الأمل بالعمل



الأكثر زيارة
 الصفحة الرئيسية   مقالات  

خيوط البازلت .. مستقبل صناعة النسيج و .. كنزنا الذي لم نكتشفه بعد / بقلم : يونس أحمد الناصر
March 31, 2019 04:43

خيوط البازلت .. مستقبل صناعة النسيج  و .. كنزنا الذي لم نكتشفه بعد / بقلم : يونس أحمد الناصر

في طفولتي و مراحل دراستي الإعدادية و الثانوية في ريف محافظة درعا كانت تسحرني قناطر بيتنا القديم البازلتية التي كنت أستلقي تحتها و أتابع مهارة من قام بقطع هذه الأحجار القاسية و رصفها بهذا الشكل القوسي العجيب كي تحمل فوقها أطنان التربة التي تغطي أسطح البيوت الحجرية و التي يضاف لها كل عام طبقة جدية لمنع تسرب المياه لداخل هذه البيوت الجميلة
و كم تساءلت عن كيفية قص هذه الأحجار و طريقة عقد القناطر التي يعلوها ما يسمى مفتاح القنطرة و هي الحجر التي تجمع طرفي القنطرة لتشكل القوس الذي نراه فوق رؤوسنا
و في المرحلة الابتدائية نظمت مدرستنا رحلة لمدينة بصرى الأثرية المعروفة فتضاعف لدي شعور الدهشة لضخامة مسرح بصرى الأثري و القلعة البازلتية التي كانت أكبر من بيتنا بكثير كما أن بنائها كان أكثر دقة و عناية من أحجار بيتنا التي كانت مرتبة فوق بعضها بدون أية مواد لتشد هذه الأحجار المقصوصة أيضا بطريقة بدائية و غير مشذبة و لكنها بقيت صامدة بطريقة عجيبة و فراغاتها كانت مكاناً لأعشاش الطيور أو لتنمو على الغبار المتراكم عليها الطحالب بعد المطر
تجولنا في بصرى بين القلعة و السوق الأثري وسرير بنت الملك و دير الراهب بحيرا و البحيرة الرومانية و كبُر مع زيارتي لمدينة بصرى الشام اهتمامي بهذا الحجر البازلتي الذي يتحدى الزمن و تطورت أسئلتي لتصبح كما يلي :
لقد تمكن الإنسان السوري القديم و المهندس السوري أبولودور الدمشقي من تطويع هذا الحجر القاسي لنراه في القرن العشرين كما تركه لنا قبل قرون, فهل نحن عاجزين اليوم عن أن نكون مثل أبولودور الذي لم يكن يمتلك ما نمتلكه اليوم من العدد و الأدوات ؟
سؤال سيبقى برسم الأيام القادمة من القرن الواحد و العشرون و همم الرجال في مرحلة إعادة الإعمار بعد الحرب الظالمة التي تعرضت لها سورية .
الأسئلة المتراكمة بداخلي قادتني للبحث عن الاستخدامات الحديثة لحجر البازلت و الاستفادة البشرية من هذا الحجر (الكنز كما أظن) و هذا ما وجدت :
تعتبر الصخور البازلتية من أقدم الصخور التي عرفها الإنسان وأكثرها انتشاراً ، حيث شرع في الاستفادة منها منذ العصر البرونزي أي من حوالي أربعة ألاف سنة ، و قد استخدمها في بناء الأبنية القديمة والأوابد التاريخية وأساسات المباني الكبيرة مثل الجسور والقلاع والحصون والكنائس والمعابد والمسارح ونحت التماثيل وغيرها .
والبازلت صخر شائع ومعروف في العالم كله و متواجد بكثرة في سورية في مناطق الاندفاعات البركانية في المنطقة الجنوبية من سورية و الوسطى و تشكل الصخور البازلتية ثلث القشرة الأرضية كما يقول الخبراء .
تطورت استخدامات البازلت حتى شملت مختلف المجالات الصناعية والعمرانية و قد تم إخضاع هذه الصخور في عصرنا الصناعي الحالي لكثير من الاختبارات والتجارب من أجل تطويعها واستغلال مزاياها المتعددة وتحسين خواصها بجعلها تكتسب بنية بلورية متجانسة تحافظ على مواصفاتها الطبيعية كالصلابة والقساوة ومقاومة العوامل الجوية والاهتراء وكذلك مقاومتها الأوساط الحامضية والقلوية والكبريتية طيلة قرون عديدة مما جعلها مادة طبيعية هامة تدخل في العديد من التطبيقات الصناعية والإنشائية الحديثة والمتطورة.
كما تتمتع الصخور البازلتية بمواصفات جمالية عالية وخاصة بعد صقلها وتلميعها و تتمتع أيضا بمقاومة شديدة للكسر والسحق الميكانيكي و عازلية جيدة للحرارة وقدرة كبيرة لامتصاص الصوت والضجيج وقساوة وصلابة عالية تقترب من قساوة الألماس في سلم قساوة الصخور .
و تتنوع الاستخدامات التقليدية للصخور البازلتية كما في إكساء واجهات المباني الخارجية والأرضيات والسلالم وأعمال الديكور والزخرفة المختلفة و صخور مطحونة وحصويات للخرسانة وفرش الطرق والسكك الحديدية والجسور والسدود وأحجار البناء والجدران الحاملة و تستخدم أيضا كمواد ركامية لصناعة الخرسانة والدروع الإسمنتية المستخدمة في المفاعلات النووية و بلاط لرصف الشوارع والأرصفة وأطراف الطرقات و مواد مالئة للطرق الإسفلتية و خلائط إسمنتية .
و من الاستخدامات الحديثة للبازلت إنتاج معدات صناعية مقاومة للحموض والقلويات و صناعة أنابيب بازلتية بلاستيكية / مرنة / وصناعة عوازل التوتر العالي والحرارة العالية وعوازل الصوت والضجيج و صناعة الملابس والمواد المقاومة للنار والحرائق و معالجة مخلفات الصناعات المختلفة و إزالة أضرارها البيئية و وقاية المنشآت الصناعية والكيماوية من الاهتراء والتلف الناجمين من عوامل الأكسدة والاحتكاك و صناعة الخيوط والألياف البازلتية ذات الاستخدامات الصناعية الواسعة و إنتاج ألياف نسيجية ذات جودة عالية و إنتاج قضبان بديلة مقوية في أعمال الخرسانة والبناء بالإضافة لصناعة اللباد البازلتي والصوف الصخري و في الصناعات الحربية والفضائية .
كما يستخدم البازلت في تقوية المواد المركبة مثل البوليستر والصمغيات والبلاستيك المستخدمة في صناعة هياكل السيارات وأسطح القوارب وإن تبطين المنشآت الصناعية بالبازلت المنصهر أقل جلبة وأكثر فعالية للطاقة وأكثر استمرارية وأرحم للبيئة .
تغطي الصخور البازلتية مساحات شاسعة من الأراضي السورية حيث شهدت المنطقة نشاطاً بركانياً استمر لفترات طويلة وظهر في أزمنة جيولوجية مختلفة ، وقد تركزت الفعاليات البركانية في المناطق الجنوبية والوسطى والمنطقة الساحلية ونهوض حلب وشمال شرق سورية , حيث تميزت الصخور البازلتية في هذه المناطق بألوانها السوداء والرمادية
إن السبب الرئيسي لعدم الانتشار الواسع لصناعة البازلت في العالم يكمن في حقيقة عدم كون البازلت مادة للاستهلاك الواسع ، شأن الإسمنت والفولاذ والحديد
والسبب الثاني يكمن في العمر المديد لمنتجات البازلت المصهور التي تخدم حقباً طويلة من الزمن دون أن تتعرض للتلف والاهتراء ودون الحاجة لاستبدالها ، حيث أن المنشأة المدرعة بمصهور البازلت يمكن أن تخدم العمر المقدر لها بأكمله
في الوقت الحاضر ومع تقدم العلوم التكنولوجيا فقد بدأت صناعة الصخور البازلتية تدخل في العديد من التطبيقات الصناعية والإنشائية الحديثة بسبب قلة تكاليفها واستخداماتها الواسعة وجدواها الاقتصادية وعدم تلويثها للبيئة .
إن تزايد الاهتمام العالمي بالمنتجات البازلتية الطبيعية أدى إلى تعدد وتنوع هذه المنتجات وزيادة استخداماتها وخاصة في البلدان الصناعية حيث تتصف المنتجات البازلتية بخصائص كيميائية وفيزيائية جيدة كالعازلية الحرارية والمقاومة العالية للاحتكاك والتآكل والأوساط القلوية والرطوبة ، لذلك فهي تتمتع بجودة عالية واقتصادية بنفس الوقت إذا ما قورنت ببدائلها من المواد الأخرى ، كما أنها منتجات طبيعية غير ضارة بالبيئة وصحة الإنسان وغير ملوثة للطبيعة
إن هذه الخصائص الطبيعية للبازلت ستجعله في المستقبل القريب من الخامات الأساسية لإنتاج المواد الطبيعية المقاومة والنظيفة .
الخيوط والألياف البازلتية و مستقبل الصناعة السورية
من أهم الابتكارات الجديدة لاستخدامات البازلت الصناعية هي إنتاج خيوط وألياف البازلت المستمرة , حيث يتم تحويل البازلت المكسر بعد صهره في أفران خاصة بدرجات حرارة / 1400 – 1600 / درجة مئوية وتمرير المصهور البازلتي عبر وحدات سحب وشبكات مثقبة ذات فتحات وأبعاد محددة إلى ألياف وخيوط ناعمة جداً تنقل إلى ماكينات لف وغزل الخيوط التي تحولها إلى بكرات من الخيوط والألياف البازلتية التي تتمتع بمواصفات نوعية عالية جداً واقتصادية مقارنة مع الألياف الأخرى السائدة والمستخدمة في الوقت الحاضر ( ألياف الزجاج والكربون وغيرها ) بالإضافة إلى كونها غير ضارة بالبيئة وصحة الإنسان كما ذكرنا سابقا
وتعتبر الخيوط والألياف البازلتية المادة الأساسية لتصنيع كثير من المواد والمنتجات المتنوعة أهمها :
• ألياف مجدولة : تستخدم في صناعة النسيج والمواد البولميرية والبلاستيك المقاوم .
• خيوط مفتولة : تستخدم في صناعة المواد المنسوجة وغير المنسوجة كما تستخدم كمواد مالئة للمركبات البولميرية ذات الامتصاص الضعيف للماء والعزل الكهربائي .
• قضبان بازلتية مركبة : لتحل محل الحديد والفولاذ والفيبرغلاس كعناصر تقوية في صناعة الخرسانة والأبنية وغيرها .
• الأنابيب البازلتية و البلاستيكية المقاومة للتآكل – أنابيب إكساء و ضخ و نقل النفط وحفر الآبار و شبكات الصرف الصحي و غيرها .
• أقمشة و ملابس : تستخدم في صناعة و تقوية الملابس الواقية للجسم العازلة و المقاومة للحرارة و النار و في البضائع للحماية الخاصة مثل الستائر و السجاد و غيرها و أقمشة خيش و حصر و شبكات عزل و تدعيم للمنشآت الصناعية و الأبنية
• فلاتر عالية النوعية لتنقية الغازات و الغبار و الدخان و كافة مخلفات المنشآت الصناعية و الأبنية
• صناعة الألواح القرصية السداسية من الأقمشة البازلتية / تشبه قرص العسل/ التي تستخدم ي المجالات التالية :
- صناعة السيارات و السفن ووسائل النقل المختلفة / تقوية المواد المركبة مثل البوليستر و الصمغيات و البلاستيك المستخدمة في صناعة هياكل السيارات و أسطح السفن و كواتم الصوت لاشطمانات السيارات
- أجسام الشاحنات و الباصات و سيارات التبريد
- في الأبنية الزراعية و الصناعية الحديثة كعوازل حرارية و صوتية
- حصائر لتدعيم الطرق الاسفلتية و مهابط الطائرات
- شفرات طاقة الرياح و جامعات الأشعة الشمسية
- شبكات عزل و تدعيم الأبنية و المنشآت الصناعية
- تركيبة مقاومة للاحتراق و النار في المحطات الكهربائية و النووية و المنشآت النفطية و مختلف المنشآت الحيوية / مهابط الطائرات و مدرجات المطارات – الجسور – الأنفاق – السدود .... /
- في أجهزة الرادار الخاصة
- في صناعة المفروشات و البلوتر و طاولات التنس و غيرها .
بقي أن نقول بأن سورية تمتلك كنزاً حقيقيا من البازلت لو استثمرناه في مرحلة إعادة الإعمار و أجدنا استخداماته العلمية و ليس التقليدية لحققنا قفزات نوعية في عدة قطاعات منها التشييد و البناء و الصناعات النسيجية و الصناعات العسكرية و الزراعية عبر صناعات متكاملة من استصلاح الأراضي الصخرية و زراعتها وصولا لاستخدام الصخور التي تشكل اليوم عبئا على الفلاحين لانتشارها في أراضيهم ما يعيق المكننة الزراعية
و أرجو أن أرى قريبا هذه الصناعة في بلدي
يتبع ............
 



  عدد المشاهدات:

إرسال لصديق

طباعة
شارك برأيك

الاشتراك بالقوائم البريدية
البريدالإلكتروني: