الأمل بالعمل



الأكثر زيارة
 الصفحة الرئيسية   أخبار العالم   

جذور الأزمة الكورية وآفاق تطورها- بقلم سامي ابراهيم
April 05, 2013 11:11

الولايات المتحدة تقسم كوريا إلى كوريتين

ومنذ ذلك الحين بدأ التوتر يتفاقم وازدادت الحشودات العسكرية حول طرفي خط الفصل، وجرت مناوشات وصدامات مسلحة على نطاق ضيق جرى إخمادها باستمرار، ما جعل الحليفين في الحرب العالمية الثانية أن يتفقا على إجراء انتخابات ديمقراطية في كلا الشطرين من أجل توحيدهما في المستقبل في دولة كورية واحدة موحدة. وفعلا جرت الانتخابات في العام 1948 في شطري كوريا إلا أن النتائج كانت على غير ما أريد لها، فقد أدت الانتخابات إلى تشكل دولتين منفصلتين تماما بدلامن الشطرين اللذين كان عليهما أن يندمجا بشكل ديمقراطي في دولة موحدة.

وأمام هذا الوضع ازدادت حدة التوتر تدريجيا تحت شعار توحيد الشطرين بالقوة، وبلغ ذروته في بداية العام 1950 حيث كان زعيم كوريا الجنوبية لي سين مان عرض في نهاية العام 1949 على حلفائه خطة دمج الكوريتين بالقوة العسكرية. وفي هذه الأثناء كان زعيم كيم إيل سونغ المنتعش بانتصارات الثورة الصينية وباختبار الاتحاد السوفييتي للقنبلة الذرية بثلاث سنوات قبل الموعد الذي توقعته الاستخبارات الأمريكية قد أعلن تأسيس جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية، وأعلم حلفاءه السوفييت بأن بلاده ستقوم بتوحيد الدولة الكورية.

وفيما كانت السياسة الخارجية الأمريكية بقيادة مهندسها جون دالاس تحرض الجيش الجنوبي على القيام باستفزازات مستمرة لجر كوريا الديمقراطية إلى حرب يفرض قواعدها الجيش الجنوبي، كان الزعيم السوفييتي المخضرم يوسف ستالين يرى أن انتصار الثورة الصينية النهائي يوفر المقدمات الموضوعية للدخول في حرب من أجل توحيد الكوريتين، لذا فضل التريث آنذاك، واكتفى بتوقيع معاهدة صداقة وتعاون في المجالين الاقتصادي والثقافي مع جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية، ولم تتطرق المعاهدة إلى الجوانب العسكرية.

اندلاع الحرب بين الشمال والجنوب

وتشير المراجع التاريخية أن ستالين لم يكن من انصار الحرب بين الكوريتين، ورفض في مطلع العام 1950 أن تكون كوريا الديمقراطية هي المبادرة للحرب، إلا أن تدخل الوساطة الصينية فيما بعد عبر قائد الثورة الصينية ماو تسي تونغ، جعل الزعيم السوفييتي يعرض الخطة الكورية الشمالية على الخبراء العسكريين والأمنيين السوفييت، لتزيل كل لاءات ستالين في حين كان دالاس في تلك الأثناء يعبر عن رغبته في تكسير رؤوس الشماليين عنما يعبرون خط الفصل وإذا استطاع جيش كوريا الجنوبية الصمود لمدة اسبوعين فقط، فإن الأمور ستجري على أحسن ما يرام.

وفي وقت مبكر من صباح الخامس والعشرين من حزيران العام 1950 عبرت قوات كوريا الديمقراطية خط الفصل ودخلت في اليوم الأول لعمق 3-5 كيلومترات في الأراضي الجنوبية، وفي اليوم ذاته وضعت الحكومة الأمريكية المسألة الكورية للبحث على طاولة مجلس الأمن الدولي، الذي اتخذ بعد يومين من ذلك قرارا بتقديم المساعدة العسكرية من قبل أعضاء منظمة الأمم المتحدة لجمهورية كوريا الجنوبية، وكان اتخاذ هذا القرار قد تم بغياب الوفد السوفييتي نتيجة مقاطعته جلسات مجلس الأمن اجتجاجا على قبول تايوان عضوا دائما في مجلس الأمن الدولي.

وفي غضون ثلاثة أشهر من القتال استطاعت قوات كوريا الديمقراطية من احتلال كامل الأراضي في كوريا الجنوبية، لم يبق منها سوى المقاطعة الصغيرة "تيغو" وميناؤها "بوسان" الواقعة في الزاوية الجنوبية الشرقية من شبه الجزيرة الكورية، والتي كانت تشكل مواقع وقواعد للقوات البحرية الأمريكية. وضمن هذا المشهد وجه مجلس الأمن الدولي في السابع من تموز عام 1950 نداء إلى جميع أعضاء منظمة الأمم المتحدة للعمل عل تنفيذ القرار المتخذ بشأن تشكيل قوات متعددة الجنسية بقيادة أمريكية للدفاع عن كوريا الجنوبية ما جعل 16 دولة ترسل قواتها للمشارة في الحرب الكورية، التي كانت القوات الأمريكية قد شاركت فيها منذ أن أصدر الرئيس الأمريكي هاري ترومان أوامره للقوات البحرية والجوية الأمريكية وفيما بعد البرية أيضا في السابع والعشرين من حزيران العام 1950 ذاته للدفاع عن جمهورية كوريا الجنوبية.

الاتحاد السوفييتي لم يتدخل

واحتفظ الاتحاد السوفييتي بموقف عدم التدخل المباشر في الحرب الكورية بالرغم من المشاركة العسكرية الأمريكية التي أجبرت الزعيم الكوري الشمالي كيم إيل سونغ على اللجوء لطلب المساعدة العسكرية المباشرة من موسكو وبكين، ما حدد دور كلا العاصمتين في الحرب الكورية، إذ أرسل ماوتسي تونغ 250 ألف مقاتل لمساعدة الشماليين، فيما اكتفى يوسف ستالين بارسال السلاح والتقنيات الحربية للتمكن من صد هجمات القوات الدولية. وبالرغم من تفوق سلاح الجو الأمريكي في الحرب إلا أن جيش كوريا الشمالية تمكن من تلقين القوات الدولية بما فيها الأمريكية درسا قاسيا جدا في معارك كر وفر خلال ثلاث سنوات ليتفق الطرفان على هدنة في العام 1953 تنص على العودة إلى خط العرض الثامن والثلاثين ليشكل خط فصل بين قوات الدولتين.

القلق الدولي من البرنامج النووي لكوريا الشمالية

ومع الانفراج الدولي الذي بدا وكأنه جاء على خلفية انهيار الاتحاد السوفييتي وقعت الكوريتات اتفاقا حول المصالحة ورسم الحدود فيما بينهما في العام 1991 إلا أن المجتمع الدولي أخذ بعد عامين يثير الشكوك حول كوريا الديمقراطية باتهامها بأنها تعمل على صنع قنبلة نووية وداعيا إلى تجميد العلاقات الدولية معها، ومنعت بيونغ يانغ في العام 1994 منظمة الأمم المتحدة من إجراء تفتيش على مركزين نووين على أراضيها، واتهمت سيئول في التحريض على وقف مفعول هدنة العام 1953 بهدف إجراء مباحثات جديدة، وهكذا أخذت العلاقات بين الكوريتين تتراوح بين الهدوء والتوتر وفقا لما تستدعيه الأوضاع الدولية والإقليمية لتصبح فيما بعد مشجبا يعلق عليه البرنامج النووي أولا وصناعة الصواريخ الباليستية الكورية الشمالية ثانيا، حيث اجرت كوريا الديمقراطية تطوير الصواريخ الباليستية من طراز /تايبو دونغ 1 و2/ لتتمكن في نيسان العام 2006 من تجريب الصاروخ /تايبو هون دونغ -2/ الباليستي الثنائي المراحل والعابر للقارات والذي يصل إلى مسافة 6500 كيلومترا، وإذا ضمت له المرحلة الثالثة بإمكانه أن يطول أي نقطة في الولايات المتحدة الأمريكية.

ولاحت في الأفق إشارات بعد أن وصلت الأمور إلى هذا الحد المثير للقلق عن نوايا أمريكية للتوصل مع بيونغ يانغ إلى اتفاقية سلام متبادل تنهي وضع الهدنة القائم بين الكوريتين من العام 1953 ما يفترض في هذه الحال الاعتراف الرسمي من قبل واشنطن بجمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية وضمان أمنها واستقلالها وهذا ما جعها تتلكؤ في اتخاذ مثل هذه الخطوة بالرغم من أن العقدة الكورية تبقى تحفز واشنطن لتقديم فكرة "أكثر إبداعا" تدفع بيونغ يانغ لقبول اتفاقية سلام تدفعها إلى تنازلات في الشكل المفتوح للمباحثات مع "اللجنة السداسية" للوساطة الدولية، أي إلى التخلي الكامل واللامشروط عن أسلحتها النووية وبرامج صناعتها.

الاستفزازات الأمريكية في شبه الجزيرة الكورية

وفي إطار زعزعة الوضع في شبه الجزيرة الكورية وتأثيرها على العلاقات الأمريكية الصينية، قامت الولايات المتحدة وعلى مبدأ "الكنة والجارة" في الفترة الأخيرة بتوتير الأجواء في المنطقة، في غاية منها لتبرير تواجدها العسكري الكبير في المنطقة من جهة، ومن جهة أخرى لجعل دول المنطقة وخصوصا الصين في حالة قلق مستمر يقوض نجاحاتها الاقتصادية عبر عمليات استفزازية ضد الجارة الشمالية المعلقة بالخاصرة الصينية، وذلك عبر إجراءات تحريضية منها المناورات العسكرية الأخيرة المشتركة مع القوات الكورية الجنوبية، ما دفع كوريا الديمقراطية للجوء إلى تعليق موافقتها على الهدنة الموقعة في العام 1953 محذرة سيئول وواشنطن بالرد المباشر على أي استفزاز يسيئ إلى استقلالها وسيادتها على أراضيها.

وفي رد متهاون على هذه الاستفزازات الأمريكية بمعية حليفتها الجنوبية قامت كوريا الشمالية بإغلاق مجمع "كايسونغ" الصناعي أمام العمال الكوريين الجنوبيين ومنعتهم من الدخول إليه بالرغم من أن أكثر من 120 شركة جنوبية تعمل في هذا المجمع الصناعي المشترك، الذي يرمز إلى التعاون بين البلدين، والذي يعمل فيه أكثر من خمسين ألف كوري شمالي.

وفيما كان وزير الخارجية الأمريكية جون كيري يؤكد "أن الولايات المتحدة ستحمينا وستدافع عنا وعن حليفتنا في المعاهدة، جمهورية كوريا"، كان الرئيس الكوري الشمالي الشاب “كيم يونغ أون” يقول إن "السلام والازدهار يقوم على أساس قوة نووية منيعة، وعليها تتحقق حياة سعيدة للناس". لذا قامت كوريا الشمالية بوضع صواريخها ووحدات مدفعيتها طويلة المدى في حالة تأهب قتالي لاستهداف القواعد العسكرية الأمريكية في جوام وهاواي والاراضي الأمريكية نفسها بعد ان قامت قاذفات أمريكية بطلعات جوية فوق الأراضي الكورية الشمالية، ما اعتبرته بيونغ يانع تهديدا لأمنها.

العقوبات الدولية غير مجدية

وبالرغم من حدة هذه التصريحات ترى الولايات المتحدة أن خطاب كوريا الشمالية لا يترافق مع أي إشارة تنذر بعمل عسكري واسع النطاق، في حين ترى الأمم المتحدة أن الأزمة الكورية مضت أبعد مما ينبغي وقد تصل إلى طريق اللاعودة، لذا تحضر الأمم المتحدة لاطلاق جملة جديدة من العقوبات الدولية لوضع حد لتطوير بيونغ يانغ برنامج النووي والصاروخي، وتحاول الهيئة الدولية الطلب من جميع الدول وقف معاملاتها المالية أو الخدمات التي يمكن أن تساهم في تطوير ذلك البرنامج.

وكما لم تأبه كوريا الشمالية بقرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالعقوبات في الماضي، فإن القرارات الجديدة بالتالي لن تتمكن من تغيير وجهة نظر الشمال، بل على العكس من ذلك إن العقوبات الجديدة ستغلق الباب أمام أي أمل في تسوية الوضع في شبه الجزيرة الكورية.

وفي غضون ذلك تقوم الولايات المتحدة الأمريكية بتعزيز وجودها العسكري في المحيط الهادي قرب شبه الجزيرة الكورية ردا على تصريحات المسؤولين في كوريا الشمالية إعلانها أنها تعتبر نفسها في حالة حرب مع جارتها الجنوبية، وهذه الخطوة الأمريكية الجديدة قد تليها خطوات أخرى بعد أن قللت واشنطن يوم الاثنين من أهمية تهديدات بيونغ يونغ لسيئول، إلا أن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري عاد وقال في في واشنطن : إن "الخيار الذي تبناه كيم يونغ أون استفزازي...إنه خطير ومتهور، والولايات المتحدة لن تقبل بكوريا الشمالية قوةً نووية".


 



  عدد المشاهدات: 588

إرسال لصديق

طباعة
شارك برأيك

الاشتراك بالقوائم البريدية
البريدالإلكتروني: