الأمل بالعمل



الأكثر زيارة
 الصفحة الرئيسية   الصحافة السورية  

“داعش”.. الصهيونية والوهابية والأردوغانية؟-صحيفة البعث
August 20, 2015 14:22

“داعش”.. الصهيونية والوهابية والأردوغانية؟-صحيفة البعث

في المنطقة والعالم، سباق فعلي وجدي بين الحرب الكبرى والتسوية الكبرى، ويبدو، حتى اللحظة، أن إمكانية تحقق الأولى تتفوّق على إمكانية تحقق الثانية لأسباب متعددة، بعضها اقتصادي بحت، وبعضها له علاقة بالطبيعة البشرية التي لا تجنح للتسوية إلّا مضطرة، وبعد أن تدفع ثمنها غالياً، فهناك دائماً بعض الرؤوس الحامية الذين يصدف أولاً امتلاكهم لناصية القرار في منطقة ما، ويؤمنون ثانياً بأن السياسة هي استمرار وامتداد للحرب، لا العكس كما تقول “صيغة كلازوفيتس”، بمعنى أن الحرب عندهم هي الأصل والسياسة فرع ملحق بها.
ويصدف، أيضاً، في هذه الأيام أن أصحاب هذه الرؤوس في منطقتنا بدؤوا يتحسسونها بقلق بالغ وهم يشاهدون مسارَ انهيارٍ تدريجي، لكنه متسارع، لمشاريعهم وآمالهم، وهي مشاريع نهائية بالمعنى الدنيوي، وخلاصية بالمعنى الديني، بمعنى أنها تمتلك، في زعمهم، الحقيقتين الدينية والدنيوية، أي السماء والأرض معاً، وهذا، في جوهره، وصفة، ودعوة في الآن ذاته، للقضاء التام والمبرم على باقي النظريات والمشاريع الأخرى وأتباعهما.
وهذه المشاريع، التي تتمثل بالصهيونية والوهابية والأردوغانية الإخوانية، هي صور متعدّدة لجوهر واحد، يؤمن، كلٌّ منها على طريقته، بأنه بديل نهائي لكل الثقافات والأديان والدول والزعامات الموجودة والقائمة، وفيما دمّرت الصهيونية وابتلعت ساسة وسياسة العالم الغربي خلال المرحلة الماضية، واقتلعت، بطريقها، شعباً بالكامل من أرضه، تسعى الأردوغانية لابتلاع التعددية التركية الإثنية والدينية والسياسية تمهيداً لابتلاع العالم الإسلامي تحت رايتها السلطانية وفكرة “أستاذية العالم” الإخوانية، فيما تسعى الوهابية بدورها لتدمير وابتلاع الإسلام وعالمه بالكامل، بل وأبعد من ذلك، التمدّد، إذا أمكن، خارج حدوده التاريخية والحضارية التقليدية.
بهذا الإطار نفهم تزمّت هؤلاء ورفضهم لكل الحلول التسووية، من رفض الصهيونية لحدود “1967″، إلى تناغمها والوهابية في رفض اتفاق النووي الإيراني، كما نفهم عدم هضم الأردوغانية خسارتها لسورية ومصر ثم خسارتها الداخلية الانتخابية، وبالتالي نفهم إصرار هؤلاء على رفض الحلول السلمية في سورية، وعلى استمرار تدميرهم الممنهج لبغداد ودمشق وصنعاء، ومحاولة إخضاع القاهرة بالمال، لأنها عواصم التعدّد الحضاري والإثني والثقافي المنفتح والمتسامح، وانتصارها هو في الجوهر هزيمة لمعنى وجودهم الواحدي، والأهم نفهم أيضاً تنافسهم “الداخلي”، مثل الصراع بين السعودية وقطر، والسعودية وتركيا، على زعامة العالم الإسلامي، أو صراع أردوغان-غل، أو أردوغان-غولن، أو بن نايف- بن سلمان، والاثنان مع وضد أفراد الأسرة الآخرين، لأن عقلية الإقصاء الواحدية عندهم لا توفر حتى حلفاؤهم العقائديين أيضاً.
بيد أنه من المهم ألّا نغفل الأسباب الاقتصادية للحرب، وهي أسباب لا تقلّ أهمية عن غيرها، إن لم تتجاوزها في عرف من يعي السياسة بكونها تكثيفاً للاقتصاد بصورة أو بأخرى، ففي العمق، هو سوق عرض وطلب تتصارع فيه “الكارتلات” العملاقة للفوز بحصة من كعكة الحرب والسلاح، ثم حصة من كعكة إعادة إعمار الدمار الذي تسببت فيه هي ذاتها.
وبالمحصّلة هؤلاء “الثلاثة” لا يبحثون سوى عن حرب كبرى، مستندين إلى وهم فائض القوة، الذي يعتقدون امتلاكه، ومراهنين أيضاً على عودة المحافظين الجدد، المعروفين بواحديتهم المشهورة، للبيت الأبيض كمقدمة لعودة الانخراط الأمريكي في مسار الحرب الكبرى المدمّرة، وبالتالي، هم لن يتراجعوا عن حربهم على العالم إلّا مرغمين، لذلك يصبح انتقاد “علي أكبر ولايتي” لصمت “بعض الدول الصديقة تجاه المؤامرة التي تحاك ضد سورية بهدف تقسيمها” مفهوماً، لأن الدفاع عن سورية هو، في جوهره، دفاع عن النفس قبل أي شيء آخر.
لكن لماذا أهملنا “داعش”؟!!، لأنه إذا كان للحرب الكبرى أن تقع، وهي حرب عسكرية وسياسية وثقافية أيضاً، فإنه ليس سوى فرعٍ وتفصيل صغير فيها، بغض النظر عن تضخيم وسائل إعلام الطرف الآخر له، فإذا ربحنا الحرب ضد الأصل، فإن “الفرع” سينتهي ويتبدّد كالماء في الرمال التي جاء منها.
بقلم: أحمد حسن 



  عدد المشاهدات:

إرسال لصديق

طباعة
شارك برأيك

الاشتراك بالقوائم البريدية
البريدالإلكتروني: