعش عنها إلباسها لباس المعارضة السورية وربطات العنق والياقات البيضاء تحت اللحى المتدلية.. وبذلك لا يسقط النظام ولا يغضب حلفاؤه وتبقى تلك البقعة تنز قيحا ودما فيستدير انتباه النظام إلى الشرق تماما.. وينسى إسرائيل..
ولكن لكل من يراهن على مواجهة أمريكية سورية على الأرض فإنني أنقل له جوابا من طرف رفيع روسي نقله صديق موثوق يقول إن التحالف السوري الروسي الإيراني أبلغ الأمريكيين صراحة أن أول مواجهة مع بطاريات الصواريخ الروسية الحديثة ستكون في سماء الجزيرة السورية لأن هناك قرارا حاسما بمنع أي منطقة عازلة.. وحسب هذا الطرف الرفيع فإن المنطقة العازلة حلم بعيد المنال.. ولو كانت نجحت في السابق فستنجح هنا.. والروس لا يجيدون المزاح في هذا الشأن.. ولا يحبونه..
أما من يقرأ المشهد الثاني حيث ثورة البطريرك غريغوريوس لحام التي كانت ثورة على فكرة الاستسلام والاقتياد عنوة إلى تل أبيب والاقتلاع من الحضن الدمشقي فعليه أن يعرف أن موقف البطريرك مبنيّ على أنها ثقة عالية بالنفس وبالوطن السوري وبانتصاره الناجز الذي لا يتزعزع.. بل وتعكس ثقة مطلقة بالإسلام الذي ينام في حضن دمشق آمنا معها ويرضع من نفس الثدي الدمشقي الذي رضعته المسيحية الأولى..
لقد كتبت كثيرا ومررت على كل الأمثلة وكل الشهود والمشاهد.. ولكنني كنت دوما أمام معضلة حقيقية فأنا في أمسّ الحاجة إلى أبسط موجز وأبلغ بيان يشبه معادلات الفيزياء في إفحامها يلخص كل تعقيدات الربيع والثورة السورية.. وكنت أبحث عن معادلة واحدة مفحمة تقول الحقيقة الكاملة وتذيب ملايين الصفحات وتتحول إشارات الاستفهام بعدها إلى رايات بيضاء تحملها جيوش الأسئلة.. والأسئلة التي كنا نحاول معالجتها كالألغام هي: لماذا لا نقبل الثورة السورية.. ولا نثق بربيع الحرية ولماذا نقول بنظرية المؤامرة؟؟ أسئلة بسيطة لكنها تتسلح وتتمترس بأقدس الكلمات: الثورة.. الحرية.. الربيع.. سورية..
ولا أنكر أن مواجهة مصطلحات الثورة والربيع العربي كانت عملية شاقة ومضنية لأنها مصطلحات اختيرت بعناية من قبل الخصم وارتدت لباس الدراويش والمظلومين وطلاب الحرية ورفعت المصاحف في وجوهنا.. مصاحف الله.. ومصاحف الأمم المتحدة وحقوق الإنسان.. وكانت عملية كشف اللصوص الذين اختبؤوا في جرار الثورات وتسللوا في الليل بيننا عملية كلفتنا كثيرا من الدم والبحث والرصد.. حتى نجحت..
الآن وفجأة سقطت تفاحتان على رأس نيوتون.. فكانت هناك لحظتان.. ومشهدان.. ورجلان.. وثورتان.. تلخصان كل قوانين الجاذبية.. لحظتان فاصلتان تلخصان كل الحدث السوري وتفسران كل أسراره..
ففي لحظة نيوتونية المعنى سقطت الثورة السورية في بحيرة الفشل والعار فذابت الألوان عن وجهها الإسلامي الذي بدا متصهينا في وجه بطريرك الثورة كمال اللبواني.. وفي نفس اللحظة حمل رجل مسيحي سوري اسمه غريغوريوس اللحام العلم السوري ورفع الأذان الأموي في قلب واشنطن..
فهل هناك أبلغ من هذه الرسالة..؟؟ وهل هناك قانون للجاذبية يهزم جاذبية مشهد المسيحي الذي دافع عن الأذان في سورية؟ هل نحتاج بعد ذلك لنسأل أسئلة غبية من مثل: لماذا تحتقرون هذه الثورة وهؤلاء الثوار؟؟ ولماذا لا يهزم الجيش الذي في وعيه عجن صوت الأذان مع صوت أجراس الكنائس في نفس الوعاء.. وعجن البرق مع الرعد في نفس الإناء.. وسمعنا صدى ذلك في غضب قداسة البطريرك غريغوريوس اللحام..
إنها أسرار البرق والرعد التي لا يباح بها إلا لمن يحملون البرق في قلوبهم.. والرعد في ضمائرهم.



  عدد المشاهدات: 1707

إرسال لصديق

طباعة
شارك برأيك

الاشتراك بالقوائم البريدية
البريدالإلكتروني: