الأمل بالعمل



الأكثر زيارة
 الصفحة الرئيسية   مقالات  

القطار النووي و القطار الكيماوي .. أردوغان وأخوه فلاديمير ...بقلم نارام سرجون
November 26, 2013 15:16

كل الأخبار - مقالات سياسية
لم يعد قلبي يعرف قلبي .. ولم يعد عقلي يعرف عقلي .. ولم يعد الكلام يشبه الكلام .. أقول هذا لأن الترسانة الهائلة من المفردات والمصطلحات الثورية وفيضان الأكاذيب والدموع لم تعد تثير حنقي وغضبي ولم يعد لها ذلك المذاق المر في الحلق ولاطعم الدم في الفم .. ولم تعد لها برودة حد الشفرة أو حرارة الحديد المصهور في الأحداق .. وتضاءل ذلك الشعور بالتمزق الذي يخالج الأبرياء أمام شهود الزور والزناة المجرمين ..

لم تعد أدبيات الثورة تستوقفني و لم تعد عباراتها الوقحة المتعرية على قارعة الطريق تغضبني فأسفك دمها .. ليس لأنني نضبت من الغضب وليس لأنني نضبت من الأدب .. ولكن لأن قاموس ماسمي "ثورة الربيع العربي" نضب وشح لهيبه وخبا ضوءه وأصيبت كلماته بالهزال وعلاها الصدأ الثقيل البني .. واصيبت مفاصلها بالتيبس والجفاف وتلاشى الشحم من عجلاتها .. و أما السم الذي كان ينقط من أنياب الكلام الثوري وأفعوانات الحرية فانه لم يعد يسمم الا الأفاعي التي تحمله ..

وهاهي اليوم عجلات الدنيا تسير على أجساد الاسلاميين وأشلاء أحلامهم ..وهاهي عجلات الاتفاقات الدولية تفرم أصابع الاسلاميين وتمر عجلاتها على سيقانهم .. الاسلاميون احرقوا اصابعهم شموعا للغرب من أجل أن يعطيهم السلطة .. لكن الغرب صافح ايران .. واعترف لروسيا بنفوذها .. ولايعنيه ان زعل الاسلاميون واتهموه بالنفاق والتراجع .. فالغرب لايحمي المغفلين ولايصافح الأيدي التي باتت بلا أصابع ..

نعم .. صرت أمرّ بالكلام والمؤتمرات والتصريحات الثورية كأنني أمر على النشرات السياسية القديمة  التي كانت توزع يوما في عهد الرفيق سليمان قداح والرفيق عبد الحليم خدام .. قلما اقرأها وكثيرا ماأضعها دون قراءة تحت فنجان القهوة كيلا يندلق على مكتبي .. نعم لقد صارت خطابات الثوار وكتاباتهم مكررة ومملة ومثقلة بعبارات من حطب وليس في فمها سوى نشارة الخشب .. وتعب مبلل بالتعب .. لغة عقيمة وعاجزة عن تحريك مشاعر الغضب كما هي عجوز شمطاء لاتقنع شابا وسيما بشرب القهوة معها في أي مقهى راق ولاتغريه ماكياجاتها الغاضبة الفواحة بعناقها ومراقصتها .. ولكنه لايمانع من أن يلاقي امرأة جميلة ولو فوق شجرة أو في مغارة .. لقد شاخت الثورة بسرعة وشاخ خطابها وشاخت كلماتها .. ولم تعد تستفز فينا الرجولة والتحدي ورغبة الصراع .. وصار مستقبل مابعد الثورة فتاتنا الجميلة التي نواعدها الآن في الغوطة وحلب وعلى مفارق الوطن .. ولاشك ان مانحس به سببه أننا جميعا صرنا نرى حطام الثورة والثوار .. ورؤية الحطام لاتثير شهية التحطيم .. فالمشروع الثوري الاسلامي تحطم تحطما شديدا ولم يعد يهدد أو يخيف أحدا .. وهاهي التوافقات الدولية تتفق على اكمال التحطيم .. وسقط اكبر مشروع اسلامي للحكم في شر أعماله بسبب سوء نواياه وسوء تقدير قادته وبسبب "رضاعة الكبار" فيهم من ضروع بقرة اسرائيلية وأوروبية .. ومن أثداء تسيبي ليفني وأثداء سالومه القاتلة وغولدامائير ..

فكم رضع الثوار من قاموس (جبهة الجولان الصامتة) وكم طحنوا اسمه بين أضراسهم في كل وليمة ثورية .. وكم بكوا سلاسل الدبابات السورية الصدئة كما قالوا .. لكن تبين الآن للجميع أن ليس صدأ المدافع السورية على الجولان هو مايثيرهم بل صدأ الدبابات الاسرائيلية وطائرات الناتو التي لم تتحرك معهم ولم تقاتل معهم رغم دموعهم التي سكبوها كالزيت والشحم على محركاتها .. كم أكثروا من سكب الزيت والشحم على محركات الطائرات الاسرائيلية والأطلسية وهم يسكبون تهديداتهم وشتائمهم بسخاء على ايران وحسن نصرالله .. وكم مسحوا مدافع الدبابات الاسرائيلية بأعلام الثورة وزيت السلام و "الشالوم" ؟؟

هل هناك بعد الآن من لم يسمع الكلام عن جبهة الجولان التي ينطلق الثوار منها نحو سورية وليس نحو اسرائيل .. اسرائيل من خلفهم وسورية من أمامهم .. وبعد هذا لايزال بعضهم لايتردد في الكتابة عن صدأ السلاح السوري في الجولان ويكتب لنا بالمسامير الصدئة عن المقاومة كتابة يعلوها الصدأ.. والكلام الصدئ يمر فوق الكلام الصدئ بتثاقل ويسمع السامع صوت اصطكاك الصدأ بالصدأ وتلكؤ أسنان الكلام وتكسر مسننات اللغة وهي تئن لتدوير الكلام الذي تآكلت حروفه ..

ومن منا الآن لا يزم شفتيه ويتضجر من النفاق بل ويضحك ملء شدقيه وهو يسمع خطاب الاسلاميين عن عدائهم للغرب واسرائيل فيما الغرب يرعاهم والغرب يطعمهم ويسقيهم ويسلحهم .. واذا بهم ينطلقون وظهورهم الى "أورشليم" ووجوههم نحو دمشق ..حتى مقاتلو فلسطين الاسلاميون ينفرون الى الشام .. ولم يعد يمكن تجاهل أن الاسلاميين هم جيش رديف للغرب .. وهم قصبة الهواء لاسرائيل التي كلما غرقت تتنفس من خلالهم .. فكما تنفست بعد أحداث سبتمبر التي تبرع بها الاسلاميون فانقشعت غمة العمليات الاستشهادية عنها بسبب انهيار أبراج نيويورك .. هاهي الآن تلعق المسجد الأقصى ويسيل لعابها على حيطانه وعلى قبته .. لأن جيوش الاسلاميين وحماس ورائد صلاح وكل المجاهدين يشاغلون حزب الله والجيش السوري عنها ويهددون ايران والعراق بالثبور وعواقب الأمور .. ويقتلون انفسهم في كل شوارع الدنيا الا شوارع اسرائيل..

هل هناك من لايدخله السأم من كلام لاكته أضراس العالم عن ثورة الكرامة ضد الاستبداد ؟؟ كم فلح الثوار عقولنا وآذاننا وأحداقنا بعبارات كرامة الشعب والعدالة والديمقراطية .. فاذا بأكثر ذل يصيب الشرق هو في عهد الثورة والثوار .. واذا بأكثر نزيف تتعرض له العدالة والديمقراطية هو زمن الثورة والثوار الذي كان أكثر عهد قطعت فيه أعناق البشر وأصابع البشر.. وأرزاق البشر ..وسقطت فيه أعناق مآذن الجوامع وجماجم قببها.. وقطع الشجر العتيق ورؤوس النحت والتماثيل .. واذا بأكثر عهد ذكر فيه الله وشرع الله تقل فيه الرحمة بين البشر ..

اليوم بزغ الفجر وصار الكلام الثوري عن الحرية الحمراء التي تدق بالأيدي المضرجة مسليا ومثيرا للسخرية بدل الغضب عندما نرى أن ليس للحرية يدا حمراء تدق على الباب بل للحرية لحية طويلة شعثاء حمراء بلون الدم وتلبس الجلباب والنقاب وتمارس جهاد النكاح أمام الباب وخلف الباب وفوق الباب وتحت الباب .. لم تعد نداءات الحرية تخيفنا بل صارت الحرية تخيف أصحاب الحرية الملثمين والمنقبين ..

لم يعد لدى الثورات العربية شعارات تخبزها للناس ولم يبق للثورة السورية سوى خبز يابس .. ولم تعد تملك شعارا واحدا حيا كي نبارزه .. كلها شعارات فقدت روحها وسلاحها وشبابها وماتت ..

وفي الحقيقة صرت أمضي معظم اليوم أقلب الصحف والمحطات ومواقع الانترنت علّي ألتقط كلاما جديدا طازجا فيه كبريت يشعلني كالبارود كما كنت اشتعل وأتفجر في بدايات الأحداث عشرين الف مرة في الساعة الواحدة وأنا أسمع الزور والبهتان والافتراء على أربعين عاما .. والافتراء على خمسين عاما .. وعلى ستين عاما .. كان المزيفون يروجون الكلام المزيف وينثرون الملح في أرضنا ومائنا ومذكراتنا كي لاتبقى الا ذاكرتهم .. ويسرقون منا الذهب ويسرقون عيوننا وأحداقنا علنا .. ويسرقون الضوء والقمر والنجوم والغيوم .. بل ويسرقون منا صلاتنا وصيامنا .. ليعطونا تعويذات وهلوسات عن الشرعية والشريعة .. وكانت كل كلمة مثل قذيفة هاون تسقط على رؤوسنا .. وكنا نكتب لنزع الألغام في الكلام وتفكيك عباراته المفخخة بالكذب واصطياد مقالات الهاون قبل أن تسقط على رؤوس الناس وفي عيونهم .. لم تكن السيارات المفخخة ولاقنابل الهاون الا تلك التقارير والأكاذيب الاعلامية والبكائيات واللطميات المظلومية

صرت اعود من جولات الصيد خاوي الوفاض .. وليس معي طائر واحد لكلمة سوداء وعبارة مسمومة .. وليس بيدي غراب واحد أتسلى بشوائه .. ولا جلد ثعبان أصنع منه حقائب لزمن قادم .. ولا فروة دب أعلقها على جدار بيتي .. فكل ماتقع عليه عينا الصياد هو غربان ميتة كأنها مر عليها وباء مفاجئ عظيم فقتلها .. ودببة أنهكها الهزال والجوع والمطر الشديد وهاكل عظمية لكلمات كانت ثائرة وماتت عطشا .. الثورة تتآكل كما تآكل رموزها ..وسقطت قواميس "رياض الصالحين" .. رياض الأسعد .. ورياض حجاب .. ورياض نعسان آغا .. ورياض الشقفة .. وسقطت معهم آخر غزوة وهابية قامت بها "رياض" آل سعود ..

وحده أردوغان لايخيب ظني فبوجوده لاتعود رحلة الصيد خالية الوفاض طالما أن غرابه طليق ونحن لن نتركه في اي أجواء ينطلق دون أن نطلق عليه النار .. والحقيقة هي انني صرت قلقا من أن يؤدي غياب أردوغان الى نهاية مسرح ألهمنا الكثير من النقاش والحوار والسخرية .. وأعطانا فرصة الصيد ومتعة قنص الدببة ..

ويبدو أن السيد اروغان قد بدأ يدوخ من السياسة .. وأنه بدأ يتعب .. ولايشبه في التاريخ الا عبد الله الصغير آخر ملوك بني الأحمر في قرطبة الذي عندما غادر قصره في قرطبة وسلم مفاتيح المدينة للاسبان بكى بحرقة .. وقالت له أمه:

ابك مثل النساء ملكا لم تحافظ عليه مثل الرجال ..

كل مابناه أردوغان يتهاوى .. سقطت سورية من سلته وهاهي مصر تسقط من سلته أيضا وهاهو يخرج من مصر بعد أن خرج من سورية كالبعير الأجرب ..عالم أردوغان الاخواني يتآكل .. وفتوحاته كانت قصيرة الأمد جدا .. وامبراطوريته انكمشت بسرعة .. لكنه لايستطيع ابتلاع الحقيقة الكبيرة ويغص بها بلعومه فيهرول غربا وشرقا ..ويسعى بين العواصم ..

سلوك اردوغان اليوم لايفهم في علم السياسة على أنه مناورات الأقوياء بل مناورات الصراع من أجل البقاء .. يشبه أردوغان هذه الأيام رجلا ظمآنا يهرول في كل اتجاه يحاول أن يملأ سلته السياسية بالماء فيرميها في كل الآبار ويرفعها لتعود اليه بلا ماء .. يذهب شمالا الى روسيا ويتوجه شرقا الى دياربكر ويرسل مهندس الأصفار العراق .. ويدور على العواصم يستجدي عاصمة تملأ له سلاله السياسية بالماء ليسقي بها مابقي من حكمه وعهده .. ولكن الحقيقة هي أن ايام الرجل ليست معدودة بعد ولكن من اليقيني أن عام 2014 هو أسوأ عام سيكون في حياته ان لم يكن نهاية عصر الأردوغانية كما صار يلوح .. والرجل صار يبحث عن النجاة من هذا المصير الذي لم يتوقعه وكان يعتقد انه سيدخل الخلود التركي في الضمير التركي .. ولكنه سيكون محظوظا ان لم يلعنه الأتراك على حماقاته .. ويكون له دور أبي عبد الله الصغير في الأندلس حيث سيسلم مفاتيح العهد الاسلامي لقادة أتراك جدد ..

بدا لي اليوم أردوغان في اضعف حالاته وأكثرها مأساوية وهو يهرول باحثا عن مخرج من الوادي الثوري المفقود .. وملامحه وهو الى جانب فلاديمير بوتين تقول انه لم يكن موفقا .. وهاهو لايكاد ينتهي من عودة سلته الفارغة من روسيا حتى يخسر مصر .. التي ترمي سلته في وجهه ..

وعندما سمعت أردوغان يخاطب السيد مسعود البارازاني في مهرجان دياربكر بكلمة (أخي مسعود) ويشير اليه دوما بتعبير أخي مسعود .. لم أتمكن من مقاومة ابتسامة تمددت على سرير فمي وتمططت .. وأعلنت العصيان ورفضت مغادرة فمي لأنني تذكرت أخوة أردوغان مع أخيه الرئيس بشار الأسد عندما كان يرى في أخيه بشار الأسد شخصا سيفتح أمام تركيا كل الجنوب العربي .. وكنت أنتظر منه في روسيا ان يخاطب فلاديمير بوتين ب (أخي فلاديمير) .. لأن الأخوة في عرف أردوغان تعني أنه لايقولها الا وهو ضعيف ويريد التسلل الى بيوت الناس ليفخخها بالمؤامرات والدسائس ..

أضحكني أردوغان وهو يتآخى مع الأكراد وبالذات مع السيد مسعود البارازاني لأنه شاءت الظروف يوما أنني التقيت مع السيد مسعود البارازاني في احدى زياراته الى دمشق حين استقبلنيي في الفندق الذي يقيم فيه .. ويومها حاصرت السيد مسعود البارزاني بأسئلتي عن الحلم الكردي وطموحاته وبدا الضيق عليه والتبرم وهو يتهرب بعينيه من عيني اللتين كانتا تصران على الايضاح .. يومها تحدث السيد مسعود البارازاني عن الحرية والحاجة للعراق الديمقراطي ضد استبداد صدام حسين .. وأن تسليط الضوء على الشأن الكردي سيقلل من البحث عن لب الأزمة الكامنة في نقص الحرية والديمقراطية ..

وبعدها بأيام التقيت مع شخصية تركية زائرة .. وقلت له ماقاله لي البارازني .. يومها ضحك الزائر التركي طويلا .. وهو يهز رأسه .. ثم قال لي والضحك يعانق عباراته: وهل تصدقه؟؟ فقلت: لم لا؟؟ فقال: هذا رجل كذاب .. ويكفي أنه....لتعرف أنه لايوثق به؟؟ ثم أضاف: في العراق قال لي تاجر عراقي بأن المثل الشعبي يقول بأنه اذا كان الكردي دينارا من ذهب فلا تضعه في جيبك لأنه سيثقبها ويسقط منها؟؟ أي عند حاجته لن تجده حتى لوكان في جيبك .....

ومن يومها لم ألتق بمسعود ولا بالشخص التركي .. الى أن التقى أردوغان بأخيه مسعود .. ولكنني عندما لمحت ذلك العناق والاحتفالية في ديار بكر .. ضحكت طويلا .. وهززت رأسي .. وكان الضحك يعانقني مع مفاجأة مذهلة لأن الزائر التركي الذي كان يصف لي الكردي بأنه لاعهد له ولاميثاق وبأنه لن يضعه في جيبه حتى لوكان دينارا من الذهب كان يقف خلف أردوغان في حفل استقبال "أخيهم" مسعود .. ويبدو أنه من ناصحيه في الشأن الكردي .. المنافق أردوغان يريد مشاغلة الأكراد بمسرحية عاطفية من مسرحياته لأنه بات في العرف السياسي شخصا يتهاوى .. ولاشك لدي أن دينار الذهب الكردي مسعود البارازاني لن يخيب ظن المثل العراقي عندما ينزل في جيب أردوغان ..ليس لأن مسعود أو الكردي لاعهد له كما يدعي الأتراك بل لأن التركي لاجيوب له ليضع فيها مواثيقه ودنانير الذهب .. وليس له جيوب لأن سرواله قد سقط في سورية وسحله له ضباط وجنود الجيش السوري .. وسار التركي السلجوقي يسير بساقيه العاريتين في شوارع الشرق ..

أردوغان ينصرف بالتدريج لحل معضلاته القادمة .. ولكن الدنيا تتغير بسرعة .. وهذه الاتفاقات الأخيرة الكيماوية والنووية التي شملت سورية وايران تعني أن الغرب سلم بتحالف القرن الواحد والعشرين بين روسيا وايران وسورية والعراق .. وصار الاتفاقان النووي والكيماوي يقرأان في المدارس الغربية على أنهما بداية هدنة طويلة الأمد بين المحورين .. يشبهه البعض بالاتفاق الذي أنجز بعد حرب الكويت بين الروس والأمريكان .. والهدنة الطويلة في الشرق التي استمرت حتى سقوط أبراج نيويورك .. فبعد الأزمات الطاحنة تبدأ الهدنة الطويلة والمؤتمرات .. الاتفاقات الأخيرة الكيماوية والنووية ستعني أن الغرب سيسلم للسوريين والايرانيين بشؤونهما في المنطقة كما تم التسليم لسورية بعد حرب الكويت بشؤون لبنان وتدبير فترة مابعد الرئيس الراحل حافظ الأسد في سورية دون تدخل وتم الدفع باسرائيل الى مفاوضات على الجولان ..

واليوم وبعد الاتفاقين النووي والكيماوي سيكون جنيف 2 بمثابة مؤتمر مدريد ثان .. ولن يكون من أجل حل المشكلة السورية بل لتسليم الملف السوري للروس .. ويتم تداول أفكار شبه نهائية ستعرض في جنيف 2 ستتضمن عدم التدخل في نظام الحكم في سورية واعتباره شأنا داخليا بحتا .. وسيتم استئصال الحركات الدينية المتطرفة أو تهجيرها من المنطقة التي صارت منطقة نفوذ روسي .. والغريب أن بعض النفوذ سيعاد للسوريين في لبنان لاستئصال التيار الاسلامي المتطرف كونه صار مصدر لااستقرار لخطوط نفوذ روسيا وسورية .. وقد يعني هذا رحيل سعد الحريري نهائيا عن الساحة اللبنانية .. نسخة معاكسة لما حدث في مؤتمر مدريد للسلام الذي سلم السوفييت فيه اميريكا كل ملف الشرق الاوسط .. فولدت أوسلو ووادي عربة .. اتفاق ايران والغرب يقرأ الآن على أنه بداية هدنة في كل المنطقة ستستمر بين 10 -15 سنة بين أطراف الصراع جميعا تخرج فيه سايكس بيكو 2 من حيز التطبيق وتعاد الى الثلاجات والرفوف .. وتنزل روح يالطة الى الجغرافيا الكبرى .. وبدل خطوط سايكس بيكو الثانية ستخرج الخطوط من داخل بلاد الشام والعراق ..

قلق اسرائيل كبير ايضا لأن ماكانت تريده هو تمزيق الجغرافيا المحيطة بها اربا اربا والحاق ايران بمصير العراق .. لكن الهدنة التي قد تشملها أيضا ستعني لها أن محور ايران - العراق - سورية سيتاح له الوقت الكافي لبناء قوة عسكرية هائلة مدعومة باقتصاد متكامل في النفط والغاز السوري القادم والنفط العراقي والطاقة الايرانية ..وأن عليها التعايش مع نهوض قوة هائلة على كتفها كما تتعايش مع حزب الله دون قدرة على ازالته ..ولاأحد يدري ماذا سيحدث بعد ذلك ..

ولكن الجميع يرمي بتكهناته ويتحرق شوقا لمعرفة اتجاه الخطوط الجديد .. لأن الاتفاقات الكبرى لاتوقف الخطوط بل تزحزحها وتغير مساراتها .. وهناك جدل لاأحد يدري كيف سينتهي وهو ان كانت تلك الخطوط ستدخل السعودية أو تركيا كاعادة ترتيب الحديقة الغربية الخلفية لمواجهة المرحلة المقبلة التي يبدو أن الاسلاميين لم يعد مرغوبا بهم في عالم اليوم ..والتخلص منهم صار ضروريا وسهلا بعد ان أخطأوا في قراءة منطق السياسة وتورطوا في الرضاعة الحرام ..

ولذلك ينظر الجميع بتفهم الى قلق أردوغان من تلك الخطوط التي تتحرك وتتلوى في اعلانه أخوته مع البارازني والأكراد لايقاف تطلعاتها نحوه .. ومحاولته الحمقاء اليائسة لايقاف عجلات القطار -الذي تحرك بمحركات كيماوية ونووية - بأن يثير الغبار في مصر ويعيد احياء الاخوان .. أو يعيد أخوّته مع الرئيس بشار الأسد بوساطة "أخيه" فلاديمير بوتين .. ولكن السلطان السلجوقي بالفعل داخ من السياسة وأصيب بالدوار والصداع .. وأفضل دواء للصداع هو ... السيف..

القطار النووي تحرك وسبقه القطار الكيماوي .. فيما وصل القطار الاخواني الى نهاية الرحلة والى آخر محطاته التي يترجل منها الثوار .. جميعنا بانتظار أحداث كبرى قادمة .. وتخلخلات كبرى .. فالاتفاقات الدولية تقضي الآن بأن كتلة السعودية والخليج بقيت وحيدة في مهب الريح الدولية .. وتركيا الاسلامية تلعق جراحها .. وسايكس بيكو الثاني يدخل بياته الشتوي .. ولذلك ينتظر أن يقوم الغرب باجراء تعديلات ضمن مناطق نفوذه وبيوت حلفائه الداخلية .. فلم يعد لهم وجودهم مقبولا دون تغييرات جوهرية تناسب عصر اللااسلاميين .. ولايتردد الكثيرون الآن في توقع أن حدثا كبيرا سيحدث خلال أشهر اما في تركيا أو السعودية..

جميعنا ننتظر جيلا جديدا من الكلام وجيلا جديدا من اللغة .. وكي أكون واضحا جدا .. فلن يقوم اللغويون هذه المرة بصياغة الكلام ونحت العبارات والمصطلحات .. فهي من نوع الكلام الذي لايصنع في مصانع اللغويين ومختبرات النحويين بل تكتبه الدبابات السورية التي تطل على حلب والقلمون .. وبقية المناطق السورية التي عانت من غزوة المصطلحات وغزوة قواميس الثورجية .. وبنادقهم .. وفروجهم الشبقة .. هناك جيل جديد من السوريين ينهض ومعه قواميسه الجديدة .. والشرق ينهض بقواميس جديدة بعدما ماتت كل القواميس القديمة .. وبعدما انقرض جيل كامل من الثورجيين والمنشقين .. ماتوا قبل موت القواميس وانشقوا عنها قبل ان تنشق عن الوجود .. وبعضهم صار يبحث عن مكان مريح للجوء والتنحي عن الثورة ..



  عدد المشاهدات: 1581

إرسال لصديق

طباعة
شارك برأيك

الاشتراك بالقوائم البريدية
البريدالإلكتروني: