March 26, 2015 16:31

الاستيلاء على الاخوان المسلمين .. بين قوانين ماركس وابن تيمية ....بقلم: نارام سرجون

عندما كنا نقرأ في الديالكتيك الماركسي قوانين التحول الاجتماعي كنا نعتقد ان النظرية الماركسية تدرس المجتمع الذي يتحول بحتمية تاريخية نحو الاشتراكية والشيوعية الأممية كقدر لايرد لان للتحولات الاجتماعية قوانينها الصارمة مثل قوانين الفيزياء والكيمياء ..

 


ولم يكن يخطر ببالنا اننا سنستعين يوما ببعض اللوحات والقوانين الماركسية في دراسة أقدار الاخوان المسلمين كحزب وكحركة اجتماعية ثيولوجية .. فكلما تأملت في صيرورة الاخوان المسلمين تذكرت قانونا ماركسا ذهبيا هو (قانون اقتران التحولات الكمية بتحولات نوعية) وهو مبدأ مشتق من الفيزياء .. أي مثلا كلما زادت درجة حرارة السائل زادت امكانية تحوله من حالة سائلة الى غازية (أي تحول الماء الى بخار بزيادة درجة حرارته الى أن تصل الى الغليان) ..والمجتمع يشبه سائلا يتعرض لضغوط سياسية وظروف اقتصادية تتسبب في تحوله وانقلابه الى مجتمع آخر بايديولوجية جديدة .. وكان الماركسيون اللينينيون يرون أن كل التغيرات الرأسمالية تجبر المجتمع في النهاية على أن يتحول تلقائيا الى الشيوعية .. حيث هي نهاية التاريخ البشري بوصول الانسان الى السعادة الاشتراكية والعدالة الشيوعية !! .. لكن نظرية ماركس تحطمت وبدل ذلك تحول البخار البروليتاري المتصاعد الى ماء بارد .. ووصل التاريخ الى نهاية مغايرة تماما لما توقعته الماركسية .. وأصر فوكوياما أنه رأى تلك النهاية المغايرة التي تتجلى بالوصول الى السعادة الليبرالية الديمقراطية الغربية النموذج .. وكأن فوكوياما كان يسخر من ماركس باعلانه نهاية التاريخ بالاتجاه المعاكس تماما .. واياكم أن تتخيلوا أن ماركس وفوكوياما كانا يتجادلان حول نهاية التاريخ في برنامج "الاتجاه المعاكس" للمهرج فيصل القاسم لأننا نتحدث عن نظريتين عملاقتين وليس عن كبشين أو ديكين أو راقصتين تتعاركان أو قبضايات حارة الضبع .. ولأننا نتحدث عن عقلين جبارين و ليس عن مشفى للمجانين العرب يبث حوارات المجانين على الهواء مباشرة باشراف مهرج المجانين ..

ولكن قانون (ترافق التغيرات الكمية بتغيرات نوعية) هو ما بدأ ينطبق على حركة الاخوان المسلمين التي تتعرض لضغوط شديدة نتيجة اخفاقات شديدة دراماتيكية حيث يبدو الاخوان المسلمون في أسوأ أيامهم .. وهم لذلك سيطرأ عليهم تغير نوعي شاؤوا أم أبوا .. فقد خسروا اكبر رهاناتهم وصفقاتهم التاريخية على الاطلاق .. فهم خرجوا من تاريخ مصر السياسي وقاموسها الاجتماعي الى غير رجعة .. وتدحرجوا في تونس الى الزوايا المظلمة حيث بدأت عمليات التحنيط لهم .. وغني عن القول أنهم في سورية لم تعد لهم خبزة ولاأمل في مستقبل السوريين الى الأبد .. بل ان المجتمع الحاضن لهم في سورية قد تسببوا بكارثة اجتماعية له حيث تشتت بين المنافي والمخيمات والمناطق المحاصرة والتي تموت تدريجيا من ناحية النشاط السكاني الحيوي وحرمان أبناء تلك المناطق من التعليم الذي كان سيشكل رافعة لقواهم الاجتماعية مستقبلا .. ولم يبق للاخوان المسلمين سوى قاعدة في تركيا تتعرض نفسها لظروف قاسية وتحديات عنيفة في العمق لايبدو ان المستقبل القريب سيحمل أخبارا طيبة لها ..

ولذلك تأتي اعترافات الاخواني أحمد منصور بترهل الحركة واتهامها بالاختراق من قبل السي آي ايه ليس من قبيل اعلان التوبة ولكنها محاولة سخيفة يائسة لاعادة تعويم الاخوان بعد غرقهم في الفوضى الخلاقة .. وكلامه مجرد حركة دعائية لتنظيف التنظيم مما علق به من كوارث وفضائح ومحاولة لرتق الثقوب في ثوب الحركة الاخوانية الممزق الذي يكشف أعضاءها الحميمة التي لم تعد عذراء ومليئة ببقايا الرذيلة .. وهي كذلك محاولة لانقاذ سمعتها بالقول ان كل الكوارث التي تسببت بها كان بسبب اختراقها بمؤامرة وليس بسبب سوء طبعها وطباعها وأخلاقها الدموية اللصوصية .. ولكن لاشيء يغير من الواقع الذي يقول بأن الاخوان المسلمين حركة تعزف لحن النهاية بالشكل الذي اعتدنا عليه لعقود .. الا انها نتيجة التحولات الكمية الهائلة التي تعرضت لها فانها في بنيتها بدأت تبحث عن تغيرات نوعية .. وهنا يمكن فهم التقارب السعودي التركي .. والاصرار السعودي على التقارب مع مصر ..

فهناك من يريد أن يرث حركة الاخوان المسلمين المنهكة التي تشبه مشروعا مفلسا لكن رأسماله لايزال مثيرا لشهية المستثمرين في المزادات العلنية للسياسة .. والحركة لاتمانع في انتقال التركة لمالك جديد وراع جديد وسيد جديد الا أنها تفضل أن تبيع نفسها للمالك جديد وفق صفقة تبادل منافع .. ولكن من سيكون أفضل من الراعي السعودي؟؟

السعودية وبرسم صهيوني ماكر دخلت سابقا الى العراق واستولت على حزب البعث العراقي بعد سقوط بغداد .. فقد تنبهت الصهيونية الى أن سقوط البعث عن الشجرة في بغداد لايعني موته بل سقوطه في سلة أخرى .. والخوف كان أن هذه السلة ستكون السلة البعثية السورية لقربها الايديولوجي منه وهو خيار اجباري طبيعي وقد تجلى باحتضان يونس الأحمد الشخصية البعثية العراقية من قبل البعث السوري .. لذلك كان لابد من تلقف البعث العراقي في السلة السعودية الوهابية عبر استمالة عزت الدوري الى الرعاية السعودية رغم ان مملكة آل سعود هي التي سهلت اسقاط البعث العراقي وحكم السنة .. ثم تلا ذلك التلقف للبعث العراقي التدفق الى المثلث السني بالمال السعودي الكثيف وحركة التبشير والوعظ والاستفادة القصوى من الاحتقان الذي تسبب به اعدام الرئيس صدام حسين وظهور الشيعة على انهم يستولون على حق السنة في الحكم دون أي ظهير أو سند في العالم سوى السعودية الأم الرؤوم للعالم السني المظلوم .. وهنا ظهرت قوة قوانين ماركس الاجتماعية بأن التحولات الكمية تترافق بتغيرات نوعية .. فزيادة كمية التحولات في كل الحياة السياسية والاجتماعية العراقية رافقها تحول كبير في نوعية الايديولجيا السائدة في الأنبار معقل حزب البعث والرئيس العراقي الراحل صدام حسين .. فتحول البعثيون الى سلفيين بسرعة كبيرة .. وهو ممر اجباري نحو الوهابية .. التي انتهت الى داعش الحالية ..

والسعودية قامت بنفس السيناريو في لبنان سابقا عند زرعها لمرحلة رفيق الحريري الذي قام بعملية تحويل الطاقة الاسلامية "السنية" في لبنان الى فرع وهابي يوازن التيارات الاخرى ويعتبر ذراعا سعوديا في لبنان تم استثماره فورا عند الطلب ..
اليوم سقط الاخوان في مصر .. وهم لايزالون قوة كامنة ما في المجتمع .. ولذلك تجد السعودية في ذلك فرصة ناردة لها لأنها ستستطيع وبسبب الظرف الاخواني الصعب في مصر أن تقوم بعملية استيلاء على الحركة وامتصاص طاقاتها لضمها الى الحركة الوهابية .. وتكوين ذراع سعودي وهابي عبر ابتلاع الاخوان المسلمين في المعدة الوهابية وتحويلهم الى تيار سلفي يشاطر الحكم الحالي السياسة عبر تيار "مستقبل" وحريري مصري سيظهر رويدا رويدا .. لأن محاربة الاخوان من قبل الدولة المصرية لاتعني محاربة السلفيين .. كما ان حرج السيسي من تحديد النشاط الديني السلفي في مصر سيكون واضحا وهو الذي يطلب من ممالك النفط فيعطى ..

التحرك السعودي تجاه مصر ليس قادرا على استدراج قادتها الحاليين الى معارك السعوديين مع ايران أو مع اليمن رغم رسائل التهديد الواضحة للسيسي في ذبح المصريين الأقباط في ليبيا ورغم الابتزاز الاقتصادي للمصريين .. فالعملية كانت لارهاب السيسي من ان ميله نحو المحور الآخر ستعني ارسال داعش اليه في قلب مصر وأن عليه الاستجابة لشروطهم .. ولكن السعوديون يدركون أن السيسي يعرف يقينا أنه لايستطيع على الاطلاق التوجه الى اليمن الا بشكل رمزي .. ودرس عبد الناصر لايزال ماثلا امامه .. فعبد الناصر لايزال يلام على تورطه المباشر في المشكلة اليمينة عسكريا .. كما ان السيسي يدرك ان ثورته على محمد مرسي قامت على خطأ قاتل لمرسي باعلانه النية بالتورط في النزاع في سورية وخوض الحرب نيابة عن الآخرين .. ولذلك لايبدو اي سياسي مصري قادرا بعد اليوم على ان يأخذ جنديا مصريا واحدا خارج حدود مصر للقتال نيابة عن أحد أو من أجل معارك الآخرين .. ومن هنا يستطيع كل مراقب أن يستنتج أن السيسي لايستطيع حتى أن يحارب في الخليج ضد خطر ايراني مزعوم ليس لأن لايوجد اي احتمال لغزو ايران للخليج فقط .. بل لأنه لايقدر علنا على بيع دماء جنوده من اجل أي ثمن والا فانه سيسقط معنويا .. لكنه قادر على تصدير الكثير من الكلام السياسي والمواقف التي لاتلزمه بأي شيء مهما حاول اظهار مشاركته في الصراعات التي تخوضها السعودية .. ومع هذا فان الخطر الكامن هو أن السعودية تنفق كلامه داخل مصر وليس خارجها ..

فمن يتابع الاعلام المصري يجد أن هناك توجيها للرأي العام المصري على أن هناك خطرا ايرانيا على مصر نفسها .. ففي كل يوم يطلع علينا لقاء أو تصريحات أو محللون يصورون ايران تحاصر مصر وتتسلل اليها عبر السياحة وعبر الزيارات المدنية والمشاريع مع نسيان اسرائيل نهائيا وخروجها من خارطة الأمن القومي المصري .. وهذه لاتدل الا على رائحة اعلام سعودي خاصة انه بدأ يتحدث من جديد عن خطر شيعي مزعوم حتى أن توفيق عكاشة الذي كان يهاجم الاخوان بدأ ودون سابق انذار بمهاجمة حسن نصرالله بعنف والتحريض على الشيعة فيما شارك الأزهر بحملات تحريض بحجة أن أهل تكريت يتعرضون للقتل رغم أن داعش عي التي تحتل تكريت وكان حريا بالأزهر منطقيا أن يشجع على استئصال داعش وهو الذي ثار لذبح داعش للمصريين الأقباط في ليبيا .. لكن الغاية النهائية من هذا التسلل السعودي الاعلامي تحت سمع السيسي وبصره هي الاستيلاء خلسة -ودون انتباه الدولة المصرية- على تيار الاخوان المسلمين المصريين الذين سيتسربون بسرعة الى التيارات السلفية الوهابية كملاذ آمن (مسموح به رسميا) خاصة ان الخطاب المذهبي عموما سيجذب هذه التيارات بسرعة وهي التي تبحث عن معركة تفرغ فيها احتقانها وتعوض فشلها بالانضمام الى معركة تحرز فيها انتصارات .. وهذه التيارات السلفية ستحول ايران (عدو السعودية) بسرعة الى العدو الأول لمصر .. ومن هنا نجد توفير السعودية الغطاء الواقي لقطر ضد مصر في مجلس التعاون الخليجي رغم ان قطر هي عش الاخوان المسلمين المعادين لمصر .. وفي هذا اشارة تعاطف .. وتحاول التقارب مع تركيا كاشارة غزل للاخوان المسلمين لأن تركيا هي ايقونة الاخوان المسلمين .. وكذلك ظهرت ميوعة الموقف السعودي في عدم تحمس السعودية لضرب الاخوان الليبيين من قبل السيسي أو لتشكيل قوة دولية لهذا الغرض .. وهذه الرعاية غير المباشرة ستشكل بالتدريج قوة ضاغطة معنوية كمية لخلق تغيرات نوعية في جسم الاخوان المسلمين المثخن بالجراح والاخفاقات مما يفيد السعودية في وضع يدها على حركة الاخوان المسلمين المصرية من الداخل لتمارس السياسة لاحقا على طريقة تيار المستقبل اللبناني .. وتتحرك باشارات سعودية .. ويصبح السيسي من بعد ذلك مشلولا سياسيا ومسيّرا مثلما كان ميشيل سليمان رهينة لتيار المستقبل .. وهذا التغيير في جسم الاخوان المصريين تطبيق للمبدأ الماركسي القديم (ترافق التغيرات الكمية بتغيرات نوعية) .. اي تحول الجسم الاخواني الى جسم وهابي ..
وهذه التجربة مر بها اخوان سورية الذين بعد تشتيتهم اثر معركة حماة فان كثيرين منهم لاقوا ملاذا آمنا في السعودية التي قامت باعادة تأهيلهم عقائديا واعادة انتاجهم كقوة وهابية في تيار الاخوان المسلمين السوري وهو ماحصل ونجده في النزعة الوهابية القوية جدا لدى الاخوان السوريين الذين ذابوا بسرعة بين الجيش الحر وجبهة النصرة والقاعدة وداعش .. وهي عملية سهلة جدا لأن الجذور المشتركة للحركتين الاخوانية والوهابية كثيرة ..وان وجدت بعض التفاصيل الصغيرة الخلافية ..

لاأحد يستطيع أن يتوقع كيف ستنتهي اللعبة بين السيسي وبين السعوديين الذين يريدون دخول بيت السيسي وغرفة نومه والامساك به وبعنقه فيما هو يريد أن يلاعب اللصوص بذكاء على طاولة قمارهم وعبثهم يضعون فيها اموالهم (التي مثل الرز) على الطاولة ويثملون بالوعود والأناشيد ويعدهم فيها بأطايب الكلام والتصريحات و"مسافة السكة" دون أن يتحرك في اية سكة .. فهو يدرك ان السعودية غير مغرمة بالمصريين وبمصر .. وهو يدرك أن المراد أن يستجيب للضغط والمشاركة في حروب السعودية (البعيدة عن اسرائيل) .. ولكن السعودية تدرك انه ايضا غير مغرم بها مثل معظم المصريين الذين لم ينسوا طعنات السعوديين لهم .. وكل المؤتمر الاقتصادي المقدم لمصر مشروط ظاهريا بشرط واحد فقط هو ابتعاد مصر عن ايران وسورية والعراق وتيار المقاومة وهو شرط اسرائيلي أيضا .. لكن هذا الابتعاد كلما طال زاد من حدة الورطة المصرية .. لأنه اذا كان هناك من خطر على مصر خارجيا فهو اسرائيل وليس ايران .. ولكن الخطر الداخلي على مصر هو خطر سعودي باستيلاء مبرمج ومدروس (وبتنسيق اميريكي اسرائيلي) على حركة الاخوان المسلمين كيلا تتلقفهم جهة أخرى .. وهذا سهل جدا على السعودية وصعب جدا على ايران .. وعندها ستتم تربيتهم وهابيا بسرعة ولن يمكن لجمهم لأنه سيتم حقنهم بالمذهبية والاقصاء والكراهية للآخر الى حد الافناء والذبح ولن يمكن التحكم بسلوكهم واندفاعتهم .. وقد يستفيق المصريون قريبا ليجدوا أنه انبثق منها سعد الحريري بنسخة مصرية وتيار مستقبل مصري يشبه تيار المستقبل اللبناني الذي يتحرك باشارات سعودية والذي يسبب فشل اي نهضة في مصر ويكون مستعدا لخلق اية ازمة وحتى لاعلان اماراته .. يقول لهم:
وما أنا الا من غزية ان غوت ... غويت وان ترشد غزية أرشد

واذا كانت النظريات والقوانين الماركسية لاتزال قابلة للتطبيق ولو جزئيا فان على المصريين الاستفادة من قانون نفي النفي الذي وضعه ماركس .. حيث المشاعية تنفيها العبودية .. والاقطاعية تنفي العبودية .. والرأسمالية تنفي الاقطاعية .. والرأسمالية ستنفيها الاشتراكية (كما اعتقد) .. لأن قانون نفي النفي الذي يجب ان يكون في العقيدة السياسية المصرية هو أن المذهبية تنفيها الوطنية .. ولكن الوهابية تنفي الوطنية .. ولايمكن انقاذ الوطنية الا بخلق نفي للنفي الوهابي .. وهذا يترك في يد النخب المصرية .. والقيادة المصرية .. وخاصة .. الرئيس السيسي .. لانقاذ مصر قبل فوات الآوان ..
 



شارك برأيك

الاشتراك بالقوائم البريدية
البريدالإلكتروني: