الأمل بالعمل



الأكثر زيارة
 الصفحة الرئيسية   مقالات  

لواء اسكندرون الحبيب... لن يبق سليب / بقلم : يونس أحمد الناصر
November 29, 2015 16:13

لواء اسكندرون الحبيب... لن يبق سليب / بقلم : يونس أحمد الناصر


لن تزول من ذاكرتي ما حييت , ذكرى الاستقبال الذي استقبلني به أهلنا في لواء اسكندرون السليب في عام 2008 م , و قد كنت في مهمة عمل إلى أنقرة التقيت خلالها أحد أخوتنا من اللواء السوري السليب , و ألحَّ عليَّ زيارة مدينته الصغيرة في لواء اسكندرون و اسمها (عين الجاموس) و صديقي هذا زوجته من مدينة ( الحربيات ) القريبة أيضاً من عين الجاموس .
وصلنا إلى محطة الباصات في إنطاكيا و كان أخاه بانتظارنا بسيارته , فنقلنا إلى بيتهم , وكانت عيوني ترصد عبر زجاج السيارة البيوت و الشجر ووجوه البشر , نسيت أن أقول بأن صديقي يتقن اللغة العربية بشكل جيد , رغم سياسات التتريك التي يتبعها الأتراك على أهلنا في اللواء السليب , و يصرُّ على تعليمها لأولاده رغم صعوبة ذلك , بسبب عدم وجود مدارس أو مراكز ثقافية عربية في اللواء , و لا أعرف إن كانت ممنوعة بحكم القانون التركي .
أخبرني صديقي في طريقنا بأن الأتراك يسمُّون اللواء السليب ( هاتاي ) و هي الترجمة التركية لكلمة ( خطأي ) التي نطق بها ( كمال أتاتورك )
و عند وصولنا إلى بيتهم وجدتُّ كل أهل البيت بانتظارنا على الباب ما عدا والدهم الذي أخبرني صديقي بأنه كبيرٌ بالعُمُر و لا يستطيع الوقوف.
و بعد سلامي على المستقبلين , توجهنا إلى غرفة الضيافة التي يتصدَّرها والد صديقي , نظرت من باب الغرفة إلى هذا الشيخ البهي الطاعن في السن و تقدمت باتجاهه , فنهض واقفاً و لم يقبَل أن يسلِّم عليَّ وهو جالس, رغم وهنه وضعفه, و عانقني , و صار يشمُّني كمن يشمَّ الزهرة بصمتٍ لدقائق , و أحرجني كوني قادم من سفر , و عندما نظرت لعينيه كانت تفيض بالدموع , بدأ الشيخ بالترحيب بي بكلمات عربية نقية , بلهجة أهلنا في الساحل السوري , وحدثني عن قرية أهله في ريف الساحل السوري و اسمها" الزوبار" و هي قرية معروفة في جبال اللاذقية و بأن أقاربه لا زالوا يعيشون هناك, و بأن أولاده قد ذهبوا لزيارة أقاربهم في الصيف الماضي , و ختم حديثه بتنهيدة كبيرة قائلاً : متى سنعود إلى وطننا الأم سورية الحبيبة ؟ و هل سأرى هذا اليوم قبل أن أموت ؟؟
سألته عن الاستفتاء الذي يتحدثون عنه , و بأن سكان اللواء اختاروا حينها الانضمام إلى تركيا , فهزَّ رأسه نافياً بغضب و قال : إنهم كاذبون , لم يختر أحد في اللواء الانضمام لتركيا , و الاستفتاء الذي يتحدثون عنه لم نراه , و إن كنا قد سمعنا به , و أردف قائلاً: إنه استفتاء مزوَّر كتبوا فيه ما يريدون لتنفيذ خطتهم الخبيثة بسلخ اللواء عن الوطن الأم سورية , كما سلخوا مدن كيليكية و أضنة , لقد عمِل مِقصُّ الاستعمار عمله , بتقسيم الوطن الواحد و العائلة الواحدة التي باتت على طرفي الحدود .
بعدها , طلب من أولاده الحاضرين بأن يأخذوني للغسيل و الاستراحة قليلاً قبل الغداء الذي لم يختلف عن أي مائدة في الساحل السوري , و في المساء دعاني صديقي لجولة في المدينة الصغيرة .. لا شيء يختلف عن مدننا و قرانا الساحلية , بيَّارات الليمون و زراعة التبغ و تربية الأبقار , وبسمة على وجوه كل من يرانا و يبادرنا بالسلام قبل أن نسلِّم عليه و يسألنا : أخونا من سورية مو هيك ؟
أهلا و سهلاً ... تفضلوا .... نشكرهم و نمضي في سيرنا إلى تلة صغيرة تحتويها القداسة , أخبرني صديقي بأنه " مقام سيدنا الخضر" , ولجنا الفناء , فكانت أعواد الحطب تتراكم بجانب أماكن الشوي و سيدة تخبز على التنور, حيَّتنا بابتسامة و قالت: مقبولة زيارتكم
تقدمنا إلى البناء البسيط المشيد فوق ضريح ( افتراضي ) بدا عليه بأنه قديم و حجارته تكسوها الإشنيات و عتبة الباب مكتوب عليها باللغة التركية ( حضرة خضر مقامي ), ولجنا عتبة الباب, ووقفنا أمام الضريح و قرأنا الفاتحة و ما تيسر من القرآن الكريم , ثم عُدنا رجوعاً , فلا يجب أن تدير ظهرك للضريح , وخرجنا من الباب إلى الفناء الخارجي , فاستقبلتنا السيدة بخبز التنور و الزبدة و عندما هممت أن أعطيها نقوداً رفضت قبول النقود و قالت بأن الطعام هو وقف لصاحب الزيارة , فشكرتها ودعوت لها بالصحة و طول العمر .
عُدنا إلى المنزل, وتفاجأت بأن غرفة الضيافة تمتلئ عن آخرها بالضيوف , فسألت صديقي: هل عندكم ضيوف غيري ؟
ضحك, وقال إنهم أقاربي , سمعوا بقدوم أخ من سورية ( يقصدوني طبعاً) و جاؤوا ليسلموا عليَّ, و يرحبوا بي , ويرجون قبول دعواتهم لزيارة بيوتهم , فاعتذرت لهم لأنني مضطر للمغادرة صباح اليوم التالي.
تناول الجميع العشاء على شرف الضيف القادم( أنا ) و تبادلنا الأحاديث ... يسألوني عن سورية و أجيبهم و أسألهم عن أحوالهم فيجيبون , و محور أحاديثنا, كلّها , بأن لواء اسكندرون هو أرض سورية و أهلها هم سوريون و لا يتنازلون عن هويتهم السورية مهما طال زمن الاحتلال, و بأنهم يرسلون أبناءهم للدراسة في الجامعات السورية , و يذكرون القائد الخالد حافظ الأسد بكل خير , الذي وجه وزارة التعليم العالي بمعاملة أبناء اللواء معاملة المواطن السوري و تأمين السكن و المساعدة لكل أبناء اللواء الدارسين في الجامعات السورية كما أخبروني .
اللواء سيعود , هذه ثقة تمتلئ بها نفوس السوريين في الوطن الأم كما تمتلئ بها نفوس أبناء اللواء السليب , و إن غد لناظره قريب

 



  عدد المشاهدات:

إرسال لصديق

طباعة
شارك برأيك

الاشتراك بالقوائم البريدية
البريدالإلكتروني: