January 15, 2021 08:40

إطلالة على سورية الحضارة و التاريخ – الجزء الثاني



دمشق – يونس أحمد الناصر
نتابع في هذا الجزء حوارنا القيم مع الأستاذ محمد نظير عوض مدير عام المديرية العامة للآثار و المتاحف .
سؤال : أستاذ محمد حبذا لو تحدثنا قليلاً عن جهود الحكومة السورية في حماية الآثار و الحفاظ عليها عبر نقلها من المواقع التي دخلتها المجموعات المسلحة إلى مناطق آمنة كما نعرف ؟
الجواب : من لديه خبرة في التاريخ يلاحظ و يقدر ما صرف على هذا الأمر من خبرات و أموال و للحكومة السورية جهود كبيرة في الكشوفات الأثرية و الحفاظ على الآثار و المراقب لآثار تدمر و بصرى و حلب و غيرها من المواقع الأثرية حتى عام 2010 يدرك تماما حجم الاهتمام الحكومي بالكشف عن هذه الآثار و المحافظة عليها مع بدء الأزمة في سورية 2011 و بدء التعديات الممنهجة على التراث الأثري السوري و هو تعدٍ مقصود على الهوية السورية لمحوها و تغييبها هنا اتخذت الحكومة السورية من خلال المؤسسة العامة للآثار و المتاحف مجموعة من الإجراءات و هذه الإجراءات مهمة جداً و حدَّت من هول الكارثة و هول الأضرار التي حدثت. فاتخذت مجموعة من الإجراءات المهمة كإجراءات الحماية التي طالت الكثير من المواقع التي تم الوصول إليها لحماية مكونات هذه المواقع و دعم القائمين على هذه المواقع و التواصل معهم بشكل يومي و أيضاً الاعتماد على النخبة في المجتمع المحلي للحفاظ على الآثار و حماية التراث عندما تغيبت الدولة في المناطق التي سيطرت عليها المجموعات الإرهابية المسلحة و لصوص الآثار و قد عاثوا فسادا في هذه المواقع و العمل أيضا مع منظمات دولية كاليونسكو و الانتربول الدولي و فتح ما يسمى مكتب الاسترداد لملاحقة القطع الأثرية التي كانت تهرب خارج القطر و من الإجراءات التي اتخذت أيضا على المستوى المحلي إقفال المتاحف بشكل عام و نقل القطع الأثرية المتحفية إلى مناطق آمنة و هذا تم بالتعاون و المشاركة من قبل جهات متخصصة أمنية ساعدت في نقل القطع و إخفائها و قام العاملين في المديرية العامة للآثار و المتاحف بكافة المحافظات و على رأسهم تدمر و دير الزور و حلب بتغليف هذه القطع و نقلها رغم خطورة النقل و خطورة الطرق حينها و غير ذلك فكانت النتيجة إلى حد ما مرضية و حالت دون حدوث كارثة كبيرة على مستوى الضرر الحاصل الذي طال التراث الأثري السوري و رغم كل الإجراءات إلا أننا يجب أن نعترف بأن التراث الأثري السوري قد تعرض لهزة كبيرة و كارثة على المستوى الوطني و فقدنا الكثير من القطع في متحف الرقة و الكثير من القطع خرجت خارج القطر بفعل أعمال التنقيب الجائرة التي قامت بها المجموعات الإرهابية المسلحة في أماكن تواجدها و أصبح هناك سوق للقطع الأثرية السورية و لا بد أنكم سمعتم أنه في أماكن سيطرة جيش الاحتلال التركي أو الفصائل التابعة له قد قاموا بأعمال تنقيب في المواقع الأثرية و تجريفها لإقامة مواقع عسكرية عليها بشكل ينافي الاتفاقيات الدولية لأن فيها تعدٍ على التراث الثقافي الخاص بالشعب السوري و تم الضرب بعرض الحائط كل الاتفاقيات الدولية حيث من المعروف أن الكثير من الاتفاقيات و المواثيق الدولية تطلب في زمن الحروب تحييد التراث الثقافي للشعوب و عدم التعدي عليه و ما زلنا أيضا و بدفع من وزارة الثقافة السورية ومتابعة منها بمتابعة كل هذه الأعمال و التعديات على الآثار السورية و بالتالي مطالبة الجهات المختصة و الجهات الأممية التي يجب أن تتخذ موقفاً حاسماً في سبيل ردع من يقوم بالتعدي على التراث الثقافي و بالتالي المساهمة في حمايته
سؤال : حدثتنا بسياق إجابتك السابقة عن ما سميته مكتب الاسترداد في المدير العامة للآثار و المتاح فلو سمحت أن تحدثنا قليلاً عن هذا المكتب و المهام التي أنيطت به.
الجواب : ملف الاسترداد هو ملف شائك من الناحية القانونية و الفنية و لكنه واحد من المكاتب التي أحدثتها المديرية العامة للآثار و المتاحف بدء العمل فيها 2012 و لا زالت تعمل حتى الآن و منوط بها متابعة كل القطع الأثرية السورية التي تعرض في الدول و المزادات أو حتى على وسائل التواصل و أرشفتها و مطالبة المؤسسات الدولية في سبيل استعادتها و رفع دعاوى قضائية في هذا الشأن بالتعاون مع مؤسسات دولية فمكتب الاسترداد فيه جهات قضائية قانونية و فنية وطنية تتعاون مع مكتب الانتربول الدولي و جهات أخرى في سبيل منع الاتجار بالآثار السورية التي خرجت في هذه الفترة و هذا الملف مهم جداً خلال هذه الفترة أو قبلها فهو تجربة مهمة جداً و لاقت استحسانا من المؤسسات الدولية و لابد من أن نشير أننا لن نكتفي بهذا القدر و المتحف الوطني بدمشق استعاد أكثر من 30 ألف قطعة أثرية و هذه القطع تمت استعادتها بواسطة قوات الجيش العربي السوري و مكتب الاسترداد حقق نتائج على المستوى الدولي مثلاً تمت استعادة 69 قطعة من لبنان و دور مكتب الاسترداد استعادة القطع خارج الحدود و ما أشرنا إليه إلى أن وحدات من الجيش العربي السوري قامت بضبط الكثير من القطع الأثرية و سلمتها للمتحف الوطني .
سؤال : أستاذ محمد, نعلم بأن كل مؤسساتنا المدنية قدمت الكثير من التضحيات بالاعتداءات الإرهابية على مواقع عملهم ليتك تحدثنا عن التضحيات التي قدمها العاملين في المديرية العامة للآثار و المتاحف أثناء قيامهم بواجبهم في الحفاظ على تاريخنا و آثارنا السورية.
المديرية العامة للآثار و المتاحف كغيرها من مؤسساتنا العامة و الخاصة قدمت العديد من الشهداء الذين دفعوا حياتهم للحفاظ على هذه الآثار و خلال معركة الدفاع عن التراث الأثري السوري دفعت المؤسسة العامة للآثار و المتاحف العديد من الأرواح من الذين دافعوا عن هذا التراث في الأماكن التي سيطرت عليها العصابات الإرهابية المسلحة و لصوص الآثار, فمنهم الحراس و الفنيين و في مقدمتهم نذكر باحترام الشهيد الأستاذ و الباحث الكبير خالد الأسعد الذي عمل لفترات طويلة في مدينة تدمر و في متحفها و فقد روحه دفاعاً عن هذه الآثار و حباً لها حيث رفض مغادرة تدمر رغم سيطرة الجماعات المسلحة , بسبب حبه لهذه المدينة و رفض الخروج لأنه أراد أن يساعد في حماية هذه الآثار و قدم حياته شهيداً للدفاع عن الآثار السورية.و المديرية العامة للآثار و المتاحف قامت بتكريم الشهيد و أقامت العديد من الندوات و الأنشطة التي جمعت الكثير من العلماء تكريماً له و لرحيله و لما قدمه من خدمات جليلة لمدينة تدمر .و تكريما لتضحيات الشهداء حضر السيد الرئيس بشار الأسد بدار الأوبرا بدمشق العرض الأول للفيلم السينمائي السوري الروائي الطويل( دم النخل ) الذي وثق مسيرة عالم الآثار السوري الشهيد خالد الأسعد و مقتله على يد تنظيم “داعش” الارهابي , وما ارتكبه التنظيم الإرهابي من جرائم بحق البشر والحجر في مدينة تدمر أثناء سيطرته عليها.الفيلم من إخراج المخرج السوري المشهور نجدة إسماعيل أنزور وكتابة ديانا كمال الدين، وإنتاج المؤسسة العامة للسينما بالشراكة مع مؤسسة نجدة أنزور. و برأينا سيبقى هذا العمل الفني و غيره من الانتاج الثقافي السوري ليذكر الأجيال القادمة عن تضحيات الشعب السوري للحفاظ على هويتنا الثقافية و تاريخنا و حضارتنا بمواجهة أعداء الحضارة و الإنسان .

 



شارك برأيك

الاشتراك بالقوائم البريدية
البريدالإلكتروني: