الأمل بالعمل



الأكثر زيارة
 الصفحة الرئيسية   ثقافة و فن   

سوريا مهد الحضارة - المدن المنسية العتيقة - يونس أحمد الناصر
April 09, 2013 12:27

المدن المنسية العتيقة - يونس أحمد الناصر

المدن المنسية العتيقة - يونس أحمد الناصر

المدن المنسية (لأن سكانها هجروها منذ أكثر من ألف عام ) هي المدن التي نشأت على سلسلة كتل جبلية قليلة الارتفاع بين محافظات حلب وإدلب وحماة بين القرنين الأول والسابع الميلاديين وتعتبر جزءاً مهماً من تاريخ سورية وحضارتها.
وتتوزع هذه المدن على كتلة جبل سمعان وكتلة جبل بريشيا والأعلى والدويلة والوسطاني وكتلة جبل الزاوية في الشمال السوري بين القمم الجبلية والسفوح والوديان ويطلق عليها علماء الآثار المدن المهجورة أو القرى المنسية أو العتيقة.
وقدر عالم الآثار جورج تشالنكو أعداد هذه المدن والقرى بـ 778 موقعاً منها 135 تقوم على خرائب مسكونة و322 موقعاً قامت على أنقاضها تجمعات سكنية حديثة و321 موقعاً محفوظاً بشكل مناسب غير أن تغييرات كبيرة حدثت في تلك المنطقة نتيجة التوسع السكاني والسكن فيها واستخدام حجارتها للبناء وأراضيها للزراعة ولم يعد عدد هذه القرى والمدن يتجاوز60 موقعاً.
وبنيت المدن والقرى المنسية وفق أسلوب معماري واحد أطلق عليه علماء علم الآثار اسم فن العمارة السورية تمييزاً عن فن العمارة الكلاسيكية اليونانية والرومانية جعلها تستحق الحفاظ على جمال عمارتها كونها محوراً لنشاطات سياحية تثير الإعجاب بجمالها وعظمة بنيانها وفرادته وهي تتميز بأسلوب زخرفة جميل لا مثيل له في العالم من الداخل والخارج وتعكس مرحلة من مراحل تطور فن الفسيفساء من الأسلوب الكلاسيكي واعتماده الأساطير الوثنية إلى الأسلوب الديني ولاسيما المسيحي ببساطته واهتمامه بالجمال الروحي واعتماده على الرموز الروحية والزخرفة النباتية والحيوانية ما شكل مرحلة في الانتقال إلى فن الفسيفساء الإسلامي.

تطور بناء الكنائس:
وتحكي هذه المدن والقرى جزءاً مهماً من تاريخ الأجداد ومحاولتهم تخليد استقلاليتهم عن روما وبيزنطة ولاسيما بعد انتصار المسيحية النهائي في القرن الرابع عشر الميلادي ففي هذه المدن تطور بناء الكنائس من الكنيسة المضافة أو غرفة الاستقبال إلى الكنيسة الكاملة "البازليك أو الكاتدرائية " ونشأت فيها الحياة الديرية ( نسبة إلى الدير) التي انتقلت منها إلى أوروبا والتي تجمع بين العمل والعبادة كما نشأت حركة القديسين العموديين ومن أبرزهم القديس سمعان العمودي وقد كانت كنيسته لفترة طويلة من أعظم كنائس العالم المسيحي.
كما أن أصول فن العمارة الكنسي المعروف بالروماني تعود إلى نماذج قلب اللوزة ودير سمعان.
وتشمل المدن المنسية المواقع التالية.. قلعة كلونة كيمار- قلعة نجم برج حيدر- النبي هوري-كفرقدو أو كفر قابو- براد و دير براد- كنيسة المشبك-خراب شمس وتعتبر البارة إحدى أهم المدن المنسية وتبعد عن سيرجيلا قرابة 3 كم وتزخر بآثارها التي تعود لعصور مختلفة فيها بيوت حجرية وأديرة مثل دير سوباط وفيها معاصر زيوت وثلاث كنائس وأضرحة ضخمة ويقع إلى القرب منها حصن عربي هو قلعة أبي سفيان. وتحكمت البارة بالطريق التجاري الواصل بين آفاميا وإنطاكيا وفيها العديد من معاصر الزيتون والمخازن والآثار الإسلامية مثل القلعة والمسجد.

سرجيلا:
 سرجيلا قرية ماتت حينما هجرها أهلها قبل 1300 عام. حزموا أغراضهم ونظفوا منازلهم ورحلوا مخلّفين للتاريخ بيوتاً مبنية بالحجر الصلب ومعصرة ومقابر وكنيسة وجامعاً. ولم يعرف بعد سبب الهجرة, ثمانية عشر عاماً من الدراسات تناولت قرية سرجيلا  السورية وأبنيتها للرد على التساؤلات عن الحياة اليومية لأهالي تلك القرية واستخلاص طريقة حياة أهالي مئات القرى البيزنطية الأخرى المنتشرة على منحدرات جبل الزاوية في شمال سورية.
سيرجيلا هي من القرى الأثرية التي تقع على هضبة كلسية تعطي صورة واضحة عن وضع الأرياف بين الفترتين الرومانية والبيزنطية وفيها أبنية كثيرة وكنائس وحمامات بنيت عام 473 ميلادي.
وتتميز بيوتها وكنائسها وقبورها بأنها بنيت على نمط واحد وكان شعبها يتكلم السريانية وتعرضت للحروب والزلازل والكوارث الطبيعية وحررت على يد نور الدين الزنكي عام114 وتعود القبور في سيرجيلا إلى العهد الآرامي والعموري وتتميز بالقبر الهرمي وهو عبارة عن برج أسطواني يرتفع فوق قاعدة يبلغ ارتفاعه ما بين15 و30 متراً.
وتقسم مقابر سرجيلا إلى نوعين: غرف محفورة بالصخر، ونواويس ضخمة منحوتة بحجارة المنطقة. ولم تسمح الحفريات الأثرية بتحديد المقلع الذي استُخرج منه الصخر فقط، بل أيضاً بتحديد تاريخ استخراج كلّ من النواويس السبعة الموزعة على الموقع وطريقة العمل.
أولاً كانت تُحفَر الصخرة التي ستُنحَت لاحقاً إلى ناووس، وذلك بحسب المقاسات المطلوبة، ثم توضَع على ألواح خشبية مستديرة وتحاط بالحبال ويجرّها الحمير إلى خارج المقلع، فتوضع على القاعدة التي صنعت خصيصاً لها، ومن بعدها يبدأ نحتها من الداخل لتتحوّل إلى ناووس يوضع بداخله الجثمان ويأتي الغطاء المخروطي الشكل من فوقه. ومن الواضح أن الناووس لم يكن يستعمل لشخص واحد، بل مداورة لكلّ أفراد العائلة الواحدة،  وتخفي منازل سرجيلا أسرار خمسة قرون من السكن والحياة اليومية التي كانت تدور في كنف الزراعة ونحت الحجر.

جبل بريشيا:
وأما جبل بريشيا أو برايشا في إدلب فيحتوي قلاعاً وخرائب بيزنطية ترجع إلى القرنين الخامس والسادس الميلاديين ومعظم عماراتها هي دور للعبادة وأخرى للسكن وتشتهر كنيسة قلب نوزة قرب حارم بأنها من أجمل كنائس العالم.
ومن مدن إدلب المنسية ترمانين والدانا وسرمدا وتل عقبرين والأتارب وتلعادة وهي مازالت مأهولة وتضم أوابد بيزنطية وتنتشر فيها مغاور كثيرة كما في قرية المغارة في جبل الزاوية حيث أعيد في العهد البيزنطي استخدام المغر.
براد وقصر براد:
ويحتضن جبل سمعان مدناً منسية عدة منها براد وقصر براد وبرج حيدر ودارة عزة وباسوفان وخراب شمس إضافة إلى خرائب أثرية تحيط بقلعة سمعان مثل تقلة ورفادة والقاطورة وست الروم ودير سمعان "تيلانيسوس" الذي يحتوي حياً للحجاج وداراً للضيافة وكنيسة وفنادق وثلاثة أديرة وهي تتاخم قلعة سمعان التي اتخذت شكل الحصن في القرن العاشر الميلادي.

 كنيسة القديس سمعان العمودي:
 كان القديس سمعان العامودي صاحب طريقة التعبد على عامود قد عاش بداية القرن الخامس وترهب في الدير وبنى عاموده المشهور الذي بلغ ارتفاعه40 متراً ولم ينزل عنه طوال39 عاماً فتحول المكان إلى محج أقيمت حوله كنيسة ( وَ يعترف المؤرخون بأنّها َ كانت لفترة طويلة من أعظم كنائس العالم المسيحي ) على مساحة 5000 متر مربع في العام 476 ميلادي واعتبرت آية في التصميم المعماري وأقيمت فيها في فترات لاحقة مساكن للرهبان وطلاب العلم وملاحق مثل المعمودية والرهبانية والفنادق والمدافن وتبعد قلعة سمعان عن حلب37 كيلومتراً لجهة الشمال الغربي كما تعتبر  نماذج الكنائس التي بناها المعماري السوري العظيم المدفونة رفاته في كنيسة قصر البنات" قيروص فيريانوس" هي الأساس في كثير من الكنائس الأوروبية اللاحقة.

مدينة النبي هوري:
تعد مدينة النبي هوري التي تقع في منطقة عفرين ناحية شران على بعد70 كم من حلب باتجاه الشمال الغربي وتبعد22 كم عن إعزاز من المدن الرومانية الحدودية المهمة وهي ذات أصل هلنستي، وقد لعبت دوراً مهماً في حماية شمال سورية من الفرس ويوجد فيها برج روماني وقلعة عربية وأكثر من كنيسة وأسواق ومساكن ومدرج روماني وقبور أهمها قبر النبي هوري، وتحولت المدينة في العهد البيزنطي إلى مدينة بيزنطية ضمت عشر كنائس وأسقفية ويوجد فيها جسران رومانيان من القرن الثاني الميلادي يقعان على بعد 1,5 كيلومتر من موقع النبي هوري الأول على نهر الصابون والثاني إلى الشرق منه على بعد كيلومتر واحد وهما الجسران الوحيدان الباقيان من تلك الحقبة.

مدينة كيمار:
وأما مدينة كيمار التي تقع في منطقة عفرين بلدية الباسوطة شمال قرية سمعان فهي من أهم المدن الأثرية في الحقبة الرومانية البيزنطية من القرن الخامس والسادس الميلادي وفيها دور سكن وفيلات وكنائس وصهاريج لجمع مياه الأمطار وتتميز بهوائها العليل ما يجعلها مركز اصطياف ممتازاً.

كنيسة المشبك:
وتقع كنيسة المشبك على بعد 25 كيلومتراً عن حلب باتجاه الغرب على الطريق القديمة إلى جبل سمعان وهي طريق القوافل في أراضي عين جارة نصل  إليها من حلب مروراً بخان العسل فنسير بين التلال باتجاه جبل سمعان، وأما كالوته في منطقة إعزاز بمدينة نبل فهي قرية قديمة تحوي كنيسة شرقية وأخرى غربية ودوراً قديمة وجواسق وأبواباً كبيرة لمنازل تعود للفترة الرومانية ثم البيزنطية وتعد قلعة كالوته المشهورة معبداً وثنياً تحول إلى كنيسة في الفترة البيزنطية ثم حصنت في القرن العاشر وقرية كفر نبو أو كفرنابو التابعة لمنطقة عفرين، تعود للفترة الرومانية ثم البيزنطية وهي حالياً مأهولة وفيها معبد وكنائس تعود لتلك الحقبة.

قرية خراب شمس:
وقرية خراب شمس الكبيرة الواقعة على المنحدرات الجنوبية لجبل سمعان تحتوي على كنائس وسراديب ومعصرة ومدافن وجواسق، أما قلعة نجم التي تعود إلى القرنين الثامن والتاسع الميلادي فهي قلعة عربية مهمة في منطقة منبج على بعد110 كم شرقي حلب وهي مؤلفة من ثلاث طبقات الأولى تحتوي على مستودعات وصهاريج وأبراج دفاعية وممرات سرية تليها طبقة ثانية أرضية تضم قصر الإمارة والحمام والقاعات العديدة أما الطبقة الثالثة فتشكل الطبقة الأولى فوق الأرض فيها مسجد القلعة وبعض الأبنية والمرافق المختلفة.
 والقصر والمسجد يعودان إلى القرن 12 ميلادي فترة الظاهر غازي بن صلاح الدين الأيوبي كما أنها تشمل خندقاً يحيط بها ومزاراً له قبة يعود لأحد الأولياء وقد اتخذ هولاكو هذه القلعة مركزاً لقيادته قبل غزوه حلب.
وتمثل هذه المدن معلماً مهماً من تاريخ سورية وعمارتها وحياتها الروحية  في القرون الميلادية الأولى فهي فريدة ليس في سورية فحسب بل في العالم كله لا تزال قائمة لتحكي قصة تاريخ مجيد يحكي ذاكرة الأجداد ويؤكد الاستمرار الحضاري لسورية.


 



المصدر : الباحثون العدد 37 تموز 2010



  عدد المشاهدات: 870

إرسال لصديق

طباعة
شارك برأيك

الاشتراك بالقوائم البريدية
البريدالإلكتروني: