الأمل بالعمل



الأكثر زيارة
 الصفحة الرئيسية   مقالات  

السلطان عارٍ- بقلم: أحمد حسن
June 03, 2013 13:52


كل الأخبار - البعث : بالأمس ضُبِطَ السلطان عارياً حتى من ورقة التوت الديمقراطية التي كان يتستر بها، ومن لديه شك في ذلك، ليس عليه سوى أن يلقي نظرة سريعة على شوارع تركيا وساحاتها، ومنها ساحة "تقسيم" في اسطنبول، التي قسمت الأتراك إلى قسمين: في الأول يقف الشعب التركي الثائر على "أردوغان الكيماوي"، كما ضجت الأصوات في الساحات، وفي الثاني يقف السلطان وطغمته صارخاً: أنا الدولة والدولة أنا.
وكي لا نخطئ التحليل، ليست المشكلة في حديقة هنا أو جسر هناك، المشكلة كلها في رجل أراد أن يختصر تركيا الكبيرة والعريقة، والمتشكلة من نسيج أوروبي آسيوي، غربي إسلامي، في شخصه، وشخصه فقط، المشكلة في رجل وصل إلى الحكم عبر صناديق الاقتراع، لكنه سرعان ما حوّل ذلك إلى غطاء لفاشية مطلقة، فحين اقترب موعد المغادرة بطبيعة الديمقراطية وآلياتها، سعى بكل ما يملك لتغيير الدستور وكتابة آخر على مقاسه، ليضمن لنفسه حكماً دائماً لا يحول ولا يزول.
وكي لا نخطئ التحليل مرة جديدة، فإن القصة لم تبدأ منذ أيام قليلة على ما يبدو لأول وهلة، بل هي نتيجة سلسلة تراكمات تفضح ديمقراطية الرجل الذي حوّل بلاده إلى أكبر سجن في العالم للصحفيين بحسب منظمات دولية معنية، رجل شهد عهده ازدهاراً اقتصادياً لا ننكره، لكنه شهد أيضاً "ازدهاراً"، إذا جازت التسمية، في عمليات الاغتيال الممنهج للمعارضين، و"إزدهاراً" في التضييق الرسمي على حرية التعبير، والأهم من كل ذلك، "ازدهاراً" غير مسبوق للمشاعر الطائفية والمذهبية، في الداخل والخارج، التي غذاها بوعي كامل "زعيم الأمة الإسلامية الجديد"، وآخر مآثره في ذلك كان تحديه لمشاعر ملايين الأتراك، ومئات ملايين العرب في تسمية جسر يربط بين الشطر الآسيوي والأوروبي من بلاده، باسم السلطان سليم الأول، أحد كبار الجلاوزة في التاريخ، سواء بسبب مجازره في الداخل، أو في الخارج، التي بدأت في "مرج دابق"، ثم تناسلت على مدى أربعة قرون "اتسمت بالتخلف الثقافي والاضطراب السياسي والفتن الدينية والمذهبية".
وبالأمس، جاء دور الشعب التركي، ليوجه أردوغان وقواته سلاحه ضده، بعد أن اختبر هذه الأسلحة، وبينها الكيميائي، على الشعب السوري. وبالأمس، وكعادة المجرمين في ارتكاب جرائمهم تحت جنح الظلام، سارع "أردوغان الديمقراطي" ليقطع شبكة الإنترنت عن المتظاهرين، بهدف حجب صورة جرائمه عن العالم، الذي طالما قدّم نفسه له على أنه المثال والأنموذج المقبل، ليصبح السؤال مطروحاً بقوة عن هذا النموذج القاتل، لرجل ليس لديه علاقات جيدة حتى مع شعبه، فكيف مع الآخرين، وهو ما يشي بأمرين متناقضين: وهمُ "السلطنة" يتوسع، ورقعة "تصفير المشاكل" تضيق حتى في الداخل.
وبالأمس أيضاً، سقط القناع بالكامل، ليظهر السلطان عارياً أمام شعبه الذي صرخ بوجهه: "نحن هنا يا طيب، أين أنت؟"، صراخ لم يترك له إلا طريقاً واحداً: تنفيذ ما أتحف المنطقة والعالم به بدروسه التلفزيونية عن الديمقراطية وضرورة الاستماع للشعب، ما يفرض عليه بالتالي أن يكف عن التمادي في انفصاله عن الواقع، وعن تحديه لشعبه، ويتنحى، تاركاً الأمر للشعب الذي سأم من تراكم أصفار كبرى في العلاقات والأخلاق والديمقراطية.
بيد أن معركة الشعب التركي ليست بهذه البساطة مع ديكتاتور من هذه الطينة، والأمر لم ينته بعد، وهو ما أوجزه ببلاغة مطلقة متظاهر في التاسعة عشرة من العمر قائلاً: "رئيس وزرائنا يرى الناس مجرد خرفان ويعتقد أنه سلطان"، وكيف للسلطان أن يستمع للرعية، ما دامت الحاشية في الداخل، والرعاة في الخارج لا ترى عريه المفجع، لكن الشعب يراه ويصيح: السلطان عار ..عار..عار.



  عدد المشاهدات: 1401

إرسال لصديق

طباعة
شارك برأيك

الاشتراك بالقوائم البريدية
البريدالإلكتروني: