الأمل بالعمل



الأكثر زيارة
 الصفحة الرئيسية   مقالات  

الموت ذلّاً .. الرجل الذي صار عظما بلا لحم / بقلم: نارام سرجون
August 18, 2015 03:28

الموت ذلّاً .. الرجل الذي صار عظما بلا لحم / بقلم: نارام سرجون

ما أمرّ كأس الذل في فم العزيز الكريم .. انه كطعم البحر الأجاج في فم النهر العذب .. وكطعم النار في فم الثلج .. فياويل من كانت نفسه عزيزة أبية عذبة تفيض بالكبرياء والعنفوان ويشرب نقيع الذل في كأس الحياة .. ولكن ماذا يحس الذليل الذي يتجرع كأس الذل وراء كأس الذل .. واعتادت عروقه مرور الذل بدل الدم .. واعتاد أن يتنشق الذل ويتنفس الذل .. ويتعرق الذل .. وصارت زمرة دمه من فصيلة الذل؟

لن يوجد سياسي في العالم تجرع الذل الذي يتجرعه أردوغان هذه الأيام .. رغم كراهيتي لهذا الرجل واحتقاري له ولأخلاقه الوضيعة ونذالته فانني أحيانا أحس بأنه هذه الأيام يثير فيّ الشفقة والشعور بالعطف عليه وهو يتجرع الذل في الكؤوس الكبيرة بعد أن شرب النصر في انخاب كبيرة .. كؤوس الذل لاتحصى حتى صارت الاحاطة بها أمرا متعذرا .. كأس وراء كأس .. وخيبة اثر خيبة .. حتى صار بطنه مليئا بالذل والخيبات .. ورأسه متشققا من الصدمات وعقله منقوعا بالاحباط .. صار أردوغان كتلة كبيرة من الذل .. ورجلا مكسورا بالهوان والمهانات .. حتى صار الذل يشفق عليه ويطلب الرحمة له ..

ليس اذلال أردوغان فقط في انهيار كل عالمه الاخواني بسرعة قياسية حتى لم يبق للأخوان المسلمين من تونس الى تركيا سوى بضعة مقاعد في البرلمان التركي وفي تنظيم داعش وفي مكتب خالد مشعل .. بل خرج من تونس مذموما مدحورا وطرد من مصر شر طرد .. ولم يقدر أن يدخل عتبة دمشق رغم أنه حاول هدم كل الجدران الشمالية ودق برأسه الحيطان والصخر وقلعة حلب حتى تصدع رأسه وانفلق .. العالم والحلم الذي بناه أردوغان بالتسلل واللصوصية والتمثيل والكذب على العرب تبخر واحترق ورحلت العثمانية .. تجرع أردوغان ذل انكسار الوعود والتهديدات .. وتجرع ذل لامبالاة الأسد بصراخه وعنترياته وانفجار صبره .. وتجرع ذل خروجه من المشروع العثماني بخفي حنين .. وتجرع السم بانهيار فلسفة تركيا ذات (الاسلام النظيف) فاذا بها تركيا الفاسدة الزنخة التي تسرق وتمارس قطع الطرق وتسبي النساء وتذبح بيد داعش .. تركيا الطائفية .. ومن تركيا تفوح رائحة ثياب أمينة اردوغان وثياب ابنها بلال وابنتها سمية بالمليارات والمال الحرام .. وهاهو اردوغان يتجرع السم في انهيار كذبته الكبيرة على الأكراد الذين اكتشفوا أنه كان يمارس هوايته المفضلة في الوعود الكاذبة .. وتجرع الذل وهو يرى اشتعال أطراف ثوبه العثماني ببعض النار ويكتشف أنه صار محاطا بالمشاكل والثقوب الأمنية والمذهبية التي ملأت عهده ..

لكن الاذلال الأكبر هو في أنه أعلن عشرات المرات بانه يريد منطقة آمنة .. تسوّلها من الناتو وقبل الأيدي والأرجل وسافر عشرات المرات الى الغرب وطلب الاذن بعد الاذن ولكنه تلقى صدا وتوبيخا لأنه لايحسن تقدير العواقب من جر الناتو الى مواجهة لايريدها .. الا أن استماتته على المنطقة الآمنة بلغت حدا أنه أراد فرضها كالأمر الواقع بعملية مليئة بالرعونة والتهور فأعلن أنه عقد صفقة مع الاميريكيين سمح بمقتضاها بأن يقايض النشاط الاميريكي في قاعدة انجرليك بمنحه المنطقة الآمنة التي يحلم بها في الشمال السوري .. وهي بتعبير آخر منطقة حظر جوي طالما طالب بها لأن الطيران السوري سيصبح في منطقة يظللها الناتو..

وفيما هو يحتفل بالنصر ويريد أن يضع فراشه في المنطقة الآمنة ويدعو المعارضة السورية الى اقامة اليالي الملاح في المنطقة الآمنة واذ بالأميركيين يوقفون الأغنيات الراقصة ويعلنون عن الغاء الحفل .. واذ بالناتو وامعانا في التأكيد على عدم نيته حضور الحفل يعلن فجأة أنه سيبدأ بسحب بطاريات الباتريوت الألمانية من الحدود السورية .. وزاد من جرعة الاحراج ان الروس اعلنوا عمدا انهم ارسلوا سربا من أحدث مقاتلاتهم الى الجيش السوري من طراز ميغ 31 لتنضم الى اسطول ميغ 29 وميغ 27 المتواجد أصلا في سورية .. وهذا التوازي في الاعلان عن هاتين الخطوتين رسالة تشبه الفضيحة للرجل .. فهو وعد الجمهور ووعد المعارضة أنه سيبني المنطقة العازلة وسماها احتيالا وتذاكيا بالمنطقة الآمنة التركمانية التي لن يدخلها لكنها ستصبح محرمة على الجيش السوري أيضا بغطاء ناتوي .. الا ان جدار صواريخ الباتريوت الذي سيدافع عن هذه المنطقة غادر أو يغادر الآن .. فكيف سيبني المعتوه اي منطقة آمنة من غير صواريخه .. ومن غير الناتو؟؟ وبوجود قوافل الطائرات الروسية التي وصلت أولى دفعاتها وستصل بقية الطائرات تباعا في مهمة تكاد تقول انها لتدمير المنطقة الآمنة تحديدا ..

ومازاد طين الذل بلة هو الاعلان الروسي في هذا التوقيت - الذي تحزم فيه الباتريوت حقائبها وتشتري تذاكر السفر للعودة - عن وصول طائرات ميغ 31 الى سورية وهذا ماسيجعل المنطقة في الشمال السوري منطقة آمنة لسورية لأن معنى الرسالة أن الجدار التركي ينهار والجدار السوري الدفاعي السوري يتمتن ويعلو قي صمت قاتل من الناتو ..

الرجل الذليل اردوغان يشبه العريس الذي وجه الدعوات لحفل عرسه ولبس ثياب العرس الأنيقة وذهب الى العرس فلم يجد ايا من المدعوين في الصالة .. والفاجعة الكارثة الفضيحة انه حتى العروس لم تأت واعتذرت وذهبت مع رجل آخر .. وجلس في العريس وبجانبه كرسي فارغ وورود المهنئين بالرفاه والبنين ولكن القاعة مليئة بكراس فارغة .. وحوله فقط داود اوغلو في كرسي العروس وحولهما بضعة مجانين من العائلة الاخوانية يدفون على الدف ويرقصون وحولهم الصدى والمدى ..

حزب العدالة والتنمية كما صار معروفا جاء بتسهيلات أميركية وليس من قبيل الصدفة ان يصل هذا الحزب المشبوه الى السلطة قبل عام على غزو العراق أي عام 2003 وكأنه وصل في موعد مع الغزو الاميريكي .. لأن المشروع الاميركي كان يهدف الى تدمير أنظمة الحكم القومية وتحطيم وجود الدولة الوطنية واحلال أنظمة حكم دينية في كل المنطقة لاطلاق المرحلة الثانية من مشروع الفوضى الخلاقة حيث تستقطب المنطقة دينيا ومذهبيا ويكون وجود تركيا الاسلامية كملاذ اجباري للاسلام السني المهزوم والمجروح من هزيمة عراق صدام حسين الى لبنان رفيء الحريري .. أردوغان جاء الى الحكم في نفس عام الغزو للعراق للمساعدة في هذه المهمة لكن أهم مهمة اسندت اليه كانت المساعدة على استقطاب أهل السنة واتمام المشروع باسقاط سورية وتفتيت جيشها وتكوين كيانات مقطعة تتقاسمها المذاهب التي تتقاسمها الدول ايضا .. والواضح ان المهمة فشلت فشلا ذريعا لأن منظومة الردع التي شكلتها روسيا وايران وسورية وحزب الله حالت بين اردوغان وبين المهمة المستحيلة التي تنطح لها .. وهذا يعني أن على الناتو ان يساعده على الرحيل بهدوء لأن هناك خشية من لااستقرار تركيا الملاصقة للبوابة الاوروبية والعضو المهم في الناتو التي بدأت بالاهتزاز العرقي والمذهبي ..

الناتو غالبا صار بحاجة الى فريق سياسي جديد في تركيا للحفاظ على تركيا .. وكثير من التقديرات تتوقع أن ينتهي مفعول حزب العدالة والتنمية أو على الأقل زمن رجب اردوغان مع نهاية عهد باراك أوباما الذي عصر تركيا الاسلامية حتى آخر قطرة .. فقد نفذ الأتراك مشروع الربيع العربي بدقة وتفان .. وتدخلوا باخوانيتهم في تونس وليبيا ومصر وسورية والعراق وحتى في اليمن .. ولكن انهارت الامبراطورية الاخوانية وانتهى عهد أوباما وصار لزاما أن يأتي البديل .. فالسياسة الاميركية تبدل الاستراتيجيات والأدوات مع كل رئيس جديد .. وكل ادارة تأتي بمشاريعها الجديدة وابطالها الجدد او تصمم أدوارا جديدة لأبطال قدماء .. وحزب العدالة والتنمية بطل قديم لايصلح للادارة الجديدة فقد ساعد بوش بامتصاصه للغضب الاسلامي وهو يقدم نفسه البديل الالهي المنتظر .. وساعد اوباما ولكنه لم يعد قادرا على مساعدة الرئيس القادم .. انه عظمة لم يبق عليها لحم .. وهناك عظم تركي مكتنز بالشحم واللحم .. بانتظار من يقطف اللحم عن العظم ..

ولكن صدقوني مهما اعتاد الذليل مذاق الذل فان طعم الذل كريه عليه اذا شرب مرة واحدة من كؤوس العز الدمشقية .. طعم العنفوان والكبرياء الدمشقي لاينساه الأذلاء عندما يتذوقونه مرة واحدة .. أولئك الذين لو شربوا كل كؤوس وانخاب النصر والعز في الدنيا لما عوضتهم ولما أوصلتهم الى النشوة .. من تذوق العز في كؤوسنا سيعلم الفرق بين الضحالة وبين الكبرياء .. ونحن من سقينا أردوغان العز في كؤوسنا فملأها لنا دما وقيحا ومجرمين وقنابل ورصاص وانتحاريين وأشلاء وتكفيرا ومذاهب ومذابح .. فصرنا نقاتل أربعين دولة .. وأربعين جيشا وأربعين سلاح جو .. واربعين منظمة للجريمة .. وأربعين مؤامرة .. وحربا من الشمال ومن الجنوب ومن الشرق ومن الغرب .. ولايوجد شبر في جسدنا ليس فيه طعنة وندبة وجرح قديم وجرح شديد .. ومع هذا لم نستسلم ولم نسلم ولم نسقط .. بل صنعنا معجزة القرن .. لأننا أحرار ولسنا عبيدا ولم يؤت بنا لأداء وظيفة مؤقتة أو لغزو .. فنحن من جاء بهم القدر ليعدوا أنقى كأس للعز يصنع في دمشق اليوم .. من يشربه لايسري في عروقه الا الكبرياء الأبدي ..

الكثير من كؤوس الذل تنتظر أردوغان ياسادة في الأشهر المقبلة .. الأقدار سكبت بعضها .. والسوريون سكبوا له بعضها .. وجنونه سكب له بعضها .. وهو يتأملها حائرا وكل من يتابع خياراته وورطاته يعرف ماهو قادم في كؤوسه .. فمن اين يبدأ أردوغان تجرع لاذلال؟؟.. واي كأس يتركه كآخر كأس ؟ ومابينهما كيف يكون حاله ؟ .. كلها علقم وملح وقيح وصديد وغسلين .. لايهم مذاقها لأن الرجل لم يتعود شرب الكرامة والشهامة الا في كؤوس الدماشقة والسوريين الذين سكبوا له الماء العذب .. وعلموه معنى العزّ وكانت أعزّ ايامه يوم شرب كأسه في أنخاب دمشق ممزوجة بنكهة الشرق العظيم ..

فاشرب يا اردوغان اليوم .. اشرب الذل في كؤوس الهوان .. انه الموت ذلّا .. انه الموت ذلّا .. 



  عدد المشاهدات:

إرسال لصديق

طباعة
شارك برأيك

الاشتراك بالقوائم البريدية
البريدالإلكتروني: