المواطنة.. عدم نضج أم تغييب؟بقلم: محمد محسن علي الصيوان
October 08, 2018 12:48
تطوّر المجتمع عبر التاريخ خلال عدة مراحل؛ فبدأ من الأسرة إلى العشيرة, والقبيلة, فالمدينة, وصولا إلى الدولة.
إن ما يميز الدولة عن سابقاتها هو مفهوم "المواطنة", هذا المفهوم الذي يشير إلى الحقوق التي تكفلها الدولة لمن يحمل جنسيتها، والالتزامات التي تفرضها عليه؛ أو مشاركة الفرد في أمور وطنه، وما يُشعره بالانتماء إليه.
فهل تكرست المواطنة في بلدان "العالم الثالث"؟ وما هي العقبات التي تواجهها؟
هنالك عقبتان رئيسيتان أمام المواطنة, الجهل الشعب لمعناها. و"فوضى السلطة" لدى الحكومة؛ التي تشكل عقل الدولة. وهنا لا بد أن نتطرق إلى الأسباب الكامنة وراء هاتين العقبتين, ألا وهي:
المعتقدات القبلية: وهي مجمل المعتقدات الزائفة المزروعة في الطبيعة الإنسانية, فالإنسان جُبل في تفكيره على الاعتماد على الحدس والأماني والنزعة نحو التعميم في الأحكام والأسباب دون تمحيص منطقي أو عملي, وبطبيعة الحال، يؤمن بأن معتقدات قبيلته أو عشيرته أو طائفته أو عرقه؛ هي الحقيقة!.
في حالات أخرى, قد تُولّد العيوب, التي تؤثر على الطبيعة البشرية لكل فرد على حدى, معتقدات خاصة. وغالباً ما يكون الإنسان في هذه الحالة متقوقعاً في كهف أفكاره, هذه الأفكار التي قد يكون معظمها اعتباطياً.
إن المعتقدات الزائفة الناتجة عن تواصل البشر مع بعضهم البعض, ينتج عنه تبادل كلمات وآراء ومصطلحات عامة, يتم تبنّيها رغم زيفها وعموميتها.
ويمكن تلخيص الأسباب السابقة بعبارة واحدة ألا وهي توقف عجلة التطور الفكري والاجتماعي.
كمثال في حالتنا الراهنة, يبقى تفكير الفرد محصوراً في تأمين متطلباته المعيشية حاضراً ومستقبلاً, متجاوزاً الهدف الرئيسي من التعليم, الأساسي والجامعي, الذي يعلّم الإنسان كيف يكون فرداً فاعلاً في المجتمع كما يفترض، بيد أن التطرّق لتقييم مناهج التعليم حالياً أمر عبثي, فالتعليم أصبح وسيلة وليس غاية. وبسبب هذا الجهل من قبل الفرد, تكرست المصلحة الشخصية, والمنافسة غير الشريفة, والرشاوى, والأسوأ من ذلك هو الرجوع إلى مفاهيم العشائرية والطائفية لضمان مستقبل الفرد الشخصي.
أن يجعل الفرد سنده في بناء مستقبله هو ما سبق ذكره, عوضاً عن الحكومة التي يجب عليها أن تكون السند الحقيقي والداعم للفرد, هو أمر يفصل الشعب عن كيان الدولة من ناحية الالتزامات المتبادلة فكرياً واجتماعياً. حيث يبقى كيان الدولة قائماً في مهامها السياسية والاقتصادية, ويبقى القانون سائداً، ولكن لا حدود ثابتة له, ويبقى كيان الدولة والقانون منفصلين عن بناء وحماية الركائز الأساسية لتطور المجتمع.
ونتيجة لذلك يصبح تفكير من يستلم سلطة ما مستقل عن الدولة, فهو يعتبر السلطة وسيلة لتكريس المصلحة الشخصية, والغاية التي تعتريه هي جمع الأموال لتحقيق الرفاهية الشخصية وضمان مستقبله في حال إزاحته من السلطة طوعاً أو قسراً, بدلاً من أن يساهم في تطوير شخصه وتطوير مَن حوله في موقعه لضمان تسيير العمل تبعاً لمتطلباته الصحيحة ضمن الإطار القانوني والدستوري في المقام الأول. وهذا ما أسميه: "السلطوي الفوضوي".
فلننظر بعين الواقع, سنرى قلة قليلة جداً من أصحاب السلطة يمكن وصفهم بـ"رجال دولة" وهذا المفهوم يجب تكريسه في السلطة, كما هي ضرورة تكريس مفهوم المواطنة لدى الشعب.
"رجل الدولة" هو الإنسان صاحب السلطة, أياً كانت نوعها, الذي يعمل متجاوزاً شخصه, متحداً في كيان الدولة السياسي والاقتصادي والاجتماعي, والأهم من ذلك: الفكري. حيث يُعمِل عقله في تطوير الموقع الذي يشغله, وإزاحة العقبات والمفاهيم القديمة البالية لأجل سلاسة تقدم الدولة. وهو أيضاً الرجل الذي يقول "لا" في وجه "السلطويين الفوضويين", الذين يشكلون, ليس فقط عاملاً رجعياً في كيان الدولة, وإنما عدواً طفيلياً يمكن أن ينقلب على كيان الدولة وسيرورة العمل البنّاء الذي تنشده, في حال تعرض مصالحه للخطر, محاولاً هدمه, كما تبيّن خلال الحرب على سورية, حيث كُشفت أقنعة بعض هؤلاء السلطويين الفوضويين؛ ومنهم مسؤولين كبار!.
هل يستطيع رجل الدولة أن يستلم مواقع قيادية وهو في مواجهة الأغلبية من السلطويين الفوضويين الذين تسلموا مناصبهم عن طريق المصلحة الشخصية, والمنافسة غير الشريفة, والرشاوى, والعشائرية؟
أوضحتُ في بداية مقالتي تراتبية تطور المجتمع, ومن خلال ما سبق، نستطيع أن نبيّن الواقع المرير الذي نعيشه والذي يعد في المرتبة السابقة للحضارة, مرتبة العشيرة والقبيلة, متمسكين بقشور الحضارة التي جُلبت لنا بمفهومها الخاطئ, من خلال غسل الأدمغة التي تقوم بها الإمبريالية؛ عدو الشعوب, التي تقوم بشتى الوسائل صرف نظر الفرد عن تطوير تفكيره, بإلهاء عقله في الأمور السطحية مثل «ثقافة» الكلمات المتقاطعة, وتفسير الأحلام, والامتثال للطالع في الأبراج, والأمور الرجعية؛ ومنها اللعب على وتر الطائفية, وذلك بسبب الفراغ الذي سبّبه غياب المحاكمات المنطقية لدى الفرد, التي كان من المفترض أن يتعلمها في المناهج الأساسية للتعليم. لذلك فالإنسان "المتمدن" لا يملك مفهوماً عن المواطنة. وهذا ما يعيق "رجل الدولة" عن أداء مهامه, حتى لو استلم منصباً قيادياً.
لاشك في أن إصلاح السلطة وبناء رجال الدولة يبدأ من محاربة نوعين من الأعداء: الإمبريالية, والجهل الذي أنشأ سلسلة الفساد الطويلة حتى تعمقت وتشعبت حول أسس الدولة، فمواجهة الإمبريالية تتطلب إعلام حر وصادق, بمختلف أصنافه, المرئية والمسموعة والمقروءة, يشير فيه إلى الأساليب التي تستخدمها الإمبريالية لتفكيك ترابط الشعوب, بالتوازي مع توعية الجماهير لأخذ الحيطة والحذر من الدسائس الموجهة عبر الإعلام المضاد ووسائل التواصل الاجتماعي والتي تندرج في إطار الحرب الناعمة التي تشن علينا وتوجيه الوعي لمواجهتها بالطرق السليمة والصحيحة.
أما بالنسبة للجهل وآلية معالجته.. فهل نريد أكثر من أن تتضمن مناهج التعليم الأساسية مواضيع كالأخلاق والقانون؟ إنهما (الأخلاق, وفهم القانون), ركائز بناء الفرد الواعي الذي يعي خطورة الفساد وفوضى السلطة اللذان يقودان إلى تحطيم ركائز الدولة, ويعي أيضاً أن الأخلاقيات السليمة للسلطة ستعود بالفائدة على تقدم وازدهار الدولة, وتضمن مستقبل كريم وآمن لأبنائها.
المواطنة: قاعدة هرم الدولة، وهي ضمان أمنها وتقدمها, ولا بد من تمكينها في مواجهة عدوان يهددان وجودنا، الأول صهيوني سرطاني, والثاني إمبريالي عالمي متسلط.