الأمل بالعمل



الأكثر زيارة
 الصفحة الرئيسية   مقالات  

الطريق إلى الباب العالى.. أوهام أردوغانية...خيري منصور/ الاهرام
December 13, 2015 15:07

الطريق إلى الباب العالى.. أوهام أردوغانية...خيري منصور/ الاهرام

ليس من هدفنا رسم بورتريه لأردوغان فالصور الفوتوغرافية تكفي، منذ غادر المنصّة في دافوس احتجاجا على خطاب شمعون بيريز حتى تصريحاته بعد مقتل عدد من الاتراك في سفينة مرمرة التي حاولت اختراق حصار غزة،


فالرجل على ما يبدو قرر منذ ظهر على المسرح السياسي ان يلعب دورا يعيد الباب العالي الى الاستانة الجديدة، ولمثل هذا الدور متطلبات وشروط محلية واقليمية ودولية ايضا، لكن اردوغان قبل ان يبدأ بتحقيق حلمه، اصابه التورم النرجسي وطاش كما يقال على شبر دم عربي في سوريا ، لهذا لم تصبح الاردوغانية او ما يسمى كذلك من باب المجاز والتجاوز واقعا في تركيا كما كان الحال من قبل في الاتاتوركية، ولعل سبب تعجّل اردوغان في لعب دور البطولة في الاقليم على الأقل كان احساسه بأن هناك فراغا عربيا نتج عن الشيخوخة السياسية لبعض النظم العربية او عن تفكيك دول وجيوش كما حدث في العراق، ووجد بالتأكيد من زيّنوا له الدّور، فبدأ يطرق بابا آخر هو باب الأسلَمة، واستقطاب التيارات الاسلامية في العالم العربي خصوصا حين وصل بعضها الى السلطة وسدّة الحكم .

لكن هذا الباب لم تكن له الأولوية عندما دميت قبضته من طرق باب النادي الاوروبي، حيث استجاب لكل شروط سادة النادي وسال لعابه على العتبة لكن الباب لم يصرّ، ولم تنفع معه حتى عضوية الناتو، الذي استضاف تركيا بموجب مادة استثنائية من دستوره هي المادة السادسة التي رأت في تركيا مجرد درع على خاصرة الاتحاد السوفيتي في الحرب الباردة .

لقد خدع أردوغان بعض العرب لبعض الوقت، وهناك محال تجارية في بعض العواصم العربية حملت اسمه تعبيرا عن امتنان ازاء مواقفه من القضية الفلسطينية، لكن من عجزوا عن قراءة ما بين السطور في تصريحاته المعادية لتل أبيب سرعان ما صحوا من الغيبوبة السياسية، والتي كان سببها انتظار المخلّص او السلفادور كما يُسمى في امريكا اللاتينية، وبالتأكيد كان أردوغان وذراعه الدبلوماسية والايديولوجية اوغلو على دراية بما يعانيه العرب من فائض الانتظار لمن ينوب عنهم في الصراع ومن صفّقوا لمغادرته منصة دافوس اثناء وجود الامين العام للجامعة العربية يومئذ عمرو موسى وجّهوا عتابا قاسيا للأمين العام لأنه بقي في مكانه، ولم يخطر ببالهم للحظة ان عمرو موسى لو اقتفى خطى أردوغان في ذلك المشهد المسرحي لجرّ وراءه ثلث مليار عربي الى الباب العالي . الآن وبعد تساقط الاقنعة تباعا في انقرة نضطر لاعادة قراءة بعض الوقائع بأثر رجعي لأن ما تكشّف من نوايا الهيمنة ونستولجيا العثمنة وأحلام استعادة الخلافة يفرض علينا قراءة اخرى لاطروحات سياسية كانت تحمل في باطنها وطياتها نقيضها .

وقد تكون الازمة السورية هي ما اظهر أردوغان على حقيقته، فكان اول من تعامل مع تلك الازمة براديكالية تدعو الى الرّيبة، واتضح للجميع ان الرجل يسعى لتفجير الازمة وليس انفراجها، وله اسبابه في ذلك، وفي مقدمتها اطماع قديمة في سوريا، وكان مذاق لواء الاسكندرونة العربي الذي احتلته تركيا يدعو الى المزيد من التهام الارض، ولو كان اردوغان صادقا في خطابه المتأسلم لا الاسلامي لتذكر ذلك اللواء المسروق، لكن المقولة الشهيرة عن الحق الذي يُراد به جملة من الاباطيل وليس باطلا واحدا، تجسّدت لدى اردوغان في موقفه من مصر، فهو لم يتردد في العديد من المناسبات ومنها ما هو دولي في التنديد بالقاهرة، وقرأ الحركات السياسية التي حدثت في مصر خلال بضع سنوات بعين واحدة، كانت تقول مبتدأ الجملة السياسية ثم تصمت عن خبرها، فهو تعامل مع مصر برغائبية عثمانية او بما ترسّب منها، وجاءت الاحداث الاخيرة بدءا من اسقاط طائرة سوخوي الروسية بمثابة افتضاح سياسي للرجل، فهو رفض الاعتذار وكرر كلمة السيادة التركية مرات تدعو الى التشكيك في وجودها، لكنه سرعان ما قال انه لم يكن يتمنى سقوط الطائرة ثم انه لو كان يعرف انها روسية لما أُسقطت، وحاصل جمع هذه التصريحات والاستدراكات هو اكثر من مجرد اعتذار، والارجح ان اردوغان كان يعوّل على اعضاء الناتو لحفظ ماء الوجه ناسيا او مُتناسيا ان الولايات المتحدة واوروبا تستخدم تركيا جوا وبرا وبحرا لحروبها لكن لا تقبل استخدام تركيا لها، ربما لهذا السبب توارت واشنطن وراء حلفاء آخرين كي لا تكون في الواجهة مقابل موسكو، وقد يكون هناك من انصار اردوغان واوغلو من استعادوا ازمة خليج الخنازير في كوبا في مطلع الستينيات من القرن الماضي، لكن لتوظيف الحدث على نحو معكوس وغاب عنهم ان العالم تغيّر كثيرا، وان اوروبا التي رفضت استضافتهم في ناديها خشية من اسلمة الاتحاد كما قال ساركوزي قبل مغادرة الاليزيه سوف تقف معهم في خندقهم المتأسلم الجديد الذي يحتشد فيه من صدقوا ان الباب العالي على وشك العودة ، وان العروبة مجرد تهمة تركية يعلق من ينطق باسمها على المشانق في عاليه، او ان العسس العثماني سيعود لنبش سرير الكواكبي المطارد والذي لجأ الى مصر او اغراق مخطوطات الرائد عمر الفاخوري في بئر ماء .من صدّقوا اطروحة عودة العثمنة تناسوا ان جدّاتهم وامهاتهم اميّات بفضلها وان مدرسا من الشام دفع حياته ثمنا لاستخدام رمز الماء في درس الكيمياء وهو ، لأن العسس وشى به الى الباب العالي وفسّر هذا الرمز الكيميائي سياسيا بحيث اصبح حميد الثاني صفرا ! واذا كانت انقرة الاردوغانية تحلم باعادة تقسيم العالم العربي في الاحتفال المئوي لسايكس بيكو بحيث تظفر بالغنائم فإن عليها ان تتذكر تلك المعاهدة بينها وبين موسكو والتي تهدد موسكو بعدم تجديدها، والتي تخسر تركيا بسببها ارضا وبشرا وسيادة ايضا !!ولو كان اردوغان قرأ هيجل او ماركس او حتى الكاتب الارمني وليام سارويان لأدرك ان التاريخ لا يتكرر مرّتين وان تكرر فإما بشكل كوميدي او مأساوي ولو قرأ قصيدة لأدغار الن بو لتأكد ان ما مضى لن يعود !!

ويخطىء كثيرا اردوغان حتى لو كان طبعته منقّحة ومزيدة من اتاتورك ان التاريخ سيتيح له تعيين واليا في دمشق او القاهرة او بغداد ! انه يذكّرنا بواليه على بغداد داوود باشا الذي يروي مؤرخو العراق انه صُدم فور وصوله بغداد من شدّة الحرّ، وحين قيل له ان هذا الحرّ ضروري لانضاج العنب والتين والنخيل أمر بخلع هذا الشجر من جذوره او احراقه!! نعم، لقد خدع اردوغان بعض العرب لبعض الوقت ومنهم من صدّقوا انه سينوب عنهم في تحرير المُحتل من ارضهم او انه سيحقق العدالة عندما يستعيد دور البطولة في واحدة من اكثر مسرحيات التاريخ كوميدية !!

الاهرام  



  عدد المشاهدات:

إرسال لصديق

طباعة
شارك برأيك

الاشتراك بالقوائم البريدية
البريدالإلكتروني: