الأمل بالعمل



الأكثر زيارة
 الصفحة الرئيسية   مقالات  

عاصفة الجنوب .. العاصفة التي ذبحت ....بقلم بقلم: نارام سرجون
September 12, 2015 12:04

عاصفة الجنوب .. العاصفة التي ذبحت ....بقلم بقلم: نارام سرجون

أن تعلن قوة محاربة أنها تخلت عن مشروع اقتحام أو هجوم وتجاهر بذلك فهذا لايجب أن يمر دون توقف وقراءة .. وأن تقرر أن تعلن عن خسائرها مع اعلان نهاية المعركة فهذا يستدعي التحليل العاقل البعيد عن قواعد الحرب النفسية ..

فعلى غير عادتها أعلنت احدى القوى الرئيسية المحاربة في جنوب سورية أنها أوقفت مشروع الهجوم على درعا أو اقتحام هذه المدينة حتى اشعار آخر .. بعد أن أقرت أنها فشلت في احراز أي نجاح او تقدم اثر خمس هجمات متتالية نفذتها موجات بشرية متتالية من المسلحين .. المسلحون يلتقطون الصور الاستعراضية في الشمال في ادلب ومطار ابو الظهور ولكنهم يصدرون بيانا مقتضبا عن انتهاء عملية اقتحام درعا بفشل ذريع والحاجة الى اجراء مراجعات ميدانية جذرية .. تناقض يستدعي التأني في النظر والبحث عن الحقيقة ..


الاضطرار الى الاعلان يراه البعض مناورة وخدعة لاستغلال احتمال الاسترخاء العسكري جنوبا بعد هذا الاعلان بعد أن تبين أن شدة يقظة الجنود السوريين والاستعداد والعناد في القتال كانت عاملا قويا جعل المهاجمين يحسون انهم يناطحون الصخر برؤوسهم .. وهذا الاحتمال بوجود خدعة ممكن ولايفوت على القيادة العكسرية التي لاتنخدع بهذه المناورات .. ولكن معلوماتنا اليقينية عن فداحة الخسارة وجسامتها تجعلنا نميل الى أن في الاعلان بعض الحقيقة وسببه الحاجة لتهدئة الغضب بين المسلحين الذين يحسون أنهم دفع بهم الى موت سريع دون مبرر ودون أدنى مراعاة لحجم الثمن الذي يدفع .. كما أن حجم الموت الذي تذوّقه المهاجمون والذي وثقناه بالاحصاء والمراقبة العيانية لاشك يفسر سبب هذا الاعلان بنهاية عاصفة الجنوب ولو مؤقتا .. فلا يمكن لأية قوة عسكرية تعرضت لابادة جزئية لايمكن انكارها أن تناور بالكلام وتتجاهل أنها قضمت وتعرضت للبتر وتعتقد أنها قادرة على النهوض بسرعة دون اعادة ترميم وتعمير ..

والدليل هو اضطرار المسلحين للاعلان رسميا عن قتلاهم وجرحاهم الذين خرجوا من المعركة مؤقتا أو نهائيا لاصابتهم اصابات مقعدة .. فارتفاع عدد الاصابات بشكل لافت في الحروب والتذمر من حجم الخسائر بين المقاتلين وجمهورهم هو الذي يدفع القيادات العسكرية دوما الى الاعلان عن أرقام الضحايا ولو بشكل جزئي لاشاعة نوع من الهدوء والاطمئنان بدل الجزع وانتشار الشائعات والمبالغات .. خاصة ان كانت أرقام الضحايا كبيرة وملفتة للنظر ولايمكن أن توارى خلف الستائر .. ويبدو من الحاجة للاقرار بعدد القتلى في الجنوب أن الرقم الحقيقي فاق توقعات المسلحين كثيرا وتسبب بحالة من البلبلة والحرج للقيادات الميدانية التي قادت الهجمات الخمس ونجمت عن ارتفاع عدد المصابين حالة من الخيبة وفقدان الأمل وتأثر المعنويات وارتفاع حالات الاعتراض على الأوامر والتشكيك بجدية الخطط العسكرية ونجاعتها ..

لوحظ أن الرقم الذي أقر به المسلحون في عاصفة الجنوب متواضع جدا قياسا لما لدينا من معلومات عن عدد المهاجمين في كل مرة وعن طبيعة الجغرافيا المكشوفة نسبيا في تلك المنطقة التي كشفت أن المنطق الاحصائي يجب أن يتناسب مع أعداد المقاتلين الذين دفع بهم في خمس موجات بشرية .. ويجب أن بتناسب مع حقول الألغام وعدد الألغام التي انفجرت والتي فتكت بأعداد كبيرة في مناطق زرعت فيها مئات الألغام .. وكذلك فان عدد الغارات الجوية التي نفذت على بقعة صغيرة نسبيا يعني أن الخسائر البشرية فادحة ولايمكن أن تكون مجرد مئة مسلح الذين يمكن أن يموتوا في تدافع على مباراة كرة قدم وليس في جبهة انفجرت فيها مئات الألغام ونصبت فيها عشرات الكمائن المحكمة وكان الطيران يصول ويجول ويضرب مسترشدا برصد كثيف تقوم به الطائرات من غير طيار التي لم تغادر سماء المنطقة..

ان الرقم الذي اعترف به المسلحون هو نتيجة معركة واحدة فقط .. ولدى الاستطلاع السوري وقيادات المخابرات التي تتزود بالأخبار معلومات يقينية من داخل صفوف المسلحين أن عدد القتلى فاق الـ 800 قتيل في عاصفة الجنوب وأن الجرحى فاق عددهم عدة مئات من مختلف الاصابات .. لأن معركة درعا أريد بها أن تكون أهم خسارة يتعرض لها الجيش السوري وتهزه لأنها - بعكس المعارك في الشمال - ستجعل دمشق مباشرة تحت التهديد وتطلق البدء بعملية فك الحصار عن الجبهات المحاصرة في الزبداني والقلمون والغوطة لاعادة الساعة العسكرية الى الوراء سنتين بضربة واحدة .. وهذه المعركة هي التي كانت ستجعل دمشق تتصبب عرقا ..ولذلك فقد كان هناك سخاء في الحشد والسلاح ..

نتيجة المعركة هي أن القوة التي كانت تريد اقتحام درعا كانت من عدة آلاف من المسلحين تم الدفع بألفين من أفضل المقاتلين للقيام عبر تكتيك موجات بشرية بعملية فتح الثغرة الأولى تساندهم 30 دبابة وأكثر من أربعين راجمة صواريخ لتتبعهم بقية القوات التي تنتظر لتثبيت النقاط المقتحمة .. وقد ابيد نصف المجموعة المهاجمة في المعارك .. ويمكن القول انه تم اجراء جراحة عسكرية بالسلاح لانقاص حجم ووزن القوة البشرية التي كانت موكلة باقتحام درعا وجنوب دمشق ..

فكرة الهجوم في الجنوب لم تلغ ولكن الاعلان عن توقفها سببه الحاجة لتهدئة نفوس المسلحين المتوترين الذين ابدوا مواقف تذمر وتمرد .. بانتظار موارد بشرية تعوض الثغرة الهائلة في الجسم المسلح ومقاتلي النخبة من القاعدة .. الذين سيجدون طريق الموت المحتم في الجنوب ..

الجنوب كان هو الطريق الى السماء الذي ازدحم عليه المسلحون .. وصعدت معهم الى السماء .. روح العاصفة .. عاصفة الجنوب .. وبقي من تلك العاصفة التي كانت تناطح الصخر جسدها المحطم ورأسها المشطور ودمها الذي ملأ سهل حوران .. وهاهم الجنود السوريون الأشاوس في درعا يذرون عليه التراب ويستعدون لذبح عاصفة جديدة وتعليق رأسها على ابواب درعا .. وهناك مدن في الشمال تنتظر أن تعلق رؤوس العواصف على ابوابها .. أيضا .. ونحن على موعد مع ذلك .. كما اليقين ..
 



  عدد المشاهدات:

إرسال لصديق

طباعة
شارك برأيك

الاشتراك بالقوائم البريدية
البريدالإلكتروني: