الأمل بالعمل



الأكثر زيارة
 الصفحة الرئيسية   ثقافة و فن   

ذاكرة المكان والناس.. دمشق في عيونهم
January 02, 2014 04:39

 
شمس الدين العجلاني
هذه هي دمشق قبلة العشاق وبهجة القلوب، يأتيها الرحالة ويجوبون شوارعها وحاراتها وأزقتها، يستمتعون بهذه المدينة العتيقة العريقة، ويحملون في جعبتهم آلاف القصص والحكايا عن دمشق، ويروون مشاهداتهم لكل العشاق..
وهنا نستعرض بعضاً من مشاهدات هؤلاء الرحالة سواء كانوا عرباً أم عجماً، وفي فترات زمنية مختلفة وما قالوه عن دمشق الشام.


ابن بطوطة:
هو من أعظم رحالي القرن الرابع عشر للميلاد ولد في مدينة طنجة في المغرب العربي ومنها طاف أنحاء الدنيا وحط الرحّال لفترة من الزمن في دمشق في زمن السلطان المملوكيّ قلاوون، ابتدأ ابن بطوطة رحلاته وهو في الثانية والعشرين من عمره، وأخذ يجوب أرجاء العالم الإسلامي.
أتقن ابن بطوطة خلال رحلاته اللغتين الفارسية والتركية، وقطع مئة وأربعين ألف كيلو متر، أكثرها في البحر، وتعرض للأخطار والمهالك في الصحاري والغابات، وقطاع الطرق في البر، وقراصنة البحر، ونجا مراراً من الموت والأسر.

جاب ابن بطوطة أحياء دمشق وصعد كما يقول إلى جبلها المقدّس قاسيون واصفاً حي الصالحية بقولة: (إنها فسيحة الساحات، ودواخلها أملحَ من داخل دمشق، لأجل الضيق الذي في سككها. وبالجهة الشمالية منها ربضُ الصالحية، وهيَ مدينة عظيمة لها سوق لا نظير لحسنه وفيها مسجد ومارستان) وعن جبل قاسيون يقول: (إنه مصعد الأنبياء. ومن مشاهده الكريمة، الغار الذي ولد فيه إبراهيم الخليل، وبالقرب منها مغارة الدم وفوقها بالجبل دم هابيل على الحجارة. ومنها كهف بأعلى الجبل يُنسب لآدم عليه السلام وأسفل منه مغارة الجوع، يُذكر إنه آوى إليها سبعة من الأنبياء، وكان عندهم رغيف فلم يزل يدور عليهم وكل منهم يؤثر صاحبه حتى ماتوا جميعاً. وعلى هذه المغارة مسجد قاسيون).

 الدوق برتران دو لابروكييه:
 في أواخر القرن الخامس عشر، قام الدوق برتران دو لابروكييه من مقاطعة بورغوندي بزيارة دمشق. ويبدو أن زيارته كانت بمهمة سريّة، بهدف استطلاع إمكانية نجاح حملة فرنجية جديدة، كان يجري التخطيط لها فكان يستطلع أحوال البلد وساكنيه، ويستطلع الأماكن المهمة ويكتب عن كل ذلك، فيصف ما حل من تطور وتهديم لبعض الأحياء الدمشقية ويصف آثار الغزوة التيمورلنكية وما شاهده: "ولا تزال آثار هذه النكبة ظاهرة للعيان. كما إنه على مقربة من باب القديس بولس، لا يزال حيّ بأكمله من المدينة لم يُرمم بعد".

الفرنسي بيير بولون:
كان الفرنسي بيير بولون أول جوّالي أوروبا في العهد العثماني، فزار دمشق بين عامَيْ 1546 - 1549، ووصفها في مذكراته التي طُبعت في باريس خلال تلك الفترة، فيصف بيوت دمشق فيقول: "إنها تبدو بأجمل ما يكون من البناء. لكن ألطف ما فيها مداخلها المسقوفة، ذات الممرات الوضيئة التي تجلب التهوية والانتعاش". وعلى الرغم من إعجاب رحّالتنا بأسوار المدينة، وتشبيهه لها بمثيلاتها في القسطنطينية؛ إلا أن قلعتها لا تثير اهتمامه كثيراً: "وهناك قلعة صغيرة مضلعة، خارج نطاق الأسوار، غير أنها تبدو كما لو كانت تحصيناً لحماية المدينة فقط.

دارفيو:
الفارس الفرنسي دارفيو زار دمشق عام ۱٦٦۰ ووصف العديد من الأماكن في دمشق فقال عن الجامع الأموي: "ويكنّ المسلمون لهذا الجامع احتراماً لدرجة أنهم يخلعون نعالهم قبل دخول الصحن".
كما تحدث عن البيوت الدمشقية فوصفها بأنها صغيرة من الخارج لكنها كبيرة من الداخل، وقال عن المنزل الدمشقي: «ويندر أن تجد هنا منزلاً من دون منهل يعمل على تزيينه وتوفير رفاهيته». وأشار إلى أن جدران المنازل مزيّنة برسوم فيها الكثير من الذهب واللازورد وقال: «يحب سكان دمشق أن يظهروا بلباس لائق وأن يعيشوا برفاهية، وأن يقتنوا الأثاث الفاخر، وهم يحبون حريتهم، إنهم رعايا السلطان وليسوا بعبيد لأحد».
وزار دارفيو ضواحي دمشق وسجل وصفاً تاريخياً مهماً عن مدينة جوبر والكنيس اليهودي الموجود فيها، وكتب وصفاً لصيدنايا وكنيستها الشهيرة.
 ولا بد من الإشارة أن دارفيو اعتمد في وصفه لدمشق على كتاب "تقويم البلدان" لأبي فداء الأيوبيّ؛ وكان يتقن اللغة العربيّة، وأن ذلك سهّل له القيام بجولاتٍ على جانب من الخطورة ؛ على الأقل، بالنسبة له كأوروبيّ فيقول: "لا يُسمح للغرباء بدخول القلعة إلا بغاية الصعوبة، وللحصول على الإذن بذلك ينبغي للمرء أن يتنكر، وأن يكون عارفاً بلغة البلد وله فيها من يعرفه. أما أنا فقد كان لديّ أصدقاء في دمشق، وأتكلم اللغة المحكية هنا (العربية)، كما ألبس زي المسلمين. وهكذا، فقد تمكنت من دخول القلعة دونما أية صعوبة تذكر"، ويبدي إعجابه بهذا المعمار الفنيّ، الشامخ، المنذور للدفاع عن البلد أو عن السلطة الحاكمة. وينتقل من ثمّ إلى داخل هذا الحصن المنيع، فينقل لنا مشاهداته فيه. وكان أكثر ما أثار إعجابه البناء المخصص لسك النقود؛ والذي كان وقتذاك معروفاً بـ "القصبة"، فيقول إنها تقوم: "في ناحية تحت قبة وافرة الاتساع، عريضة الفتحة، وهي ترتكز على أربع عضائد مفرطة في الضخامة، أظن أن بإمكانها حمل قبة مار بطرس، الموجودة في روما".
لقد أبدى دارفيو إعجابه الشديد بعظمة دمشق واصفاً الفن المعماري في بناء بيوتها وقصورها.

جان تيفينو:
الفرنسي جان دي تيفينو زار دمشق في عام 1664، وأهم ما لفت نظره فيها آنذاك المقاهي المنتشرة بكثرة وخاصة بقرب سور دمشق، وتعتبر رحلة تيفينو إلى الشرق (1663-1667) واحدة من الرحلات ذات القيمة التاريخية والجغرافية والمعرفية الكبيرة، وهي من الرحلات القليلة التي شملت مناطق واسعة من العالم العربي في تلك المرحلة.
يصف تيفينو مقاهي دمشق بقوله: "وكل مقاهي دمشق جميلة، وتتميّز بوفرة في المياه. ولكن أجمل المقاهي تجدُها في الضواحي".

إبراهيم الخياري:
الرحالة المصري إبراهيم الخياري زار دمشق ووصفها ولكنه خص مقهى النوفرة بوصفٍ مفصل في كتابه "تحفة الأدباء وسلوَة الغرباء"، ويوردُ الخياري حادثة طريفة عن مقهى النوفرة حين يصف نوافير الماء التي كانت فيها بقوله: "رأيتُ بالشام عجباً؛ شجرة من الماء تمتد أغصانها منه يميناً وشمالاً، لم ترَ العين أعجبَ منها".

علي سيدو:
في فترة الثلاثينات، من القرن الماضي، قام الأردني، علي سيدو كوراني، برحلة اطلاعية في بلاد الشام ذاكراً حيّ الصالحية بقوله: هيَ خيرُ جزء من دمشق، تقع على سفح قاسيون، وتبدأ من شارع بغداد وعرنوس. ولا بدّ لزائرها أن يمرّ بالمرجة - مركز المدينة - ثم يتجه شمالاً، حيث يشاهد في طريقه الحدائق الجميلة المسوّرة باللِّبن، يرويها جدولا ثورا ويزيد، المتشعبان عن نهر بردى. والقسم الأعظم من الصالحية، يرتفع عن سهل المدينة وحدائقها. وقد اشتهرت بحسن مناخها وفخامة عمرانها، الذي انتشر على سفح جبل قاسيون. وينقسم هذا الجزء إلى حييْن؛ الأول، حيّ المهاجرين، والثاني حيّ الأكراد.

شاعر فرنسا:
وخير وصف صدر عن زوار دمشق كان قول أعظم شعراء فرنسا وأدبائها ألفونس دو لامارتين الذي زار دمشق خلال الفترة الواقعة من عام (1832- 1833). ويلخص إعجابه بهذه المدينة العريقة بقوله: (إنها كما يتنشق المرءُ أريجَ الورود).

وبعد:
صفحات التاريخ مليئة بمئات الكتب عن الرحالة الذين زاروا دمشق منهم علماء وجغرافيين وضباط وأدباء وشعراء وأغلبهم كانوا يأتون دمشق لغايات أخرى؟! فكانوا يتمتعون بروعة وجمال دمشق وكرم دمشق، لأن دمشق وناسها فتحوا لهم أبوابهم، فكانوا في الوقت نفسه يعدون تقاريرهم وآراءهم للجهات التي أرسلتهم وهي دائماً جهات لها أطماع بهذه المدينة والتاريخ خير شاهد على ذلك.

 



  عدد المشاهدات: 794

إرسال لصديق

طباعة
شارك برأيك

الاشتراك بالقوائم البريدية
البريدالإلكتروني: