الأمل بالعمل



الأكثر زيارة
 الصفحة الرئيسية   ثقافة و فن   

يوسف المحمود وداعاً...انحاز للطبقات المهمشة ونقل الريف إلى مرمى الرواية في «مفترق المطر»
December 27, 2013 09:33

 

كل الأخبار - الوطن السورية :
غيب الموت الكاتب والأديب السوري يوسف المحمود عن عمر ناهز الثمانين عاماً تاركاً وراءه الكثير من الأعمال الروائية والقصصية التي لم تنشر وقد عرف بكتابته الساخرة وزاويته المشهورة «إلى من يهمه الأمر» في صحيفة الثورة، وانحيازه للطبقات المهمشة ناقلاً حيواتهم وهمومهم ومتماهياً معهم بشظف عيش وحياة وأحلام ورؤى وهو الذي اختار أن يبقى بين ناسه البسطاء الطيبين مبتعداً عن الأضواء والإعلام.
 
اعتذار لا كرامة وأوراق مصفرة
«مفترق المطر» الرواية أمضى المحمود أربع سنوات في كتابتها وأربع سنوات أخرى في إعادة قراءتها وتدقيقها حسب ما قاله لـ«سانا» في مقابلة خاصة أكد فيها أن لا كرامة لنبي في وطنه وأن اتحاد الكتاب اعتذر عن نشر أول رواية له في السبعينيات عن سيرة حياته وتجاربه منذ البدايات بعنوان «الذيل الأصيل» وردوها على أنها لا تصلح للنشر، وكذلك رواية «الموز الناضج» التي نشرت على حلقات في «مجلة النقاد» ولكنها لم تنشر في كتاب.
أما لماذا لم تأخذ الرواية حقها من الاهتمام فيقول المحمود نقلاً عن «سانا»: «ربما لأن الكتاب السوريين لا يقرؤون لبعضهم ونادراً ما كتب عنها أحد أو تناولها بالنقد ولم يعيروها اهتماماً أو التفاتة لأنني بعيد عن المقاهي الأدبية وليس لي علاقات شخصية أو مصالح مع أحد.. علماً أنني كتبت الجزء الثاني من هذه الرواية ويحمل بين يديه المخطوط الذي اصفرت أوراقه لقدمها ولكنني انوي تدقيقها والتعديل عليها فانا لم أقرأها القراءة الثانية بعد».
في شهادة له عن الراحل يقول الكاتب والناقد يوسف مصطفى: الحديث عن يوسف المحمود حديثاً عن ظاهرة أدبية لها: جمالها وظرافتها ولغتها وقاموسها ومفرداتها.
هو ابن القرية الجبلية الساحلية (في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي) بأفيائها وأندائها وظلالها، بسواقيها ورعاتها وربوعها وكل مكونه الريفي، ببيوتها الترابية ومواقدها وبعادتها وأفراحها وأغانيها ومواويلهما بجماليات المكان وارتباطه النفسي - السيكولوجي وانعكاسه في أدبه وفي ما كتب من قصص وروايات.
يوسف المحمود يلتقط المفاصل المهمة والحساسة، وكاميرا - اللقطة لديه دقيقة وحساسة للتقاط المشهد.
روايته الوحيدة «مفترق المطر» كتبها في أوائل الثمانينيات وثق فيها للقرية الجبلية الساحلية وحراكها في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي، وثق للعادات والتقاليد والمثيولوجيا، للأفراح والأتراح والمواسم والأعراس والأغاني والحكايات.
أبطاله واقعيون وشعبيون ورواياته هي رواية أبطال القرية كلهم وليست رواية البطل الواحد.
يلاحظ في أدبـــه البعــد الاجتمـــاعي الطبقـي، والأهـــم في أدبـــه الواقعيـــة فكــل مـــا كتبـــه يوسف المحمـــود هـــو ممــا شـــاهده وتكمن قدرتـــه الإبداعيــة على تحويل الواقع ولو كان تراجيدياً إلى واقع حيوي، واقع روائي، يقدم الواقعة ويبقي على نمط درامي ويقدم المستوى الألمي في لغة التوصيف، والأهم أيضاً أنه لا يشتغل على المتخيل الروائي أو القصصي إنما على الواقعية الروائية وبإضفائية واضحة في قصصه وروايته: في اللغة والأسلوب والحبكة والتقاط المفاصل المهمة.
افترض أن لدى يوسف المحمود لدى القدرة على إظهار ما يسمى «الظرافة الواقعية».
في روايتة «مفترق المطر» استحضر المثيولوجيا ووثق لذهنية الناس القائمة في تلك الأيام.
يوسف المحمود تسكنه العفوية والظرافة ومحبة كل الناس خرج من قريته من الأفياء والظلال والأنداء من الحارات الشعبية وحراكها وثق حياة الناس ومد الجانب الألمي ببعد طبقي واجتماعي وبعد توصيفي لحالة البيوت والمنازل كجزء من البعد التراجيدي الألمي الإنساني، وأدبه هو الأدب الريفي كما اشتغل على المدينة بأبعاد اجتماعية وأنماط إحساسية حملت لغتها وفضائها.
 
«ابن البلد» الذي ظُلم
الكاتب والأديب مفيد عيسى أحمد يقول في شهادة له: قرأت للراحل يوسف المحمود ثلاثة أعمال: سلامات أيها السعداء، حارة النسوان، ورواية مفترق المطر، الرواية التي أشاد بها الطيب صالح واعتبرها رواية عالمية، بالأساس تلك الرواية لم تنطلق من عقدة الانتشار الخارجي والحكم عليها بأنها عالمية أو عربية، يوسف المحمود كتب هاجسه وتجربته القائمة على الحدث والشأن المحلي.
ما يميز أدب يوسف المحمود هو اشتغاله على مواضيع واقعية ولكن بأسلوب مختلف، يقوم على عنايته بالتفاصيل، المكان والزمان والشخصيات، لتوظف هذه التفاصيل في فسيفساء جمالية متضافرة، وهو رغم الاستطراد لا يصل إلى حد الترهل، ما يلفت النظر أيضاً هو ابتعاد أدبه عن النزعة التبشيرية التي كانت مقبولة في شرطها الزماني أي ذلك الحين. أعتقد أن يوسف المحمود ظلم لأنه لا يتقن أو لم يسع للعبة الإعلامية سبيل الانتشار، رغم أهمية ما كتب، ومعروف أثر هذه اللعبة في تعويم الكاتب أو عكس ذلك، بغض النظر عن مستواه الفني. كذلك يجب ألا نغفل نشاطه الإعلامي، برنامجه «ابن البلد» الذي استمر أعواماً وزاويته الشهيرة في صحيفة الثورة «إلى من يهمه الأمر».
 
إدهاش.. خصوصية ومقاربات
وحول «‬مفترق المطر‮»‬ تكتب د. ماجدة حمود الناقدة السورية في «أخبار الأدب» (العدد 1065): ثمة مقولة خاطئة تنتشر لدى بعض المثقفين العرب، ‬ترى قيمة المبدع تقاس بعدد ما‮ ‬ينتجه من أعمال، ‮ ‬لكن تأتي رواية «مفترق المطر» ‬ليوسف المحمود، ‮ ‬لتنقض هذه المقولة، ‮ ‬مثلما تنقضها مرغريت ميتشل في روايتها الوحيدة ذهب مع الريح وتيسير سبول في روايته «أنت منذ اليوم لي»... ‬الخ فأن‮ ‬يبدع الروائي عملا‮ً ‬يحيي في ذاكرة المتلقي، ‮ ‬أفضل من أن‮ ‬يراكم أعمالاً، ‮ ‬لا تترك بصمتها الإبداعية الخاصة، عندئذ‮ ‬يذروها الزمن‮! ‬لكونها تفتقد الخصوصية، حتى لتبدو تكراراً لعالم روائي واحد، إذ من المعروف أن قانون الإبداع‮ ‬يهتم بالكيفية، ‮ ‬وينبذ الكمية‮! ‬
كما استطاعت هذه الرواية تبعاً لـ د. حمود أن تثبت لنا خطأ مقولة‮: ‬إن الرواية هي ابنة المدينة إذ‮ ‬يعايش المتلقي عالماً ريفياً بكراً، ‮ ‬تكاد تكون البيئة أحد أبطاله، ‬لكونها تحتضن أبناءها من البشر والحيوانات والنباتات، ‮ ‬وبذلك تشكل إيقاعاً واحداً،‮ ‬يمتلك جرساً خاصاً‮. ‬
وترى د. حمود أن «مفترق المطر» تقدّم لنا عبق الريف الساحلي بكل‮ ‬غناه ومعاناته وتتيح فرصة معايشة عوالم ريفية مدهشة في خصوصيتها، ‮ ‬‬لذلك تبدو الرواية أشبه بتأريخ للريف السوري في بدايات القرن العشرين.
وتشير د. حمود إلى أنها لمست في الرواية أفكاراً منتشرة في البيئة الساحلية كالتقمص، ‮ ‬فـالشقاء الذي نلاقيه في هذه الأرض هو بسبب ذنوب اقترفناها في حياة سابقة، ‮ ‬قريبة من هذا المكان أو بعيدة.
إذ تنتقل الأرواح من جسد إلى آخر، ‮ ‬دون أن‮ ‬يحدّها زمان أو مكان، ‮ ‬والذنوب التي‮ ‬يرتكبها الإنسان‮ ‬ينال عقابه عليها في حياته الثانية، ‮ ‬وقد وجدنا هذه الفكرة تسود في الثقافة البوذية‮!‬
ومما أضفي متعة على تلقي الرواية حسب د. محمود لغة تخييلية، ساعدت‮ (‬يوسف المحمود‮) ‬على تقديم مشاهد مدهشة في إيحاءاتها، ‬وخاصة تلك التي تتعلق بحيوانات لصيقة بالفلاح.
إن هذا التخييل - تؤكد د. حمود -أنقذ الرواية من الغرق في سوداوية البؤس، ‮ ‬وقد ساعده في ذلك روح مرحة ساخرة.
 
محلية ساحرة وسلامات حارة
الكاتب والناقد أحمد علي هلال وصف «مفترق المطر» في مقالة له في ملحق الثورة الثقافي (15/3/2005 ) بـ«ملحمة شعرية من الطراز الأرفع من أول كلمة فيها إلى آخر كلمة»، مضيفاً: إن «العالمية» جاءت متزينة بأفخر ملابسها وأغلى حليها ماشية على استحياء تبحث في رغبة عارمة عن يوسف المحمود ليتقبلها ملكاً حلالاً له، أجر ما سقى لنا من أرواح عطشى في زمن ما حل قاحل جديب.
ويشير أحمد علي هلال إلى أن قراءة الرواية محاولة أن تدلف إلى مملكة محليته الساحرة التي جعلها أمنع ما تكون بجيوش من مخلوقات جميلة، نفخ فيها من روحه الأدبي، فتجلت لنا، أبطالاً قصاصين أسوياء طيبين، صاغوا الحياة في منطقة بديعة من ثرى بلادنا الحبيبة، على طريقتهم الخاصة، وبفطرتهم السليمة التي فطرهم البارئ عليها، لافتاً إلى أن يوسف المحمود حمل وببراعة نادرة وبأمانة فريدة إلينا سلاماتهم الحارة وخفيف أرواحهم الطيبة.



  عدد المشاهدات: 887

إرسال لصديق

طباعة
شارك برأيك

الاشتراك بالقوائم البريدية
البريدالإلكتروني: