الأمل بالعمل



الأكثر زيارة
 الصفحة الرئيسية   مقالات  

الأسد المنتصر يحشر أعداءه مجتمعين في القصير والجولان بقلم:حسين حجازي
June 12, 2013 11:11

كل الأخبار - مقالات :

يتحدث كلاوزفيتز أبو الإستراتيجية التقليدية في كتابه الشهير "الحرب" عن مصطلح "مفتاح البلاد" أي عن ذلك الجزء أو المنطقة أو البقعة الجغرافية التي تحتل أو تتمتع بسبب موقعها الإستراتيجي بميزة عالية، ويستطيع من يسيطر عليها أن يسيطر على باقي أجزاء البلاد، ويكون بذالك للجيش الذي يمسك بها ان يحسم العمليات العسكرية ويحقق النصر. هل نعرف إذن الآن وفق مبدأ كلاوزفيتز ان المعركة الجارية منذ أيام للسيطرة على مدينة القصير على الحدود الساحلية المشتركة مع لبنان، وتشكل خاصرة سورية الرخوة في النزاع المسلح، إنما هي اليوم المفتاح الحقيقي لحسم الصراع على سورية، وأكاد أقول لحسم الصراع على الشرق الأوسط في هذه الذروة المثيرة التي بلغتها الدراما الدولية في سورية، انطلاقاً من حقيقة ان الصراع على سورية اليوم كما في عهود ماضية إنما هو الصراع الذي يحدد التوازن العالمي، باعتبار أن سورية في المشرق هي التي تلعب دور المفتاح في هذا التوازن كما قال جون فوستر دالاس في عقد الخميسنيات، وقالت كذا الإمبراطورة الروسية كاترين قبل قرنين ان مفتاح بيتها (اي روسيا) يوجد في سورية.
هذه ضربة إستراتيجية وفق مبدأ كلاوزفيتز. اذا استطعنا ان نعرف وان نحدد بدقة الأهمية التي تتمتع بها هذه المدينة في تحديد مصير الحرب الدائرة في سورية. وقد أشار بعض المحللين في الإستراتيجية الى بعض النقاط التي تتعلق بهذه الأهمية، لاسيما منها اعتبار القصير على الحدود مع لبنان عقدة الوصل والاتصال والربط الرئيسية بين دمشق والجزء الجنوبي من سورية، والعمق الجغرافي السوري الساحلي الذي يشمل حماة وحلب وصولا الى طرطوس واللاذقية على ساحل البحر المتوسط، وهو ما يمثل الثقل الحقيقي لجغرافية سورية بالمعنى الجيواستراتيجي، بل جغرافية البلاد الأصلية والحقيقية بثقلها الديمغرافي والاقتصادي ومواردها الحيوية، في مقابل الشرق السوري الذي يتكون في معظمه من البادية ومناطق صحراوية.
لكننا نعرف الآن ان الدلالة والأهمية الأكبر للسيطرة على مدينة القصير انما تتأتى من كونها تمثل الذروة الفاصلة في الاستراتيجية التي يتبناها الأسد منذ شهور لإغلاق المنافذ الحدودية التي يستخدمها خصومه في تزويد المجموعات المسلحة بالسلاح والمقاتلين والمساعدات اللوجستية والعسكرية. بعد نجاح الجيش العربي السورية في إغلاق طرق الإمداد من الحدود الأردنية بإحكام السيطرة الشهر الماضي على بلدة ( خربة غزالة ) الاستراتيجية، والنجاح في تطويق هذه المجموعات في ريف دمشق والتي كانت تتحضر لفتح معركة السيطرة على دمشق نفسها، وهو التحول الأول الذي غير الموازين على الأرض. ثم اعقب ذالك التحول الثاني الموازي مع قيام العراق بقيادة نور المالكي التنسيق غير المباشر مع سورية لإغلاق الحدود الصحراوية في وجه المجموعات المسلحة.
لطالما كان قدر سورية التاريخي إنما يشتمل على هذا التناقض، فمن جهة كان على سورية دوما التصدي لمحاولات جيرانها الطامحين في السيطرة عليها او إضعافها، ومن جهة أخرى حاجة سورية الدائمة للتحالف مع كيان اكبر منها لصد هذه المحاولات. وكان هذا الصراع قد بلغ ذروته الأولى في العصر الحديث خلال عقد الخمسينيات العاصف في المنطقة، وهو ما دفع بالنخبة الحاكمة في سورية آنذاك لطلب الوحدة الاندماجية مع مصر جمال عبد الناصر في العام 1958 لمواجهة الضغوط عليها من قبل تركيا والعراق وبعض الدول الخليجية ولبنان زمن كميل شمعون والذين كانوا منطوين جميعا في إطار ما سمي بحلف بغداد او الحلف المركزي. وهي سياسة الأحلاف التي تبناها الرئيس الأميركي آيزنهاور ووزير خارجيته دالاس في الشرق الأوسط. وهي الأحداث والتحالفات نفسها التي تتكرر في الصراع الحالي على سورية مجددا، تحالف( أصدقاء سورية) اليوم مكان حلف بغداد او الحلف المركزي القديم. تحالف 14 آذار في لبنان مكان الرئيس كميل شمعون والإنزال الأميركي على شواطئ بيروت العام 1958. واستراتيجية ( حبال من الرمال) السرية للمخابرات المركزية الأميركية في الخمسينيات على الطريق الواصل من بيروت الى دمشق لتنفيذ الانقلابات الداخلية في سورية، مقابل خطوط الإمدادات بالسلاح وأجهزة الاتصالات المتطورة والمال عبر ميناء طرابلس وصولا الى مدينة القصير ومنها الى العمق السوري. والاستثناء هنا ربما هو التحول او الانقلاب في الموقف العراقي، بين الدور الذي لعبه نوري السعيد والدور المناقض الذي يلعبه اليوم نوري المالكي، باختيار المالكي الانضمام الى الحلف الإيراني السوري وحزب الله، وحيث كان نوري السعيد هو من لعب الدور المحوري في أحلاف أميركا القديمة. والاستثناء الآخر في الصورة ربما فاجأ الجميع كتعويض عن مصر الناصرية في شخص الشيخ حسن نصر الله، بذات الكاريزما الخطابية لعبد الناصر التي يملكها ويجيدها الشيخ، وامتلاك حربه لقوة قتالية عسكرية مدربة وشديدة المراس، ربما تتفوق على بعض الدول في المنطقة.
هيا اذن نفهم ما يجري اليوم ونضع معركة القصير في سياقها الاستراتيجي لا باعتبارها فقط نقطة الوصل والربط الجغرافية لسورية حيث المعادلة من يسيطر على القصير يسيطر على حمص التي تتجاوز مساحتها مساحة فلسطين، ومن يسيطر على حمص يسيطر على كل سورية. ولكن باعتبار القصير هي المعركة الحدودية الثالثة بعد إغلاق الحدود مع العراق والأردن، وهي حتى لا ننسى التي تمثل خاصرة سورية الرخوة على الحدود مع لبنان، وحيث ذهب الأسد الأب للسيطرة على لبنان لان لبنان كله في الجيوبولوتيك السوري يعتبر خاصرة سورية، ولا تمزح سورية في ترك لبنان ممرا أو مستقرا لأعدائها الطامحين المرور عبرها وتهديدها. وقد كانت القصير منذ وقت هي الممر لمعظم السلاح والمقاتلين الأجانب الذين وصلوا من هناك من شواطئ طرابلس على البحر المتوسط حتى تهديد دمشق بالتغلغل في ريفها تمهيدا للسيطرة عليها.
هكذا إذن متحدين في معركة واحدة حزب الله والجيش السوري بشار الأسد وحسن نصرالله ومن ورائهم إيران وروسيا يخوضون بثقل واضح معركة الحسم بإغلاق وتعطيل الحدود اللوجستية اللبنانية، وموجهين معا رسالة قوية واضحة إلى الحلف الأميركي الغربي والعربي الخليجي قبل انعقاد مؤتمر جنيف الثاني ويالطا الثانية باننا هنا، وليس بمقدوركم امتلاك ورقة الميدان في التفاوض على الحل. وبحسم معركة القصير يكون بمقدور الجيش السوري بعد ذالك ربط الشمال السوري بدمشق، والتوجه شمالا لإغلاق آخر منفذ اي الحدود مع تركيا وحسم معركة حلب.
ولقد القى الأسد وحسن نصر الله والحلف الإيراني والروسي والعراقي بالنرد في نهر روبيكا، العبارة التي قالها يوليوس قيصر والتي تعني انه لم يعد ممكنا التراجع عن مواصلة الحرب. وإذ استطاعت هذه النقلة اللامعة على رقعة الشطرنج السورية ان تسقط من ايدي أعداء سورية الذين بوغتوا على ما يبدو بالهجوم المفاجئ والصاعق للجيش السوري وحليفه حزب الله على المدينة، فقد ارفق الأسد الشاب الذي اظهر تفوقا على أبيه في هذه الأزمة إسقاط القفازات الأخرى من يديه في مواجهة إسرائيل، بإعلانه عمليا ورسميا الأسبوع الماضي ببيان عسكري يذكر بالبيان رقم واحد، فتح جبهة الجولان في المواجهة مع إسرائيل وتغيير قواعد الاشتباك. هيا تفضلوا لقد دمرنا دبابة لكم واعلنا ذالك في وضح النهار فماذا انتم فاعلون؟ لقد كانت هذه ضربة معلم، اذا كان على سورية ان تواجه قدرها كما كانت في الماضي بشجاعة حتى لو اضطرت بخوض الحرب على جبهتين، شجاعة بطلها يوسف العظمة في ميسلون. والكرة اليوم لا في ملعب الأسد الذي يحشر في القصير والجولان كل أعدائه مجتمعين في الزاوية وإنما في ملعب هؤلاء الذين ربما يدركون الآن بان اللعبة انتهت، لعبتهم التي وصلت الى نهايتها. أما لعبة الأسد المنتصر فقد بدأت الآن وقد آن الأوان لنا نحن الفلسطينيين ان نحسبها جيدا، ذالك ان هزيمة كبيرة ومحققة توشك على الحدوث أمامنا الآن على المسرح العالمي والشرق الأوسطي، للمعسكر الأميركي والإسرائيلي ومن معه من الرجعية العربية على حد سواء. وحيث حقبة ماضية تنتهي ويسدل الستار عليها وحقبة جديدة تبدأ انطلاقا من حسم الصراع الجاري في سورية.



  عدد المشاهدات: 1468

إرسال لصديق

طباعة
شارك برأيك

الاشتراك بالقوائم البريدية
البريدالإلكتروني: