الأمل بالعمل



الأكثر زيارة
 الصفحة الرئيسية   الصحافة السورية  

الخطاب المراوغ: من منّا لا يحتاج إلى "مؤتمر أصدقاء"؟ - البعث
May 22, 2013 13:09


كل الأخبار - البعث : تُعقد اليوم، وبعده اجتماعات ولقاءات في عمّان والقاهرة ومدريد واسطنبول تحضيراً لجنيف 2، ويترافق هذا مع واقع يعيش فيه العرب زمن انفراط عقد الثقافة الوطنية والعروبية، وانحسار الفكر التحرري التقدمي، لتطفو على السطح طروحات مبنية على أسس من المكوّنات المريضة والبغيضة لاستنادها على انتماءات ضيّقة لا وطنية ولا قومية أسهمَ البترودولار الخبيث بتعويمها في عصر العولمة، وحوّلها من ضيّقة الى جوّالة، فعابرة للحدود، ووظّفها لسفك دماء الجميع بغزارة ورخص.
ولن تغيب عن هذه الملتقيات أفكار هدّامة تنتقل بالعقل السياسي العربي الى مرحلة تحوّل تسيطر فيها مفاهيم الملل والنِحل، الأقلية والأكثرية، زحف الماضي على الحاضر. مرحلة تنتقل فيها الديمقراطية من مفهوم الأكثرية السياسية "الحزبية" الى الأكثرية الديمغرافية "دوغما"،يُبعث فيها مفهوم الأقلية والأكثرية على أسس من غياب الوعي الديمقراطي، لاصطفاف الجموع تبعاً لأنساق عرقية وطائفية ومذهبية، ديمقراطية ورقة الاقتراع التي تكرّس التبعية قبل الوعي: مصر وتونس.
تلك هي آثار تقدّم الخطاب الرجعي العربي المدعوم من المركزية الغربية، بعد هرولة جماعات من الناشطين في الثقافة والسياسة الى عواصم الخليج والغرب لترتمي في أحضان المتآمرين على حقوق الأمة ومصالح الشعب، تآمراً على ما أنجزه المشروع النهضوي العربي سابقاً، ومُصادرةً لطموحات الأجيال الجديدة المتطلعة الى الحريات الاجتماعية والانفتاح السياسي، لتتحوّل بعض هذه الأجيال بجهود الكَذَبة والمراوغين من المتاجرين والمرتزقين بالمعارضة المشروعة، إلى جهاديين وتكفيريين وانتحاريين مدعومة وموظّفة لإسقاط حصانة الدولة الوطنية بالمقاتلين العابرين للحدود، فأية حرية وأية سلميّة وأي انفتاح يعقب صرخة «تكبير» الجوّالة؟
إنها مصادرة للوعي والانتماء ستلقي على أجيال اليوم والمستقبل، وعلى الأوطان والأمة أعباء كبيرة وأخطاراً جسيمة يصعب تجاوزها.
إن مفردات الخطاب السياسي السائد على الساحتين العربية والإسلامية محرجة ومشينة، كانت مسحوبة من التداول في القرن الماضي، لكنها اليوم تتقدم وتنتشر انتشار النار في الهشيم في الميديا الخليجية والغربية، وللأسف فإنها تتمدّد وتنتقل بالعدوى الى بلاد الشام ومصر والمغرب العربي، ولاسيما تلك التي تحرّض على العنف والصراع الإثني والطائفي والمذهبي، بعد اضمحلال حضور الخطاب الحزبي الوطني والقومي واليساري والليبرالي.
هذه المفردات تخدم نسقاً من الخطاب والتفكير والممارسة يدفع الى الإحباط، يفتَت ويمزّق، يصيب المجتمع بالوهن والتفرقة. وهذا ماكانت تعاقب عليه أغلب الدساتير الوطنية التي وُضِعت في أعقاب نجاح حركات الاستقلال العربي بأشد العقوبات. لكنها صارت اليوم من مستلزمات نشطاء البترودولار ووسائل التضليل الإعلامي.
في هذا السياق يأتي ما يسمى بـ«مؤتمر الأصدقاء» وجهود «الجامعة العربية» و«اللجنة الوزارية برئاسة دويلة قطر»،أصدقاء خُلّص طالما أسهموا في نصرة الشعب العربي وقضاياه الوطنية والقومية!! أصدقاء لا يغيب منهم دول الاستعمار القديم والجديد.. تركيا فرنسا بريطانيا الولايات المتحدة الرجعية العربية.. لا يغيب «شخصياً» إلاّ اسرائيل الحاضرة بأصدقائها بقوة من خلف الصفوف.
فمتى كان هؤلاء أصدقاء أيها الأشقاء؟! فإذا كنتم مصرّين على التمسك بهكذا صداقات فمبارك عليكم، لكن مراجعة التاريخ واجب، فلا تتجاهلوا أنكم معهم أصدقاء المشروع الصهيوني لا غير، ولتعرفوا أن أغلب أعضاء المؤتمرات الثلاثة في تونس واسطنبول وباريس شعروا بالحرج والخجل والخيبة فتضاءلوا عدة وعدداً وتوجهات وغادروا منصات الخديعة والكذب لينخفض عددهم الى عشرة بعدأن كانوا حوالى مئة وخمسين عضواً مدفوعاً بالوهم والتضليل والبترودولار.
ولم يأت هذا التضاؤل عبثاً، بل هو مقترن بتحوّل أدركه الأحرار والشرفاء في العالم بعد أن أسست له عوامل ثلاث هي: صمود الجيش السوري ومؤسسات الدولة الوطنية - طفو الفعل الجهادي التكفيري العابر للحدود في المنطقة والعالم - بروز أثر العامل الصهيوني في مشهد التحوّل العربي. كما أنه مقترن بشعور عارم من خوف ينتاب جميع المتورطين بالأزمة السورية.
وهؤلاء جميعاً يدركون أن سورية كانت ولا تزال وستبقى القاعدة العروبية الصلبة، والركيزة الثابتة التي يستنداليها المشروع القومي في مواجهته للمشروع الصهيوني، والتي سيوقف انتصارها وخروجها منالأزمة محاولات امتداد التفتيت والتمزق العربي التي يبدو أنها ستطال الجميع.
وسيأتي قريباً اليوم الذي يوقف العروبيون فيه هذه الموجة المؤلمة من التصدّع والتفرّق، يوم يعرف فيه الجميع- سورية ومصر والعراق وتونس والأردن ولبنان... باستثناء المشيخات القادرة على تسديد الفواتير - أننا صرنا بحاجة الى أصدقاء حقيقيين، وليس الى داعمين تقليديين وأصدقاء لإسرائيل. يوم لا تكون فيه "مؤتمرات الأصدقاء" مؤامرات على العيش المشترك، وعلى الدولة الوطنية، ووحدة الشعور والمصير العروبي وليس "الجهادي".
د. عبد اللطيف عمران



  عدد المشاهدات: 1089

إرسال لصديق

طباعة
شارك برأيك

الاشتراك بالقوائم البريدية
البريدالإلكتروني: