April 16, 2018 01:51

اجتماعات ..... فرد العضلات / بقلم : يونس أحمد الناصر

كثيرا ما يحدث بأنك تراجع  دائرة رسمية  لقضاء أمر ما , و تحتاج توقيعاً من مسؤول ما ,  فيقال لك بأن هذا المسؤول باجتماع الآن .... ضع طلبك الآن و عد فيما بعد لأخذه .

و كثيرا ما نسمع بأن المسؤول ( الكبير) الفلاني عقد اجتماعا أو أن المسؤول ( الكبير )  العلاني زار إحدى الجهات التابعة لسلطته و عقد اجتماعا مع إدارتها ووجه بكذا و كذا .

و عند النزول إلى مستويات إدارية أدنى في هيكلية الهرم الإداري و ضمن الوحدة الأساسية و أعني مؤسساتنا العامة , نجد الاجتماعات تتنوع و تختلف أغراضها و الهدف منها ( مجلس إدارة لهذه المؤسسة أو المجالس الإنتاجية و ربما بسبب تسميتها إنتاجية  لاحظنا بأنها تضاءلت كثيرا في السنوات الأخيرة في أغلب المؤسسات أو غابت كليا , أو اجتماعات تتبع تنفيذ لأعمال هذه المؤسسة أو تلك و تضم إدارات هذه المؤسسات مع من هم في ولايتهم الإدارية حكما  ) , تليها اجتماعات اللجان المختلفة و فنية و مالية و سواها من اللجان المتخصصة .

و يستمر تدفق سيل الاجتماعات ليصل إلى اجتماعات الإدارات الفرعية مع رؤساء الدوائر و الشعب لتنفيذ أوامر الإدارات العليا أو وضع الخطط المناسبة لتنفيذ الأعمال المكلفين بها من قبل هذه الإدارات .

اجتماعات ... اجتماعات .... اجتماعات ... اجتماعات ....

حتى يخيل للمواطن منا , بأن المسؤول  لا عمل له سوى الاجتماعات

بل أكثر من ذلك حين يبادرنا أولادنا بالسؤال البريء : بابا لماذا لم ترد علينا , هل كان عندك اجتماع ؟؟  

و في عصر تكنولوجيا الاتصالات أصبح أصحاب المقامات الرفيعة يبرمجون هواتفهم الجوالة  للرد الآلي : أنا باجتماع سأتصل بكم لاحقاً

ولو قامت شركة للبيانات فرضاً  بإجراء استطلاع لعدد الاجتماعات التي يعقدها مسؤولي القطاع الحكومي في اليوم الواحد لكان الرقم صادما.  

و أقول في القطاع الحكومي لأن هذا الأمر أو هذه الاجتماعات لا تسري على القطاع الخاص لأن كل موظف في هذا القطاع يعرف واجباته و حقوقه و يسعى للبروز و التميز و الذي حكما سينعكس على وضعه الوظيفي بالترقية الوظيفية و المالية .

و للدخول في هذا موضوع الاجتماعات ( غير المبررة )  أسوق مثالا عن رئيس مجلس إدارة إحدى المؤسسات( الفرنسية  ) الكبرى و الذي كان مريضا يوم الاجتماع و لكنه كان مصراً إصراراً على الذهاب, رغم إعيائه الشديد و عند سؤال زوجته له عن سبب إصراره على حضور الاجتماع و هل من الضروري حضوره ؟

فكانت إجابته : هذه هي المشكلة فأنا أخشى أن يكتشفوا بأن حضوري  ليس ضرورياً .

و السؤال الهام الذي يجب أن نتصدى للإجابة عليه جميعاً, إذا كنا ننشد الوصول لإدارات منتجة و فاعلة هو :

هل كل اجتماعاتنا ضرورية لسير العملية الإنتاجية أو الخدمية  ؟؟

و الإجابة بصدق على هذا السؤال , قد يشكل قفزة حقيقية في قدرة مؤسساتنا على تقديم منتجاتها بكفاءة عالية  سواء كانت سلعاً أو خدمات .

مدخل علمي   

الاجتماعات  بالتعريف :  عبارة عن تجمع شخصين أو أكثر من الناس مع بعضهم لكي يتناقشوا في موضوع أو أكثر في جلسة رسمية و ويكثر استخدامها في مجال الأعمال والسياسة

كما يطلق مصطلح الجلسة المشتركة أو الاجتماع  المشترك ، بشكل عام ، عندما تلتقي جماعات منفصلة  اتخذت  قرارات مختلفة بموضوع مشترك  بغرض توحيد القرار و الوصول لرؤية مشتركة  أكثر واقعية

و الاجتماع يمكن تعريفه أيضا بأنه اسم يطلق على عملية جمع بعض الناس في مكان واحد ليتباحثوا في أمر ما .

و الاجتماعات المهنية الخاصة بمؤسساتنا الحكومية من القطاعين الاقتصادي و الإداري هي موضوعنا دون التطرق للاجتماعات ذات الطابع السياسي كاجتماعات الأحزاب و المنظمات و التي تزيد عادة من إرهاق مجتمعنا بهذا الكم الهائل من الاجتماعات

مدخل قانوني

كلنا يعرف بأن الوحدات الإدارية للأعمال الحكومية تنظمها لوائح عمل يضمها ما يسمى النظام الداخلي لكل مؤسسة بين دفتيه

و هذه اللوائح تبدأ بمواصفات شاغل الوظيفة العامة و ربما لا تنهي بتحديد المهام المطلوبة من شاغل الوظيفة

ما يعني بأن كل موظف يجب عليه أن يعرف مهام وظيفته ويقوم بأدائها بحذافيرها كـ ( الروبوت)   بدون انتظار لأوامر تأتيه من الأعلى,  إلا إذا كانت هذه الأوامر هي تكليف إضافي لهذا العامل بعمل محدد يضاف إلى أعماله المحددة سابقا بموجب النظام الداخلي .

و ما ذكرته سابقا ينطبق على أي موظف من أي مرتبة وظيفية تبدأ بمعاون رئيس الشعبة ( أساس التعيين في الوظيفة العامة )  و تنتهي بالمدير العام لهذه المؤسسة

كما أن عمل كل مرتبة وظيفية هو حتما تحت رقابة و متابعة المرتبة الإدارية الأعلى لسلطتها الإدارية على عملها ما يعني بأن المرتبة الأعلى على دراية و علم بعمل المرتبة الإدارية الأدنى

إضافة لما تقدم فإن من مهام الإدارة المبنية على التنظيم أولا و التخطيط ثانيا و الرقابة ثالثا يليها التغذية الراجعة

ما يعني بأن العمل الحكومي هو عمل مضبوط حكما و على كل خلية في هذا الجسد أن تعرف ما عليها عمله و يبقى جهد الإدارة العليا على تدريب العاملين المستمر لأداء هذا الأعمال بسوية أعلى من الجودة و السرعة في أداء الأعمال الحكومية سواء كانت خدمة أو منتج  

و ليس للإدارة العليا الادعاء بعدم معرفة ما تقوم به الحلقات الإدارية الأدنى

ما تقدم يجعل العمل الحكومي في تقديم الخدمات و المنتجات شبيها بعمل الساعة الميكانيكية التي تتعاون مسنناتها لإعطائنا الزمن بدقة و أي خلل في هذه المسننات سيؤدي لإعطائنا التوقيت غير صحيح ما يقتضي الإصلاح أو التغيير عند عدم إمكانية الإصلاح

مدخل وصفي

ما يمكننا ملاحظته بسهولة في مؤسساتنا العامة على الغالب هو توقيت غير صحيح بسبب خلل مسننات الساعة و عند محاولة تغيير سبب الخلل قد نأتي بمسنن آخر غير مناسب يزيد في الخلل بدلا من إصلاحه لغياب المعايير و المواصفات الدقيقة  لهذا المسنن أو ذاك و الاعتماد على التجريب في تركيب هذا المستن ثم ننتظر لنرى النتيجة و التي حكما ستكون غير صحيحة و لذلك فإن أي إصلاح إداري لا يقوم على وضع الرجل المناسب في المكان المناسب هو مضيعة للوقت و مزيدا من التخبط و الإحباط للراغبين بالوصول لأداء حكومي صحيح و هنا مدخلنا الوصفي للإجابة على تساؤلنا السابق و هو هل كل اجتماعاتنا ضرورية ؟

الواقع يقول لا .

و مبرر هذه الاجتماعات برأيي   فهو في الغالب استعراضي ينطلق من إدارات مترهلة و فاشلة  قفزت للمراتب الإدارية بمنظومة الفساد  و تسعى لفرض سطوتها الإدارية على من هم أدنى منها مرتبة وظيفية  لتغطية نقطة ضعف أساسية تعتري هذا المدير أو ذاك و يحاول ترميمها بمثل هذه الاجتماعات  غير المبررة إنتاجيا.

فيجلس على رأس الطاولة فاردا عضلاته ليقول لكل من هم أدنى منه إداريا: أنا المدير و أنا المسؤول الأعلى و عليكم تنفيذ ما أريد .

 بتجاهل كامل للوائح الإدارية في النظام الداخلي و التي تكلمنا عنها سابقا

يجلس هذا المدير على رأس الطاولة فاردا ذراعيه,  ليس ليقود فريق عمل فـ ( يقترح و يستمع و يناقش)  بل ليأمر فقط .

 فتضحي العلاقة في العمل الحكومي(  آمراً و مأموراً )

 و ليس فريقاً للعمل يسعى للنجاح.

 و لذلك نرى غياباً للاجتماعات الاحتفالية بالنجاح لأنه- إن حدث- يتم تقييمه بأن نجاحاً فردياً لهذا المدير أو ذاك ,  و ليست نجاحاً جماعياً لفرق العمل .       



شارك برأيك

الاشتراك بالقوائم البريدية
البريدالإلكتروني: