الأمل بالعمل



الأكثر زيارة
 الصفحة الرئيسية   مقالات  

حدث في وطني سورية / بقلم: باسل يونس الناصر
December 14, 2015 15:14

حدث في وطني سورية  / بقلم: باسل يونس الناصر

في ساعات الصباح الأولى.. جمع أشياءه و رحل .
رحل كما الهارب من القدر .. عالماً في ثنايا قلبه بأنه سيلاقي القدر ..
كان قد ترك خلفه, أُمَّاً غفت على أريكة خشبية قديمة , وقد بللت دموعها وسادتها الممزقة , وحبيبة تعلقت به .. مضت تبحث عن حبر تخط فيه رسائلها له ... لكنها لم تجد سوى أوراق دفتر مدرستها الذي هجرته مرغمة .. وبضع دمعات انهمرت منها على عجل ..
على مغسلته .. أكوام من قصاصات شعره .. بعد أن قرَّر أن يحلقه .. و يرتدي اللباس العسكري.
ليس من أمرٍ في الأرض أقسى عليه أكثر من فقدان صديقه الشهيد , صديقه ورفيق عمره.
كان قد قضى يوماً وليلة غافياً على تراب قبر الشهيد , يشمُّ التراب ويجذبه بأصابعه , يستذكر بألم كل لحظة ضحكا فيها معاً .. وخلافاتهما وشتائمهما لبعضهما البعض ...
ليس من صوت حوله سوى تلقيم البنادق .. سوى صوت الرصاص الأصم .. يئزُّ على مسمعه حتى اعتادت أذناه الصوت.
انسحب قليلاً ... وبكى كما يبكي الرجال .. كان كل ما فيه يبكي .. يداه .. جبينه .. صدره .. أخمص بندقيته .. إلا عيناه .. لم تبكيان
على ساترٍ ترابي .. بضعة أمتار كانت بينه وبين من حرمه صديقه ..
بضعة أمتار كانت بينه وبين دمعة أمه .. ولهفة حبيبته .
رمى ما تبقى بجيبه من رصاصات في مخزنه بندقيته .. وجعل ينتظر رؤية عدوه .. ممنيا النفس بلقاء صديقه الشهيد في العلى .
خمس دقائق مرَّت عليه .. استذكر فيها عشريناً من سنين عمره
ظهر أمام ناظره كائن كريه كأنه قادم من غياهب التاريخ , إنه هو , و ضغط على الزناد و شاهده يتهاوى, و لكنه شعر حينها بدمٍ حارٍ يتدفق من صدره , و صوت الرصاصة كان هذه المرَّة مميزاً لم يسمعه .. نظر إلى مكان اختراقها صدره .. فابتسم .. ابتسم للدم النازف من صدره .. ألقى رأسه على صخرة ونظر إلى السماء .. عادّاً آخر دقائق حياته .
لم يلُم نفسه .. ليس في وطنه أمل بالعيش مع هؤلاء الظلاميين .. ودَّع رفيق السلاح الذي كان يصرخ طالباً النجدة , و صورة أمه و حبيبته و صديقه .. أغلق عيناه وارتاح ..
 



  عدد المشاهدات:

إرسال لصديق

طباعة
شارك برأيك

الاشتراك بالقوائم البريدية
البريدالإلكتروني: