الأمل بالعمل



الأكثر زيارة
 الصفحة الرئيسية   مقالات  

روسيا ....و الدلالات الهامة لسلوكها الاستراتيجي حول سورية !؟ بقلم : العميد الدكتور امين حطيط
May 20, 2013 06:16

روسيا ....و الدلالات الهامة لسلوكها الاستراتيجي حول سورية !؟  بقلم : العميد الدكتور امين حطيط

ذهب نتنياهو رئيس حكومة العدو الصهيوني الى موسكو في مهمة وقحة و معلنة تتعلق بسعيه لمنع تزويد سوريا بسلاح روسي متطور و تحديدا منظومة الصواريخ "س300" المضادة للطائرات . و يبدو ان عنجهية العدو و الافراط بالثقة بالنفس لديه و الاعتداد بها و عدم تيويم الصورة الاستراتيجية الدولية المرتسمة في ذهنه منذ العام 1989 جعله منفصلا عن الواقع ، و يعتقد ان ما كان يصح في بداية التسعينات يصح اليوم و ان بامكانه ان يضغط و يفرض على روسيا الاتحادية ما يريد .
لكن الخيبة السياسية و الاستراتيجية التي عاد بها نتنياهو من موسكو كانت اكثر مما يحتمل ، بعد ان رفضت روسيا و بحزم شديد مطالبه و افهمته بان المسالة شأن روسي – سوري سيادي لا يسمح لاحد بالتدخل فيه خاصة و ان تصرفهما يستجيب كليا لقواعد القانون الدولي العام حيث لا يوجد ما يحول دونه او ما يمكن ان يستند اليه لحظر السلاح على سورية من جهة ، و من جهة اخرى و هي الاهم ، هو ان العالم تغير و ما كان يقبل قبل عقدين و ما ينجح من ضغوط على روسيا او غيرها لمنع تصدير الاسلحة لهذه الدولة او تلك من الدول التي لا تنصاع للارادة الاميركية-الصهيونية ، بات عقيما غير صالح الان في ظل اعادة رسم الخريطة الاستراتيجية الدولية و تشكل مجموعات و معسكرات عالمية جديدة ليس فيها ما يوصف بالقطب القائد او القطب المهمين الاوحد .
ان فشل اسرائيل في مسعاها لدى روسيا ، لم يتوقف عند حد الرفض الروسي لمطلب متعلق بمنظومة صواريخ "س 300" بل تعداها الى امور لم تكن تخطر في بال الغرب ايضا خاصة و ان بعض هذا الغرب و الصهيونية يرفضون حتى الان الاعتراف بالمتغيرات الاسترتيجية الدولية التي بدأت تظهر منذ العام 2006 تاريخ فشل الحرب الاخيرة على المقاومة في لبنان في ظل استراتيجية القوة الصلبة ، متغيرات تأكد اتجاهها النهائي في اسقاط المشروع الغربي لاقامة النظام العالمي ذي الاحادية القطبية من البوابة السورية ، حيث ان على العاقل ان يقر بذلك و منذ اللحظة التي فشل فيها الغرب في اسقاط سورية و اسقاط النظام المقاوم فيها رغم انه حشد كل ما يمكن من طاقات و وسائل و حدد مواعيد لذلك الواحد تلو الاخر حتى وصلت في مجموعها الى خمسة مواعيد ، كلها سقطت و بقيت سورية صامدة شامخة بقيادتها و جيشها و شعبها .
نعم لم يكتف الروسي بان سفه نتنياهو في مطلبه حول منظومة الصواريخ "س 300" الفائقة الفاعلية في الدفاع الجوي و التي تتمكن بحق من اقامة مظلة حماية جوية ناجعة تضع حدا للغطرسة الاسرائيلية و محاولات اسرائيل الاعتداء على الاجواء السورية و استهداف مواقع فيها ، صواريخ تستطيع ان تسقط طائرات العدو على مسافة تتعدى ال 60 كلم من الحدود ( مدى الصواريخ المجدي 75 كلم ) بما يعطل استعمال اسرائيل للاجواء اللبنانية في اعتداءاتها على سورية و قصفها دون ان تدخل الى الاجواء السورية كما فعلت في الغارة الاخيرة في 5 ايار الحالي ، لم يكتف الروسي بذلك بل اضاف اليه اعلانه عن تنفيذ الصفقة المعقودة مع سورية و القاضية بتزويدها ب صواريخ الدفاع البحري من طراز " "ياكونت " ( ايخونت ) ذات المدى الذي يتعدى ال 300 كلم ، و القابلة للاستعمال من على منصات متحركة على الشاطئ او من قطع بحرية تبحر في المياه الاقليمية ما يضيف الى المدى الحمائي ايضا 20 كلم ، و بالتالي تمكن سورية من انشاء درع بحري يحمي شواطئها و يمنع نجاح اي تدبير معادي في فرض حصار بحري عليها . و اضافة الى ما ذكر لا يمكن ان نهمل ما لدى سورية اصلا من قدرات نارية هائلة تمكنها من الوصول الفاعل الى اي نقطة على كامل مساحة فلسطين المغتصبة .
هذا الواقع المركب من سلوك سياسي عسكري ، و تعاظم في القدرات الدفاعية العسكرية السورية ، المترافق مع تقدم و نجاح ميداني يسجله الجيش العربي السوري ، من جهة و المقترن بتدابير عسكرية و سياسية روسية عامة و شاملة تمثلت اخيرا بتعزيز الوجود البحري الروسي في المتوسط و انشاء الوحدة العملانية الروسية فيه لاول مرة منذ عقود طويلة كل ذلك بات يقود الى القول بان المتغيرات الدولية على الصعد السياسية و الاستراتيجية اندفعت متجاوزة خط العودة الى الوراء و ان هذه المتغيرات باتت ترسم في سورية و حولها و عبرها الى العالم مشهدا على الموضوعين من الباحثين الاقرار به و التعامل معه على اساس انه واقع يكون من الحمق تجاوزه . مشهد يؤكد على الدلالات الهامة التالية :
1)
استعادة روسيا موقعها الدولي في نظام عالمي يتشكل على انقاض المشروع الاميركي المنهار ، و بالتالي سقطت مقولة الضغط و التخويف و ترهيب روسيا من قبل الغرب ، حيث اننا نرى ان القيادة الروسية القائمة ترد على الفعل الهجومي ضدها بهجوم مضاد يتجاوزه احيانا و هي تعمل باستراتيجية الدفاع للدفاع ـاو الهجوم للدفاع ، و اخيرا الهجوم ابتداءا من اجل حماية مصالح روسيا الاستراتيجة ليس على حدودها فحسب كما فعلت في جورجيا منذ سنوات بل و بعيدا عنها في اعالي البحار و المحيطات و في عمق المياه الدافئة حيث حلمها التاريخي .
2)
لا تتعامل روسيا مع المسألة السورية على اساس انها قضية دولية خارجية - و قد يكون تعاملها معها منذ سنتين و في الاشهر الاولى لبدء العدوان الغربي على سورية حصل تحت هذا العنوان – بل انها تتعامل معها اليوم على اساس انها جزء لا يتجزأ و لا ينفصل عن الامن القومي الروسي و المصالح الروسية في الفضاء الاستراتجي الدولي ، ما يعني ان التفاوض حول المسألة لم يعد في الفهم الروسي خاضعا لمنطق الصفقات و التبادل في المصالح بل بات محكوما بمبدأ وحيد لا حياد عنه متمثل بالقول بوجوب ابقاء سورية موحدة متماسكة و خارج القبضة و الهيمنة الاميركية و الغربية المباشرة او غير المباشرة ، و في هذا تتلاقى كليا مع استراتيجية الدفاع التي يعتمدها محور المقاومة المثلث المكونات و الذي وطن نفسه على اي قدر من التضحيات مهما بغت من اجل الحؤول دون نجاح اميركا في مخططها الذي يستهدف سورية ، و هي استراتيجية نجحت و تعاظم نجاحها في الاشهر الاخيرة بشكل يشجع العاملين عليها لمتابعة السير فيها لانجاز المهمة .
3)
ان روسيا لا تتسول موافقة هذا او ذاك من المعنيين بالشأن السوري على " المؤتمر الدولي حول سورية" لوضع اسس الخروج من ازمتها ، كما انها ليست بوارد التنازل لهذا او ذاك من اجل استرضائه و تشجيعه على المشاركة بهذا المؤتمر . بل ان روسيا طرحت المؤتمر للتخفيف من الخسائر و لم تتخذ منه الاداة الوحيدة للعمل ، و هو في كل حال – حتى لو تم انعقاده – لن يكون خلافا لما تريد سورية و لن يؤثر على مسار العمليات العسكرية التطهيرية التي تنفذها قوات الجيش العربي السوري بحكم ولايتها الامنية و السيادية على الارض السورية ، و هي عمليات حققت من الانجازات حتى الان ما اذهل العدو و دفع بالكثير من خلاياه الارهابية للتفكك و الفرار ، و ان هذه العمليات مستمرة و في الموازة مع المساعي السلمية من اجل استعاة الامن و الاستقرارللبلاد و اي منهما – السياسة او الميدان – حقق المبتغى اولاً يكون التمسك به مجديا .
4)
ان امتلاك سورية للقدرات الدفاعية الجوية و البحرية الفائقة الفاعلية و الاهمية و معطوفة على قدرات عسكرية برية متقدمة في كل مجالات البر نارا و حركة ، و مقترنة بالقرار الاستراتيجي الاخير المتعلق ببدء العمل باستراتيجية المقاومة عبر الجولان كل ذلك من شأنه ان يعطل لا بل يسقط ما كان يلوكه الغرب و يهدد به على مدار العامين الماضيين من قبيل القول بالتدخل العسكري الاجنبي المباشر ، او اقامة المناطق العازلة ، او الممرات الامنية ، او منطقة الحظر الجوي ، او الحصار البحري ، او و اخيرا الضربات الجوية الاسرائيلية لدعم المسلحين هنا او هناك على الارض السورية ، كل هذه العناوين من التهديدات و التلويح سقط الان من الناحية العملية و المؤثرة و ان كان احمق سيقدم عليه في لحظة انعدام توازن فكري – و هي لحظات قد تنتاب اليائس بعد الخسارة – فان الرد سيكون بما يتجاوز التوقع ، و لن يحقق المعتدي من عدوانه ان حصل الا مزيدا من التعقيد في خسائره .
و عليه نقول ان الحديث عن صمود سورية و نجاحها في معركتها الدفاعية ، و نجاح محورها الاقليمي المقاوم و جبهتها الدولية الصاعدة معها في هذه المواجهة ، لم يعد امرا من التمنيات او التصور و التحليل بل بات امرا واقعا يجب التعامل معه لمن شاء من المعتدين ان يكتفي بالخسارة التي حلت به حتى الان ، و ان مزيدا من العمل العدواني سيؤدي و بالتأكيد الى مزيد من الخسارة التي تلحق بالمعتدين ، و اتصور ان قياة العدوان – اميركا – باتت تفهم ذلك لذا انقلبت الى العمل باستراتيجية تحديد الخسائر و البحث عن ميدان اخر تعوض فيه ذلك خارج سورية ، فهل يقتدي بها العملاء و التابعين و المرتزقة و يوفروا على انفسهم و على سورية شيئا من خسائر اضافية لن تغير في اتجاه النتيجة ؟
 



  عدد المشاهدات: 1444

إرسال لصديق

طباعة
شارك برأيك

الاشتراك بالقوائم البريدية
البريدالإلكتروني: