الأمل بالعمل



الأكثر زيارة
 الصفحة الرئيسية   ثقافة و فن   

ابن عبدالوهاب ..ونشره للفكر التكفيري / عبدالحكيم الفيتوري
June 20, 2014 13:12

 كل الأخبار / الحوار المتمدن

تناولت في بداية سلسلة(مباحث في فهم إزمة العقل السلفي) المحطة الأولى ابن حنبل وتأسيسه للعقل السلفي،وفي المحطة الثانية ابن تيمية وتشييده للعقل السلفي،وفي هذا المقال نتناول المحطة الثالثة عن ابن عبدالوهاب ونشره للفكر والعقل السلفي،وسوف أكتفي بالوقوف على مشهدين من مشاهد المحطة الثالثة،المشهد الأول حول التنظير السياسي.والمشهد الثاني حول تأصيل تكفير المخالف وقتله.ولكن قبل الولوج في صلب الموضوع أكرر القول بأنني لا أقدح في ذوات العلماء وفي لا أهليتهم العلمية ؛ بل اترحم على الجميع المخطي منهم والمصيب.والذي يهمني في هذه السلسلة هي إعادة قراءة الأفكار من جديد،ومحاولة فهمها من خلال سياقاته الاجتماعية وصراعاته المذهبية والسياسية.

قد ذكرت في مقال ابن تيمية وقضايا التكفير،أن عقل الفقيه رغم كل العوائق والمثبطات في النظام السياسي القائم وإنحطاط الواقع ، يبحث عن مختلف المبررات التي تعطيه(الحق)في مشاركة رجل السياسة مجال نفوذه وتأكيد حضور(معرفته)وسلطته العلمية،إن لم يكن في صنع القرار السياسي ففي مساندته وتوجيه الجمهور،فإنه بحكم تعريفه كفقيه بما(عمت به البلوى)مضطر دائما وابدا للتكيف مع الواقع الاجتماعي والنظام السياسي،انطلاقا من مباديء وقواعد أصولية أساسها الأسلاف، كقاعدة الاجماع على ولاية المتغلب ذي الشوكة،وقتال المخالفين له تحت رأيته،وتبديع الخارجين عليه !! ولا يتردد العقل السلفي في الاستنجاد بجملة مفاهيم أصولية تبريرا لشرعية الوقوف مع القائم،ودفعا لأطروحات المخالف،بدون اعتبار لمحدودية تلك المفاهيم والفتوى والاجتهاد،التي ينبغي مراعاة ظروف الزمان والمكان والانسان في فهمها.ولا يعدم العقل السلفي من جهته التبرير الشرعي لمثل هذه التناقضات،وهذا الولاء المزدوج،وهذه القداسة المفرطة للقواعد والتاريخ وصانعيه!!

وفي هذا المقال نبحث عن العلاقة المنهجية بين ابن تيمية وابن عبدالوهاب،في جانب التنظير السياسي؛من حيث كيفية انتقال المنهج إلى ابن عبدالوهاب،وكيف تمت عملية التوظيف.والمقال اللاحق نفرده لجانب تأصيل مسائل التكفير وقتل المخالفين.

كيف انتقل المنهج الحنبلي إلى ابن عبدالوهاب :

في عام(1703-1791م)ولد الشيخ ابن عبدالوهاب رحمه الله،ببلدة العيينة القريبة من الرياض،تلقى علومه الأولى على يدي والده في الفقه الحنبلي والتفسير والحديث،ثم انتقل إلى مكة وتعلم على شيخه محمد حياة السندي،وعبدالله بن إبراهيم وغيرهما.ومن خلال تلك الدروس تلقف ابن عبدالوهاب المنهج الحنبلي خاصة وأنه اعتكف على كتابات ابن تيمية وتلميذه ابن القيم المتاحة آنذاك.وهذه الكتب والمؤلفات قد اعتبرت في القديم ضمن مصنفات تراث الحنابلة بشكل عام إلى أن أدركها الشيخ محمد بن عبدالوهاب فترة طلبه للعلم فأعجب بطرح ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وتشبع بأفكارهما خاصه في مسائل الاعتقاد والولاء والبراء ومسائل الاسماء والصفات وقضايا التكفير،حيث اتخذ تلك المسائل الاعتقادية طريقا ومذهبا خالف به السائد من المذاهب والتصورات الاعتقادية التي كانت عليه الأمة كالاشعرية والماتريدية في الاعتقاد،والصوفية في السلوك،وهذان المذهبان كانا يمثلان مذهب أهل السنة والجماعة في القديم.( في هذا المقام أفسر ولا أبرر).

وهكذا كانت بداية تأسيس الدعوة السلفية الجديدة والتي اتخذت من بلاد نجد منطلقا،حيث عضد السيف القلم فانتشرت الدعوة وظهرت للوجود دولة تدافع وتنافح عن تصورات الفكر الاعتقادي الجديد في إطار الفقه الحنبلي وقواعد استدلاله .

ولما استقر الشيخ ابن عبدالوهاب في حريملاء بدأ ينشر أفكاره ودعوته المتعلقة بالتوحيد ونبذ الشرك ومحاربة التصوف وتقديس الأولياء ومصارعة الاشاعرة في الاسماء والصفات .ولم يكد ينتهي من تأليفه كتاب(التوحيد)حتى كان صيته قد ذاع بين القبائل والمدن النجدية،كما قال ابن غنام: اشتهر حاله في جميع بلدان العارض في..العيينة والدرعية ومنفوحة..وكان الناس عند ذلك حزبين وانقسموا فيه فريقين فريق أحبه وما دعا إليه ؛ فعاهده على ذلك وبايعه وحذا حذوه وتابعه ،وفريق أنكر عليه(انظر:روضة الأفكارلابن غنام).حتى أن أمير الأحساء ارسل إلى أمير العيينة رسالة يأمره فيها بقتل الشيخ،فخرج ابن عبدالوهاب من العيينة وتوجه صوب الدرعية مقر إمارة آل سعود الأمير محمد بن سعود الذي حكم خلال الفترة(1139-1179هـ)فرحب به وعاهده على حمايته بشروط ،حيث اشترط الأمير على الشيخ شرطين:

الشرط الأول:أن لا يرتحل عنهم وأن لا يستبدل بهم غيرهم.والثاني:ان لا يمانع الشيخ في أن يأخذ الحاكم وقت الثمار ما اعتاد على أخذه من أهل الدرعية!!

أما عن الشرط الأول فقد قال له الشيخ:ابسط يدك أبايعك..الدم بالدم،والهدم بالهدم.أما عن الثاني فقد قال له:لعل الله أن يفتح لك الفتوحات فيعوضك من الغنائم ما هو خير منها !!

تم هذا الاتفاق بين رجل القلم ورجل السيف في ظل ما يسمى بالخلافة التركية الإسلامية !! مما يعني عند العقل التقليدي منازعة السلطة الشرعية في ولايتها على العباد والبلاد ، لأن ولاية الخليفة أو السلطان التركي انعقدت بإجماع فقهاء الأمصار ؛ هذا من جهة. ومن جهة أخرى فإن هذا الاتفاق الذي تم بين بن عبدالوهاب وآل سعود،صار بمثابة إعلان الحرب على سلطة سلطان آل عثمان التركي،فإن هذا الأول سوف يهرع إلى مفهوم الإجماع سهل الاستغلال والتوظيف من طرفه ضد إجماع فقهاء الأمصار على ولاية آل عثمان،وهذا الأجماع هو ولاية المتغلب الذي كرسه ابن تيمية وابن جماعة وقبلهما الجويني،حتى ولو كان هذا الاجماع من عالم واحد !!



  عدد المشاهدات: 1010

إرسال لصديق

طباعة
شارك برأيك

الاشتراك بالقوائم البريدية
البريدالإلكتروني: