الأمل بالعمل



الأكثر زيارة
 الصفحة الرئيسية   ثقافة و فن   

رؤية حزب البعث العربي الاشتراكي للقضية الفلسطينية- الباحث : فرسان إبراهيم صالح تايه
November 27, 2013 00:37

 
كل الأخبار - ثقافة و فن :
رؤية حزب البعث العربي الاشتراكي للقضية الفلسطينية- الباحث : فرسان إبراهيم صالح تايه
رسالة جامعية

المبحث الأول: أسباب بروز القضية الفلسطينية في فكر حزب البعث العربي الاشتراكي
أولاً: نظرة حزب البعث القومية والتاريخية للقضية الفلسطينية:
انطلق حزب البعث العربي الاشتراكي في الاهتمام بقضية فلسطين من الزاوية القومية وتلمسه للخصوصية التي تتمتع بها فلسطين في الأمة العربية بموقعها الاستراتيجي التي يجعل منها قلب الوطن العربي، واحتلال هذا القلب يؤدي بداهة إلى تحقيق المشروع الوحدوي الذي مثل الهدف الأسمى للحركة القومية العربية بكل أطيافها وفي مقدمتها حزب البعث،
معتبراً أن لا خطر يهدد سلامة الأمة العربية ووحدتها أكثر من خطر اجتزاء فلسطين من أمتها ووطنها العربي، لأن هذا يعني تبديد ذلك الحلم العظيم الذي لا معنى لحياة العرب إلا في الجهاد في سبيله وهو وحدة الأمة العربية([1]).
وقد أصدر حزب البعث عدة بيانات سنوية وفي مناسبات تاريخية متعددة متعلقة بالقضية الفلسطينية دعا فيها للنضال ضد التخلف الاجتماعي والتجزئة السياسية والعمل للوحدة العربية من أجل تحرير فلسطين([2]).
ففي أيلول 1947 أصدر مجلس الحزب بياناً أعلن فيه أنه حزب قومي عربي يؤمن بأن وحدة العرب لا تتجزأ ويربط بين السياسة السورية ومصالح الأمة العربية العليا، كما استعرض مشكلات سوريا الكبرى وأهمها قضية فلسطين التي تتطلب من الحكومات تعبئة قواها المسلحة وإزالة العقبات التي تقف دون الشعب وتكتله وتسلحه للجهاد في فلسطين والبعث يضع نفسه في طليعة كتائب الجهاد والفداء لإنقاذ فلسطين ([3]).
وفي ضوء البيانات التي صدرت عن حزب البعث العربي بشكل متعاقب في إطار رؤيته للقضية الفلسطينية وأسباب ظهورها، فقد صدر عن المكتب السياسي لحزب البعث العربي في 14 كانون الأول 1945 بياناً تناول فيه مشاكل العرب السياسية وفيه خلاصات عاجلة عن مشكلة كل قطر وعن الوحدة العربية والجامعة العربية، وفيه الدعوة إلى إنشاء جامعة عربية شعبية، مطالباً بأن تعالج قضية فلسطين من أساسها، وأن تعيد انجلترا النظر في وعد بلفور نفسه، وأن الأمة العربية لا تقبل أي حل على أساس بيان المستر بيفن المضطرب الذي أقر استمرار الهجرة اليهودية، وطالب بحرمان فلسطين العربية من حقها لتشكيل دولة مستقلة وبقائها تحت الوصاية الدولية، كما ذكر البيان بأن العرب يرفضون التعاون مع لجنة التحقيق الانجليزية - الأمريكية إلا في حال اقتناعها بأن وعد بلفور كان بمثابة انتهاك لحقوق الشعب العربي في فلسطين وهو الذي أعطى المبرر للصهيونية في الاعتداء على العرب، واختتم البيان مطالبته للولايات المتحدة وإنجلترا بأن تزيلا الظلم الواقع على العرب وأن الشعب العربي في فلسطين يجب أن ينال استقلاله وحريته ويحكم نفسه في الإطار العربي ([4]).
وفي افتتاحية البعث في 16 تشرين الثاني 1947 تحدث عفلق حول مأساة فلسطين منتقداً هيئة الأمم المتحدة في إنكارها حق العرب السوريين في الاستقلال التام، وحقهم الصريح في أرضهم وهي بذلك تتنكر لمبادئ العدل والمساواة التي تأسست من أجلها هذه الهيئة، وأكدت البعث أن العرب يتطلعون إلى فلسطين المجاهدة والمهددة ومصممون على الاستماتة من أجلها ودحر المعتدين، وأن قضية الحق والحرية واحدة لا تتجزأ، وأن العرب مصممون على أن يثبتوا للأمم المتحدة بأن الدفاع عن دستور سوريا وإنقاذها من خطر الديكتاتورية لن يكون أقل قدراً ونفعاً في نظر المصلحة العربية العليا من الدفاع عن عروبة فلسطين([5]).
لقد ربط الحزب في بياناته التي صدرت في منتصف الأربعينيات بين النضال الوطني ضد الحكومات العربية وبين النضال ضد القوى الاستعمارية معتبرا إياه عاملا مهما في القضاء على حالة التجزئة في الوطن العربي، وفي تحقيق الوحدة العربية من اجل تحرير فلسطين.
ثانياً: موقف حزب البعث العربي الاشتراكي من مشروع تقسيم فلسطين وحرب عام 1948:
انتقل حزب البعث العربي من مرحلة التعبئة الجماهيرية ليمارس دوراً عملياً في التعاطي مع القضية الفلسطينية، ففي تشرين الأول عام 1947 نبه الحزب إلى المراحل الخطيرة التي وصلت إليها قضية فلسطين فخطر قيام الدولة الصهيونية لا ينحصر في فلسطين بل يتعداها إلى الوطن العربي. لذلك فقد أكد الحزب على النضال الشعبي وربطه بفكرة الثورة العربية، كما أنه يضع نفسه في طليعة كتائب الجهاد ويعلن استعداده للتعاون مع الهيئات الوطنية المخلصة في سبيل الجهاد لإنقاذ فلسطين ([6]).
وفي تشرين الثاني عام 1947 اتخذ مجلس حزب البعث قراراً قبل صدور قرار التقسيم يدعو أعضاء الحزب للتطوع للقتال في فلسطين وتوجه بنداء للجماهير يدعوها للتطوع في كتائب للإنقاذ شكلت لغرض التحرير ([7]).
شكل قرار تقسيم فلسطين في 29 تشرين الثاني 1947 صدمة للشعب السوري فهاجمت الجماهير السفارات الأمريكية والبلجيكية والسوفيتية ومقر الحزب الشيوعي واعتبر الشيوعيون عملاء السوفيات لتأييدهم القرار ([8]).
وفي بيانه الصادر في 2 كانون الأول 1947 بعد صدور قرار التقسيم بعنوان من "حزب البعث العربي الاشتراكي إلى الأمة العربية دقت ساعة الفصل ولن تنقذ فلسطين إلا بالحديد والنار" طالب الحزب بأن يتقدم القادرون على حمل السلاح إلى التطوع في كتائب تحرير فلسطين والإقبال على التبرع بالمال والألبسة والأغذية من أجل فلسطين ([9]).
وفي مقال نشر في 21 كانون الأول 1947 في جريدة البعث عدد 214 بعنوان "إنقاذ فلسطين والتبعية الاجتماعية" كتب صلاح البيطار: لو صمم الزعماء العرب على طرح مسألة مصالح البلدان الغربية التي لا تفهم غير لغة المصلحة ولو هددوا بالتالي هذه البلدان بقطع البترول عنها وقطع العلاقات الاقتصادية والثقافية معها لما حدث التقسيم ولما كان العرب يخوضون معركة حياة أو موت ([10]).
وفي هذا المقال حدد البيطار أخطار العرب والحكام منهم خاصة، تجاه قضية فلسطين في عامي 46 و1947، وبين في تحليل عميق أخطار قيام إسرائيل قومياً ووطنياً على أمل العرب في الوحدة وفي تحقيق الاستقلال، كما أوضح خطرها اجتماعياً واقتصادياً عندما وصف إنشاء الدولة اليهودية كإنشاء قاعدة إستراتيجية يتجمع فيها الملايين من يهود العالم ليغزو أرض العرب ويحكموا أهلها، وفي الجزء الأخير من هذه المقالة حدد البيطار واجبات الشعب العربي والحكومات العربية في الجهاد في سبيل وحدة فلسطين وعروبتها باعتباره واجب للحيلولة على حد تعبيره دون تهديد الأقطار العربية جمعاء ([11]).
كما صدر عن حزب البعث العربي بيان آخر في 23 كانون الثاني 1948 كرد على قرار تقسيم فلسطين وذلك في اجتماع مجلس الحزب المنعقد في مدينة حمص في يومي الخميس والجمعة الواقعين في 15 و 16 كانون الثاني جاء فيه أن الشعب العربي لن يكتفي بإلغاء مشروع التقسيم بل يعتزم القضاء الأبدي على الصهيونية في فلسطين، وقرر أيضا تجنيد جميع أعضائه للاشتراك في المجهود بالحربي داخل البلاد العربية في خطوط فلسطين الأمامية، كما قرر إرسال أول كتيبة إلى الجبهة بقيادة لجنة الحزب التنفيذية ([12]).
وقد قاتلت الكتيبة مع قوات الجهاد وسقط منها أعضاء كثيرون في أرض المعركة، كان من بينهم: محمد جديد، فتحي أتاسي، مأمون البيطار فساهم الحزب بذلك في معركة فلسطين ([13]).
لقد أشار الحزب إلى أن قرار تقسيم فلسطين وقيام دولة إسرائيل قد شكل بداية المخطط الاستعماري والإسرائيلي التوسعي في فلسطين واعتبارها بؤرة التواجد الصهيوني الذي سيغزو العرب جميعا. لذلك فإن دعوة الحزب في إحدى بياناته في القضاء على الصهيونية كانت تمثل إشعارا لحجم الخطر الذي ينتظر العرب جميعا.
ثالثاً: دور مكتب فلسطين الدائم في حزب البعث :
انطلاقاً من فهم حزب البعث لشعار حرب التحرير الشعبية والكفاح المسلح فقد رأى الحزب ضرورة تشكيل مكتب قومي لتحرير فلسطين حتى يكون بإمكان هذا المكتب بما عنده من طاقات وإمكانيات أن يخدم القضية القومية، من خلال تخصصه في وضع كل القدرات والإمكانيات في خدمة القضية الفلسطينية، والعمل على استعادة الحق السليب إلى أهله، والقضاء على الإستعمار وحليفته إسرائيل([14]).
وفي هذه الأثناء قام حزب البعث بتشكيل مكتب فلسطين الدائم في يناير من أوائل العام 1948، حيث دأب الحزب على إصدار البيانات والخطابات السياسية المتعلقة بالقضية الفلسطينية في مناسباتها المختلفة وذلك بعد أن شارك عملياً في "جمعية تحرير فلسطين" التي كانت مهمتها الأولى إرسال المتطوعين المتدربين إلى فلسطين وذلك في الاجتماع الذي عقده مجلس الحزب في 19 أيلول 1947([15]).
وقد قام مكتب فلسطين الدائم بجهود متواصلة من أجل تنفيذ قرار مجلس الحزب ومتابعته، ومن بين البيانات التي صدرت عنه بيان 9 شباط 1948 والذي أنذر بخطر فوات الوقت وأدان سياسة الحكومات العربية في المماطلة والانتظار وبالتهاون مع الأطراف الاستعمارية المتواطئة مع الحركة الصهيونية، وتأجيل المواجهة الحقيقية للخطر الصهيوني في فلسطين إلى ما بعد جلاء قوات الانتداب البريطاني والتستر وراء شعارات وهمية بأن الولايات المتحدة الأمريكية تختلف عن بريطانيا وبأن السياسة الأميركية ستتراجع عن دعم الصهيونية وبأنها نادمة على موقفها في دعم الصهاينة. وقد دعا البيان إلى انتهاج موقف جريء يتناسب مع الخطر الصهيوني ويعالج قضية فلسطين من أساسها ويواجه المصالح الاقتصادية الأمريكية بفسخ اتفاقيات البترول المعقودة بين بعض الدول في الجزيرة العربية وبين الشركات الأمريكية. كما دعا البيان إلى تهيئة المجاهدين العرب لتحرير فلسطين ([16]).
رابعاً: مشاركة قيادة حزب البعث في حرب عام 1948 وتقييمهم لها :
لقد انتقد حزب البعث في الخامس عشر من شباط 1948 الوضع في فلسطين فبين حالة الهدوء غير العادية التي تخيم على فلسطين والتي لا تنسجم مع ما وصلت إليه قضية فلسطين من خطورة، كما بين أن حدوث معارك بسيطة لا غاية لها ولا هدف، وإحداث اضطرابات تسير على هذا الشكل لا يفيد العرب مطلقاً ويسيء إلى فلسطين كل الإساءة لأن ذلك يظهر العرب اضعف من أن يقوموا بعمل حاسم([17]).
وفي 15 شباط 1948 دخلت الجيوش العربية إلى أرض فلسطين وتسلمت الحكومات العربية مقادير المعركة، ولم يكن باستطاعة حزب البعث العربي وهو في عامه الأول أن يؤثر في موازين القوى السياسية العربية تأثيراً فعلياً، ولكنه استطاع من منطلق الفكر النضالي العربي أن يكون ذلك الصوت العقائدي الوحدوي بوجه المؤامرة بدليل البرقية التي أرسلها البعثيون إلى أمين الجامعة العربية والحكومات العربية، وينتقدون فيها المعاهدة الأردنية البريطانية باعتبارها مخالفة لمصالح العرب القومية وتعد صريح على حق الشعب العربي في الاستقلال والوحدة في تقرير مصيره بنفسه([18]).
توجه قادة البعث بأنفسهم إلى حرب فلسطين عام 1948 ومنهم ميشيل عفلق وصلاح البيطار وفيصل الركبي وشبلي العيسمي ووهيب الغانم وآخرون، وذهب قادة البعث إلى فلسطين على أنهم مراسلون حربيون لجريدة البعث وتطوع أغلب الأعضاء على قلة عددهم في جيش الإنقاذ الذي أشرفت على تكوينه جامعة الدول العربية وكان يوجه عملياتها فوزي القاوقجي الذي اتخذ من سوريا مقراً لقيادته([19]).
فقد كتب وهيب الغانم مقالاً في جريدة البعث العدد 223 في الثامن من أيار 1948 قدم فيه تحليلات لما يجري في معركة فلسطين ولأسباب هزيمة العرب وانتصار الصهاينة وكيف أن الغلبة ليست في العدد بل في قوة التنظيم، واستثمار الوقت والإيمان بالعمل الجماعي، وحذر الغانم من الكارثة التي ستحل بفلسطين بسبب الاعتماد على الخطابات ومسرحيات المؤتمرات، وصخب التصاريح وهو ما حل بلواء الاسكندرون، وأنهى مقالته بالتأكيد على عروبة فلسطين وأن دماء الأبطال التي تسفك بسخاء في أرض فلسطين لن تسمح بأن تنقلب كما هي العادة أوسمة في صدور الجبناء، وأن دماء الحسيني وجديد والبيطار وأمثالهم من شهداء الحرية الأبطال لن تكون في هذه المرة غذاءً هنيئاً للرجعيين([20]).
ومن جنين كتب أمين عام حزب البعث إثر مشاهداته الحية مقالاً في جريدة البعث في الثامن من أيار 1948 عدد 223 بعنوان "إنقاذ فلسطين" دعا فيه إلى ضرورة وضع قضية فلسطين بين أيدي المقاتلين وتجهيزهم بمقتضيات الحرب الحديثة، متحدين متضامنين مع سائر الأقطار وبإمكاننا الإثبات للقوة الاستعمارية الغاشمة والمتمثلة بالعدوان الصهيوني بأننا قادرون كعرب على الصمود وأن الإمكانية متوفرة لجعل هذه المعركة المرتجلة حرباً نظامية تتحقق فيها عناصر الوعي والتنظيم المتفتحة في أفراد شعبنا ويمسك زمام التوجيه الشامل فيها جميع الذين يمثلون الإيمان بوحدة الأمة العربية ما دامت معركة فلسطين معركة العروبة الفتية الناهضة([21]).
لقد رفع حزب البعث حتى هزيمة 1948 شعارات لم يستطع تنفيذ أغلبها وكانت مسؤولية مواجهة الخطر الصهيوني أكبر من قواه المحدودة، وأكبر من قدرة أي قطر عربي منفرد، وكانت الخطط الاستعمارية والصهيونية أكبر من كل القوى الحزبية العربية، وإن كان حزب البعث منذ منتصف الأربعينيات عالج قضية فلسطين بشكل أكثر وعياً وقومية من كثير من القوى العربية حزبية وغير حزبية([22]).
وفي موضوع تقييم قادة حزب البعث لحرب 1948 فقد تحدث الدكتور نور الدين الأتاسي في مهرجان خطابي أقامه حزب البعث في هذه المناسبة عن ظروف معركة 15أيار1948 والتآمر والجهل والفوضى وعدم الاستعداد التي رافقتها وقال "كانت مأساة أكبر من المأساة أن نغض الطرف عن المخططين والمنفذين لنخوض معركة خطط مسبقاً أن ترتد علينا". ومما قاله في هذا الصدد "لقد استغلوا حماسة الشعب العربي لخوض المعركة وتطهير الأرض المحتلة ليدفعوا بالجيوش دون أسلحة، دون استعداد وبأسلحة فاسدة وقاصرة، دون تهيئة وتحضير لترتد هذه الجيوش مندحرة ومهزومة حاملة معها أفواجاً مذعورة لاهثة من إخواننا العرب اللاجئين"([23]).
وفي خطاب الدكتور منيف الرزاز الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي في مهرجان أسبوع نصرة فلسطين في 3 حزيران1965 قال الرزاز: لنذكر عام 1948، يوم تنادت الجماهير العربية في فلسطين لحمل السلاح، فلم يكن ثمة سلاح، تنادت للتنظيم فلم يكن ثمة تنظيم بعكس اليهود الذين كان لهم تنظيمهم وزعماؤهم في قلب المعركة وأن الجماهير العربية بغير تنظيم وبغير زعماء، وذكر الرزاز بأن عام 1948، هو عام التآمر العربي الذي يذكرنا بالأسلحة الفاسدة وتناحر الجيوش العربية، والمفاوضات المستترة بالليل التي سلمت من خلالها اللد والرملة وصفد والنقب، وأن هذه المعطيات التي حصلت خلال الحرب كان يجب أن تدفع الجماهير العربية للثورة رداً على الهزيمة ولكن ما حصل أن الحكام الأغبياء قاوموا الموجة والأذكياء منهم ركبوها وانطلقت حركة الجماهير ورجع الأمر للحكومات للحل والربط([24]).
وعلى هذا النحو، حاولت حركة البعث أن تحلل الأسباب التي أدت إلى هزيمة العرب في فلسطين عام 1948، وأن تتجاوز الاتجاهات والمواقف الغوغائية والسهلة التي رافقت هذا الموضوع. لقد ألقت بالطبع التبعة وإلى حد كبير على القوى الغربية وعلى " الإقطاعية والبرجوازية" العربية، وعلى المعسكر الشيوعي الذي اعترف بإسرائيل كأمر واقع، ولكنها أيضاً ألقت التبعة على العرب الذين أدركوا بشكل مباشر محسوس أن السبب الأساسي لهزيمتهم لم يكن في تآمر الدول الأجنبية عليهم ولا في نقص استعدادهم للمعركة فحسب، بل هو في نظام مجتمعهم الإقطاعي الرجعي "([25]).
ويرى الباحث أن حزب البعث قد حاول في خطاباته وبياناته أن يجمع القول بالفعل من خلال مشاركته في حرب 1948 رغم انتقاده لأداء العرب فيها وتحميلهم مسؤولية الهزيمة. كما يُسجّل للحزب أن مشاركته في الحرب جاءت في الوقت الذي لم يكن فيه الحزب في السلطة، وبرغم إمكاناته المحدودة قد عززت نظرة الحزب ومصداقيته تجاه قضية فلسطين في تلك الفترة.
ويمكن تلخيص التأثيرات التي أحدثتها نكبة 1948 في فكر البعث ومواقفه نهاية الأربعينيات وبداية الخمسينات بما يلي:
1- أصبح فكر البعث أكثر تركيزاً على الاستعمار الصهيوني الاستيطاني في فلسطين من تركيزه على الاستعمار التقليدي بشكل عام في الوطن العربي دون أن يقلل من عدائه لهذا الاستعمار.
2- أصبحت فلسطين في نظر البعث قضية العرب أجمعين وليست قضية عربية سورية أولاً ثم عربية عامة ثانياً كما كانت أطروحاته في البداية.
3- أصبحت العلاقة بين الصهيونية والاستعمار والرجعية أكثر وضوحاً لدى مفكريه مع تعمق في التحليل لطبيعة الحركة الصهيونية والأهداف الاستعمارية في المنطقة العربية.
4-  الانتقال من أسلوب مناشدة الدول الاستعمارية للتراجع عن مخططاتها للدعوة المباشرة إلى محاربتها([26]).
خامساً: مواقف حزب البعث من القضية الفلسطينية بعد نكبة عام 1948:
لم يفوت حزب البعث العربي الاشتراكي مناسبة يمكن فيها توعية الجماهير على أبعاد القضية الفلسطينية وخطورتها على مستقبل الثورة العربية إلا استغلها لتوضيح الأهداف التي أراداها الاستعمار من خلق إسرائيل، والدور الخطير الذي يمكن أن تضطلع به لإعاقة الشعب العربي عن السير في طريق التحرر والوحدة والتقدم([27]).
ففي بيان صدر في 2 و 29 تشرين الثاني 1954 في ذكرى وعد بلفور ومشروع التقسيم جدد فيه حزب البعث العهد في استرجاع فلسطين وذلك بعد مرور سبعة وثلاثين عاماً على الوعد الذي قطعته بريطانيا ليهود العالم بإنشاء وطن قومي لهم في فلسطين العربية، وأن الدول الاستعمارية تواصل تآمرها على الأمة العربية ونهضتها حتى تم لها أخيراً إنشاء دولة إسرائيل على حساب مليون من المواطنين العرب قتلوا وشردوا من ديارهم ووطنهم فلسطين على أفظع شكل في التاريخ. كما دعا البيان إلى الانطلاق نحو طريق ثوري تقدمي منظم يقضي على الظلم الخارجي والداخلي ويضع حياة العرب في تيار العصر الحديث([28]).
كما وجهت نساء حزب البعث في سوريا كلمة في ذكرى وعد بلفور يوم 2 و 29 تشرين الثاني 1955 مذكرة فيها كل مواطن بالواجب المفروض عليه، وأن يكون في حالة تأهب وتعبئة دائمة ونضال مستمر للقضاء على هذه المؤامرة بحق الأمة العربية، وأن العرب وهم يستعيدون هذه الذكرى المشئومة فإنهم يدركون تمام الإدراك أنهم مدعوون إلى استعادة حقهم السليب ضمن نضالهم على أساس العمل المشترك ومحاربة القوى الاستعمارية، وتقوية البنية الداخلية للبلاد العربية لتصبح قادرة على انتفاضة كبرى تقتلع جذور العدو الدخيل([29]).
كما أصدر حزب البعث العربي الاشتراكي في الخامس عشر من أيار عام 1961 بياناً بمناسبة إنشاء الكيان الصهيوني على أرض فلسطين العربية في 15 أيار 1948، وأن ذكرى الخامس عشر من أيار في كل عام تأتي لتضع شعبنا العربي أمام مهمته الأساسية في استرجاع فلسطين وأن وعينا المستمر على قوة العدو الغاصب يحتم علينا مضاعفة التحسس بمسؤولياتنا ويدعونا إلى المزيد من النضال الشعبي الثوري حتى نتمكن من القضاء على الأخطار التي تتهددنا، وقد تعاطى البيان مع مشاعر العرب الفلسطينيين وضرورة بل وحتمية عودتهم إلى بلدهم فلسطين وأنه بصمودهم وكفاحهم البطولي مكنوا الحركة العربية التحررية من النجاح في حماية قضية فلسطين من التصفية وإبقائها حية([30]).
كما أصدر حزب البعث العربي الاشتراكي فرع فلسطين في لبنان بياناً في 15 أيار 1965 بعنوان "بيان البعث في لبنان بذكرى 15 أيار " ذكر فيه بالكارثة التي حلت في فلسطين ونجاح الصهاينة في إقامة دولتهم على أرض فلسطين مشيراً إلى حالة الفخر العربي وتخاذل الحكومات العربية وخيانة البعض الأمر الذي أدى إلى فرض الأمر الواقع والاعتراف بشرعية الاغتصاب الصهيوني. كما أدان البيان أيضا تمادي بورقيبة في جرأته على تحدي الشعور القومي وخطورة ذلك على القضية القومية وفي ظل غياب الوعي الشعبي العربي وغياب منظمة ثورية فلسطينية.
واختتم البيان دعوته الشعب العربي الفلسطيني إلى تسلم دوره الطليعي في معركة العودة من خلال التنظيم الثوري الواعي والالتفات حول راية الكفاح المسلح وأن شباب البعث يعاهد شعب فلسطين على النضال من أجل محو عار الخامس عشر من أيار([31]).
كما لعبت الاتحادات الطلابية والشعبية الحزبية في سوريا دوراً في التذكير بالمناسبات التاريخية المتعلقة بالقضية الفلسطينية، ففي2 تشرين أول1966 وبمناسبة ذكرى وعد بلفور، أصدر الاتحاد الوطني لطلبة سوريا بياناً بهذه المناسبة حمل فيه على الدول الاستعمارية التي تؤيد إسرائيل وتمدها بالمساعدات، وفي هذا البيان دعا الاتحاد إلى تخصيص الحصة الأولى في جميع المدارس عن القضية الفلسطينية وكان موضوع هذه الدروس "خطورة الوجود الصهيوني على الوطن العربي"([32]).
لقد كان للتنظيمات الفلسطينية القطرية في حزب البعث العربي الاشتراكي دور واضح في تعزيز وتدعيم الروح النضالية لدى أبناء الشعب العربي فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية وكذلك التراجعات التي سجلها الحكام العرب في تعاطيهم مع هذه القضية.
وفي كلمة له بذكرى تقسيم فلسطين في 29 تشرين الثاني1967 أكد د. نور الدين الأتاسي أمين عام حزب البعث العربي الاشتراكي على أن حزب البعث سيكون دائماً وأبداً الطليعة في التضحية والفداء والالتزام بإرادة الجماهير العربية، وأن قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة مخالف لمبادئ ومبررات وجودها وأثبتت أنها مطية للنفوذ الامبريالي بزعامة الولايات المتحدة وبريطانيا. واعتبر الأتاسي أن وعد بلفور صفحة افتتحت فيها الامبريالية كتابها الأسود([33]).
فقد أصدرت القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي في التاسع والعشرين من تشرين الثاني عام 1969 بمناسبة ذكرى تقسيم فلسطين بياناً دعت فيه الجماهير العربية في فلسطين إلى إدراك الخطر المحدق بها والتنبيه إلى ضخامة الجريمة التي يراد تنفيذها على حساب أرض الجماهير العربية، ودعا البيان جماهير الأمة العربية والقوى التقدمية العربية لتوحيد نضالها والاستجابة لمقتضيات المعركة المصيرية في مواجهة المخططات الامبريالية التي تحاك ضدها([34]).
المبحث الثاني: موقف حزب البعث العربي الاشتراكي من الكيان الفلسطيني
أولاً: ظروف تبلور الدعوة إلى إبراز الكيان الفلسطيني ودور حزب البعث فيها :
لقد مرت استراتيجية البعث في النظرة إلى الكيان الفلسطيني بمرحلتين:
في المرحلة الأولى والتي تلت نكبة 1948 ركز حزب البعث على ضرورة التلاحم المطلق بين الدور الفلسطيني الخاص والدور العربي العام من أجل الحفاظ على القضية ومجابهة التسلط الرجعي على مقدرات الجماهير العربية وتحقيق النهوض القومي الكفيل بالتخلص من حالة العجز السائدة.
وفي المرحلة الثانية والتي تلت قيام الوحدة بين مصر وسوريا مباشرة دعا الحزب إلى إنشاء كيان سياسي ثوري لأبناء فلسطين انطلاقاً من الحاجة إلى الحفاظ على حيوية القضية الفلسطينية من جهة وإيجاد إطار للتفاعل مع مسيرة الوحدة والتحرير من جهة ثانية، وتجنيب الفلسطينيين تبديد جهودهم في الخلافات العربية الجانبية من جهة ثالثة، وتمكين عرب فلسطين من تهيئة الأرض الملائمة لممارسة دورهم الطليعي في خوض حرب التحرير الشعبية متى أصبحت إمكانية خوضها قائمة([35]).
تعود الدعوة إلى بلورة الكيان الفلسطيني والدور الفلسطيني الخاص لعرب فلسطين إلى أواخر الخمسينيات، وقد ارتبطت هذه الدعوة تحديدا وبشكل جوهري بالتطورات التي شهدها الواقع العربي في ذلك الحين، وخاصة التطورات التالية :
1- تجربة المقاومة الشعبية في قطاع غزة عام 1956 – 1957 وما خلفته من شعور بإمكانية إحياء وتعميق هذه التجربة.
2- تجربة الثورة الجزائرية، وما تركته من شعور عام بضرورة بلورة حركة نضالية فلسطينية على غرارها.
3- تجربة الوحدة بين مصر وسوريا عام 1958، وما أثارته من تفاؤل ومن تلمس فلسطيني للقيام بدور نضالي إيجابي مباشر يستند إلى جدار دولة الوحدة وتفاعل معها، إضافة إلى تلمس عرب فلسطين لضرورة تحقيق اللقاء بينهم بصيغة أو بأخرى بحيث يتكامل دورهم النضالي في قطاع غزة وسوريا ومصر تمهيدا لتحقيق التكامل مع التجمعات الأخرى. فالوحدة أوجدت الشعور بإمكانية جمع الكيان الفلسطيني المشتت ولو جزئيا([36]).
ومن التصورات الأولية التي طرحها حزب البعث للكيان الفلسطيني في أواخر الخمسينات البيان الذي صدر عن حزب البعث في لبنان بتاريخ 15 أيار 1959 والذي ورد فيه:
1- أن شعبنا يطالب منظماته وحكوماته الوطنية بمناسبة ذكرى 15 أيار أن تزيد من جهودها لتحرير فلسطين وتصحيح أوضاعنا بالتركيز على الوسائل الضرورية لذلك.
2- تشديد الحصار الإقتصادي على إسرائيل والتضييق عليها بغية زيادة أزمتها الاقتصادية الداخلية.
3- زيادة النشاط السياسي العربي في الخارج لتطويق إسرائيل وإفساد مخططات الدعاوة وجمع التبرعات والمهاجرين التي تقوم عليها.
4- محاربة مشاريع الإسكان والخطوات التي تؤدي إلى إضعاف أو تصفية قضية فلسطين.
كما أصدر حزب البعث في لبنان أيضا بيانا آخر في حزيران 1959 يطرح فيه الحزب مسألة الدور الفلسطيني الخاص بشكل أكثر وضوحا. ففي مجال التصدي لمشروع همرشولد الرامي إلى إسكان وتوطين اللاجئين بغية تصفية القضية الفلسطينية وفيه يوجه الحزب نداءه إلى عرب فلسطين قائلا "لتكن فلسطين جزائرنا الثانية وليكن إصرارنا على إعداد شباب فلسطين في نطاق جيش تحرير شعبي هو ردنا على مشروع همرشولد، وأن حل قضية فلسطين لا يمكن إلا وأن يكون ثوريا شاملا"([37]).
وقد تجسدت هذه المواقف لدى حزب البعث في عدد من الخطوات التنظيمية تمثلت بما يلي:
أ‌- قرار المؤتمر القومي الثالث لحزب البعث المنعقد في آب 1959 "استمرار التنظيم الحزبي في الأقطار العربية، وخارج الجمهورية المتحدة" والسماح للفلسطينيين "في كل من القطر السوري والقطر المصري، وقطاع غزة، تكوين وحدات تنظيمية مرتبطة بالقيادة القومية".
ب‌- قرار المؤتمر القومي الرابع، المنعقد في أيلول 1960 إعادة تنظيم الحزب في القطر الأردني" وتشكيل جبهة شعبية تجمع المنظمات الشعبية الفلسطينية كافة لتمارس نضالها بين الجماهير الفلسطينية ولتكون أداة التحرير.
ت‌- واقترح عقد مؤتمر في بيروت 1962، ضم ممثلين عن الحزبيين الفلسطينيين اقترح إستراتيجية للعمل الفلسطيني ونظاماً أساسياً لحركة تحرير فلسطينية([38]).
إن سعي حزب البعث لتوحيد الجهود الفلسطينية في جبهة نضالية واحدة كان هدفه تطبيق استراتيجية الحزب في خوض حرب التحرير الشعبية، ولإسناده في وضع تصور يستطيع الحزب من خلاله الضغط على إسرائيل وعزلها اقتصاديا وسياسيا.
ثانياً: دور حزب البعث في إنشاء جبهات فلسطينية للتحرير :
شكل حادث الانفصال في الوحدة السورية المصرية في أيلول 1961 فرصة للوطنية الفلسطينية كي تراجع تجربتها النضالية السابقة وتتوقف عند دروس مسيرتها الثورية الطويلة، فجاءت ردة الفعل على الانفصال لتطلق شعوراً بارزاً بأن فلسطين تحتاج إلى نضال خاص بها جنباً إلى جنب مع النضال القومي التقدمي العام، وانعكس هذا الشعور في برامج وتنظيمات وجبهات([39]).
فقد أفرزت الأحزاب العربية القومية أعضاءها الفلسطينيين في أجهزة قطرية فلسطينية خاصة ومنفصلة عن تنظيماتها القطرية الأخرى، وأدخلت هذه الأحزاب في صلب برامجها الدور المستقل للشعب الفلسطيني في النضال من أجل القضية، ومن ذلك القرار الذي اتخذه مؤتمر القيادة القومية السادس لحزب البعث العربي الاشتراكي المنعقد في الفترة من 5-23 تشرين الأول 1963 والذي نص على: "درس المؤتمر بعناية المشكلة العربية في فلسطين في مرحلتها الراهنة وآفاق تطورها، وانتهى إلى ضرورة اعتماد عرب فلسطين كأداة أولى في تحرير فلسطين، وأقر إنشاء فكرة جبهة تحرير فلسطين، وهو يدعو الدول العربية بشكل عام والسلطة الثورية في سوريا والعراق بشكل خاص إلى تقديم كل الإمكانيات لإقامة هذه الجبهة وتنظيمها وأن توجد لها الأدوات والقيادات المؤمنة والثورية وأن تكون بمنأى عن الخلافات بين الدول العربية([40]).
وكانت جريدة "الاشتراكي" الناطقة باسم حزب البعث قد نشرت في 11 آذار1961 مقالا بعنوان "جبهة التحرير الفلسطينية هي طريق العودة" قالت فيه:
"القضية الفلسطينية بعد 12 عاما من النكبة ما تزال تتخبط بحثا عن حل.. بل ما تزال تجارة رابحة توصل إلى الحكم والزعامة في الأقطار العربية. وبعد 12عاما من قيام الدولة الصهيونية المغتصبة يزداد العرب إيمانا بان طريق تحرير فلسطين هو الشعب العربي الفلسطيني نفسه، ومن حوله جماهير الشعب العربي بقيادة منظماته الشعبية الثورية. لهذا فإن شعب فلسطين يعمل لإقامة كيان سياسي نضالي له يوحد جهود أبنائه ويجمع صفوفهم في جبهة لتحرير فلسطين على غرار جبهة التحرير الجزائري التي استطاعت أن تنظم كفاح القطر العربي المناضل وتسير به في طريق النصر([41]).
ويقول حمزة برقاوي رئيس إتحاد الكتاب والأدباء في سوريا في ندوة السابع من نيسان2009 بأنه حين برزت الحاجة في بداية الستينيات، وبالتحديد في عام دولة الوحدة، وفي مرحلة فرض الجزائر معركتها بقوة في المحيط العربي، وحين برزت الحاجة إلى ضرورة قيام الفلسطينيين بأخذ زمام المبادرة لتحريك قضية فلسطين كقضية تحرير، نجد أن البعث كان سباقا إلى التعامل مع مسألة إنشاء كيان فلسطيني يتولى أخذ زمام المبادرة هذه على أساس الحفاظ على حيوية القضية وإيجاد وضع استراتيجي لخوض معركة وتغيير الأوضاع والاعتماد على الشعب وتشكيل منظمات للمقاومة في سوريا والأردن([42]).
وكان حزب البعث قد قدم في العام 1961 مذكرة لمؤتمر وزراء الخارجية العرب الذي انعقد في بغداد أكد فيها ضرورة إطلاق حرية شعب فلسطين بتنظيم نفسه في جبهة تحرير فلسطينية وعدم زج قضية فلسطين في السياسات الإقليمية بغرض إنشاء كيان نضالي يجمع أبناء فلسطين وينظم كفاحهم([43]).
إن فشل الوحدة بين مصر وسوريا قد جعل حزب البعث يفكر في تشكيل منظمات قطرية خاصة به كي تأخذ زمام المبادرة في تنشيط العمل الفدائي الفلسطيني وتنظيمه بهدف الحفاظ على حيوية القضية الفلسطينية مستفيدا من تجربة الثورة الجزائرية وحركتها النضالية التي فرضت نفسها على الساحة العربية وحركاتها التحررية، الأمر الذي يبقي على رؤية الحزب القومية في النضال العربي إلى جانب النزعة النضالية الوطنية الفلسطينية ضمن خصوصيتها.
ثالثاً: رؤية حزب البعث للكيان الفلسطيني:
كان موضوع إبراز الشخصية الوطنية الفلسطينية المتميزة والعمل على إعادة بناء الكيان الوطني الفلسطيني الذي زعزعته نكبة 1948، الموضوع الأعم الذي شغل الساحة الفلسطينية في تلك الفترة، وبالرغم من أن حزب البعث قد أيد الدعوة إلى تأسيس جبهة للعمل الفلسطيني وأجاز الحديث عن الشخصية الفلسطينية، إلا أن التيار المؤيد لميشيل عفلق داخل الحزب ورغم تأييده لموقف الحزب، إلا أنه أبدى تحفظاً على أي نشاط فلسطيني مستقل عن النشاط القومي العام ولم ينبذ الهواجس المتصلة بشبهة الإقليمية، وقد أحدث هذا الموقف للعفليقين نوعاً من البلبلة في موقف حزب البعث، وتبين ذلك لدى مواقف البعثيين الفلسطينيين المؤيدين لموقف الحزب الرسمي تجاه مشروع الكيان الفلسطيني حيث كانوا يواجهون بنوع من الحرج عندما يطرحون مواقفهم نحو أهمية هذا الكيان وأنهم يفتقرون إلى المصداقية في خطابهم المضطرب باعتبار أن هناك تيارا داخل الحزب غير متحمس لمشروع الكيان الفلسطيني المقترح([44]).
أدت وفاة أحمد حلمي عبد الباقي رئيس حكومة فلسطين في عام 1963، وقيام جامعة الدول العربية بتعيين أحمد الشقيري مندوباً لفلسطين في الجامعة، وتكليفه بمهمة تشكيل منظمة التحرير الفلسطينية ككيان سياسي، ونجاح الشقيري في ذلك، إلى جعل الحركات والفصائل الفلسطينية الموجودة على الساحة الفلسطينية آنذاك تقوم بصياغة تحالفاتها السياسية العربية، فكانت حركة فتح من ضمن هذه الحركات الفلسطينية التي قامت بتوظيف تحالفها مع القيادة السورية، فبعض قادة حزب البعث العربي الاشتراكي في سوريا رأوا في تحالفهم مع حركة فتح تطبيقاً لنظريتهم القومية معتبرين ذلك بداية قذف التحدي في وجه أنظمة المنطقة عموماً وبديل لإستراتجيتها وبالتالي انتزاع الاعتراف بالشعب الفلسطيني وحركته السياسية الشابة([45]).
وقد أصدرت القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي في دمشق بياناً حول الكيان الفلسطيني في 4 آذار1964 قالت فيه إنه يجب أن تتوافر في الكيان الفلسطيني عدة شروط حتى يتحول القرار الصادر عن مؤتمر القمة العربي بإنشائه إلى حقيقة ثورية ناجحة:
1- أن يكون للكيان الفلسطيني محتوى نضالي يتجسد في تنظيم شعبي لأبناء فلسطين يعبر عن إراداتهم الحرة، وله سلطة فعليه تمارس جميع الحقوق المستمدة من السيادة الكاملة للشعب العربي الفلسطيني على وطنه.
2- أن يكون للكيان جيش فلسطيني التكوين والقيادة يرتبط بالسلطة العليا للتنظيم الشعبي الفلسطيني ويخضع لها ويكون أداة الكيان الثورية القادرة على القيام بمسؤولياتها بالاشتراك مع الجيوش العربية في معركة التحرير.
3- أن تقوم الدول العربية بدعم هذا الكيان مادياً ومعنوياً وأن تتعهد بالتزامات محددة تكفل تمكين الكيان الفلسطيني من أداء مهمته وتطوير إمكانياته السياسية والعسكرية والمالية دون أية محاولة للتأثير على إرادته أو عرقلة مهماته أو شل قدرته([46]).
تميز موقف الرئيس السوري أمين الحافظ في مؤتمر القمة العربي الأول الذي عقد في كانون الثاني في عام 1964 في القاهرة حول مسألة الكيان الفلسطيني بالمتحفظ والمشروط، وأنه لا فائدة للكيان بدون أرض وأنه يجب إعطاء الضفة الغربية وغزة إلى الكيان.
وقد أثارت مشاركة سوريا في مؤتمر القمة العربي الأول الجدل داخل حزب البعث ثم طال الجدل مسألة المشاركة السورية في القمة الثانية حيث أيد بعض الحزبيين المشاركة في القمم وعارضها آخرون، وهذا الجدل طال المساعي الجارية لتأسيس المنظمة الفلسطينية فالذين سموا بالقطريين داخل الحزب عارضوا المشاركة في القمة، أما العفلقيون ومنهم الرئيس الحافظ فكانوا أميل إلى المشاركة.
ومع أن نسبة محسوسة من البعثيين أيدت الدعوة لإبراز الكيان الوطني الفلسطيني، فإن مفهوم البعثيين عن الكيان اختلف عن المفهوم السائد في الأوساط الأخرى، ولم يرض البعثيين عن تكليف الزعيم الفلسطيني أحمد الشقيري لمهمة تأسيس المنظمة. فقد أخذ البعثيون على الشقيري ما يعدونه انحيازاً منه للرئيس المصري جمال عبد الناصر وعارضه بعضهم بدوافع يسارية([47]).
ونشرت جريدة "البعث" الناطقة باسم حزب البعث في دمشق في عددها الصادر في 29 آذار1964 أن الحكومة السورية والفلسطينيين المعتمدين في سوريا يعتبرون أن مشروع السيد أحمد الشقيري لإنشاء الكيان الفلسطيني لا يحقق الغاية المنشودة([48]).
كما انتقدت الصحيفة نفسها في عددها الصادر في 2 حزيران1964 التوصيات التي أقرها المؤتمر الوطني الفلسطيني في القدس، وقالت إن مقرراته "لم تشتمل على أي تحديد للكيان الفلسطيني ومقوماته اللازمة وتجاهلت ضرورة قيام جيش فلسطيني موحد يقف على قدم المساواة مع الجيوش العربية"([49]).
وكانت القيادة القومية لحزب البعث في سوريا في 20 أيار1964 قد أعلنت مشروعاً جديداً للكيان الفلسطيني المقترح إنشاؤه لمناقشته أثناء المؤتمر الفلسطيني المقرر عقده في القدس في 28 أيار لمناقشة مشروع الكيان الذي عرضه السيد أحمد الشقيري، ويقترح مشروع قيادة البعث تشكيل لجنة تحضيرية مؤقتة تشرف على انتخاب مجلس وطني فلسطيني([50]).
وفي هذا المشروع حدد حزب البعث المقومات الأساسية للكيان الفلسطيني والتزامات الدول العربية نحوه وحدد طبيعة الكيان الذي ينبغي إقامته على النحو التالي :
1- إن الكيان الفلسطيني المنشود كي يحقق المهمة التحررية المرشح من أجلها لا بد أن يكون كيانا حقيقيا يستطيع النهوض بمسؤولياته لا تجمعا شكليا يجهض فكرة الكيان ويجرده من كل أثر فعال.
2- إن الكيان الفلسطيني المنشود يجب أن تتوفر فيه المقومات الأساسية لكل كيان حقيقي وهي الأرض والشعب والسلطة فبدونها يفقد أي كيان وجوده الفعلي ومقومات بقائه واستمراره ويصبح عاجزا عن أداء دوره كأداة فعالة من أجل استرداد الوطن السليب.
3- إن الشعب العربي الفلسطيني جزء من الأمة العربية المكافحة في سبيل وحدتها وحريتها وتقدمها، ولذلك فإن الكيان الفلسطيني المنشود ليس غاية في حد ذاته وإنما وسيلة تقتضيها حركة التحرير وطبيعة الظروف المحيطة بها لتعبئة الشعب الفلسطيني وتنظيمه بشكل يمكنه من تحمل مسؤولياته كاملة ومن القيام بدوره الطليعي بصورة فعلية بالاشتراك مع قوى الأمة العربية في جميع أقطارها.
4- إن الشعب العربي الفلسطيني هو صاحب الحق الشرعي في وطنه بحدوده التي كانت قائمة في عهد الانتداب البريطاني على فلسطين وهو وحده وحدة إقليمية لا تتجزأ تشمل المنطقة المحتلة من فلسطين وقطاع غزة والضفة الغربية من الأردن ومنطقة الحمة جنوب سوريا.
ولذلك فإن الكيان الفلسطيني المنشود يجب أن يمارس سيادته كاملة على وطنه وتنبثق عن إرادة شعبه سلطته العليا ([51]).
لقد اتخذ البعثيون موقفاً متحفظاً من أحمد الشقيري ودارت حول الكيان الفلسطيني نقاشات مستفيضة حيث عكس مشروع الكيان الفلسطيني الذي اقترحه البعث وبادرت لجنة حزبية لصياغته برئاسة خالد اليشرطي عضو القيادة القومية للحزب وعضوية عبد المحسن أبو ميزر رئيس تحرير صحيفة البعث، عكس الشكوك في قيادة الشقيري([52]).
وقد أثارت حكومة العراق في مذكرة رفعتها إلى الجامعة العربية مسألة تمثيل فلسطين في الجامعة ومسألة إبراز الكيان الفلسطيني، حيث دافعت صحف البعث عن هذا المشروع الذي يقوم على أساس إجراء انتخابات عامة حرة لاختيار ممثلين حقيقيين لأبناء فلسطين، إلا أن هذا المشروع لم يكتب له النجاح بسبب رفض الثوريون العرب لموضوع الانتخابات، بالإضافة إلى ظروف الوضع في الضفة الغربية وغزة الذي لا يسمح بإجراء هذه الانتخابات وكان دفاع صحف البعث عن هذا المشروع باعتباره يجمع قوى الشعب المبعثرة ويستخلص مناضليه الحقيقيين لقيادة الشعب من أجل التحرير، وبذلك لم تستطع سوريا والعراق الخروج من دائرة الشعارات وعدم القدرة على الممارسة العملية، فالتقى كل منهما بتأييد الكيان الفلسطيني رسمياً ولم تلمس الجماهير الدعم المطلوب لقيام جبهة التحرير الفلسطينية على المستوى الشعبي، ولم يتحقق مطلب القضاء على الحكم الرجعي في الأردن، كما استمر حزب البعث بتوجيه الانتقاد للرئيس عبد الناصر بأنه لا يمتلك خطة لتحرير فلسطين([53]).
رابعاً: رؤية حزب البعث لإنشاء السلطة الوطنية على أرض فلسطين :
وفي سياق المواقف والخطابات التي صدرت عن حزب البعث وقيادته، فقد جاء في خطاب الفريق أمين الحافظ في احتفال لجيش التحرير الفلسطينيين في سوريا ونشر في جريدة البعث في عددها الصادر في 15 شباط 1965 قال انه "أصبح من حق هذا الجيل العربي الفلسطيني أن يتمرد على واقعة القلق، كما أصبح من حقه أن يثور على الأساليب العتيقة وأن لا يجعل من نفسه حقلاً من حقول التجارب، بل أصبح من حقه أن ينظم كيانه السياسي على أساس ثوري شعبي، وأن يعبئ قواه تعبئة كاملة مسلحة واعية تعرف من أين تبدأ وكيف وإلى أين تنتهي"([54]).
وفي 27 تموز1974 أصدرت القيادة القومية لحزب البعث نشرة حزبية ركزت من خلالها على أهمية المحافظة على الشخصية الوطنية الفلسطينية وأن إبراز الشخصية الوطنية الفلسطينية لا يعد عملاً قطرياً بل يعد عملاً قومياً ووطنياً في آن واحد لأنه يحافظ على القضية الفلسطينية بطابعها الوطني وبعدها القومي، وإذا كان يبدو ثمة تعارضاً قائماً بين نمو الشخصية الوطنية والحركة القومية في قطر مستقل كسوريا أو مصر فإن هذا التعارض لا يعد قائماً في قطر مهدد من حيث الأساس بمصيره ووجود شعبه، ولهذا يبقى التركيز على شخصيته الوطنية أمراً لا بد منه للمحافظة على انتمائه الوطني والقومي في آن واحد، ومن هنا فان حزب البعث يقف إلى جانب الشعب الفلسطيني وقيادته المتمثلة بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد لهذا الشعب، كما أن برنامج السلطة الوطنية الذي طرحه حزب البعث هو مرحلة على طريق التحرير وليس بديلاً لهدف التحرير وهو بهذا استمرارية لموقف الحزب الواضح والمحدد من ضرورة الكيان الفلسطيني ومهماته كما طرحها منذ أواخر الخمسينات وتابع النضال من أجلها([55]).
وقد أكد الرئيس حافظ الأسد هذه المواقف بصفته أميناً عاماً لحزب البعث وذلك في خلال خطابه في مؤتمر القمة في الرباط في عام 1974 حيث قال: بأنه تاريخياً ليس هناك أي مبرر بأن يقوم كيان سوري أو كيان لبناني، إننا أمة واحدة ونسعى أن تصل يوماً ما لأن تكون هذه الأمة في دولة واحدة. إلى أن يقول وهو يتحدث عن هذا الكيان الفلسطيني "هذا الكيان بحد ذاته سيكون من أسلحتنا الأساسية وسيكون في الطليعة بين هذه الأسلحة في نضالنا المقبل والمستمر وفي الصراع المرير المقبل الذي لابد أن نتصوره بيننا وبين الصهاينة"([56]).
وفي المؤتمر القومي الثاني عشر الذي عقد في أواخر تموز 1975 أعاد حزب البعث تأكيده على الترابط بين التحرير وإقامة السلطة الوطنية، وأن إقامة أية سلطة وطنية لا يتم إلا من خلال إلحاق هزيمة جديدة بالعدو كما حدد التقرير السياسي للمؤتمر أهداف النضال الوطني الفلسطيني، وقد انطلق الحزب من مواقف أساسية منها :
1- أن الكيان هو إطار لتعبئة الطاقات يحمل اسم فلسطين لأنها هي التي تعرضت للغزو والاحتلال وهذا ما تتطلبه مهمات النضال من أجل تحرير فلسطين.
2- التأكيد على وحدة الشعب الفلسطيني أينما وجدت تجمعاته لأن تحرك الأعداء يستهدف تصفية القضية الفلسطينية من خلال تصفية الوجود الوطني للشعب الفلسطيني، وتمزيق وحدته منطلقا في هذا الموقف من رفض تذويب الفلسطينيين أينما وجدوا وبخاصة في الأقطار العربية التي يقيمون فيها وهو الوجه الآخر لرفض عمليات التوطين. ([57]).
وفي حديث لرسالة البعث "رسالة القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي" بتاريخ 24/11/2010 قال فرحان أبو الهيجا الأمين القطري الفلسطيني لحزب البعث العربي الاشتراكي في سوريا إن حزب البعث دعا إلى بلورة الكيان الفلسطيني والدور الخاص للشعب العربي الفلسطيني مستفيداً من تجربة المقاومة الشعبية في قطاع غزة ومن شعوره بإمكانية تعميم هذه التجربة، ومن تجربة الثورة الجزائرية وتجربة الوحدة بين مصر وسوريا 1958 وما أوجدته من تفاؤل ومن تطلع جماهير الأمة العربية وشعب فلسطين العربي إلى انجاز هدف التحرير وإنهاء الكيان الصهيوني الغاصب لفلسطين([58]).
هناك مبررات دفعت حزب البعث لاتخاذ موقف سلبي من الكيان الفلسطيني في فترة ما وذلك بسبب تخوف الحزب من سيطرة الأنظمة العربية عليه ورسم سياساته، وهو ما جعل أعداء الثورة والمتضررون منها ينفضون الغبار عنه ليقدموه كياناً يحتوي الثورة لاسيما وأنها هي المنظمة التي أنشأتها مجموعة الكيانات الإقليمية العربية في مؤتمرات القمة، لتكون في وقت واحد كياناً جديداً على شاكلتها من جهة ومجالاً أمامها للتراجع والانسحاب المتواصل من أعباء الالتزام بمعركة التحرير بحجة وجود من تقع على عاتقه هذه المهمة من جهة ثانية، الأمر الذي أعطى الحزب زخما كبيرا في التمسك بموقفه من الكيان الفلسطيني وشروط تجسيده.
لذا فإن حصر الثورة في كيان إقليمي قد يوفر للثورة كثيراً من إمكانيات ذلك الكيان ولكن بالمقابل يجعلها تدفع ثمناً باهظاً لذلك([59]).
لقد تكونت نظرة حزب البعث إلى العمل الوطني الفلسطيني من خلال مسيرة الحزب ونضاله بين الجماهير ولاسيما نضاله بين الجماهير الفلسطينية، وفي صدد تحديد مواقف الحزب من الكيان الفلسطيني فلا بد من التأكيد على حقيقتين والتركيز عليهما :
الحقيقة الأولى والتي لها دور في هذه المرحلة هي حق الشعب العربي الفلسطيني كشعب واحد في تقرير مصيره على كل جزء من أجزاء ترابه الوطني.
الحقيقة الثانية وهي مرتبطة بالأولى، هي حق شعبنا في ممارسة سيادته التامة وسلطته على أي جزء من التراب الفلسطيني وذلك انطلاقا من أن الشعب العربي الفلسطيني هو جزء من الشعب العربي وله كامل الحق في الاستقلال الوطني على أرضه ([60]).
يمكن القول إن حزب البعث العربي الاشتراكي قد ساهم في نشر الوعي الفلسطيني بالكيانية، وناضل من أجل تجسيد الكيان الفلسطيني في الإطار القومي المتكامل. وأهمية موقف حزب البعث هذا في بداية الستينيات نابعة من أنه جاء مترافقاً مع حالة تكون جنيني بالوعي على "الفلسطنة" في إطار الشعب الفلسطيني المتشرد والمفتت عبر المنظمات والحركات الفلسطينية([61]).
ويرى الباحث أن موقف حزب البعث من الكيان الفلسطيني نابع من رؤية الحزب نفسه لمفهوم الكيان التي تستند حسب البعث إلى نظرة تحررية تجسد مفهوم الشخصية الوطنية الفلسطينية، وهو ما دفع الحزب عبر قيادته ومؤتمراته القومية في المناسبات المختلفة إلى وضع تصورات وشروط تأسيس الكيان الفلسطيني، ولقطع الطريق على أولئك الذين يعتقد الحزب أنهم يسيرون في فلك الحكومات العربية بعيدا عن النهج الثوري، وهو ما سيفقد الكيان المقترح قيمته النضالية من وجهة نظر البعث.
المبحث الثالث: رؤية حزب البعث العربي الاشتراكي لحل القضية الفلسطينية
تعتبر مقالة ميشيل عفلق في آب 1946 والتي نشرتها جريدة البعث وحملت عنوان (لا ينتظر العرب ظهور المعجزة، فلسطين لا تنقذها الحكومات بل العمل الشعبي) أولى أفكار البعث في معالجة القضية الفلسطينية حيث أدان عفلق في هذه المقالة سياسة الأنظمة العربية بخصوص قضية فلسطين، وطرح عفلق طريقتين لمعالجة هذه القضية، تمثلت الأولى في تحويل مشكلة فلسطين إلى درجة عاطفية عقيمة بأن لا نرى فيها إلا صورة لغدر الدول الغربية بنا (.....) وندعو إلى الحذر من هذه الدول الماكرة وأن شعبنا لم يكن في يوم من الأيام إلا حذرا منها، أما الطريقة الثانية فتمثلت في الإسراف في الاطمئنان والتفاؤل بعد إسرافنا في الارتياب والتشاؤم فتعتمد على خطب الزعماء وتصريحات الوزراء ووعود رؤساء الدول العربية([62]).
يكشف هذا النص لمقالة عفلق عن جذور المواقف السياسية الاستسلامية والانهزامية التي تعزز التآمر على القضية المصيرية الكبرى للعرب في هذا العصر، فالعقلية السحرية المتردية حضاريا، القاصرة منطقيا، المغزوة نفسيا لا تستطيع أن تستوعب أبعاد التناقض القائم بين الأمة العربية والعدو الصهيوني، وهي بالتالي محكومة بالفشل فالموقفان المتشائم والمتفائل لم يعتمدا في انطباعيهما على نظرة علمية وتحليل ومنهجي، بل كانا تعبيرا عن اتكال على القدر وعدم الثقة بالنفس وهرب من المسؤولية، كما أن النص المذكور يتطرق إلى طبيعة التحدي الصهيوني ومدى خطورته ومستواه وبالتالي يبرز ما وراء الصهيونية من عقيدة ومن مساندة واسعة في أوساط اليهود في العالم، ومن مؤازرة استعمارية، وأن الخطر هو خطر حضاري ومصيري وليس مجرد غزو اقتصادي أو سياسي، وهذا يعني بأن مقاومة الحركة الصهيونية مقاومة ناجحة وظافرة رهن بانتهاج إستراتيجية ثورية تجعل العرب يلتفتون إلى العمل الشعبي ليصبوا فيه كل جهودهم بمستوى جديد من التخطيط والتنظيم وترك العمل الرسمي للحكومات يدور في فلكه الخاص التابع في معظم الحالات للمخططات الخارجية، وعندئذ لا يبقى للحكومات العربية سوى سبيل واحد لكي تبرهن على أنها لم توجه لخدمة الأجنبي والعمل بوحيه، هو أن لا تضع العقبات والعراقيل في وجه الشعب المتعطش للجهاد([63]).
أولاً: منهج حزب البعث وإستراتيجيته في حل القضية الفلسطينية ما بين 1947- 1967:
يقوم منهاج حزب البعث على أن الصهيونية حركة استعمارية غازية وإسرائيل هي التجسيد السياسي لهذه الحركة، وهما يهددان الكيان القومي العربي وهو يرى:
1- رفض الصلح مع اليهود بأي شكل من الأشكال ورفض الاعتراف بإسرائيل بشكل مباشر أو غير مباشر ومقاومة كل اتجاه نحو ذلك.
2- الإبقاء على القضية الفلسطينية حية ومقاومة كل محاولة لتصفيتها، بغير حلها على أساس القضاء على إسرائيل واسترداد الوطن السليب.
3- رفض توطين اللاجئين الفلسطينيين بأي شكل من أشكاله لأن في هذا محاولة استعمارية لتصفية القضية واعتبارها مجرد مشكلة لاجئين إنسانية بينما هي مشكلة وطن وشعب وقومية.
4- رفض مشروع جونستون وأمثاله من المشاريع التي تهدف بحقيقتها إلى اعتراف العرب بإسرائيل وتوطين اللاجئين.
5- الاستعداد العسكري والمادي والمعنوي وتعبئة القوى القومية العربية ودفع حركة التحرر والاتحاد العربية إلى الأمام باعتبار ذلك من أهم شروط النصر.
6- استمرار تشديد الحصار الاقتصادي على إسرائيل وإحكام المقاطعة حولها.
7- قبول المعونة العربية كبديل للمعونة البريطانية للأردن وتبني الاتحاد بين سوريا ومصر، والعمل لدخول الأردن فيه والعمل لتحقيق وحدة الجيوش في الدول العربية المحيطة بإسرائيل وحدة حقيقية، وإلغاء المعاهدة البريطانية ومقاومة الأحلاف ([64]).
وقد عمل حزب البعث على إصدار البيانات والخطابات التي تدعو لخوض معركة التحرير من أجل فلسطين، ففي بيان صدر عنه في 29 تشرين الثاني 1950 اعتبر البعث بأن النضال الشعبي في الداخل هو الجزء الهام في معركة فلسطين وعليه أن لا يستسلم لضغط الحكومات وتحذيراتها ونواياها الإجرامية في طي قضية فلسطين وإبعاد الشعب عنها، وعليه أن يقف حائلا دون الاعتراف بإسرائيل ويطالب بحصارها الاقتصادي، وبحشد الموارد كلها من أجل التسلح والتجنيد العام الإلزامي، عليه أن يطلب توطين اللاجئين وإيجاد أعمال ثابتة لهم وإعدادهم ليكونوا طليعة جيش التحرير، وعليه أخيرا أن يرغم الحكومات العربية على مقاطعة الاستعمار الذي يرعى الصهيونية ويحميها([65]).
وفي بيان آخر صدر عن حزب البعث في دمشق في تموز 1951 وحمل عنوان "بيان إلى الشعب العربي من مجلس حزب البعث العربي" عاد حزب البعث وكرر موقفه بأن حل قضية فلسطين النهائي لن يكون إلا على يد حكم شعبي متحرر متين، ذلك لأن نظام الحكم الرجعي القائم عاجز عن تحرير فلسطين والمحاولات الإفرادية التي تظهر أحيانا لن تؤدي إلى أكثر من الحد من مطامع الصهيونية المتمكنة في البلاد والمدعومة من الأجنبي، وأن الشعب يريد اليوم أن تظل قضية فلسطين قائمة فلا تطوى بتوطين اللاجئين ومد يد الصلح إلى إسرائيل، وهو يطالب بعودتهم عربا أحرارا في بلادهم ويطالب بحصار إسرائيل ومقاطعتها اقتصاديا وبزيادة التسلح ومكافحة الصهيونية الغربية، وهو يعتبر كل اتفاق يجري مع الدولة الصهيونية دعما لها وللاستعمار الذي أنشاها وسهر على حمايتها، واتخذها سلاحا قويا ضد العرب([66]).
وفي حديث لميشيل عفلق الأمين العام لحزب البعث حول موقف البعث ورؤيته في معالجة القضية الفلسطينية ومواجهة خطر الصهيونية، قال عفلق أمام النادي الثقافي ببيروت في شباط 1956 بأنه قبيل قرار التقسيم وبعده وقبيل الحرب في سنة 1948 كان حزب البعث يطالب الحكومات العربية بالإعداد اللازم لمواجه تلك المعركة، وأن معركة فلسطين تستوجب تحرير الشعب داخل الأقطار العربية، وكان رد الحكومات بأن شغلها الشاغل هو الخطر الصهيوني الداهم الأمر الذي شكل مغالطة في الموقف الرسمي العربي طالما لا يوجد الاستعداد والإمكانيات لذلك، وكذلك الفساد القائم في الأمة العربية وعدم قدرة الشعب على القتال ضد الصهيونية، لذلك فإنه والحديث لعفلق بدون نظرة جذرية إلى أوضاع الشعب لا تكون هناك مقاومة جدية للخطر الصهيوني، وبدون رفع المستوى الاقتصادي وبدون التوحيد الممكن لبعض الأقطار العربية لا يمكن الدخول في معركة فعلية مع الصهيونية. فالمعركة تتطلب مستوى أعلى من النضال المادي والمعنوي حتى تتحرر فلسطين([67]).
وفي حديث آخر لعفلق لجريدة الجمهور حول ما آلت إليه القضية العربية داخليا ودوليا ونشرته جريدة البعث في عددها 63 في 27 تموز 1957، ربط عفلق قضية فلسطين بالنضال التحرري الوحدوي الاشتراكي وبأفق إنساني تقدمي بقوله إذا عالجنا مشكلة إسرائيل على ضوء نظرتنا العربية الانقلابية التي ترتبط فيها صورة المجتمع العربي بصورة العالم والمجتمع الدولي والإنساني المقبل الذي يسهم العرب في تحقيقه، نصل إلى النتائج التالية:
"إن ما يشكل خطرا على الأمة العربية هو كيان إسرائيل كدولة لا وجود أقلية يهودية في الوطن العربي، وأن التعجيل في النضال التحرري الوحدوي وتحقيق خطوات سريعة وجذرية في هذين المجالين تقطع الطريق على أطماع الاستعمار في المحافظة على إسرائيل وتوسيعها وأن إصرار العرب على اتجاههم الإنساني في المجال الدولي وتعاونهم مع الشعوب الأخرى في سبيل توطيد السلم والتقدم الاشتراكي لجميع الشعوب وسياسة الحياد الايجابي، كل هذا يساهم في إزالة أسباب التعصب العنصري والديني في العالم ويساعد على اندماج الأقلية اليهودية في البلدان الأوروبية وبالتالي يضعف مبررات وجود إسرائيل"([68]).
وتعتبر الفترة مابين 1949-1954 الأكثر وضوحا بالنسبة لموقف حزب البعث من حل القضية الفلسطينية حيث تحولت الدعوة العامة للنضال الشعبي ولمقاومة الاستعمار إلى شعارات محددة، لقد ركز الحزب في هذه الفترة على أربعة مبادئ :
أولها: إن النضال العربي الشعبي الموحد هو طريق التحرر عامة وطريق تحرير فلسطين خاصة وهو ما يقتضي القضاء على الإقطاعية التي أضاعت فلسطين الأمر الذي يعني أن تحرير فلسطين مرهون بتحقيق الوحدة.
ثانيها: إن فلسطين لن تتحرر دون التحرر المطلق من الاستعمار.
ثالثها: إن قيام نظام اشتراكي يحقق العدالة الاجتماعية واجب قومي حيث طالب الحزب بإلغاء المؤسسات الاستعمارية وتأمين الشركات الاستعمارية ومقاطعة البضائع الأجنبية.
رابعها: إن الحياد هو التعبير العقلي عن سياسة استقلالية تخدم مصالح الشعب ويعني هذا الحياد جلاء القوات الأجنبية المحتلة ورفض مشاريع الدفاع المشترك والمساعدات الأمريكية([69]).
وجاء في توصيات المؤتمر القومي الرابع لحزب البعث الذي انعقد في أواخر آب 1960 بخصوص القضية الفلسطينية أن حل قضية فلسطين والقضاء على كيان إسرائيل وإعادة الأراضي المغتصبة إلى أهلها منوط بأحداث انقلاب أساسي في حياة الشعب العربي على الصعيد القومي.
وحتى يتم ذلك يرى المؤتمر ضرورة الاضطلاع بالمهام السياسية المرحلية التالية:
1- تأليف جبهة شعبية تضم كافة التنظيمات الشعبية الفلسطينية القائمة في البلاد العربية على أن تكون هذه الجبهة مستقلة في تنظيمها وعملها ونضالها عن أي من الحكومات العربية.
2- العمل على منع إسرائيل من تحقيق أي مكاسب جديدة وعلى الخصوص منعها من تحويل مجرى نهر الأردن ومن المرور في المياه العربية ومطالبة الحكومات العربية لإحكام الحصار الاقتصادي والسياسي على إسرائيل عن طريق انتهاج سياسة حازمة تجاه الحكومات التي تتعامل معها.
3- الدعاية لقضية فلسطين في كافة المجالات الدولية والسعي لإعادة اللاجئين إليها([70]).
كما جاء أيضا في التقرير السياسي الذي أقره المؤتمر القومي التاسع لحزب البعث العربي الاشتراكي الذي عقد في أيلول 1966 أن حزب البعث والتزاما منه بمسؤوليته التاريخية ليدرك أن عليه أن يطرح في هذه المرحلة الإستراتيجية العلمية والثورية للنضال العربي، وأن يسهم في قيادة المعركة وتوفير الأدوات الموضوعية لها عن طريق توعية الجماهير وتنظيمها وحشد طاقاتها في هذه المعركة المصيرية، وهو ما طرحه الحزب عمليا منذ ولادته محددا الخط السياسي والعسكري لهذه الإستراتيجية والتي تتمثل بهدفين أساسيين يتم تنفيذهما مرحليا من خلال نمو القوى الفعلية للنضال الشعبي.. وهما :
1-  الحفاظ على حيوية القضية الفلسطينية.
2- النضال من أجل خلق الوضع الاستراتيجي الملائم لخوض حرب التحرير الشعبية. ويتضح هذا الخط الاستراتيجي في المقررات التي صدرت عن مجلس الحزب في كانون الأول 1950 حين أعلن أن الحزب يناضل في سبيل إبقاء قضية فلسطين قائمة إلى أن يصل العرب إلى حقوقهم القومية([71]).
لم يستطع حزب البعث أن يقدم تصورا عمليا لحل القضية الفلسطينية ولم يحدد آليات لذلك، واكتفى بطرح شعارات وخطوط عامة تدعو لمحاربة إسرائيل وعزلها دون الخوض بتفصيلات هذه الحرب وطريقة خوضها، وهو ما لم يقنع المواطن العربي بموضوعية تصوره.
ثانياً: موقف حزب البعث من الأحلاف الغربية الداعمة لإسرائيل :
اتخذ حزب البعث العربي الاشتراكي موقفا من الخطوات السياسية المرحلية المتعلقة بالقضية الفلسطينية حيث وقف متشددا ومقاوما للأحلاف والمعاهدات الاستعمارية المكبلة لحرية العرب والمؤيدة لدعم الكيان الصهيوني وضرورة قيام خطوات وحدوية والاعتماد على الذات وحشد الطاقات العربية واستخدام النفط والكفاح الشعبي المسلح، كما أكد على أهمية المقاطعة الاقتصادية ورفض كل المشاريع المؤيدة لتجميد القضية الفلسطينية، وتصفيتها كمشروع توطين اللاجئين ومشروع جونستون في استثمار مياه نهر الأردن أو أي مكسب جزئي يقود إلى الصلح مع الكيان الصهيوني أو الاعتراف به أو تثبيت وجوده([72]).
فقد خاض حزب البعث معركة عنيفة ضد حلف بغداد وكانت معركة متعددة الجبهات في سوريا والعراق والأردن ولبنان وفي كل مكان من الأرض العربية وصلت إليه تنظيمات الحزب حتى ذلك الوقت. ونتجت ضراوة هذه المعركة من جسامة أخطار الحلف على أهداف النضال العربي كمد حددها حزب البعث حيث انه استهدف تصفية قضية فلسطين وفرض الصلح مع إسرائيل " بينما كانت خطة الحزب تقوم على إبقاء قضية فلسطين حية وتعارض كل سياسة تؤدي إلى تصفيتها".
بدأت معركة البعث ضد حلف بغداد وهو في بداياته حين عقد اتفاق السعيد – مندريس في عام 1954، بل وقبل هذه الخطوة حيث عارض الحزب التحالف مع تركيا لأنها اقتطعت لواء الإسكندرونة واعترفت بإسرائيل وصادقتها وتحالفت معها وصارت سوقها التجارية الأولى([73]).
ثالثاً: موقف حزب البعث من دعوات التسوية السلمية مع إسرائيل :
لقد هاجم حزب البعث في العراق في بيانه الصادر في 14 تشرين الأول 1956 تصريحات نوري السعيد التي طالب فيها بحمل إسرائيل على التفاوض مع العرب على أساس قرارات الأمم المتحدة الصادرة عام 1947 والخاصة بفلسطين للتوصل إلى تسوية دائمة، حيث ذكر البيان "....ويأتي تصريح نوري السعيد حلقة جديدة في سلسلة التصريحات الرامية إلى تصفية قضية فلسطين وإعلان الصلح مع (إسرائيل)،... والشعب العربي يعتبر دعوة نوري السعيد للصلح مع إسرائيل وتصفية قضية فلسطين تصفية نهائية بدافع حرصه على مصالح الاستعمار الغربي، وقلقه على نفوذه، اعتداء صارخا على إرادته وفي أخطر قضية عربية وهو لن يتسامح في التفريط بهذه القضية الكبرى، ويرى أن أي حل لمسالة فلسطين يجب أن يستهدف عودتها عربية حرة ويحارب أي مكسب جزئي ينتهي بتصفية هذه القضية، وتثبيت كيان إسرائيل لأن قيمة أي مكسب ستنعدم أمام ضياع الهدف الرئيسي الذي لا نقبل التراجع عنه وهو تحرير فلسطين([74]).
كما تناول الحزب أيضا في العراق في بيانه الصادر في 26 شباط 1957 الموجه إلى الشعب العربي حول تصريحات نوري السعيد...إن الشعب العربي إذ يعتبر قضية فلسطين قضيته الكبرى يرى اليوم أن أي تساهل تبديه أية حكومة عربية في هذا الشأن يعني التفريط بقضية عربية كبرى، وسيؤدي إلى دعم كيان إسرائيل وإضعاف الحصار الاقتصادي المضروب عليها، وسيؤدي إلى فرض حلول أخرى وتشكيل نقاط تهديد جديدة([75]).
كما أصدر المؤتمر القومي الثامن في نيسان 1965 لحزب البعث توصيات تتعلق بالمرحلة التي تمر بها القضية الفلسطينية:
1. اعتبار قضية فلسطين قضية العرب الأولى وبالتالي قضية الحزب الرئيسية والالتزام بتحرير فلسطين ورفض جميع أنواع التصفية والتعويض والتوطين.
2. اعتبار قضية فلسطين المنطلق الأساسي لتحديد سياسة الحزب والتصرف بمقتضيات هدف تحرير فلسطين على الصعيد الحكومي والعربي والدولي وذلك للإسهام في تحويل الاستراتيجية العربية من استراتيجية دفاعية إلى استراتيجية هجومية.
3. إن المؤتمر القومي أخذ بعين الاعتبار جميع الظروف التي سبقت ورافقت وتلت مؤتمر الذروة الأول والثاني، يرى بأن ما سمي بروح مؤتمر القمة تشكل خطرا للمفاهيم التي يعتبرها الحزب أساسية في موضوع تحرير فلسطين، وهو لذلك يوصي القيادة القومية بالعمل على فضح التزييف والتمسك بالشعارات الثورية الصحيحة.
4. إن المؤتمر يرى بأن الحكم في سوريا باعتباره حكم الحزب وهو الحكم الوحيد المعبر عن أهداف الشعب العربي في تحرير فلسطين، ولذا فإن على القيادة القومية أن تتعاون مع الجهات المختصة لوضع خطة تؤهل القطر السوري لخوض معركة التحرير ضمن أجل زمني محدد.
5. إن الحزب من واجبه دعم كل عمل كفاحي مسلح تقوم به فئات فلسطينية لا تقوم حولها الشبهات والعمل على تسليح شعب فلسطين وتهيئته لأجل معركة التحرير([76]).
وفي البيان الذي أصدرته القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي في 27 نيسان 1965 بمناسبة زيارة الرئيس التونسي الحبيب بورقييه لعدد من بلدان المشرق العربي، استنكر الحزب موقف بورقيبه من قضية فلسطين بشدة من خلال دعوته للأقطار العربية للتفاوض مع الصهاينة حول قرار التقسيم، وأن على العرب الانطلاق من أن إسرائيل واقع يجب الاعتراف به، وهو ما يهدف حسب البيان إلى تصفية القضية الفلسطينية.
كما أكد البيان على ضرورة إعادة قضية فلسطين إلى أصالتها وحقيقتها وإبعادها عن المساومات الرخيصة، وأن الحل الوحيد لهذه القضية هو تحرير فلسطين من الاستعمار الصهيوني، وذلك بالضغط على الحكومات العربية من أجل التسلح العسكري والسياسي لتحقيق ذلك باعتبار أن الوجود الصهيوني في فلسطين غير شرعي([77]).
لذا فإن حزب البعث يرفض أي حل يتعارض مع هدف تحرير فلسطين، مؤكدا رفضه لكافة المشاريع التصفوية والاستسلامية، ومؤكدا على وحدة التراب الفلسطيني ورفض المشاريع المشبوهة لإقامة حكومة فلسطينية في المنفى أو تبني مشاريع تهدف إلى إقامة الدولة الفلسطينية لأن هذه المشاريع تقضي على آمال الجماهير في التحرير الكامل والعودة([78]).
وفي هذا السياق رفض حزب البعث بحزم مشاريع التصفية التي طرحت أثناء وبعد مشروع روجرز1970 والتي تبنتها أنظمة عربية، وكان من نتائج هذا المشروع وقف حرب الاستنزاف على الجبهة المصرية وتصفية حركة المقاومة في الأردن. كما رفض الحزب كذلك كل المشاريع المشبوهة ولا سيما إقامة دولة فلسطينية في ظل الاحتلال أو من واقع الهزيمة، ووقف إلى جانب القوى الوطنية الفلسطينية وحركة المقاومة، وقد تجلى ذلك في مقررات المؤتمر القومي الحادي عشر 1971([79]).
وفي إطار رده على بعض الأسئلة حول مؤتمر القمة العربي الثالث وحل القضية الفلسطينية في دمشق 22 أيلول 1965 أجاب الدكتور منيف الرزاز الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي: أن حل قضية فلسطين يعتمد على وضع كل الطاقات العربية في خدمة هذه القضية بروح ثورية تتجاوز الحدود الضيقة التي تفرضها عوامل التجزئة والتخلف والمصالح العاجلة للكيانات القائمة. وأضاف الرزاز أن تحرير فلسطين عمل ثوري، وإذا لم يرتفع مستوى الطاقات العربية المجمدة إلى المستوى الثوري المطلوب فإنها ستبقى عاجزة عن مواجهة القضية بكل أبعادها. إن الأقطار العربية لن تحل أبدا محل الجماهير الشعبية في مجابهة هذه القضية([80]).
وفي 29 أيلول 1965 أصدر حزب البعث نشرة داخلية سرية للأعضاء فقط يحدد فيها رؤيته لقضية فلسطين وإزالة دولة إسرائيل، وأن الإيمان بالتحرير يعني الاستعداد الكامل لخوض المعركة عسكرية وسياسية واقتصادية مع إسرائيل وان الشعب العربي الفلسطيني هو رأس الحربة في أي منطلق للتحرير حيث لابد من تنظيم طاقاته الثورية في إطار وكيان يمثل إرادته وجيش يحمل لواءه.
كما دعا الحزب إلى تعاون العرب وخصوصا من هم يحيطون بإسرائيل والقوى الثورية، وأن يتحملوا مسؤولياتهم في وضع خطة ليس من أجل الدخول في معركة مع إسرائيل، وإنما الانتصار في هذه المعركة بعد أن أضاع العرب الجولات الأولى عام 1948، وأن المطلوب هو زج كل الإمكانيات والطاقات الثورية العربية لتلعب دورا هاما داخل مؤتمرات القمة العربية وهو يضع سوريا ومصر في مواجهة هذا الخطر الصهيوني.
كما أن على حزب البعث أن يتبنى القضية الفلسطينية تبنيا كاملا وأن يطرحها بكل أبعادها، وينظم الفلسطينيين في منظمات ثورية، وأن يكون على تواصل مع أبناء الشعب العربي أينما تواجد ويشرح لهم موقف الحزب وحكومته من أجل حل القضية الفلسطينية، واختتم الحزب نشرته باعتماد العمل الثوري كخيار سليم لحل القضية الفلسطينية، وأن مؤتمرات القمة العربية لن تكون بديلة أو معطلة لنهج وسياسة الحزب تجاه هذه القضية([81]).
وقد أشار التقرير السياسي الصادر عن المؤتمر القومي الحادي عشر لحزب البعث المنعقد في آب 1971 والذي يتعلق بالقضية الفلسطينية، إلى أن إقامة دولة أو سلطة فلسطينية في ظل الاحتلال ليس إلا أسلوبا من أساليب الاستعمار والصهيونية الرامية إلى تصفية القضية الفلسطينية على مراحل، وأن مشروع "الدولة الفلسطينية" المطروح مرفوض لأنه جزء من عملية التسوية الاستسلامية، وكل المشاريع التي تهدف إلى التخلي عن الكفاح المسلح، وجر حركة المقاومة إلى طريق المساومات والحلول التصفوية.
وينطلق الحزب في هذا الموقف من معطيات أساسية تتمثل في :
1- رفض الإقرار والاعتراف بشرعية الوجود الصهيوني.
2- رفض التنازل عن الحقوق القومية والتاريخية في أي جزء من أرض فلسطين وغيرها من الأرض العربية المحتلة.
3- إن شعارات الدولة الفلسطينية وسائر الصيغ والأشكال المطروحة هي بمثابة تكريس للانتصار العسكري والسياسي للعدو وتمهيد لهيمنته على المنطقة العربية([82]).
وجاء المؤتمر القطري السادس الذي عقد في سوريا في نيسان 1975 ليحدد هدفا مرحليا للحزب يتصل بموضوع الصراع مع إسرائيل، يمكن وضعه في شقين:
أ- التحرير الكامل لجميع الأراضي العربية المحتلة منذ عدوان حزيران 1967 وعدم التفريط بأي من الأرض أو التنازل عنه.
ب- الالتزام باستعادة الحقوق الوطنية للشعب العربي الفلسطيني وحقه في تقرير مصيره على أرضه.
وحدد المؤتمر لذلك أسس عمل ومنطلقات، وكان واضحا أن الحزب حين يحدد هدفا مرحليا فهو لا يهمل الهدف الاستراتيجي النهائي في هذه القضية ولا يتجاوزه، ولكنه فيما يبدو خضع أكثر من أي وقت مضى لمعطيات ومتغيرات وحقائق منها: أنه حزب في السلطة، وأنه لابد أن يمارس تكتيكا تقتضيه السياسة الدولية وتفرضه الأوضاع العربية على الحكومة السورية التي هي في النتيجة صاحبة قرار بعثي في جوهره وثقله وتوجهه لأن البعث يقود الجبهة الوطنية التقدمية التي شكلتها الحركة التصحيحية.
ولم يغفل الحزب الإشارة في قرارات المؤتمر القطري السادس إلى استمرارية موقفه الاستراتيجي من القضية الفلسطينية، فأفرد لذلك فقرة خاصة في قراراته تحت العنوان ذاته، وثبت في هذا المجال موقفه المبدئي وسياسته المرحلية أي الإستراتيجية والتكتيك حين أعلن في بيانه عن تأييد حق الشعب الفلسطيني في إقامة السلطة الوطنية المستقلة على الأرض الفلسطينية التي يتم تحريرها، ومواصلة النضال لتحرير كامل التراب الفلسطيني([83]).
ويرى الباحث أن موقف حزب البعث المتشدد تجاه سياسة الأحلاف الغربية ومشاريعها السياسية قد خدم مرحلة زمنية معينة كان فيها الحزب يقود دفة العمل القومي إلى جانب الأحزاب والحركات القومية الأخرى، ولم يكن بالإمكان التعاطي مع الحلول السياسية المطروحة باعتبارها تعني الاعتراف بإسرائيل في ذلك الوقت، والتخلي عن البعد القومي للقضية الفلسطينية. ولكن استراتيجية حزب البعث تغيرت بعد حرب تشرين/أكتوبر 1973 عندما قبلت سوريا التفاوض مع إسرائيل وضمن موقف عربي موحد على أساس قرارات الأمم المتحدة التي تنص على انسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة عام 1967. وبعد حرب الخليج الثانية عام 1991 وضرب العراق، ونتيجة لاختلال موازين القوى في المنطقة، وسيطرة الولايات المتحدة الأمريكية كقوة عظمى وحيدة في العالم، فقد وافقت سوريا على المشاركة في مؤتمر مدريد للسلام والدخول في مفاوضات مباشرة مع إسرائيل، إلا أن هذه المفاوضات قد وصلت إلى طريق مسدود بسبب تعنت إسرائيل في مواقفها الرافضة للانسحاب من الأراضي العربية المحتلة بما فيها هضبة الجولان السوري المحتل.
المراجع :
([1]) كامل، هيام، حزب البعث وقضية فلسطين، صامد الاقتصادي، ص116.
([2]) حمدان، محمد سعيد وآخرون، فلسطين والقضية الفلسطينية، ص417.
([3]) عرار، عبد العزيز أمين موسى، حزب البعث العربي الاشتراكي في فلسطين ودوره في الحركة الوطنية الفلسطينية 1948-1982، ص32.
([4]) بيان 14 كانون الأول 1945 حول مشاكل العرب السياسية، نضال البعث، ج1، ص83-89.
([5]) افتتاحية جريدة البعث 16 تشرين الثاني 1947، حول مأساة فلسطين وتعديل الدستور السوري، نضال البعث، ج1، ص208-210.
([6]) حسن، هادي، دور حزب البعث العربي الاشتراكي في العراق في الحركة الوطنية منذ تأسيسه حتى 14 تموز 1958، ص233.
([7]) حوراني، عبد الله، البعث والقضية الفلسطينية في كتاب خبرات الحركة السياسية الفلسطينية في القرن العشرين، ص195.
([8]) عرار، عبد العزيز أمين موسى، حزب البعث العربي الاشتراكي في فلسطين ودوره في الحركة الوطنية الفلسطينية 1948-1982، ص33.
([9]) انظر: دقت ساعة الفصل ولن تنقذ فلسطين إلا بالحديد والنار، نضال البعث، ج1، ص215-216.
([10]) دندلشي، مصطفى، مساهمة في نقد الحركات السياسية في الوطن العربي، حزب البعث العربي الاشتراكي 1940- 1963، ص116.
([11]) الباقوري، عبد العال، رباعية فلسطينية: بوابة مصر الشرقية، البعث وفلسطين حتى 1958، كذبة صهيونية، سقوط القدس، ص81-82.
([12]) بيان حزب البعث في كانون الثاني 1948، الشعب العربي لن يكتفي بإلغاء مشروع التقسيم، نضال البعث، ج1، ص222-223.
([13]) حسن، هادي، دور حزب البعث العربي الاشتراكي في العراق في الحركة الوطنية الفلسطينية منذ تأسيسه حتى 14 تموز 1958، ص235.
([14]) التنظيم الفلسطيني الموحد منذ البدايات وحتى انعقاد المؤتمر التحضيري شباط 1968، دراسة تاريخية موجزة، مكتب الثقافة والإعداد الحزبي، (د. ت)، ص66.
([15]) حزب البعث العربي الاشتراكي، الحركة السياسية والوطنية في فلسطين، إصدار حزب البعث العربي الاشتراكي، (د. ت)، ص165.
([16]) التنظيم الفلسطيني الموحد منذ البدايات وحتى انعقاد المؤتمر التحضيري شباط 1968، ص8-9.
([17]) علوش، ناجي، المسيرة إلى فلسطين، بيروت: دار الطليعة، 1964، ص102.
([18]) حزب البعث العربي الاشتراكي، الحركة السياسية والوطنية في فلسطين، ص165.
([19]) الباقوري، عبد العال، رباعية فلسطينية: بوابة مصر الشرقية، البعث وفلسطين حتى 1958، كذبة صهيونية، سقوط القدس، ص83.
([20]) مقال 8 أيار 1948، فلسطين جزء من مأساة الوطن العربي، نضال البعث، ج1، ص241-244.
([21]) انظر: مقال 8 أيار 1948، إنقاذ فلسطين، نضال البعث، ج1، ص240-241.
([22]) الباقوري، عبد العال، رباعية فلسطينية: بوابة مصر الشرقية، البعث وفلسطين حتى 1958، كذبة صهيونية، سقوط القدس، ص83.
([23]) سلسلة الكتاب السنوي للقضية الفلسطينية لعام 1965، بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، ص184.
([24]) خطاب الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي الدكتور منيف الرزاز في مهرجان أسبوع نصرة فلسطين، الجمهورية العربية السورية، وزارة الإعلام، 1965.
([25]) دندلشي، مصطفى، مساهمة في نقد الحركات السياسية في الوطن العربي، حزب البعث العربي الاشتراكي 1940- 1963، ص119.
([26]) حوراني، عبد الله، البعث والقضية الفلسطينية في كتاب خبرات الحركة السياسية الفلسطينية في القرن العشرين، ص196.
([27]) العيسمي، شبلي، حزب البعث العربي الاشتراكي، مرحلة النمو والتوسع 1949-1958، بيروت: دار الطليعة للطباعة والنشر، ط2، 1979، ص79.
([28]) بيان 2 و 29 تشرين الثاني، ذكرى وعد بلفور ومشروع التقسيم، نضال البعث، ج3، ص18-19.
([29]) كلمة نساء البعث في ذكرى وعد بلفور، مجلة المناضل، ع392، تشرين الثاني2010، ص32-33.
([30]) بيان حزب البعث العربي الاشتراكي في 15 أيار1961 بمناسبة إنشاء الكيان الصهيوني، المناضل، ع326 أيار- حزيران 2004، ص36.
([31]) بيان البعث في لبنان بذكرى 15 أيار، نضال البعث، ج11، ص178-179.
([32]) سلسلة الكتاب السنوي للقضية الفلسطينية لعام 1966، بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية 1968، ص130-131.
([33]) كلمة أمين عام حزب البعث د. نور الدين الأتاسي في 29/11/1969 حول ذكرى التقسيم، المناضل، ع392، تشرين الثاني، 2010، ص30-32.
([34]) بيان القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي 29/11/1969 حول تقسيم فلسطين، المناضل، العدد 329 تشرين الثاني- كانون أول 2004.
([35]) حزب البعث العربي الاشتراكي القيادة القطرية للتنظيم الفلسطيني الموحد، مكتب الثقافة والدراسات والإعداد الحزبي، البعث والكيان الفلسطيني، سلسلة الوثائق 5، مطبعة القيادة القومية، نيسان 1978، 18-19.
([36]) حزب البعث العربي الاشتراكي القيادة القطرية للتنظيم الفلسطيني الموحد، البعث والكيان الفلسطيني، سلسلة الوثائق 5، ص 20
([37]) حزب البعث العربي الاشتراكي القيادة القطرية للتنظيم الفلسطيني الموحد، البعث والكيان الفلسطيني، سلسلة الوثائق 5، ص 22- 23.
([38]) الموسوعة الفلسطينية، القسم الثاني، المجلد الثالث، الطبعة الأولى، 1990، ص910-911.
([39]) بشور، معن، المعوقات الذاتية لدى الوحدويين العرب، المستقبل العربي، ع122 نيسان، 1989، ص24.
([40]) سخنيني، عصام، الكيان الفلسطيني 1964-1974، مجلة شؤون فلسطينية، ع41/42 كانون الثاني- شباط 1975، ص51.
([41]) حزب البعث العربي الاشتراكي، القيادة القطرية للتنظيم الفلسطيني الموحد، البعث والكيان الفلسطيني، سلسلة الوثائق5، ص30-31.
([42]) حزب البعث العربي الاشتراكي، سلسلة ندوات البعث الحوارية، ندوة البعث والقضية الفلسطينية، ص33.
([43]) حمدان، محمد سعيد وآخرون، فلسطين والقضية الفلسطينية، ص418.
([44]) حوراني، فيصل، دروب المنفى، ج4، رام الله: دار التنوير،2001، ص33.
([45]) شبيب، سميح، منظمة التحرير الفلسطينية التطور، وصراع الإرادات، مجلة شؤون فلسطينية، ع152-153، تشرين الثاني/كانون الأول، 1985، ص30-31.
([46]) سلسة الكتاب السنوية للقضية الفلسطينية لعام 1966، ص125.
([47]) حوراني، عبد الله، البعث والقضية الفلسطينية في كتاب خبرات الحركة السياسية الفلسطينية في القرن العشرين، ص59.
([48]) سلسلة الكتاب السنوي للقضية الفلسطينية لعام 1966، ص125.
([49]) المرجع نفسه، ص126.
([50]) المرجع نفسه، ص126.
([51]) حزب البعث العربي الاشتراكي، القيادة القطرية للتنظيم الفلسطيني الموحد، حول الكيان الفلسطيني- منظمة التحرير- حركة المقاومة- الدولة الديمقراطية، سلسلة وثائق 2، مكتب الثقافة والدراسات والإعداد الحزبي، آذار 1976، ص83-84
([52]) عرار، عبد العزيز أمين موسى، حزب البعث العربي الاشتراكي في فلسطين ودوره في الحركة الوطنية الفلسطينية 1948-1982، ص107.
([53]) علوش، ناجي، المسيرة إلى فلسطين، ص122-125.
([54]) سلسلة الكتاب السنوي للقضية الفلسطينية لعام 1965، ص192.
([55]) بيان القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي، المناضل، ع388، تموز2010، ص41-43.
([56])حزب البعث العربي الاشتراكي، سلسلة ندوات البعث الحوارية، ندوة البعث والقضية الفلسطينية، ص43.
([57]) حزب البعث العربي الاشتراكي، سلسلة ندوات البعث الحوارية، ندوة البعث والقضية الفلسطينية، ص40
([58]) حديث فرجان أبو الهيجا لرسالة البعث، رسالة البعث،ع71، 10 تشرين أول 2010، ص8
([59]) جبهة التحرير العربية، الطريق القومي لتحرير فلسطين، منشورات جبهة التحرير العربية، ط1، نيسان، 1970، ص64-65.
([60]) حزب البعث العربي الاشتراكي، القيادة القطرية للتنظيم الفلسطيني الموحد، حول الكيان الفلسطيني، منظمة التحرير- حركة المقاومة- الدولة الديمقراطية، ص90.
([61]) حمدان، محمد سعيد وآخرون، فلسطين والقضية الفلسطينية، ص418.
([62]) عفلق، ميشيل، في سبيل البعث، الكتابات السياسية الكاملة، ج1، بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، (د.ت)، ص201.
([63]) فرح، إلياس، قراءة منهجية في كتاب في سبيل البعث، بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط1، 1981، ص181-182.
([64]) العيسمي، شبلي، حزب البعث العربي الاشتراكي، مرحلة النمو والتوسع، 1949-1958، ص83-84.
([65]) نضال البعث، القطر السوري 1949-1954 من الجمعية التأسيسية إلى مقاومة الديكتاتورية العسكرية والأحلاف استعمارية، بيروت: دار الطليعة للطباعة والنشر، ج2، ط4، 1976، ص115-116.
([66]) بيان حزب البعث إلى الشعب العربي في تموز 1951، نضال البعث، ج2، ص167-171.
([67]) عفلق، ميشيل، معركة المصير الواحد، بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط2، 1979، ص70-71.
([68]) المرجع نفسه، ص183-184.
([69]) علوش، ناجي، المسيرة إلى فلسطين، ص102-103.
([70]) نضال البعث، المؤتمرات القومية السبعة الأولى 1947-1964، ج4، ص100-101.
([71]) غنيم، عبد الرحمن، المقاومة الفلسطينية والأيديولوجيا الثورية، دمشق: منشورات الطلائع، ط1، نيسان، 1973، ص99-101.
([72]) العيمسي، شبلي، حزب البعث العربي الاشتراكي، مرحلة النمو والتوسع، 1949-1958، ص81-82.
([73]) الباقوري، عبد العال، رباعية فلسطينية: بوابة مصر الشرقية، البعث وفلسطين حتى 1958، كذبة صهيونية، سقوط القدس، ص95.
([74]) بيان حزب البعث في 14/10/1956، نضال البعث، ج5، ط3، ص141-145.
([75]) بيان حزب البعث في العراق في 26/شباط 1957، نضال البعث،ج5، ص171.
([76]) توصيات القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي حول فلسطين في المؤتمر القومي الثامن في نيسان 1965، نضال البعث، ج9، ص147-148.
([77]) بيان القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي في 27/4/65، نضال البعث، ج10، ط2، ص213-216.
([78]) غنيم، عبد الرحمن، المقاومة الفلسطينية والايدولوجيا الثورية، ص112-113.
(([79] حزب البعث العربي الاشتراكي، القيادة القطرية للتنظيم الفلسطيني الموحد، حول الكيان الفلسطيني، منظمة التحرير- حركة المقاومة- الدولة الديمقراطية، ص89.
([80]) أجوبة الدكتور منيف الرزاز الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي حول مؤتمر القمة العربي الثالث وحل القضية الفلسطينية، سلسلة الوثائق العربية الفلسطينية لعام 1965، ص512.
([81]) نشرة حزب البعث الداخلية حول سياسة الحزب الفلسطينية ومؤتمرات القمة، نضال البعث، ج10، ص267-277.
([82]) حزب البعث العربي الاشتراكي القيادة القطرية للتنظيم الفلسطيني الموحد، البعث والكيان الفلسطيني، سلسلة الوثائق5، ص 100-101.
([83]) عرسان، علي عقلة، سوريا القضية القومية ومسار البعث، الفكر السياسي،ع8، شتاء 2000، ص45- 46.



  عدد المشاهدات: 1377

إرسال لصديق

طباعة
شارك برأيك

الاشتراك بالقوائم البريدية
البريدالإلكتروني: