الأمل بالعمل



الأكثر زيارة
 الصفحة الرئيسية   أخبار اليوم  

داعش .. سوط تركيا ولجام في يدها .. انها مسرحيات صيد الفيلة....بقلم نارام سرجون
June 23, 2014 00:57

 داعش .. سوط تركيا ولجام في يدها .. انها مسرحيات صيد الفيلة....بقلم نارام سرجون

 

العالم العربي تم تجريده من فيزياء العقل وكيميائه .. أي من المنطق وضوء المنطق .. ولذلك نجد أنه عالم لاينتج المعرفة ويغرق في ظلام لاهوت يهودي يطفئ أضواء الشرق وروح الشرق .. فينتج ثورات الخراب والدمار الذاتي .. وربيع الوهم والأوهام ..ولانزال نشرب الوهم والخداع دون توقف
يقول عمر الخيام في أجمل شعر للحكمة:
 
عاشر من الناس كبار العقول        وجانب من الجهال أهل الفضول
 واشرب نقيع السم من عاقل        واسكب على الأرض دواء الجهول
ونحن كأمة لانسكب دواء الجهول والجاهلية على الأرض .. ولاوصفات الغرب ومجلس الأمن .. بل نشرب ماتسكبه الفضائيات فصرنا نشرب بول البعير .. وصرنا نرضع كبارا من أثداء الغانيات كما لو انها أثداء الأمهات .. ونتغرغر بماتسكبه لنا الاستطلاعات وتحليلات المثقفين والخبراء من غباء ومن ظلام عن اقتران الذبح بالحرية .. ولذلك لانقدر على رؤية الفواصل بين الألوان وبين الروائح .. ولذلك لانزال لانعرف المعرفة .. ولانصل الى الضوء ..ولانعرف الفرق بين داعش وبين جبهة النصرة وبين الاخوان المسلمين .. ولانعرف الفرق بين اوسلو وبين الانتحار في قطر ..
فلم تكف الفلسطينيين عشرون عاما من المفاوضات ليعرفوا أن أوسلو لم تبن لهم زريبة ولا قن دجاج وهم لايزالون يستقبلون الوفود والوسطاء والمبادرات الذين يبنون لهم دولة على الورق .. على مساحة الضفة التي لم يبق فيها على الأرض مكان لقن دجاج فلسطيني يسكن فيه محمود عباس ..
ولم يكف العرب ستون عاما من الوعود فوق الوعود فوق الوعود .. ليعرفوا أن لعبة الوعود هي لعبة الموت البطيء نفسها التي لعبها الهنود الحمر ..وانتظروا فيها موعدا مع  الانقراض ..
لم يكف الناس عشرات آلاف القتلى وحطام خمس دول وخمسة شعوب ليدركوا أن الربيع العربي ليس عفويا وأن جميع من قتل مات في لعبة من ألعاب القمار الغربية ..
ولم يكف الناس تدمير آلاف المدن في الشرق من العراق الى ليبيا وتشريد خمسة شعوب ليدركوا ان مجلس الأمن يدمر المدن ولا يبنيها .. وأن جامعة الدول العربية هي خارجية اسرائيل .. وأن من يغزو المدن لايمنحها الحرية بل العبودية ..
ولم يكف الناس أنهم ذاقوا طعم سايكس بيكو مئة سنة كاملة .. فاذا بهم يكرعون السم في نفس الكؤوس .. ومن نفس الدنان .. ومن نفس السقائين ..
ولم يكف الناس أنهم رأوا أن الأمم تموت عندما تحيا فيها المذاهب والعشائر وأن الأمم تحيا عندما تموت مذاهبها .. وأن صوت الأمة وصوت الأنبياء يصبح كالمواء عندما يعلو زئير الطوائف وزعيق المذاهب تحت قباب البرلمانات .. ومع هذا لايزال الاسلام مدججا بالطوائف وطوائف الطوائف .. ولايزال لبنان سقيفة سخيفة لكل الأديان والمذاهب .. ولايزال العراق يركب على ظهره الجمل .. ولايزال رأس الحسين يحز كل يوم ويسافر بين الشام والعراق ..
واحتاج الناس أن يؤمنوا أربع سنوات كاملة أن الربيع هو ثورة شعبية للحرية الى أن تبين أن الثورة الشعبية للحرية انما قامت من أجل داعش في ليبيا وداعش في سوريا وداعش في مصر .. ومن أجل أمهم تركيا ومربيتهم السعودية وأبيهم الناتو .. ومهدت لهم أختها جبهة النصرة فراشها الوثير ..
ولاأدري كم سيحتاج الناس ليعرفوا ان داعش والنصرة والاخوان المسلمين هم في الحقيقة منتج واحد من صنيعة نفس المعمل التركي الناتوي .. وأن لافرق بين النصرة وداعش والاخوان المسلمين الا أن مهمة كل فصيل مختلفة عن الآخر ودلاجة قذارته تختلف نكهتها عن الآخر .. وان رأس داعش هو رأس الاخوان المسلمين وأن رأس الاخوان المسلمين هو الوهابية .. وأنهم جميعا مسميات مختلفة لتنظيم واحد بمهام مختلفة .. فلا فرق بين الظواهري وبين رياض الشقفة وأبي بكر البغدادي وأبي محمد الجولاني .. فالغرب يريد من العنف الاسلامي ان يواجه الدول الوطنية والمجتمعات التي تريد أن تنهض بينما يدعي الغرب أنه لايدعم الا التنظيمات المعتدلة المنخرطة في العمليات السياسية .. ولكن في الحقيقة ان الغرب يقوم سرا بتشكيل فصائل النصرة وداعش من جسد الاخوان المسلمين والقاعدة والوهابية .. ويسقيهما من أمهات النظريات الاخوانية عن الخلافة والدولة الدينية والتكفير .. فداعش هي النصرة عندما لايراد لجبهة النصرة أن تتحمل مسؤولية حدث ما يحرج قطر والسعودية والغرب ... والنصرة هي فرع من فروع الاخوان المسلمين كلفت بمهمة انزال الرعب والعقاب الأقصى بمن لايوافق على مشروع الاخوان المسلمين الذين يقدمون أنفسهم على انهم الأكثر ديبلوماسية ولهم يد تلبس قفازات حريرية يسميها الغرب "الائتلاف" أو "الثورة السورية" .. ويزين القفاز الحريري برؤوس ميشيل وجورج وبعض العلمانيين .. ولكن عندما كانت القفازات الحريرية تفاوض في جنيف كلفت النصرة وداعش بمهمة التحدي وعدم الاعتراف بالمفاوضات حتى اذا ماتمكن الاخوان من استدراج الدولة السورية الى تنازلات بشأن هيئة الحكم الانتقالي كانت النصرة وداعش في حل من الاتفاق .. وتابعتا عملية الاستيلاء العسكري على السلطة والدولة والمجتمع الذي ستأكله النصرة عسكريا وتلتقي مع الاخوان عند الهرم السياسي للسلطة ..
الخلاف بين داعش وجبهة النصرة هو خلاف وهمي لأنه مسرح استخباراتي .. الغاية منه ايهام البعض أن التنظيمات الاسلامية خارجة عن السيطرة وهي متباينة التمويل والادارة والتوجيه ومستقلة .. التنازع بينهما هو أيضا عملية تضليل استخباراتي معقد تمارسها مكاتب الاستخبارات علاوة على أن التنافس بين مكاتب الاستخبارات وصل الى حد أن كل واحد منها يريد الاثبات لقيادته انه نجح في تشكيل التنظيم الأقوى وأنه من يجب الاعتماد عليه .. وفي لعبة اقناع الناس لامانع من أن يموت مئات من العناصر الاسلامية المتناطحة غير المنضبطة طالما أن هناك عشرات الآلاف في خزانات بشرية تنتظر دورها في الجهاد وطالما أن المساجد تعجن العجين وتخمره لتلقي به في افران الجهاد .. وطالما أن الموارد البشرية بلا حدود من الأرياف الفقيرة وحيث يقوم رجال الدين بعملية التجنيد الاجباري للجهاد دون توقف ..
أكثر مايثير الغثيان والقرف من غباء بعض الناس هو انهم يقولون ان داعش الشريرة موجودة في جغرافيا لايسيطر عليها الجيش الحر ولاجبهة النصرة وأنها لاتقاتل الجيش السوري .. وان ماتقوم به داعش من عنف هو الذي يسيء للثورة لأنها تخدم النظام ببشاعة سلوكها ودمويتها .. ولكن عيني رأت أن أخلاق داعش الرديئة هي ذاتها في نفس الجغرافيا التي تسيطر فيها النصرة والجيش الحر والاخوان المسلمون .. ولها نفس السلوك والسكاكين .. فالطفل الذي كان يقطع الرؤوس وتدافع عنه الثورة ليس داعشيا بل هو في مناطق الجيش الحر .. والوحش الذي التهم قلب الجندي السوري ليس داعشيا بل في حمص حيث الاخوان والنصرة .. والقتلة الذين كانوا يذبحون الضحايا في قلعة الحصن وريف حلب ويهللون مكبرين ليسوا من داعش .. والذين رموا موظفي البريد مذبوحين من أعلى الأبنية ليسوا داعشيين .. والذين افتتحوا الذبح في حمص بابا عمرو وفي حماة ورموا الجثث في نهر العاصي ليسوا من داعش .. بل جميعهم خليط من الاخوان والنصرة ..ومانراه اليوم في الرقة والموصل هو نفس المنتج القذر الذي اهدتنا اياه الثورات من ليبيا الى سوريا والعراق (في الأنبار) ..
الصراع بين داعش والنصرة والاخوان ليس جوهريا بل شكل من اشكال التضليل تمارسه أجهزة الاستخبارات للايحاء أن العنف المنفلت ناجم عن عناصر منشقة وغير منضبطة وليس لأحد القدرة على ضبطه .. ولذلك نجد أن كل التكفير المتبادل والعنف قد همد وسكت فجأة عندما فتح "المؤمنون" الموصل .. وخرجت من القرضاوي (وهو المرشد الحقيقي للاخوان المسلمين) عملية مباركة صريحة لداعش (عدوته) وسمى ماتقوم به ثورة شعبية .. كما أن القدس العربي (اورشليم) التي تمتلكها قطر الآن - وهي صحيفة الاخوان المسلمين في المهجر - أسبغت على فتوحات داعش لمسة شاعرية ووطنية بالايحاء أنها من انجاز البعثيين القدامى وعزة الدوري وباركتها حتى ابنة صدام حسين .. ووصل استغباء واستحمار الناس أن هناك من يروج ان داعش هي من قامت باختطاف المستوطنين الاسرائيليين الثلاثة في الضفة الغربية مما يعطيها هيبة من تمددها من الموصل الى الضفة .. ويضفي على غزوة الموصل شرعية في انها تقاتل من أجل فلسطين .. وكل هذا لحماية داعش من ردات الفعل أو التشكيك بانجازها الاسرائيلي التركي .. والملاحظ أن العرعور أوقف عملية القدح والذم والشتم والتحريض على داعش وهذه فرصة له لاتفوّت لكنه لم يفعل .. علما أن انتصار داعش في الموصل والأنبار لايهدد المالكي بقدر ماانه نظريا يهدد الدولة الاخوانية التي يريدها العرعور والاخوان المسلمون والتي يبشرون بها في سورية .. لأن دولة داعش متمددة وثرية بالمال والنفط وقادرة على الحياة بموارد زراعية هائلة وتتبع مرجعية مختلفة كما يروجون وستكون قادرة على التهام النصرة والاخوان المسلمين ان تمكنت في العراق والجزيرة السورية .. الا ان داعش في الحقيقة قامت بتنفيذ الجزء المكلفة به حسب التخطيط الغربي التركي وجاءت الأوامر للقرضاوي ولكل التنظيمات بالتزام الصمت أو التأييد لتنفذ مهمتها دون عوائق .. لأن كل هذه التشكيلات الدينية هي منتجات استخبارات ومن مكتب واحد يصدر اليها التعليمات ويكلفها بالمهام المختلفة في درجة قذارتها وخيانتها ..
والبعض يتمترس بمقولة أن داعش تتصارع مع النصرة بل كتب أحد المجانين ان ايران هي من يحرك داعش الآن في الموصل .. ولكن الحقيقة أن كلا التنظيمين من صنائع ومعاجين الولايات المتحدة وخلطاتها العسكرية .. فالنصرة تقاتل أعداء اميريكا في سورية .. وداعش تقاتل أعداء اميريكا في العراق .. وقتالهما الأخير لم يكن بسبب خلاف قطري سعودي أو تركي لكنه خلاف يمكن تسميته بحرب استخباراتية وأهم غاياتها التضليل وذر الرماد في العيون وتوزيع الأدوار ..
داعش اليوم هي بنت تركيا الحقيقية تفقس فيها بيوض المشروع الاسلامي من الاخوان المسلمين وجبهة النصرة .. وقد أرضعتها السعودية كما أرضعت قبلها جبهة النصرة .. وتقوم قطر بهز سريرها وتدثيرها وتغيير حفاضاتها كلما زادت قذارتها .. ولداعش مهمة واحدة فقط وهي خلق حاجز بشري وجغرافي يقف كالسد بين سوريا والعراق ويقطع التواصل الجغرافي بينهما بعد أن بدا أن التواصل الجغرافي والنشاط البشري الكثيف بينهما سينتهي الى مزج الحدود يوما .. سيفصل الحاجز الداعشي بين ايران والعراق من جهة وبين سورية ولبنان (حزب الله) من جهة أخرى .. والذي ستشتعل منه الحروب الدينية بين السنة والشيعة .. وينهي محورا عملاقا ترعاه روسيا بقصم ظهره من وسطه .. ومن ينظر الى الخارطة أيضا سيعرف أن قيام داعش سيجعل تركيا قادرة على الاستغناء عن سورية وعن العراق في عملية نقل بضائعها وتجارتها نحو الخليج وآسيا .. ولاداعي لأن تمر من حلب .. بل تمر من الموصل الى الأنبار والبوكمال السورية ثم الى السعودية والخليج .. ومن ثم الى العالم .. وتخرج تركيا من الحصار الخانق المتوقع في العقدين القادمين من انسداد البر السوري العراقي نحو الخليج ..وبدل تواصل محور المقاومة سياسيا وبشريا واقتصاديا من الشرق الى الغرب اي من طهران الى بغداد الى بيروت .. يتواصل محور عمودي مناقض من الشمال الى الجنوب ليقطع المحور السابق في قلبه .. ويمتد من أنقرة الى الموصل الى الرقة ثم الرياض ..وتشرف عليه الولايات المتحدة .. وهذا الخط هو الذي سيقطع اي احتمال لخطوط النفط والغاز من ايران والعراق وآسيا الى البحر المتوسط في المستقبل ..
الأكراد ربما يراهم البعض من لاعبي المسرحية .. ولكن للأكراد الحق بالقلق الشديد اكثر من غيرهم لأنهم يعرفون ان مهمة دولة داعش التي ترعاها تركيا سرا هي تهديدهم كلما تمردوا وكلما فكروا بدعم دولة كردية في جنوب تركيا ..لأن تركيا عندها ستفلت عليهم الوحش الذي رعته وربته تحت بطنهم في الغرب والجنوب .. وهذا الوحش سيسيل لعابه على نفط كركوك كلما اشارت تركيا بعظمة كركوك اليه .. فالقلق التركي من الأكراد أزلي وبلا حدود وفي كواليسهم يشبه قلق اسرائيل الوجودي من الفلسطينيين .. والأتراك ليل نهار يفتشون عن وسيلة لاجهاض أي مشروع دولة كردية قوية تلتهم أحشاء تركيا .. وطالما ان تركيا لن تقدر على ايقاف مشروع الأكراد وطموحاتهم فانها ستقوم باضعاف الحلم الكردي بدولة ربيبة لها تمدها بالمال والاستخبارات والسلاح وستضعها كاللجام في فم كردستان .. وفي فم البرزاني الذي يناديه أردوغان دوما بـ (أخي مسعود) .. ولابد ان الأخ أردوغان يريد وضع لجام حديدي في فم أخيه مسعود وشعب أخيه مسعود .. ويشد اللجام كلما جمح الحصان الكردي .. وسيسير كل كردي وفي فمه لجام تركي اسمه داعش يشده السلاجقة حتى تدمى شفاه كردستان..
وبالطبع ستبقى داعش غير قادرة على الاستقلال عن تركيا لأنها ستكون منبوذة من الشرق والغرب .. وتعيش بين قوتين تكرههما وتكفرهما ولايمكن عقائديا ان تنسجم معهما .. ففي الشرق ماستسميه الدولة الشيعية الرافضية .. وفي الغرب دولة علمانية كافرة فيها النصيريون والمسيحيون والسنة المرتدون .. ولذلك فان النفط فيها لن يمكن تصديره عبر موانئ الكفار من الغرب والشرق والجنوب .. بل سيسافر نفط داعش مضطرا نحو الشمال عبر موانئ الأم الرؤوم تركيا التي ستشتري النفط بأبخس الأثمان والذي بدأت تسرقه عبر داعش من حقول دير الزور بسعر سبعة دولارات للبرميل الواحد لتبيعه تركيا في السوق بأكثر من مئة دولار .. وهنا نتذكر مشروع تورغوت أوزال الذي فكر في ربط المنطقة بتوازن النفط والماء فتبنى فكرة اقامة سدود عملاقة لتتحكم تركيا بمياه الشرق الأوسط وتبيع العرب الماء بالنفط وبالتالي لايقدر العرب على التحكم بأسعار الطاقة في العالم لان تركيا (والناتو طبعا من خلالها) ستمسكهم من (خوانيقهم) المائية وتعطشهم حتى يركعوا .. ولكن حزب العدالة والتنمية وجد أنه باقامة دولة داعش سيكون له الماء في سدوده وسيحصل ايضا على نفط مجاني .. بل وسيسرق نفط كركوك بواسطة داعش التي سيصر على الادعاء أنها غير منضبطة وانها من صنيعة النظام السوري والايراني .. ويحرم الأكراد من مورد حيوي لدولتهم ويزيد من عصرهم وخنقهم فلا يتمددون داخل تركيا ..
الرابح الأول من داعش هو تركيا كدولة اقليمية .. ولكن الرابح الأكبر هو اميريكا واسرائيل بقصم ظهر محور المقاومة الذي سيتقطع جسده .. والذي سيضطر للنظر طويلا الى ظهره الذي تقف قريبا منه دولة غنية بالنفط والماء والعنف والكراهية المطلقة .. وتربي وحوشا بشرية تأكل كل ما يقف في طريقها وتفرز ثقافة الكراهية السوداء والجهل والطوائف الكافرة .. وسيكون امام سوريا معادلة: اسرائيل من امامكم .. وداعش من ورائكم ..
أكثر مايثير السخرية هي القلق الاميريكي من داعش والثرثرة والقعقعة بالأساطيل .. وأميريكا تعلم ان داعش هي ذاتها جبهة النصرة .. وهي ذاتها من مشتقات الاخوان المسلمين الذين اتفقوا معها في تركيا ومصر وغزة .. وتلعب أميريكا لعبة التضليل بمدمرات وحاملات طائرات تتوجه الى المنطقة لمحاربة داعش وتمثل علينا أنها تخلي قواعدها خوفا من داعش .. رغم ان قاعدة أنجرليك التركية تشرف على داعش .. ومن يقف على ارض انجرليك يكاد يستطيع ان يرى الموصل بالعين المجردة ويستطع دكها دكا .. ولاحاجة له لحاملات الطائرات .. ولو ارادت أميريكا ذلك لكانت قواعد العيديد والسيلية وانجرليك كافية لطحن عظام داعش من الجو وصواريخ كروز وقاذفات ب 52 .. التي طحنت جيش صدام حسين بملايينه الستة ..فكيف ببضعة آلاف يسيرون في قوافل طويلة تحت ضوء النهار ..
ولكن لاتنتظروا أن تقوم اميريكا باطلاق رصاصة على داعش .. الا من قبيل ذر الرماد في العيون كما فعلت تركيا منذ فترة .. وستتركها مثل شبه دولة برعاية تركيا الناتوية .. وتشبه خليج غوانتانامو الذي لايحكمه قانون .ولكن تركيا في مرحلة لاحقة قد تفكر بالدخول للاستقرار في بلاد داعش بحجة محاربتها .. ولكن غايتها ستكون حماية حدود دولة داعش ...
عندما تغيب فيزياء العقل يسود الظلام .. وفي الظلام تمر الذئاب الى قطعان الاغنام .. وتتمشى الأساطير بين الروايات العظيمة .. لذلك نجد أن هناك أكاذيب تشبه الخرافات يتداولها البعض وكأنها بدهية وهي أن هناك صراعا وتنافسا بين أقطاب محور الشر تركيا والسعودية وقطر .. فيشاع أن تركيا تتصارع مع السعودية بسبب الاخوان المسلمين وان قطر تتناطح مع السعوديين بسبب السيسي وأن هناك خلافات بين الفرقاء يتجسد في قتال داعش والنصرة .. أو أن السعودية تؤازر مصر ضد قطر وتركيا ..
ولكن هذا في علم المنطق والسياسة مستحيل .. فكل هذه الانظمة تحت مظلة الناتو ولاتتصرف السعودية مهما اختلفت مع قطر بما يضر بمصلحة السيد الأميريكي والا تعرضت للعقاب الشديد .. كما أن الخلاف القطري السعودي كله عبارة عن توزيع أدوار محترف بين قطر والسعودية باشراف اميريكي أيضا .. وأكثر عنوان جعلني أرفع حاجبي دهشة من استحمار القراء منذ عام هو أن قطر غاضبة من أميريكا وتتصرف بالشأن السياسي بشكل استفزازي لتتحدى أميريكا .. والغريب أن بعض الاعلاميين الذين لايوجد في عقلهم فيزياء كانوا يرددن ذلك كالحقيقة ويديرون حلقات البحث والنقاش .. وقد نسيت الفيزياء عندهم أن حراس قاعدة العيديد أكثر عددا من سكان قطر .. ويمكن للحراس أن يلقوا كل العائلة الحاكمة في البحر كما ترمى النفايات دون أن يرف لهم جفن .. ومع هذا يقول هؤلاء ان قطر تتحدى أميريكا .. وتتحدى السعودية وتساند الاخوان في مصر!! ..
أما لماذا تتم اعادة توزيع الدور على اللاعبين (قطر وتركيا والسعودية) فهو أن الدور القطري صار منبوذا في المنطقة وبالذات في مصر بسبب أن القطريين دفعوا بالمشروع الاسلامي الذي نجح ولكن انكشافه على حقيقته في سورية أخاف المصريين وعرفوا أنهم مقبلون على نكبة اجتماعية ان استمر الاسلاميون في الحكم .. فكان لابد من نزول لاعب الاحتياط السعودي بثقله الكبير وبمباركة أميريكية باستغلاله لثغرة الوضع المعيشي في مصر .. ومهمة لاعب الاحتياط السعودي هي ايهام المصريين أن النظر شرقا فقط هو مايعيدهم الى الخارطة وليس رد الفعل بالتحالف مع ايران أو سورية شمالا .. ويسمي الخبراء الحركة السعودية بحيلة "اصطياد الفيل الهندي" .. فمن الحيل الهندية في اصطياد وترويض الفيلة البرية هي ان تنصب حفرة للفيل وتغطى بالأعشاب .. وعندما يقع فيها ولايقدر على النجاة يأتي اليه شخص يلبس ثيابا مميزة ويضربه بعصا ضربا مبرحا مؤلما .. ويكرر ضربه كل يوم حتى يصير الفيل المسكين مصابا بالهلع كلما ظهر له الرجل الشرير .. وفي مرحلة لاحقة وفيما الرجل يضرب الفيل يظهر فجأة رجل "طيب" بثياب مغايرة ويهاجم الرجل الشرير على مرأى من الفيل ويبعده ويزجره بقسوة .. ثم يقدم "الطيب" الطعام والماء للفيل المذعور .. ويتكرر مشهد الدفاع والرعاية كل يوم حتى يطمئن الفيل للرجل الطيب .. الذي يخرجه من الحفرة عندما ينضج ترويضه وسكونه النفسي الى الرجل الطيب .. الذي يمتطي ظهره ليقوده مباشرة من الحفرة الى العمل والسخرة .. والفيل راض يملؤه شعور بالعرفان والاطمئنان والسعادة ..
الفيل المصري الذي وقع في براثن قطر والاخوان وتذوق الهلع .. قام الرجل "الطيب" السعودي بالدفاع عنه واطعامه .. وهو ينتظر اطمئنانه التام له .. ليمتطي ظهره ويقوده الى العمل عنده ليلحقه بركب النكبات العربية .. وهذا بالطبع تخطيط عقول غربية واسرائيلية .. فالمنطق يقول ان قطر لاتجرؤ على تحدي اميريكا التي ان قالت لقطر ان تسكت عن مصر فستسكت وتصمت كالحجر الأصم والا رميت العائلة القطرية في البحر من قبل جنود قاعدة العيديد .. ولكن قطر تتبجح وتتنطح وتستفز وترسل الثور العجوز القرضاوي لتحدي مصر وتحرك الاخوان لتثير الهلع .. حتى صار المزاج الشعبي والرسمي المصري يعتقد أن السعودية هي المنقذ وأن عز مصر هي في تحالفها مع السعودية الثرية التي تنقذها اقتصاديا ضد قطر .. وبدأت بالظهور دعوات سعودية للسيسي بأن يحدد موقفه من الصراعات في المنطقة وبالذات من الأزمة السورية .. وكتبت احدى الصحف الخليجية ان مصر هي العمق السني (وليس العربي) للخليج .. فالفيل المصري يراد منه أن يكون ثقلا سنيا لمواجهة الفيل الايراني الشيعي .. ويتصادم الفيلان من أجل الرجل الطيب وسيده الأبيض .
 ومما يزيد من سريالية المشهد ولعبة التضليل هو اظهار دليل على مؤامرة قطرية ضد السعودية بشريط مسرب بين القذافي وحمد يتآمران على السعودية .. ولكن التفسير الأكثر قبولا هو رأي سربه لي شخص مطلع بأن الأشرطة المسربة عن الحوار بين حمد والقذافي التي يتحدثان فيها عن السعودية ونية تعديل الحكم فيها ليست الا عملية مخابراتية قام بها حمد واستدرج القذافي للحوار والحديث ثم أبلغ السعوديين بالمحادثة لتأليبهم على القذافي والاحساس بالخشية منه لتفتح السعودية صناديقها وخزائنها لمشروع الربيع العربي تماما من ليبيا الى اليمن وسورية ومصر .. لأن السعوديين كانوا مترددين في قبول مشروع الربيع العربي الذي أوكل للاخوان المسلمين وليس لهم وكان بعض الأمراء السعوديين يخشون أن فشل المشروع قد يعيد الثورات عليهم .. خدعة قطر تشبه جدا خدعة حرب الخليج عندما أوهم الاميريكون السعوديين أن انتشار الدبابات العراقية في الكويت كما تصوره أقمارهم الصناعية هو انتشار تطوير الهجوم نحو السعودية .. فما كان من الملك فهد المذعور الا أن قبل على الفور باستضافة الجيوش الغربية للدفاع عن العرش بعد ان كان مترددا من أن تستفز هذه الخطوة المشاعر الاسلامية .. بل وقال لجيمس بيكر عندما عرض عليه فاتورة استجلاب القوات وتكاليفها: لن انظر اليها .. اذهب واطلب ماتشاء من المال .. فليس بين الاصدقاء فواتير (مذكرات جيمس بيكر) ..
الخلاف السعودي القطري وخلافات داعش والنصرة وتركيا هو تمثيلية مثل كل تمثيليات البطولة ومسرحيات الفرسان .. وتسريبها هو فقط لاقناع الناس أن قطر والسعودية وتركيا قوى متنافرة .. وهذا وهم كبير .. بل تمثيلية مثل تمثيلية هروب البطل عزمي بشارة من اسرائيل فيما هو جاسوس مكلف بمهمة اختراق اجتماعي وثقافي هائلة .. فكان لابد من قصة الهروب البطولي ..
وصارت التمثيليات لاتتوقف منذ ذلك اليوم .. مثل تمثيلية أردوغان في دايفوس وخلافه مع بيريز وسباحته في بحر غزة التي لاتزال تنتظر البطل اردوغان الذي سيفك الحصار عن غزة فاذا به يغزو حلب وكسب .. ومثل تمثيلية اغتيال خالد مشعل ليكون بطلا لاسافلا .. واليوم يلعب دور البطولة في المسرحية الجديدة الملك عبدالله في التصدي للاخوان المسلمين في مصر وتركيا .. ولكنه يمدهم - وياللشجاعة - بالمقاتلين والقاعدة والشيشان والأفغان والمال والمجاهدين في سورية والعراق .. ويسمي كل الخليط ثورة سورية ..تصل الى العراق .. باسم داعش ..
مشروع داعش الطائفي التركي سيسقط .. وقوى محور المقاومة قررت وأد الوليد في مهده وخنقه .. ومهمة داعش في تفجير حرب دينية لن يكتب لهh النجاح .. وهناك قوى قررت اثبات أن الشرق ليس مشقوقا بين سنة وشيعة .. وكل من يقول ان الشرق هو سنة وشيعة وسينشطر الى شرقين واسلامين بشريط داعش التركي المتطاول .. سنكسر فمه وقلمه ورمحه ومخالبه ونشق عقله .. بالسيف الدمشقي .. ومن لايصدق فليسمع شعرا لايرد من قلب دمشق قاله ابن دمشق نزار قباني الذي تغنى بوحدة الألم الدمشقي العراقي .. والألم الشيعي السني فقال:
 مرحبا ياعراق جئت أغنيك              وبعض من الغناء بكاء
مرحبا مرحبا ..أتعرف وجها             حفرته الأيام والأنواء
مرحبا ياعراق .. كيف العباءات؟؟     وكيف المها وكيف الظباء
فجراح الحسين بعض جراحي         وبنفسي من الأسى كربلاء
ونزار ابن دمشق عندما وصلت الثورة الاسلامية الايرانية الى المنطقة لم يخف من الهلال الشيعي الذي يهول به علينا الرعاع ولم يجزع .. ولم يتعصب ويتشنج .. بل قال مهللا بالخميني الشيعي في قصيدة تغفلها كل المواقع العربية ويقول فيها:
 زهّر اللوز في حدائق شيراز      وأنهى المعذبون الصياما
هاهم الفرس أطاحوا بكسرى      بعد قهر وزلزلوا الأصناما
شيعة وسنة .. جياع عطاش     كسروا قيدهم وفكوا اللجاما
والخميني يرفع الله سيفا ...      ويغني النبي والاسلاما
 عندما تتداخل الاحداث وتتمازج الألوان وتتوالد المشاهد فعليكم بالعودة الى فيزياء المنطق .. وليس الى فيزياء داعش وفيزياء فيصل القاسم لأن قوانين فيزيائه عكس قوانين نيوتن التي يسقط فيها التفاح على الرؤوس لأن فم فيصل يسقط سقوطا حرا على الأحذية .. ولاترجعوا الى فيزياء كل ثوار العرب .. ولاترجعوا الى فيزياء النفط والغاز .. ولا الى فيزياء حمد و"أبو متعب" .. بل الى فيزياء نزار قباني .. فيزياء العقل الدمشقي .. أي المنطق والضوء .. حيث الضوء وحيث البعد الرابع .. الزمكان
وأما من لم يفهم فيزياء العقل الدمشقي فلايصح فيه الا أن أقول:
وليس يصح في الافهام شيء .. اذا احتاج النهار الى دليل


 



  عدد المشاهدات: 6409

إرسال لصديق

طباعة


التعليقات:

إرسال تعليق:
الاسم الكامل:
البريد الإلكتروني:
البلد: