الأمل بالعمل



الأكثر زيارة
 الصفحة الرئيسية   مقالات  

16 تشرين بين البعث .. والسوري القومي/ بقلم : أحمد رفعت يوسف
November 16, 2016 09:32

16 تشرين بين البعث .. والسوري القومي/ بقلم : أحمد رفعت يوسف

من غرائب الصدف أن يتزامن في السادس عشر من تشرين الثاني حدثان مهمان في تاريخ سورية الأول وهو مناسبة الحركة التصحيحية التي قادها الرئيس الراحل حافظ الأسد عام 1970 وأصبح بعدها رئيسا للجمهورية والأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي واستمرت فترة حكمه حتى العام 2000 لتتواصل من خلال رئاسة الرئيس بشار الأسد بصفته الرئاسية والحزبية والثاني هو تأسيس الحزب السوري القومي الاجتماعي بزعامة أنطون سعاده في العام 1932 .
أشياء كثيرة يبدو أنها تغيرت في سورية بفعل تداعيات الأزمة السورية العميقة التي كانت المحك الناري لكل مكونات الدولة والمجتمع في سورية وتركت بصماتها حتى على هذه المناسبة.
أول مظاهر التغيير أن القليل من الجمهور السوري (باستثناء السوريين القوميين) كان يعرف أن هذا اليوم هو يوم تأسيس الحزب السوري القومي لكن المناسبة بدأت تحضر عند الجمهور السوري منذ أعوام قليلة وهي في حالة تصاعد تترافق مع الحالة التصاعدية للسوريين القوميين على الساحة السورية و (الشامية).
أما مناسبة الحركة التصحيحية فقد كانت حاضرة بلا شك لكن ليس بالشكل الذي كانت عليه سابقاً وخاصة أيام الرئيس الراحل حافظ الأسد عندما كانت تعتبر المناسبة الأهم بين المناسبات الوطنية في سورية.
طبعا هذا الأمر لا يعني أن الحالة التصاعدية للسوري القومي والتنازلية للبعث ستستمر حتى تنقلب الأمور في سورية وإنما ستتواصل حتى تستقر بإعطاء كل حزب ما يقترب كثيراً من حصته في الساحة السورية كأكبر حزبين لها مؤيدين حقيقيين في الساحة السورية.
فالبعث له مؤيدين رغم الانتكاسة الكبيرة التي مني بها الفكر القومي العربي والتيار العروبي بفعل الدور القذر للدول العربية والجامعة العربية في الأزمة السورية وبسبب ارتباط الكثير من قادة الحزب بظاهرة الفساد والاستغلال السيئ للسلطة كحزب حاكم كما هو الحال بعبد الحليم خدام ومصطفى طلاس ورياض حجاب والكثير غيرهم لكن فكرة أن "سورية هي العروبة" وهي "قلب العرب النابض" سيبقى لها حضورها إضافة إلى أن تراث وفكر ونهج الرئيس الراحل حافظ الأسد والشخصية الفولاذية التي أظهرها الرئيس بشار الأسد خلال الأزمة واعتباره الضمانة لبقاء الدولة السورية ستضاف إلى رصيد الحزب في الساحة السورية لكنه بالتأكيد اصبح البعث بحاجة لمراجعة عميقة للحفاظ على هذا الدور مستقبلاً خصوصاً بفعل التغيرات العميقة التي تشهدها سورية والشكل الذي سيكون عليه الحل السياسي والاجتماعي للأزمة السورية.
أما السوري القومي الذي مرّ بفترات صعود وهبوط وملاحقة لكنه تمكن من الحفاظ على استمراريته بخيط رفيع لم ينقطع طيلة عقود حتى أيام ملاحقة أعضاء الحزب إثر التوترات السياسية التي شهدتها الساحة السورية (والشامية) نهاية عقد الأربعينيات وبداية عقد الحمسينيات من القرن الماضي والتي انتهت بإعدام مؤسس الحزب أنطون سعادة في 8 تموز 1949 بعد مؤامرة اشترك فيها الموساد الإسرائيلي انتهت بتسليمه من قبل الحاكم العسكري لسورية آنذاك حسني الزعيم إلى حكومة رئيس وزراء لبنان رياض الصلح لكن الحزب عاد وبرز بقوة وبشكل استثنائي خلال الأزمة السورية بفعل دوره المميز في هذه الأزمة.
فقد تميز الحزب بانضواء كافة أجنحته (بما فيه التي تعتبر نفسها معارضة) وراء الدولة السورية والجيش العربي السوري ووراء شخصية الرئيس بشار الأسد ولم يسجل انضمام أي قيادي أو عنصر من السوري القومي إلى المجموعات الإرهابية وعلى العكس فقد انضمت كوادر كثيرة من الحزب بشكل طوعي ولأسباب عقائدية للقتال إلى جانب الجيش السوري في محاربته العصابات الإرهابية.
هذا الدور أكسب السوري القومي بعداً وطنياً وأخلاقياً زاد منها بروز افكار الحزب كأفكار علمانية تناسب الحالية السورية وتشكل النقيض للفكر الإسلامي (الأخواني الوهابي) الذي تسبب بالدمار الذي حل بسورية مما أنعش وجود الحزب بشكل سمح لقادته ومؤيديه على تقديمه كأفضل حزب يجسد الخصوصية السورية وكأكثر حزب يشهد نموا حقيقياً في عدد مؤيده ومنتسبيه.
ومن الملفت أن هذه الصورة لم تقتصر على سورية ولبنان وإنما امتد إلى بقية ما يسميه القوميون بالكيانات الشامية (الأردن - فلسطين) حتى بتنا نرى ونسمع بأسماء لها حضورها في (هذين الكيانين) تتكلمان بالنهج السوري القومي.
وحتى تكتمل الصورة على الساحة الحزبية في سورية لمعرفة ماذا تعني المناسبة لابد من تظهير باقي معالمها فقد سقط الشيوعييون والناصريون سقوطاً مريعاً بغياب أي دور إيجابي لهم في الأزمة السورية بعدما توزعوا بين صامت صمت الشيطان وهو نائم في عسل الفساد والمناصب المعطاة لهم والتي لا تتناسب مع دورهم وحجم وجودهم على الأرض وانغماس بعضهم في نشاط العصابات الإرهابية وسقوط الكثير من أسمائهم البارزة كأدوات لدول الحلف المعادي لسورية فكان سقوطهم على الساحة السورية هنا وهناك.
أما الأخوان فقد سقطت حتى بعض الآراء التي كانت تنادي في فترة ما قبل الأزمة بإعطائهم ولو دور موارب في الساحة السورية وبالتالي سقطوا نهائياً من حسابات سورية المستقبل حتى ولو بقوة حرمة الدم الذي سفكه هذا التنظيم الإرهابي.
هذه الصورة تؤكد أن السوري القومي والبعث سيكونان المهيمنين على الساحة السياسية السورية في فترة ما بعد الأزمة إضافة إلى ظهور بعض الأحزاب الوطنية العلمانية الصغيرة وهذا يعني عملياً زيادة المسحة العلمانية لسورية وتراجع كبير في المسحة الإسلامية التي كانت موجودة قبل الأزمة وهو ما يتناسب مع الفسيفساء السورية ودور سورية التاريخي بعدما كادت هذه الصورة أن تغيب بفعل نمو التيارات الإسلامية التي كادت أن تطيح بسورية ودورها وصورتها التاريخية.
إن مشهد توزع سورية يوم 16 تشرين الثاني ما بعد الأزمة بين محتفلين بمناسبة الحركة التصحيحية ومحتفلين بتأسيس القومي السوري هي الصورة التي أرى أنها ستكون الأكثر حضوراً في سورية ما بعد الأزمة.

المصدر : صفحة الاعلامي أحمد رفعت يوسف على فيسبوك  



  عدد المشاهدات:

إرسال لصديق

طباعة
شارك برأيك

الاشتراك بالقوائم البريدية
البريدالإلكتروني: