الأمل بالعمل



الأكثر زيارة
 الصفحة الرئيسية   ثقافة و فن   

الإمام الشافعي وحقيقة شعاره رأيي صواب يحتمل الخطأ،ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب !! عبدالحكيم الفيتوري
June 20, 2014 12:54

كل الأخبار / الحوار المتمدن

الإمام الشافعي وحقيقة شعاره رأي صواب يحتمل الخطأ،ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب !!

الإمام الشافعي ...وحرية الرأي(4)


قد تمهد القول في المقالين السابقين بأن قيمة الحرية واحترام الرأي الأخر في إطار ما يسمى بأهل الأهواء والبدعة؛ناهيك عن أهل الملل الأخرى،لا مكان لها ضمن النظم المعرفية والانساق الفكرية في مشروع الشافعي.ولكننا إذا ما ولينا وجوهنا شطر الوجه الأخر من الصورة للبحث عن قيمة الحرية واحترام الرأى الأخر في إطار ما يسمى بأهل السنة والجماعة،سوف نجد أن التمتع بقيمة الحرية وأبداء الرأى المخالف يتسع ويضيق بحسب قرب وبعد هذا الفصيل أو ذاك من المنظومة الوراثية في السياسة والخطاب الديني الرسمي(السيف والقلم)،هذا على الجملة.وفي هذا المقال نروم قصره على مدى حقيقة شعار الإمام الشافعي(رأي صواب يحتمل الخطأ،ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب)دون غيره،بحكم أن هذا الشعار كان ولا يزال -عند العقل التمجيدي-عنوان قيمة الحرية واحترام الرأي الأخر،يرفعه متى شاء في وجه من يشاء تدليلا على أن مبدأ احترام الرأي،وقيمة الحرية كانت عند الأسلاف مبسوطة للجميع!!نحاول التنقيب في أرضية هذا الشعار،وإقامة الحفريات حوله،من خلال ما دار من صراع فكري بين الإمام الشافعي وأتباع الإمام مالك في مصر،بغية الوقوف على مدى إنبساط قيمة الحرية،وإنسياب مبدأ احترام الرأي الأخر في الأوساط العلمية والمعرفية(=الشافعي وأتباع مالك).


-سبب سفره إلى مصر:في عام(199)اعتزم الشافعي السفر إلى مصر بعد تولى المأمون الخلافة عام(198)،ولعله كانت هنالك اسباب وراء اعتزامه ترك بغداد والرحيل إلى مصر،ومن أبرز هذه الأسباب سببين:أحدهما:أن الغلبة في عهد المأمون صارت للعنصر الفارسي، إذ أن المعركة التي قامت بين الأمين والمأمون كانت في الواقع بين معسكر العرب الذي يمثله الأمين وقواده،ومعسكر الفرس الذي كان قواده وجنده من الفرس،وانتهت المعركة بغلبة الفرس، وصار لهم بعد ذلك النفوذ والغلبة،وما كان لهذا القرشي أن يرضى بالمقام في ظل سلطان فارسي في نفوذه وصبغته.ثانيهما:أن المأمون كان من الفلاسفة المتكلمين فأدنى إليه المعتزلة،والشافعي ينفر من المعتزلة ومناهج بحثهم،ويفرض عقوبة على بعض من يخوض مثل خوضهم.(أنظر:الشافعي،لأبي زهرة)

ولعل ما يقوي هذين السببين أن هنالك دعوة وجهت إلى الإمام الشافعي من والى مصر العباس بن عبدالله بن العباس(الهاشمي القرشي)بأن يأتي مصر ويقيم فيها مكرما معززا.ولبى الشافعي هذه الدعوة الكريمة،ولكنه قبل رحيله إلى مصر قام بمسحة ثقافية للمسرح الفكري والثقافي وأهم قيادته ورموزه،من خلال سؤاله للربيع المرادي مولاه وتلميذه النجيب.قال الربيع:سألني–أي الشافعي-عن أهل مصر قبل أن يدخلها،فقلت:هم فرقتان:فرقة مالت إلى قول مالك وناضلت عليه،وفرقة مالت إلى قول أبي حنيفة وناضلت عليه،فقال:أرجو أن أقدم مصر إن شاء الله،فأتيهم بشيء أشغلهم به عن القولين جميعا.قال الربيع:ففعل ذلك-والله-حين دخل مصر!!

-أولى المهام التي قام بها الشافعي في مصر:أولى هذه المهام كانت إعادة النظر في مشروعه المعرفي الرائد،حيث جدد تأليف(الرسالة)وأحكم بنيانها البياني في الاستدلال والاحتجاج.كما وأنه أعاد النظر في كتابه(الحجة)الذي ألفه في بغداد ضد أراء أبي حنيفة وغيره،حيث ألف بدله كتاب(الأم)وهو المعروف بأراء الشافعي في الجديد،وبهذه المهمة المعرفية تهيأ الإمام الشافعي إلى عملية المنافسة والتأثير في سوق المعرفة بمصرالتي كانت حكرا على المذهبي المالكي وقليل من المذهب الحنفي،كما وصف الإمام الشافعي استعداده النفسي لولوج هذا الحلبة المعرفية التنافسية،فقد قال:أرجو أن أقدم مصر إن شاء الله،فأتيهم بشيء أشغلهم به عن القولين جميعا!!قال الربيع:ففعل ذلك-والله-حين دخل مصر!!

بالفعل حقق الشافعي في هذه المنافسة المعرفية نجاحا بلغ الذروة،فقد بلغ الأقبال عليه مبلغا لم يصله غيره في زمانه،يصورالنووي هذا الإقبال بقوله:سار ذكره في اللبدان،وقصده الناس من الشام واليمن والعراق وسائر النواحي والاقطار..وساد أهل مصر وغيرهم.(تهذيب الاسماء واللغات)

-الخوف من الرأى الأخر:وهكذا ساد الشافعي أهل مصر،وقبلوه إماما لهم،وهو في هذه السيادة لم يزل يقول بقول مالك،ولا يخالفه إلا كما يخالف بعض أصحابه.ولهذا كله سكت المالكيون عنه مادام لم يصرح بمخالفة مالك.ولكن قيادة المذهب المالكي كانت تخشى على المدى البعيد من سيطرة الإمام الشافعي ببيانه وحجته وأراءه على مصر قاعدة المالكية،وينشر فيها مذهبه(=رأيه)،وبذلك يقضي فيها على مذهب(=رأي)مالك.ومن هنا فإن أخذ الحيطة ومراقبة الشافعي في أفكاره وأراءه؛أمر واجب.صور لنا أبو الشيخ الحافظ وغيره خشية المالكية من رأي الشافعي(=الأخر)،بقوله:إن الشافعي لما دخل مصر أتاه جلّة أصحاب مالك،وأقبلوا عليه،فلما أن رأوه يخالف مالكا،وينقض عليه،جفوه وتنكروا له،فأنشأ يقول: أأنثر درا بين سارحة النعم وأنظم منثورا لراعية الغنم!!(مناقب الشافعي،سيرأعلام النبلاء،معجم الأدباء).وهنا كانت بداية التراشق بالألقاب لمنع حرية الرأي وإقصاء الأخر.

-استدعاء السلطة ضد المعرفي:وحين وقع من الشافعي ما كان يخشاه المالكية بتأليفه الكتب بمخالفة ونقض أقوال مالك،وتبادل الإتهامات على طريقة الشعراء(أأنثر درا بين سارحة النعم...وأنظم منثورا لراعية الغنم)،حينئذ لم يجدوا(المالكية)حرجا في استدعاء السلطة ضد خصمهم في المعرفة(الرأى الأخر=المذهب الأخر)،فاستعانوا عليه بالسلطة وسعوا به عند السلطان لكبته وطرده من البلاد،قال ابن حجر:لما وضع الشافعي كتاب الرد على المالكية سعوا به عند السلطان،وقالوا له:أخرجه عنا،وإلا أفتتن البلد،فهمّ بذلك،فأتاه الشافعي والهاشميون،فكلموه فامتنع،وقال إن هؤلاء كرهوه،وأخشى الفتنة..(توالى التأسيس)

ولم تنحصر عملية استعانة المالكية بالسلطان(=السيف)على المعرفي(=القلم)ضد رمز الرأي الأخر(الإمام الشافعي)بل طالت تلاميذه وأتباعه،حيث تم التضييق عليهم لدرجة منعهم من حق الاجتماع ومدارسة أفكارهم وأراء شيخهم،يقول ابن حجر:ولم يكف المالكيون عن السعي بأصحاب الشافعي عند السلطان حتى بعد موته،يقول البويطي-خليفة الشافعي-:لما مات الشافعي اجتمع في موضعه جماعة من أصحابه،فجعل أصحاب مالك يسعون بنا عند السلطان،حتى بقيت أنا ومولى للشافعي،ثم صرنا بعد نجتمع ونتألف،ثم يسعون علينا حتى نفترق،فلقد غرمت نحوا من ألف دينار،حتى تراجع أصحابنا وتألفنا.(توالي التأسيس)

-إشكالية تقديس المعرفة:المعرفة نشاط علمي تأويلي يصدر عن العقلاء،في إطار تجادلهم مع الثلاثي(العقل،والنص،والواقع).وبالتالي فإن المعرفة ليست مقدسة،بل هي عملية بشرية اجتهادية قابلة للتطوير والتجديد دائما.والخطورة كل الخطورة في أدراج المعرفة البشرية في مصاف المقدس(الوحي)الذي حقه مطلق الزمان والمكان والإنسان،وهنا مكمن الداء وموطن الخلل.فتأمل الأجواء التي وضع فيها الإمام الشافعي أراءه الأصولية البيانية،واجتهادته الفقهية،في إطار مبادرة(عبدالرحمن بن مهدي من بغداد)،وفي إطار إكمال مشروعه في مصر في أجواء التدافع بينه وبين المالكية ،كما صورها ابن عبدالحكم أحد تلاميذ الشافعي الأربعة المشهورين بقوله:لم يزل الشافعي يقول بقول مالك،ولا يخالفه إلا كما يخالف بعض أصحابه،حتى أكثر فتيان-ابن أبي السمح-عليه،فحمله ذلك على ما وضعه على مالك...).(الذهبي،وتوالى التأسيس)،ولم يلبث-ابن عبدالحكم-أن ترك المذهب الشافعي،وعاد إلى مذهب مالك مذهب أبيه،ثم انتهى به الحال إلى أن صنف كتابا سماه(الرد على الشافعي فيما خالف فيه الكتاب والسنة).(انظر:الشافعي فقيه السنة الأكبر،للدقر)



  عدد المشاهدات: 1076

إرسال لصديق

طباعة
شارك برأيك

الاشتراك بالقوائم البريدية
البريدالإلكتروني: