الأمل بالعمل



الأكثر زيارة
 الصفحة الرئيسية   ثقافة و فن   

سورية مهد الحضارة ( العمارة الاسلامية - الجامع الأموي بدمشق ) ... بقلم : يونس أحمد الناصر
July 05, 2014 13:33

سورية مهد الحضارة  ( العمارة الاسلامية - الجامع الأموي بدمشق ) ... بقلم : يونس أحمد الناصر



إن التراث المعماري لأمة من الأمم ، هو وجهها الحضاري الخالد يحكي قصة أمجادها وتاريخها الطويل ، والعمارة والبناء هما من حاجات الإنسان الضرورية الأولى ، لقد بدأت ملامح العمارة والفنون ، مع بداية وجود الإنسان على هذه الأرض ،

فكانت سجلاً حافظاً لمعالم الحضارة والرقي الإنساني .

وأظهرت التنقيبات الأثرية في سورية والعراق آثاراً معمارية هامة تعود لحضارات الألفين الثالث والثاني قبل الميلاد ، وتنسب هذه العمارات إلى العرب القدماء الذين شيدوا المعابد والعمارات في عديد من المواقع ، في ماري ، وأوغاريت ، وتل حلف ، وعين دارا وغيرها .

ونرى في هذه الآثار جودة التخطيط وعظمة البناء ، وتنوع العناصر الزخرفية كالرسوم الجدارية ، والألوان التي استخدمت في ماري ، كما عرفت الفسيفساء في معبد أوروك الذي يعود للألف الثالث قبل الميلاد .

وترك الفن العربي القديم ، إرثه المعماري والحضاري لجميع الفنون التي ظهرت في هذه المنطقة من بعده ، من فن هلنستي وساساتي وروماني وبيزنطي وغيره ، وكان هؤلاء الأخيرين وسطاء ورثوا الفن الرافدي والسوري ، وكسوه بملامح جديدة من نتاجهم ، حتى قامت الحضارة العربية الإسلامية التي عاصرت بعض هذه الفنون الوسيطة .

وعلى هذا فالمظاهر الأساسية في فن العمارة الإسلامية ، هي استمرار لمظاهر الفن الرافدي والسوري القديم ، ولكن المسلمين صاغوا الإرث الحضاري صياغة جديدة ، فكان إبداعاً حضارياً فريداً ، يقول غوستاف لوبون في كتابة حضارة العرب : ( أنه تكفي نظرة على أثر يعود إلى الحضارة العربية ، كقصر أو مسجد أو محبرة أو خنجر أو مغلف قرآن ، لكي نتأكد من أن هذه الأعمال الفنية تحمل طابعاً موحداً ، وأنه ليس في شك في أصالتها .. ).

إن الروائع المعمارية العربية الإسلامية ، سواء منها ما كان على الصعيد الديني أو العسكري أو العلمي والفني ليس لها ما يماثلها إطلاقاً في تاريخ البشرية ، والآثار المعمارية التي شادتها الأيدي العربية الإسلامية ، هي مثال واضح لخيال مبدع عبر العصور الإسلامية المتلاحقة ، فيه وليدة مشاعر هذه الأمة المتميزة واحتياجاتها .

والفنون المعمارية الإسلامية وإن كان كل منها قد خضع في تطوره لتطور العمران في الدولة التي نشأ فيها ، فإن الفن الأموي ، والعباسي ، والفاطمي ، والسلجوقي ، والأيوبي ، والمملوكي والعثماني ، والمغولي ، والمغربي .. تتميز كلها بوحدة عامة جمعتها في إطار موحد عرفت به الحضارة الإسلامية .

وإن من يمعن النظر في المباني والعمائر الإسلامية التي ازدهرت عبر العصور ، يرى فيها سمة عربية إسلامية إبداعية ، ليس لها أية صلة بسمات الأمم الأخرى فالمساجد والمدارس والبيمارستانات وغيرها من الأوابد الإسلامية ، هي من معطيات الذوق والفكر العربي الأًصيل .

والمباني التاريخية والمآثر المعمارية الإسلامية المنتشرة في سورية ، تدل بوضوح على مدى الرقي الفني الذي وصلت إليه الحضارة العربية الإسلامية في مختلف عصورها ، والتي استطاعت أن تواجه التحدي الذي تعرضت له على مدى قرون طويلة .

لقد أدرك الإنسان العربي والمسلم المفاهيم الهندسية التي تتمثل في التخطيط العام للمبنى ، وفي توزيع وحداته الرئيسية التي يتكون منها ، ليؤدي الوظيفة الأساسية التي أنشئ من أجلها ، ويؤكد على الروح الجمالية التي تعكس حسه المرهف وتذوقه للجمال ، حتى استطاع المعماريون المسلمون أن يصلوا إلى قمة الكمال الفني والمعماري للمباني التي شيدوها والتي لا يزال كثير منها خالداً ، حتى يومنا .

وما شيد المهندس العربي المسلم نتاجاً معمارياً من مسجد أو مدرسة أو تكية ، أو قصر أو غيره ، إلا كان هذا النتاج متسماً بالروح العلمية والفنية ، فكان المعماري العربي المسلم يعرف الطبيعة الجيولوجية والجغرافية وتأثير الرطوبة وأهمية الإنارة والتهوية للبناء .

ولا بد من الإشارة إلى أن الروائع الخالدة للعمارة الإسلامية وزخارفها قد شيدت ونفذت طبقاً لتصاميم أعدت مسبقاً لها ، مما يؤكد لنا جدية العمل لدى المعمار العربي المسلم .

وقد عرف التاريخ مهندسين اشتهروا في الهندسة والبناء والزخرفة ، وآخرين اشتهروا بفنون النجارة ، وقد خلد التاريخ العربي والإسلامي هؤلاء النوابغ في العمارة والفن الإسلامي نذكر منهم :

-ثابت بن ثابت مهندس معماري من سورية أنشأ قصر الحير الغربي في سورية عام 109هـ/ 727 م .

-سليمان بين عبيد أنشأ قصر الحير الشرقي في عهد الخليفة الأموي هشان بن عبد الملك .

-حسن بن معاذ السرماني الذي بنى مئذنة الجامع الكبير في حلب ونقش أسمه عليها .

-عبيد الله بن أبي القاسم الملي الذي بنى جامع نور الدين الزنكي في حماه عام 528هـ/1162 م .

إن جولة على نماذج من الأوابد والعمائر الإسلامية ، تعرفنا على مدى اتساع الأفاق العلمية للمهندس العربي المسلم الذي استطاع أن يجمع في المبنى الضخامة والبساطة والذوق الرفيع ، كما يجمع بين التصميم الذي يشتمل على القيم الوظيفية والقيم الجمالية من خلال العناصر الزخرفية التي تتناسب مع العناصر المعمارية ..

ومن الخصائص التي تميزت بها العمارة الإسلامية في مختلف وظائفها هو التنويع في الزخرفة ، ومراعاة التناظر وشمول الزخرفة وتغطيتها لكل فراغ . فقد استعملت الزخارف النباتية المتشابكة ، كما استعملت الزخارف الهندسية المتعددة الأشكال وكثيراً ما يجد المشاهد زخارف هندسية في مسطح واحد .

أما الرسوم والتماثيل فإنها لم تجد لها صدى واسعاً في الفنون الإسلامية وخاصة في المباني الدينية . لذلك فضل الفنان الزخارف الهندسية والنباتية والكتابية ، وتحاشى عمل الوجوه والمخلوقات ونشاهد أمثلة هذه الزخارف الإسلامية المتميزة في المساجد والمدارس وغيرها ، والمسجد الأموي بدمشق صفحة متميزة رائعة للفن الإسلامي .

ومما يميز العمائر الإسلامية بشكل خاص المقرنصات ، وهي عنصر معماري زخرفي مميز للعمارة الإسلامية ، والمقرنصات ذات وظيفة معمارية إنشائية للتدرج من الزاوية القائمة إلى المضلع والدائرة ، كما استعملت كحلبة زخرفية على شكل متدليات تزين واجهات وأبواب المباني والمآذن ، وتيجان الأعمدة والسقوف .

أما الخط العربي ابتدع من الخط روائع خالدة ، حيث تجاوز جمال الخط وتنويعه إلى زخرفته بالألوان والأشجار والأزهار ، حتى غدت آثاره لوحات فنية غنية بالزخارف والنقوش الكتابية . فقد نقلت نصوص من القرآن الكريم والأسماء المقدسة على جدران المساجد والمدارس والأضرحة وغيرها ، وتفنن الخطاطون في إظهار جمالية الخط العربي الذي عرفت منه الحضارة الإسلامية أنواعاً كثيرة .

انتشر الخط العربي مع بداية الفتوحات الإسلامية ، وكان الباعث على تطوره في البلاد المفتوحة هو كتابة القرآن الكريم ، فكان القرآن هو الراية التي نشرت هذا الخط كما نشرت شعلة الحضارة كلها وبذلك نشأت الخطوط العربية متأثرة بالقوميات المختلفة التي انصهرت في بوتقة الإسلام ، كما تأثرت بأذواق وفنون المجتمعات المحلية .

لهذا عرف الخط العربي بأسماء الأقطار تمييزاً له ، فكان منه الفارسي ، والعراقي ، والمصري والمغربي ... وكان الخط صناعة فنية استعملها المعماريون لتاريخ المباني مما زاد من جمال البناء وروعته .

واستعملت الخطوط كلها فكان الخط النسخي الجميل يزين العمائر الأيوبية كما استعمل خط النسخ مع خط الثلث إلى حد كبير في العصر المملوكي إضافة إلى استعمال الخط الكوفي ، وابتدعت في العهد العثماني أنواع جديدة من الخطوط فكان الديواني بأنواعه ، وكان الفارسي , وكان خط الرقعة وغيره ..

وامتاز الخط الكوفي من بين أنواع الخطوط بطواعيته ، وإمكانية استعماله كحلية زخرفية .. وهو يعد من أقدم الخطوط العربية . ومن أنواعه : الخط الكوفي المربع ذو الزوايا القائمة ، وهو خط هندسي يمتاز بالقوة . والخط الكوفي المزخرف وهو على أنواع : الكوفي المورق ، والكوفي ذو الأرضية النباتية ، والكوفي المضفر وأجمل أنواع الخط الكوفي ، هو الكوفي المورق أو المزهر الذي جمع بين جمال الحروف وجمال التوريق ، حيث اتصلت بالأحرف زخارف جميلة مستمدة صورها من أوراق الشجر . وخرجت من جسم الحروف فروع نباتية كأنها تخرج من أصيص زهر كان يحويها ، ثم تمتد وتتشعب بخطوط رفيعة تنتهي بوريقات متعددة الأشكال ، وأجمل هذه اللوحات في سورية اللوحات الكتابية التي تطوق مئذنة الجامع الكبير في حلب ، وجامع الشعيبية ، ومقبرة الصالحين في حلب أيضاً وفي التربة التكريتية ، وجامع فلوس والجامع الأموي بدمشق وغيرها .

وتعد سورية من أعرق حواضر العالم العربي والإسلامي التي لا تزال تزخر بالمباني والعمائر العربية الإسلامية من مختلف عصور الحضارة الإسلامية المتعاقبة فكأنها متحف حضاري حوى من جمال العمران وإبداع الفنان ونظم التخطيط وتنوع الوظائف ما يدل على عظمة هذه الحضارة العريقة .

وإننا سنرى ، ونحن نتحدث عن نماذج من العمارة الإسلامية في سورية ، ما يميز هذه الحضارة ويؤكد أصالتها وعظمتها ..

الجامع الأموي

في دمشق

يقع في قلب مدينة دمشق القديمة ، ويعد مـن أهم المنشآت المعمارية العامة في الحضارة الإسلامية .

ومن المؤكد أن أرض الجامع كانت مخصصة للعيادة منذ مئات السنين ، فكان يقوم في المكان نفسه معبد للإله حدد الأرامي وذلك في مطلع الألف الأول قبل الميلاد ، وفي العصر الروماني بنى معبد للإله جوبيتر على أنقاض معبد حدد الأرامي . وبعد انتصار المسيحية على الوثنية أنشأ الإمبراطور تيودوسيوس كنيسة داخل المعبد على اسم القديس يوحنا المعمدان .

وبعد الفتح الإسلامي عام 14 هـ / 635 م اقتسم المسلمون هذا المعبد الكبير مع المسيحيين ليقيموا الصلوات فيه ، وأقام المسلمون مسجدهم مستقلاً عن بناء الكنيسة يجمعهما سور المعبد . وبقي المسلمون والمسيجيون يؤدون فرائض دينهم متجاورين حوالي سبعين عاماً حتى عام 86 هـ /705 م حين تسلم سدة الخلافة الأموية الوليد ابن عبد الملك حيث جرت مفاوضات مع الرعايا المسيحيين لكي يتنازلوا بالعدل والرضا والطرق المشروعة عن نصف المعبد الذي أقاموا عليه كنيستهم ، وتم ذلك مقابل بناء كنائس جديدة في أماكن مختلفة من مدينة دمشق .

وقد هدم الوليد بن عبد الملك بناء الكنيسة وكل ما كان داخل جدران المعبد من منشآت رومانية وبيزنطية ، وأشاد الجامع وفق مخطط مبتكر ، يتلاءم مع شعائر الدين الإسلامي وأغراض الحياة العامة فجاء فريداً في هندسته ، وقد شيدت المساجد الكبرى في العالم الإسلامي فيما بعد على نسقه ، وظل المعماريون يستوحون منه قروناً طويلة .

استغرق بناء الجامع الأموي قرابة عشر سنين بدءاً من ذي الحجة عام 86هـ / 705 م وقد جند الخليفة الوليد خلالها عدداً ضخماً من البنائين والمهندسين حتى كان فتنة للناظرين ، ووضعت على نسقه هندسة الجوامع الكبرى في العالم .

وقد وصف الجامع عدد كبير من المؤرخين والعلماء العرب والأجانب ، فكان في غاية الإبداع والروعة والجمال وَعُدَّ بين أعاجيب الدنيا ، فكان أول آبدة عربية إسلامية وإحدى أشهر العمائر في العالم وقد وضع الفن الإسلامي والعمارة الإسلامية مبادئهما الأولى فيه ، وأصبح الجامع بعد انتهائه مدرسة للعمارة حاكاها المعماريون الذين أتوا بعده . يقول سوفاجيه عن الجامع الأموي : ( أول نجاح معماري في الإسلام ) وقد حافظ على عظمة بنائه وروعة زخارفة قرابة ثلاثة قرون ونصف ثم تعرض بعد ذلك للحرائق والزلازل ، وكان في كل مرة يصاب فيها بجهة من جهاته يفقد شيئاً من بهائه ورونقه حتى وصل إلى ما هو عليه الآن .

احترق الجامع أول مرة عام 461 هـ/ 1068 م ، وفي عام 562 هـ/ 1166 م احترق الباب الشرقي ، ثم أصابه حريق عام 570 هـ/ 1174 م امتد إليه من الكلاسة فأصاب مئذنته الشمالية ، وفي عام 645 هـ / 1247 م أتى الحريق على القسم الشرقي من الحرم والمئذنة الشرقية .

وعندما هاجم تيمورلنك قلعة دمشق عام 804 هـ /1401 م نصبت الآلات الحربية في صحن الجامع لمهاجمة القلعة فلحق به حريق وتخريب .

وفي عام 884 هـ /1479 م شب حريق في الجامع أتى على المئذنة الغربية وباب الزيادة والباب الغربي والرواق الشمالي حتى الكلاسـة ، وكان آخر حريق له عام 1311 هـ / 1893م في أواخر الحكم العثماني تهدم فيه حرم الجامع الداخلي .

أما الزلازل فكانت كثيرة أشدها حدثت في أعوام 552 هـ / 1157 م و 597 هـ / 1200 م و1173 هـ / 1759 م .

وكان يتلو هذه الحرائق والزلازل دوماً إعادة تشييد وبنـاء ، ومحاولة إعادة الزخارف إلـى ما كانت عليه . وقد أشار المؤرخون إلى سلسلة الترميمات وإعادة البناء عقب الكوارث التي أصابت الجامع ، وقد خلد ذكرى ترميم عامي 475 – 476 هـ / 1082 – 1083 م لوحان كتابيان محفوظان في المتحف الوطني بدمشق .

وبفضل الجهود التي بذلت من أجل ترميم وإصلاح ما تهدم منه بقي الجامع أثراً خالداً للحضارة الإسلامية .

مخطط الجامع وأقسامه المعمارية :

شكل الجامع مستطيل بطول 156 م وعرض 97 م . له صحن واسع ، وتقوم من حوله من ثلاث جهات أروقة محمولة على أقواس مستديرة . أما طرفه الرابع فمشيد عليه جدار الحرم الذي يبلغ طوله 139 م وعرضه 37 م .

للجامع أربعة أبواب . الباب الغربي يسمى باب البريد ، ويتألف من ثلاث مداخل صفحت درفاته بالنحاس في العهد المملوكي بالقرن الخامس عشر .

الباب الشمالي : ويسمى باب الفراديس ، ويطلق عليه اليوم باب العمارة تعلوه كتابة كوفية مزهرة من العهد السجلوقي .

الباب الشرقي : يعرب بباب جيرون ويسمى باب النوفرة أيضاً ، وهو محافظ على وضعه الأموي .

باب الزيادة : وهو الباب المفتوح من الجهة الجنوبية من الحرم .

وأهم ما يلفت النظر في صحن الجامع قبة الخزنة ، التي بنيت لوضع أموال المسلمين فيها ، شكلها مثمن قائمة على ثمانية أعمدة كورنثية الطراز جميلة التيجان ، زينت بالفسيفساء وما زال بعض أجزاء منها ماثلاً حتى اليوم . وصفها ابن جبير فقال : ( إن فسيفساء فيه الخزنة المتعددة الألوان أجمل من حديقة غناء ) .

الحرم :

يبلغ طوله 139 م وعرضه 37 م ويقسم رواق قاطع ممتد من الشمال إلى الجنوب حرم المسجد إلى قسمين متساويين ، وتقوم في وسط الحرم قبة كبيرة أسمها قبة النسر ترتفع قرابة / 36 / متراً محمولة على أربعة عضائد كبيرة فوقها رقبة مثمنة مزودة بالنوافذ ، تغطي الحرم ثلاثة سقوف سنامية الشكل ( جملونات ) من الخشب تمتد من الشرق إلى الغرب يقطعها في وسطها سقف الرواق القاطع الذي يعترضها .

للحرم نوافذ مفتوحة تمده بالضوء تقع في الجدارين الشمالي والجنوبي ، وقد وصف جمال هذه النوافذ ابن منقذ فيما يرويه ابن عساكر ، كما تحدث عنها ابن جبير ( 578 هـ / 1182 م ) وميز بين نوعين منها فهي زجاجية في الجدار الجنوبي ، جصية في الجدار الشمالي ، وقد زالت هذه النوافذ بسبب الحرائق التي أصابت الجامع ، جدد منها بعد الحريق ست شمسيات كبيرة ، ثلاثة فوق المحراب ، وثلاثة تقابلها في واجهة المجاز على نسق النوافذ في المباني العثمانية مثل التكية السليمانية .

وأهم ما يلفت النظر داخل الحرم المحاريب الأربعة ، ثلاثة منها قديمة وواحد حديث .

ففي الطرف الشرقي ، المحراب المالكي ، ثم يليه المحراب الحنفي وهو المحراب الحديث وفي أقصى الطرف الغربي المحراب الحنبلي ويليه المحراب الشافعي ، ويعد المحراب الحنفي المزين بالرخام والصدف والمرمر في غاية الإبداع والجمال .

ويقوم ضريح مهيب من الرخام في الطرف الشرقي من الحرم للنبي يحيى عليه السلام .

مآذن المسجد :

مئذنة العروس : تقوم في وسط الرواق الشمالي ، وقد أنشئت في عصر مليك شاه بين سنتي 570 – 580 هـ / 1074 – 1094 م ، ويعود قسمها السفلي إلى عهد الوليد بن عبد الملك .

مئذنة عيسى : تقوم في الزاوية الجنوبية الشرقية ، وقد شيدت فوق برج المعبد القديـم واحترقت وتهدمت مرات عديدة ، يرجع بناء قسمها السفلي للعهد المملوكي وقسمها العلوي إلى العهد العثماني .

المئذنة الغربية : تقع في الزاوية الجنوبية الغربية ، أقيمت أيضاً فوق برج قديم ، جددت في السنوات 580 هـ / 1184 م ، 803 هـ / 1400 م ، 893 هـ / 1488 م .

وتشيير الكتابة المنقوشة عليها أنها قد تجددت بعد الحريق الذي أصابها عام 884 هـ /1479 م وتم ذلك في عهد السلطان قايتباي عام 893 هـ /1488م ، وتعد المئذنة الغربية أجمل المآذن الثلاث .

فسيفساء الجامع الأموي

زينت جدران وأروقة وأقواس الجامع الأموي بالفسيفساء الجميلة في زمن الوليد بن عبد الملك وتتألف ألواح الفسيفساء هذه من فصوص صغيرة على شكل مكعبات من الزجاج الملون والمذهب وقطع من الصدف ، رصفت هذه الأجزاء الصغيرة إلى جانب بعضها البعض مؤلفة مواضيع زخرفية متناسقة على غاية من الدفة والإتقان ،.

يمتاز عمل فسيفساء الجامع الأموي عن جميع الأعمال التصويرية الجدارية الأخرى بموضوعاته وأسلوبـه الفنـي . أما موضوعاتـه فهي قصور ومنشآت وجسور وأبراج وأروقة محاطة بالأشجار ويقع أغلبها على حواف الأنهار والبرك ، ولا يوجد بين هذ المواضيع محل لأشخاص أو حيوانات .

وقد اختلف في تفسير هذه المواضيع . رأي يعتقد أن هذه الصور تمثل دمشق ونهر بردى . أما المؤرخ الجغرافي المقدسي فيقول أنها صورة العالم : ( ومن العسير أن تكون هناك شجرة أو مدينة لم تصور على تلك الجدران ) ؟ . ويرى ايتنهاوزن في كتابه في التصوير عند العرب : ( أنها تعبير عن قوة الإسلام وشموله أكبر رقعة في العالم ، وأن تعاليم الإسلام أدت إلى ظهور العصر الذهبي والفردوس على الأرض ) . ويرى غرابار في كتابه تكوين الفن الإسلامي : ( إن هذه الصور تعبير عن الجنة التي وعد الله بها المؤمنين الأتقياء ، والتي تهفو لها قلوب العرب الظامئة إلى فردوس الحياة ) .

وقد وصف المؤرخون والرحالة جمال الزخرفة والفن البديع الذي يزين الجامع ، منهم المسعودي الذي زار الجامع عام 332 هـ / 943 م ، كما كتب المهلبي في القرن الرابع عن فسيفساء الجامع ، ووصف المقدسي رحالة القرن الرابع الهجري الفسيفساء والرخام الذي كسيت به جدران المسجد .

وبقيت زخارف المسجد محتفظة بوضعها الأصلي إلى أن نحلت الكوارث بالجامع ، فتناثر رخامه وفسيفساؤه ، وفي كل مرة كانت تنهار أجزاء فنية منه حتى صار إلى ما هو عليه الآن ، ولولا الترميمي والإصلاح في العهود الماضية لما بقي لنا منه شيء ، وقد حفظ لنا الرواق الغربي بعض اللوحات الجميلة ، كما حفظ الرواق الشرقي في الزاوية الشمالية الشرقية قطعة فسيفساء قديمة وما تزال ثابتة في مكانها منذ بناء الجامع حتى يومنا هذا .

وتعتبر ألواح الفسيفساء في الجامع الأموي من أجمل وأهم الثروات الفنية الإسلامية في سورية .

وخلاصة القول إن الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك بإنشائه هذا المسجد قد أبدع مدرسة جديدة في تصميم بناء المساجد أسمها المدرسة الأموية ، التي اتسمت بالوضوح المعماري وتنوع الحجوم الفراغية ، وأوجد أجساماً معمارية لوظائف معينة ( المحراب ، المنبر ، المقصورة ) .

لقد أراد الوليد أن يتحدى في المسجد الأموي الحضارات السابقة للإسلام ، وأن يثبت للعالم آنذاك أن الإسلام قد غلب بقية الأمم ليس فقط سياسياً وعسكرياً واقتصادياً واجتماعياً بل وحضارياً أيضاً .



  عدد المشاهدات: 1872

إرسال لصديق

طباعة
شارك برأيك

الاشتراك بالقوائم البريدية
البريدالإلكتروني: