الأمل بالعمل



الأكثر زيارة
 الصفحة الرئيسية   مقالات  

من اسقاط النظام الى طلب الغفران .. كيف تموت الخطوط الحمراء؟؟ ..بقلم نارام سرجون
March 22, 2015 06:20

ان كنت معارضا عربيا .. فلا تنظر في عيوني ولا تحملق في أحداقي لتقنعني بأنك تراني وترصد سكناتي وحركاتي وبأنك بارع في فهم النظرات وتنفذ الى الأسرار من نوافذ الحدقات .. 

لأن من يريد ان يراني فان عليه ان يحدّق في عيون كلامي لا في عيوني .. حيث أسكن ويسكن قلبي منذ أربع سنوات .. هناك حيث يعرف قلبي أين يبكي الكلام وكيف يغضب .. وكيف يولد وكيف يموت .. وكيف يبعث حيا .. كالسيد المسيح .. 

ويا أيها المعارض العربي .. لاتقرّب أذنيك من فمي وأنا أتحدث لتقنعني أنك تسمعني وأن كل طيور الكلام تقع في شباك أذنيك الكبيرتين .. لأن الكلام المسموع ليس تلك الكلمات التي تطير من حناجرنا .. وليس تلك القوافل من المفردات في الأفواه التي تكمن لها الآذان كاللصوص في الطرقات .. بل الكلام المسموع هو ذاك الذي يسمع كالصهيل في حناجر الكلمات التي أخطها .. وها أنت أيها المعارض تمر بها كل يوم وقد تركت أذنيك الكبيرتين .. واحدة في قطر .. وواحدة في استانبول .. ومابينهما ذيل طويل ..
وياأيها المعارض العربي .. لاتغامر باخراج دماغك من رأسك لتضعه في طبق كبير أمامي لتقنعني أنك تمارس التفكير والتحليل بدماغ كبير .. فليس المهم أن تمتلك دماغا وأن أراه لأن كل المخلوقات لها دماغ حتى وحيد القرن .. بل المهم أن يعمل في الدماغ العقل البشري والذكاء .. ولكن بعد أربع سنوات لايزال دماغك مثل دماغ وحيد القرن ..ان لم يكن أقل ..

فمنذ أيام أسقطت امام عيون الجميع طائرة أميريكية من دون طيار بالدفاعات السورية .. وهي من أعز الطائرات الذكية على قلوب الجنرالات الاميريكيين ومصدر فخرهم واعتزازهم .. ولكن كان موتها الصامت يشبه موت جنود اسرائيل في شبعا قبلها بأسابيع .. لا جنازة مهيبة ولااستنفار ولاخطابات حماسية ولاتهديدات بالحرب والعقاب ولاغضب .. سقطت الطائرة مثلما سقط جميع حلفاء اميريكا ومجتهدوها ومحبوها بلا مهرجانات وداع .. خبر نعيها استغرق دقيقة أو دقيقتين .. وكما اختفت الطائرة عن شاشات الرادار بعد أن تهشمت فانها اختفت بسرعة عن الشاشات الفضائية والعناوين وبيانات البيت الأبيض وتحذيراته .. لا بل تمنى البيت الأبيض من السوريين ألا يفجعوهم بعزيزة أخرى ..

ولم يلفت هذا الحدث نظر السياسيين والقبضايات الذين يفكرون بشؤون المعارضة السورية ويخططون استراتيجيا للثورة السورية ويعتبرون أنفسهم الخزانات الفكرية لها ومحركات بحثها أي كل واحد منهم مثل (غوغل الثورة) كان لايتوقف ان سألته عن سقوط النظام الوشيك ومعطيات الانهيار لأنه سيعطيك ملايين الأطروحات والخطوط البيانية ودلالاتها وتموجات التراجع الروسي الحتمي والتغير الايراني وانهيار الخزانات البشرية والعقائدية للشبيحة .. وجلسوا جميعا أمامنا منذ أربع سنوات (يغوغلون) ويمارسون السحر مع اللوغاريتمات السياسية للجاسوس الاسرائيلي عزمي بشارة ليقدموا لنا زبدة الكلام وخلاصات الخلاصات .. كم (غوغل) علينا برهان ومعاذ وميشيل وعزمي وصفوت الزيات وخديجة وكريشان وآغا وكم غوغل علينا سعود الفيصل وحمد بن جاسم .. حتى المهرج فيصل القاسم كانت خزاناته الفكرية والمعرفية بالأقدار والحتميات التاريخية تفيض كل يوم وتخرج من "اتجاهه المعاكس" فتغرق المعارضة بنعيم الفلسفة ونكهة النصر وتحس بالشبع والتخمة وتحس بالرضى والحبور وتشكر الله على نعمته !!! .. وكانت محركات البحث الثوري لاتترك تفصيلا الا وتفصل لحمه عن عظامه .. فكلما تنفس أردوغان وكلما عطس أوغلو يتوافد الجهابذة الى المحطات والجرائد ليقولوا لنا كيف اقتربت النهايات للنظام السوري .. وكلما استدعي ابن ملك السيفيليس الى واشنطن يهرول هؤلاء الى الفضائيات ليزفوا لنا سر الاستدعاء لأن الملك سيبلغ بساعة الصفر .. وان تجشأ هولاند تزاحم عباقرة الثوار لتفسير جشاءته ولحنها ومغازيها .. وأما اذا أطلق ملك السعودية ريحا ووصلت ريحه الى موسكو تدافع الخبراء الثوريون لتشمم عباءته وملء خياشيمهم ورئاتهم من هوائها .. ففيها رائحة النصر ..

أليس اسقاط الطائرة ذات الهوية الامريكية تحديا لأميريكا خاصة أن ملكية الطائرة تعود رسميا الى الجيش الاميريكي وتحمل علمه؟؟ هل تجاهل اميريكا لقتل طائرتها بالمضادات السورية لايعني أي شيء أبدا؟؟ أليست اميريكا هي سيدة من يتذرع ويخترع المبررات للهجوم على الدول حتى لو لم تكن هناك ذريعة؟؟ ألم تكن اميريكا وجون ماكين (أبو الثوار) قادرين على التصعيد والقول ان الطائرة كانت تقوم بمهام استطلاعية روتينية خارج الحدود السورية لمساعدة الثوار أو لتحديد مواقع المدنيين الضحايا (الذين صورهم قيصر) لمساعدتهم ولكن النظام السوري (الذي يقتل شعبه) قرر اسقاط الطائرة واعاقة عملنا ولذلك يجب أن يعاقب؟؟ أليست هذه حجة ممتازة لاشغال الشعب الاميريكي بشعارات الكرامة الاميريكية التي اهينت والتي يجب استعادتها في دمشق كما استعادت اميريكا هيبتها بعد بيرل هاربر في هيروشيما؟؟ كيف تقبل أميريكا أمام الرأي العام العالمي ان تقول لها دولة صغيرة محاصرة بالأعداء والازمات ورأسها مطلوب حيا أو ميتا: اياك وتجاوز الحد؟؟ فلو أسقطت الطائرة من قبل الروس أو الصينيين فان سكوت اميريكا مفهوم ولكن سكوتها هنا يجب أن يفهم أيضا لاأن يدفن في الرمال ..

ألم يفكر "وحيدو القرن" كيف تسمح القوات السورية للمقاتلات الاميريكية التي تضرب بعض المناطق بدخول مسارات محددة والزامية ومتفق عليها ولاتتحرش بها ولكن لاتمارس معها اية مجاملات ولاتبدي أي قدر من الصبر والتحمل عند تجاوز تلك المسارات كما حدث في اللاذقية؟؟ .. ولو علمنا أن قرار اسقاط الطائرة اتخذ في أقل من دقيقة عندما تجاوزت الطائرة مسارا لايسمح فيه السوريون لأي طائرة بعبوره .. فان علينا أن نعرف أن الاميريكيين أرادوا اختبار التحذير السوري الذي بلغهم عبر طرف ثالث بتجنب مسارات محددة بشكل صارم لامزاح فيه ولامجال للخطأ .. فأرسلت طائرة من غير طيار في نوع من التحدي الحذر كيلا يكون هناك احتمال لقتل طيار او أسره .. وماأزعج الأميريكيين بشدة هو أن الدفاعات الجوية السورية بدت متينة جدا وخطرة جدا وأن الروس قد جهزوها لتهزم اي تكنولوجيا جوية حديثة عندما يتخذ قرار بذلك .. فاسقاط الطائرة تم بعد ثوان من وصول الاوامر بالتنفيذ ولم تتعثر الدفاعات الجوية بأية مشاكل تقنية بسبب تجهيزات الطائرة المعقدة والمصممة على الصمت الراداري والتشويش الالكتروني وبدت الطائرة بلا حول ولاقوة .. وهذا مصدر قلق عميق لأن هذا يعني أن الدفاعات الجوية الروسية تجاوزت التكنولوجيا الاميريكية بعشر سنوات على الأقل .. لأن التفوق على تقنية صاروخية الكترونية يستدعي تقنيات وتجارب لاتقل عن عشر سنوات .. وهذه الحادثة لمن يقرؤها لا توضح فقط الوهن الذي أصاب العزم الامريكي في المشروع السوري .. بل توضح أنه حتى اسرائيل وتركيا صارتا مترددتين جدا بالتدخل جنوبا أو شمالا عند فتح المعركة الفاصلة والعربدة لانقاذ جبهة النصرة شمالا وجنوبا لأنه قد تحدث مفاجآت تكنولوجية لايمكن التنبؤ بها اذا ماتدخل الطيران التركي أو الاسرائيلي .. وبمعنى آخر فان السوريين خرجوا بعد أربع سنوات من مكامن الحذر والتريث والعض على الجرح وباتوا مدركين ان الخصم فقد اوراق قوته في المناورة .. وأن نهاية موجة الرحلات الجوية الاسرائيلية نحو أهداف سورية قد انتهت .. وأن الاصبع على زر الاطلاق ..

النهاية المأساوية لرحلة الطائرة الاميريكية والتي سبقها تصريح كيري بأن التفاوض مع الأسد يبدو خيارا لامناص منه توضح أن المعارضة السورية غير قادرة على تجنب الانكسار عسكريا وسياسيا بعد "تحييد" أميريكا عسكريا وسياسيا والذي تجلى في رغبة اميريكة واضحة بتجنب الحرب وبعدم التورط مباشرة في النزاع حتى عندما تهان .. ويوضح بشكل لالبس فيه أن الاميريكيين خرجوا من مرحلة (اسقاط النظام في ايام) الى مرحلة (الغفران للنظام) الذي أسقط طائرة اميريكية وكأن شيئا لم يكن .. ولم نعد بعيدين عن مرحلة (طلب الغفران من النظام) !! .. وأن بيع الخراف التي سمنت في المعارضة ليس ببعيد ..

كيف لايقوم وحيدو القرن بالسؤال عن الرد الامريكي في الزمان والمكان المناسبين واستجداء جون ماكين ليبحث عن تحريض الكونغرس للرد على تمرد الأسد وتحديه لهيبة أميريكا؟؟ لماذا يعتبر صمت اميريكا على اهانتها وجرح كبريائها حصافة لكن تريثنا في السابق على زعرنة نتنياهو واردوغان ينظر اليه على انه ضعف؟؟ ماذا لو كان هذا الحدث منذ سنتين عندما كان الامريكيون يريدون تغيير النظام في ايام وكانوا ينتظرون خطيئة عسكرية واحدة من نظام يقولون انه محور الشر الذي يعادي الحرية والديمقراطية ويقتل الشعب ويريدون ترحيله بأي ثمن في أيام؟؟

عندما لاتعمل عين ولاأذن ولاعقل وتصبح شبيها بوحيد القرن يمكن ان تكون بجدارة معارضا عربيا وسياسيا لامعا من مواليد الربيع العربي وقد ولدت في "جزيرة" .. "عربية" .. على يد قابلة اسمها موزة .. في مشفى "الاتجاه المعاكس" لصاحبه الدكتور فيصل القاسم الذي يولد المعارضون جميعا من "اتجاهه المعاكس" .. وعندها لايهم ان حدّقت وتأملت بعينيك الواسعتين .. ولن يكترث أحد بأذنيك الطويلتين حتى وان سمعتا الأذان فوق سطح القمر .. ولن يبالي أحد بما في تجويف جمجمتك من معجون مائع ثوري أحمر ..

ولكن كيف ننتظر من العيون التي لاترى والآذان التي لاتسمع وممن لديهم عقول وحيدي القرن أن يحاولوا تحليل الحدث المعقد والمحمل بالمواقف؟ .. ولو كان هناك من يفكر لما مر حدث كهذا كما لو كنا نرى فيلما صامتا لتشارلي تشابلن ..

انه مشهد من مشاهد تحطم الخطوط الحمراء في الأزمة السورية .. فلم تذق الخطوط الحمراء طعم الذل كما تذوقته ابان الأزمة السورية التي تحولت الى مقبرة ومحرقة للخطوط الحمراء ومقبرة للمواعيد ومجزرة للوعود .. وصارت الخطوط الحمراء تتمنى كل شيء الا ان يقوم أحد باستلالها والمبارزة بها في سورية لأن مصيرها محتوم في مقابر الخطوط الحمر .. وصارت الخطوط الحمراء تعرف أنها لاتستطيع أن تتحدث مع الأزمة السورية ولا أن تتجاوز الخطوط السورية .. فالخطوط السورية هي أكثر ماتكرهه الخطوط الحمراء .. فقد رأينا الخطوط الحمراء الفرنسية والبريطانية تموت في بابا عمرو في حمص ورأيناها تموت في حلب ورأيناها تموت في الجنوب .. واليوم نراها تتهاوى في اللاذقية .. 
ولذلك سأعيد عليكم كلاما قلته منذ الأيام الأولى لما يسمى الثورة السورية .. سأعيده لأنني أعرف أنه مفتاح لحل لغز المعارضات العربية والسورية منها تحديدا .. قلت لكم ماقاله فريدريك نيتشه: من لم تستطع أن تعلمه الطيران فعلمه على الأقل كيف يسقط بسرعة .. 
وبالطبع فان وحيدي القرن ليست لهم أجنحة لننفق الوقت في تعليمهم الطيران .. فعلموهم اذن كيف يسقطون بسرعة..


 



  عدد المشاهدات: 1706

إرسال لصديق

طباعة
شارك برأيك

الاشتراك بالقوائم البريدية
البريدالإلكتروني: