شممت تربك لا زلفى ولا ملقا *** وسرت قصدك لاخبّاً ولامذقا
وما وجدت إلى لقياك منعطفا *** إلا إليك .. ولا ألفيت مفترقا
كنت الطريق إلى هاوٍ تنازعه *** نفس تسدّ عليه دونها الطرقا
وكان قلبي إلى رؤياك باصرتي *** حتى اتهمت عليك العين والحدقا
شممت تربك أستاف الصبا مرحا *** والشمل مؤتلفاً * والعقد مؤتلقا
وسرت قصدك لا كالمشتهي بلدا *** لكن كمن يتشهّى وجه من عشقا
قالوا دمشق وبغداد فقلت هما *** فجر على الغد من أمسيهما انبثقـا
ما تعجبون ؟ أمن مهدين قد جمعا *** أم توأمين على عهديهما اتفقا؟
أم صامدين يرُبّان المصير معا *** حبّاً ويقتسمان الأمن والفرقا
يهدهدان لساناً واحداً ودماً *** صنواً ومعتقداً حراً ومنطلقا
أقسمت بالأمة استوصى بها قدر *** خيراً ولاءم منها الخَلق والخُلقا
من قال أن ليس من معنى للفظتها *** بلا دمشق وبغداد فقد صدقا
فلا راعى الله يوماً دسّ بينهما *** وقيعة ورعى يوميهما ووقا
يا جلق الشام والأعوام تجمع لي *** سبعاً وسبعين ما التأما ولا افترقا
ما كان لي منهما يومان عشتهما *** إلا وبالسؤدد من كأسيهما شرقا
يعاودان نفاراً كلما اصطحبا *** وينسيان هوى كانا قد اغتبقا
ورحت أطفو على موجيهما قلقا *** أكاد أحسد مرءاً فيهما غرقا
ياللشباب يغار الحلم من شر *** به وتحسد فيه الحنكة النزقا
وللبساطة ما أغلى كنائزها *** قارون ينفق فيها التبر والورِقا
تلم كأسي ومن أهوى وخافقتي *** وما تجيش وبيت الشعر والورَقا
أيام نعكف بالحسنى على سمر *** نساقط اللغو فيه كيفما اتفقا
إذ مسكة الربوات الخضر توسعنا *** بما تفتق من أنسامها عبقا
إذ تسقط الهامةُ الإصباح يرقصنا *** وقاسيون علينا ينشر الشفقا
نرعى الأصيل لداجي الليل يسلمنا *** ومن كوى خفرات نرقب الغسقا
ومن كوى خفرات تستجد رؤى *** نشوانة عن رؤى مملولة نسقا
آه على الحلو في مر نغصّ به *** تفطرا عسلاً في السم واصطفقا
يا جلق الشام إنا خلقة عجب *** لم يدر ما سرها إلا الذي خلقا
معذبون وجنات النعيم بنا *** وعاطشون ونمري الجونة الغدقا
إنا لنخنق في الأضلاع غربتنا *** وإن تنزّلت على أحداقنا حرقا
وزاحفون بأجسام نوابضها *** تستام ذروة عليين مرتفقا
نغني الحياة ونستغني كأن لنا *** رأد الضحى غلة والصبح والفلقا
يا جلق الشام كم من مطمح خلس *** للمرء في غفلة من دهره سرقا
وآخر سلّ من أنياب ذي لبد *** وآخرٍ تحت أقدام له سحقا
دامٍ صراع أخي شجوٍ وما خلقا *** من الهموم تعنّيه وما اختلقا
يسعى إلى مطمح حانت ولادته *** في حين يحمل شلواً مطمحاً شنقا
حران حيران أقوى في مصامدة *** على السكوت وخير منه إن نطقا
كذاك كل الذين استودعوا مثلاً *** كذاك كل الذين استرهنوا غلقا
كذاك كان وما ينفك ذو كلف *** بمن تعبد في الدنيا أو انعتقا
دمشق عشتك ريعاناً وخافقة *** ولمّة والعيون السود والأرقا
وها أنا ويدي جلدٌ وسالفتي *** ثلج ووجهي عظم كاد أوعرقا
وأنت لم تبرحي في النفس عالقة *** دمي ولحمي والأنفاس والرمقا
تموّجين ظلال الذكريات هوى *** وتسعدين الأسى والهمّ والقلقا
فخراً دمشق تقاسمنا مراهقة *** واليوم نقتسم الآلام والرهقا
على المدى والعروق الطهر يرفدنا *** نسغ الحياة بديلاً عن دم هرقا
دمشق صبراً على البلوى فكم صهرت *** سبائك الذهب الغالي فما احترقا
وعند أعوادك الخضراء بهجتها *** كالسنديانة مهما تساقطت ورقا