الأمل بالعمل



الأكثر زيارة
 الصفحة الرئيسية   أخبار اليوم  

شقائق النعمان ... و عزة الأوطان بقلم : يونس أحمد الناصر
January 08, 2014 14:37

شقائق النعمان ... و عزة الأوطان بقلم : يونس أحمد الناصر


بعد حرب تشرين التحريرية بقليل ,  دخلت المدرسة الابتدائية و تعلمنا درسا ,  لا زال في ذاكرتي المرهقة يقول : إن دماء الشهداء في الجولان أزهرت شقائق النعمان ,  و أصبحت رؤية شقائق النعمان فيما بعد تثير ألمي بدلا عن سعادتي ,  و حاولت لاحقا أن أبعد صورة شقائق النعمان عن دم الشهداء فلم أستطع ,  و راودتني حينها أسئلة كثيرة , منها :
 هل هناك أحد في العالم يحب الموت ؟؟
 هل السوريون يستعذبون الموت ؟؟
 و هل الموت مؤلم ؟؟
 و هل الفراق بسيطا لدرجة أن أهل الشهيد ووطنه يعتبرونهم ورودا تبهج النفس ؟؟
كنت حينها لا أفهم معنى الوطن ,  ولا أدرك لماذا يقدم أبناء بلدي أرواحهم فداء لتراب كنت أظنه رخيصا و لا يعادل قطرة دم من شهيد .
كبرت قليلا ,  و في المرحلة الإعدادية  ,  كان لدينا دروسا في التربية العسكرية ,  وعندما لبست اللباس العسكري و ما كنا ندعوه بلباس الفتوة شعرت شعورا مميزا لا زالت حلاوته في خاطري ,  و تهيأ لي بأنني خطوت خطوة كبيرة في عالم الرجال العجيب , رافق ذلك ظهور لحية خفيفة و شوارب علت شفتي العليا ,  رجوت أن تصبح أغزر و أكثر سوادا بسرعة .
كان درسنا الأول في التربية العسكرية ,  فك و تركيب البندقية  التي وسّدها المدرب قطعة قماش بيضاء فوق الطاولة , تملكتني الرهبة لبرهة , فهذا سلاح حقيقي كالذي استلمه والدي من الجيش الشعبي و لم يكن يسمح لنا بالاقتراب منه أو لمسه , و ها أنا اليوم أستطيع  .
نعم لقد أصبحت كبيرا , دعاني المدرب كي أحاول فك البندقية  و عندما لامستها , ملأت صدري بالهواء , هواء الفخر و الرجولة ,  هكذا صور لي عقلي الطفولي , أمسكت البندقية و أوقفتها على كعبها و انتظرت كي يعلمني المدرب ماذا علي أن أفعل , علمني فكّها بالترتيب ووضع كل قطعة بجانب الأخرى و قال لي : آخر قطعة تفكها هي أول قطعة تعيد تركيبها
نعم لقد كان والدي بفعل ذلك , و بدأت أعالج القطع ,  و أعاني من صعوبة فكّها , مستمعا إلى إرشادات المدرب حتى أنهيت فكها و إعادة تركيبها , إنه إنجاز كبير فعلته اليوم ,  و ذهبت إلى البيت و أكاد أشعر بأن قدماي لا تمسّان الأرض من فرحتي , أخبرتهم في البيت بذلك ,  فربّت أبي على كتفي و علت وجهه ابتسامة قلما كنا نراها ,  فهو بطبعه قاس لا يبتسم , سألته هل تسمح لي بفك البندقية يا أبي ؟
قال بتأكيد لا يا بني .. انتظر و لا تستعجل
رافق دروس التربية العسكرية ,  دروسا في التربية الوطنية , فالطفل الذي ما كان يعرف أبعد من حدود قريته و هو أنا  , أصبح يعرف بأن منطقة قريبة من قريتي اسمها الجولان المحتل و عرف بأن لنا عدوا يتربص بنا يقال له الكيان الصهيوني الغاصب و هو من قتل أبناء بلدي الذين كانوا يدافعون عن الأرض التي نعيش عليها   و دماءهم أزهرت شقائق النعمان
درسنا عن الصهيونية و اغتصاب فلسطين و حرب 67 و درسنا عن حرب تشرين التي أعادت للإنسان العربي ثقته بالقدرة على النصر
درسنا بأن سورية هي أكبر من قريتي و حدودها الأربعة و أجزاءها المغتصبة  , و درسنا بأن لنا وطنا عربيا كبيرا أكبر من سورية بكثير فيه أخوة لنا يتكلمون لغتنا و لكن الاستعمار قسّمه إلى دول كثيرة و فتته تمهيدا لإضعافه و سرقة خيراته  , و درسنا عن سايكس بيكو ... ووعد بلفور الذي سرق فلسطين و شرد أهلها , فاحتضنتهم سورية كونهم أخوة لنا
نعم لقد كبرت و عرفت الكثير عن وطني ,  و عادت بي الذكرى إلى شقائق النعمان و دم الشهداء و أدركت حينها,  بأنه لولا دماء الشهداء لكنت اليوم نازحا في مخيمات اللجوء في مكان آخر غير قريتي التي ولدت و نشأت فيها ,  و أدركت أيضا بأن رفاقي في المدرسة لولا دماء الشهداء لن أستطيع رؤيتهم و لكان كل واحد منهم في مكان مختلف
أدركت بأن أمي التي أحبها كثيرا ,  لولا دماء الشهداء كانت ميتة كما أخبرني صديقي الفلسطيني الذي قتل الصهاينة أمه و سرقوا بيتهم و أرضهم
كبرت و كبر في قلبي حب الوطن و عندما حان موعد التحاقي بخدمة العلم التي تدعى الخدمة الإلزامية , ذهبت طوعا و بكل سعادة,  كي أدافع عن كل ما عرفت  .
 تدربت كثيرا و شاركني خيمتي و معسكري أخوة لي من كل المحافظات السورية , لقد أصبح لي أخوة كثر ,  أكثر بكثير من عائلتي الصغيرة , نتدرب سويا و نأكل سويا و ننام سويا ,  و هدفنا واحد هو الدفاع عن سورية الحبيبة و يحدونا الأمل لتحرير الأجزاء التي اغتصبها العدو من أرضنا .
أصبحت أنظر إلى شقائق النعمان في الربيع ,  فأرى فيها وجوه أخوتي الذين مضوا كي نبقى و يبقى الوطن ,   وعرفت بأنهم ما استشهدوا إلا لهدف أسمى , هدف لا يدانيه هدف هو الحفاظ على الأرض و العرض و الكرامة , هدف لا يسعى إلى تحقيقه إلا النبلاء المشبعة أرواحهم بالتضحية
وأيقنت اليوم أكثر من أي يوم مضى,  بأن الجيش العربي السوري الذي تربّى عقائديا على تقديس هذا التراب الذي روته دماء شهدائنا ,  هو جيش لا يهزم ,  وجنود هذا الجيش الذين عرفوا ما عرفت ,  لا يهابون الموت و يقدمون أرواحهم للدفاع عن هذا التراب .
و أيقنت بأن هذه الأرواح التي تهب نفسها دفاعا عن تراب الوطن أسمى من كل القيم ووصلت إلى نتيجة : لا خوف على سورية ... و فيها من يضحي بدمه دفاعا عن هذا التراب المقدس  .  
 



  عدد المشاهدات: 6444

إرسال لصديق

طباعة
شارك برأيك

الاشتراك بالقوائم البريدية
البريدالإلكتروني: