كان الظلام يخيم على دمشق التي طالت فيها ساعات تقنين الكهرباء إلى عدة ساعات قطع مقابل ساعة أو أقل وصل و كان معظم السوريين بعيدين عن متابعة شاشات التلفزيون بسبب ذلك
قلائل من يتابعون الأخبار من المثقفين و المهتمين عبر أجهزة الهواتف التي كانت مدخراتها تكاد تنفذ بسبب الساعات الطويلة لغياب الكهرباء و كمية الشحن القليلة يدخرونها للمكالمات الواردة من الأهل و الأصدقاء
الكل يسمع عن إعادة انتشار الجيش في محافظة حلب و انسحابه لخارج حدود المدينة بدون قتال و بعدها في حماة و الاتجاه لحمص التي أعلن الإعلام الرسمي إنها عصية و محصنة رغم ورود أخبار عن حركة نزوح كبيرة من المدنيين باتجاه مدن الساحل
الرغبة بالقتال توقفت لدى كثير من أفراد الجيش السوري بعد حرب استمرت ما يزيد عن 12 عام يدعمها سوء الوضع الاقتصادي لغالبية السوريين في مناطق سيطرة الدولة السورية و هزالة رواتب موظفي القطاع العام التي لم تعد تكفي أجرة المواصلات ناهيك عن الفساد الذي استشرى في كل مفاصل الدولة بشكل واسع و كبير و موقف الدولة من ذلك كان موقف المتفرج سوى الوعود بمحاربة الفساد
ظلم كبير عاشه السوريون طوال عقود من زج كل من ينتقد الفساد في سجون النظام و تخويف الناس من الطرف الآخر بأنهم طائفيون و دمويون و قد عزز هذه الصورة بصور الجرائم البشعة التي كان يشاهدها المواطن السوري طوال سنوات الحرب مع تعزيز فكرة أن النظام هو حامي الأقليات ( رغم أن الأقليات كانت من أكبر المتضررين من النظام السابق بكل شيء )
كثير من السوريين ذاقوا مرارة الاعتقال و الابتزاز و التهميش و حالة من الرعب تسري في أوصال المجتمع يتناقلها الناس همسا عن فظائع السجون و قلما يخلو بيت سوري من قصة عذاب طالت أحد أفراد أسرته و الأمر ينطبق على الأقليات التي كان يحرص النظام على إبقاء ولائها و تخويفها من باقي أفراد المجتمع حتى أصبح الكل يخاف من الكل
كانت العيون شاخصة إلى حمص و حالة من الرعب و الترقب و همسا يقولون هل يمكن أن يدخلوها و كان الانهيار الدرامتيكي في دمشق التي كانوا قد نشروا عنها أخبارا بأنها قلعة حصينة من الأطواق العسكرية حولها و التي تم سحبها من درعا و القنيطرة و السويداء
هذه الانسحابات عززت فكرة الانهيار السريع للنظام و هذا ما حدث فعلا
هروب الديكتاتور بدون علم أحد من قادة جيشه الذين لم يعد أحد يعرف ماذا عليه أن يفعل
التعامل الإنساني الذي مارسته حكومة الإنقاذ في المناطق التي دخلوها و التطمينات التي أرسلوها لكل فئات المجتمع السوري المتعدد جاءت بنتائج ايجابية الأمر الذي انعكس على دمشق و التي سقطت بيد حكومة الإنقاذ بدون بيانات و استعمال السلاح
و لكن الساعات الأولى من فجر رحيل الديكتاتور الأسد كانت قاسية و طويلة فقد استغل ضعاف النفوس الفراغ الأمني في هذه الساعات و هاجموا المؤسسات و المقرات الحكومية الرسمية الفارغة من الحراس ووسط تشتت لسكان دمشق عن هوية هؤلاء المهاجمين و الذين تبين فيما بعد إنهم لا ينتمون للحومة المؤقتة إنما مجموعات للنهب و السرقة و الحرق و إثارة الرعب ين المدنيين فهاجموا السيارات الموجودة في المؤسسات أو الطرقات و سرقوا مدخراتها (البطاريات ) وكل ما تمكنوا من سرقته ثم قاموا بتكسيرها أو حرقها كل ذلك مترافق مع إطلاق نار غزير من البنادق الآلية و الرشاشات التي استولوا عليها من الثكنات العسكرية و المخافر التي غادرها عناصرها حفاظا على أرواحهم .
إطلاق النار استمر ما يزيد عن 24 ساعة متواصلة حتى بدأت الحياة تعود و خطباء المساجد يحضون كل من استولى على سلاح أن يعيده إلى المساجد القريبة أو تسليمه لهيئة الحكم الانتقالي مع التشديد على حرمة سرقة أو تخريب ممتلكات الدولة
في صباح اليوم التالي تبددت مخاوف الكثيرين و عادت بعض الفعاليات الاقتصادية للعمل بطلب من هيئة الحكم الانتقالي كالأفران و الصيدليات و بعض العاملين في الدوائر الرسمية لإحصاء الإضرار التي أصابت المؤسسات و الممتلكات
كما عاد أصحاب المشاريع الصغيرة كالأسواق الشعبية (بسطات الخضار و الفواكه و المتعيشين الذين يسعون وراء رزق عيالهم اليومي) الذين كانت تطاردهم البلديات و تصادر أرزاقهم
بقي أن بأن السوريين كل السوريين و من كل الطوائف قد تحرروا من القبضة الأمنية و ظلام السجون و التخويف و إثارة الرعب من المكونات الأخرى التي زرعها الهارب بشار الأسد و عصابته التي كانت تقتات على دماء و فقر السوريين و هجرت الكوادر العلمية و المثقفين إلى المنافي البعيدة
اليوم استفاق السوريين على نهاية حقبة مظلمة بتاريخ سورية لأسوء رئيس حكم البلاد عبر تاريخها بالحديد و النار و التجويع و الترهيب
اليوم تنفس السوريين هواء الحرية و كلهم آمال كبيرة بإعادة إعمار سورية يد بيد
سورية لكل السوريين حرة أبية ووعود كثيرة من حكومة الإنقاذ بتحسين ظروف البلد الاقتصادية نرجو أن تتحقق كلها