June 25, 2019 14:04

الطربوش العثماني و عمامة أبي / بقلم : يونس أحمد الناصر

دمشق عاصمة سورية و هي أقدم مدينة في التاريخ لم تنقطع فيها الحياة يوماً باعتراف كل المؤرخين و الآثاريين العرب و العالميين

و دمشق اكتنزت في جوانبها آثار من عاشوا على هذه الأرض منذ فجر التاريخ بحضارات وصل عددها إلى 12 حضارة و منهم من يوصلها لأربعين حضارة وفقاً لمناهج  التصنيف الحضاري التي يتبعها المؤرخين

و ربما تكون بقعة الأرض التي يتربع عليها اليوم الجامع الأموي الكبير مفتاح باب الكنز التاريخي الذي تمثله دمشق حيث تشير الأبحاث التاريخية إلى أن هذه البقعة من الأرض لم تكن يوماً إلا مكاناً لعبادة الله بتتابع الحياة الروحية للبشر منذ فجر التاريخ و يكشف عصر التدوين بأن هذه البقعة من دمشق كانت يوماً معبداً وثنياً لا زال قوس جوبيتر آخر سوق الحميدية شاهدا قائماً عليه  ثم تتالت عليه رسالات السماء من الموسوية و المسيحية وصولاً للإسلام آخر الرسالات كما يعتقد المسلمين

و لا زالت جنبات الجامع تحتضن ضريح " النبي يحيى" عند المسلمين  أو يوحنا عند المسيحيين فالمعروف بأن هذا المكان كان كنيسة يوحنا المعمدان قبل أن يحوله الأمويون  إلى جامع و هذه الكنيسة بدورها أيضا أقيمت على أنقاض كنيس يهودي لا زالت آثاره باقية في جدران الجامع

 إذا في العصر الإسلامي ترك الأمويون بصماتهم في جوانب المدينة في الجامع الذي حمل اسمهم و أحد فروع بردى الذي تسمى باسم  يزيد و في العصر الحديث أطلق على ساحة رئيسية اسم ساحة الأمويين بالإضافة لساحات أخرى تسمت بالعباسيين و البرامكة و شوارع اتخذت من أسماء الخلفاء و الصحابة تسميات لها  و صولاً للعثمانيين الذين أغرقوا المدينة بتسمياتهم الباقية إلى اليوم رغم رحيلهم منذ ما يزيد عن قرن من الزمان

من سوق الحميدية  نسبة للسلطان العثماني عبد الحميد إلى التكية السليمانية نسبة للسلطان العثماني سليمان القانوني إلى المدرسة العزيّـة التي  أنشأها الأمير عز الدين إيبك وجامع الدرويشية نسبةً للوالي العثماني درويش باشا الذي أكمل بناؤه عام 1574م .

أما شارع النصر و الذي  قام بتوسعته جمال باشا عام 1914م وسُمّي باسمه ( شارع جمال باشا ) فقد تم تغيير اسمه بعد ذلك إلى  شارع النصر نسبة لباب النصر الذي كان موضعه في مدخل سوق الحميدية الآن

و جامع تنكز و الذي  شيده نائب الشام المملوكي سيف الدين تنكز عام 718هـ.

و زقاق رامي أو ما يعرف الآن بشارع رامي و الذي  قام بفتحه رامي أفندي رئيس كُتّاب الوالي ناظم باشا و أطلق اسمه عليه

وجامع لالا باشا  نسبة لما كان يسمى الصدر الأعظم والقائد العسكري العثماني  كارا مصطفى باشا (1500 ــ 1580 م ) وقد لقب بـ " لالا " وهي كلمة تركية تعني المربي , وكان ألبانياً أو بوسني الأصل .

و سوق مدحت باشا والمعروف بالسوق الطويل قديماً , أنشىء عام 1878 م في عهد والي دمشق ( مدحت باشا) و جامع الياغوشية وخان المرادية وسوق ساروجة  ويقع خارج سور المدينة القديمة والسوق منسوب لأحد أشهر قادة المماليك وهو صارم الدين ساروجة المتوفي سنة 743 هـ - 1342 و الذي كان يطلق عليه العثمانيين اسم ( إسطنبول الصغرى ) نسبة إلى الطبقات الأرستقراطية العثمانية التي كانت تقطنه و جامع وتكية مراد باشا  نسبة لوالي دمشق العثماني مراد باشا  والتكية المرادية وتضم ضريح الوالي مراد باشا و غير ذلك كثير مما لا يمكن حصره في هذه المقالة
أما ساحة السبع بحرات و التي  أنشئت عام 1925م وسميت بساحة الكابتن ديكار بانتري الذي  كان قائداً لقوات حرس الهجّانة الفرنسية في سورية أيام الاحتلال الفرنسي ولقي حتفه عام 1925 فأقامت له سلطات الاحتلال الفرنسي نصباً تذكارياً مكوناً من قبة وسبع بحرات ضمن الساحة  وبعد جلاء قوات الاحتلال عن سورية هدمت القبة وأبقي على الساحة  مع تغيير اسمها إلى ساحة السبع بحرات

و بما أن آثارنا هي ملك لنا و جزء من ثروتنا القومية  و من بناها هم السوريون في ظل الاحتلالات التي مرت على بلادنا

معالم كثيرة في المدينة تغيرت أسماؤها  و معالم كثيرة حافظت على تسمياتها و خصوصا المعالم التي تم تشييدها خلال فترة الاحتلال العثماني الذي ولغ بدماء شعبنا ماضياً و حاضراً و أرجو أن يأتي اليوم الذي أرى فيه هذه المعالم  تحمل  تسميات المحررين الذين بذلوا دمائهم لتحرير هذه البلاد

و من حقي كسوري أن أطالب معالم دمشق أن تخلع طربوشها العثماني و ترتدي عمامة أبي و جدي الذين أعدمهم العثمانيين بأبشع وسائل الإعدام التي عرفها التاريخ

كما أعتقد بأن من حقي أن أطالب محافظة دمشق بأن تطلق أسماء شهداء بلادي على شوارعها و معالمها الرئيسية و تكنس التسميات العثمانية بعد رحيل هؤلاء المجرمين منذ مئات السنين و الذين عادوا مؤخراً ليقتلوا أخوتي في الوطن

و من حقي أن أرى دمشق " سورية"  بكل مفرداتها كي أسير في شوارعها مرفوع الهامة و معتزاً بسوريتي , و ترتاح أرواح الشهداء الذين حرروا هذه البلاد مع كل موجة غزو اجتاحتها وصولاً لشهدائنا اليوم الذين بذلوا أرواحهم للحفاظ على سورية و استقلالها و العثماني الذي احتل بلادنا مئات السنين يتساوى بل يزيد عن المحتل الفرنسي الذي طردناه من بلادنا و لا يتناقض ذلك مع إسلامنا , فإسلامنا لم يكن و لن يكون عثمانياً , بل محمدياً نقياً  .

كما أرى بأن على مؤسساتنا الثقافية تبني سياسة ثقافية تبرز دور الإنسان السوري ماضياً و حاضراً في بناء سورية و الدفاع عنها بدءاً من سرجون الثاني مروراً بالحضارات المتعاقبة من الفينيقيين و السريان و الآراميين وصولاً إلى السيد الرئيس بشار الأسد مروراً بمواكب الشهداء الذين أعدمهم العثمانيين في ساحة المرجة و أبطال الثورة السورية الكبرى و الأبطال الذين يوطدون استقلالنا و يحافظون عليه إلى اليوم  و إيماننا بعروبتنا ليس نقيضاً لإيماننا بسوريتنا كما أعتقد 



شارك برأيك

الاشتراك بالقوائم البريدية
البريدالإلكتروني: