الأمل بالعمل



الأكثر زيارة
 الصفحة الرئيسية   الصحافة السورية  

الخلط الغربي بلغة الدبلوماسية- الثورة
October 15, 2015 04:16

الخلط الغربي بلغة الدبلوماسية- الثورة

ربما احتاج الرئيس بوتين لأقصى درجات الدبلوماسية وهو يتحدث عن اختلاط الأمور في رؤوس المسؤولين الغربيين الأوروبيين، وهي دبلوماسية ربما تكفي من حيث المبدأ لتحديد معطيات المشهد القائم على المسرح الدولي، وربما تفيض عن الحاجة في توصيف الواقع.

لكنها.. فيما يتعلق بأدوات الغرب في المنطقة، سيكون من الصعب على أي كلمات دبلوماسية أن توصف الحالة، أو تشرح ما ذهبت إليه، وقد يحتاج الأمر إلى أبعد من ذلك، وتحديداً فيما يخص العربدة الإسرائيلية للانتقام من هزيمة مرتزقتها، بالتزامن مع التهور التركي في انتهاك جنودها لسيادة الأراضي السورية في ذروة الاحتقان الداخلي التركي ومحاولة تصدير الأزمة ..!!‏

المسألة لا ترتبط فقط بسياق الحالة الغربية، وما تعكسه من تورم لدى الأدوات الإقليمية واستطالة مرضية في أوهامها، التي «تسترشد» بما يصدر من العواصم الغربية وتحديداً واشنطن، بقدر ما تتعلق بممارسات تلك الأدوات بناءً على حالة الخلط الغربية ذاتها، حيث تلجأ في الغالب إلى التعاطي مع المسألة من منظور القياس وفقاً للممارسات الغربية، من دون أن تأخذ بعين الاعتبار الفارق بين حسابات المشهد الدولي وما يستدل منه على النطاق الإقليمي.‏

فما يصح في ترتيبات العلاقة الدولية لا يجوز القياس عليه على المستوى الإقليمي، بل هو أغلب الأحيان غير قابل للتنفيذ، بدليل أن الكثير من المواقف والتصريحات الغربية التي تأتي في موجات متتالية من النفاق غير المتناهي، سرعان ما تتلاشى أو تكاد، حين تقتضي اللحظة السياسية، فيما تغرق الأطراف الإقليمية في أشبار حسابات خاطئة وقاتلة، حيث يستحيل تعويم ما غرق منها، أو إعادة تدوير الزوايا واستخدام ما احترق من أوراقها.‏

على هذه القاعدة، فإن القراءة الأولية لسياق العدوانية الإسرائيلية والتركية المتزامنة، تدفع إلى الجزم بأن الارتباط العضوي بين العربدة الإقليمية والنفاق الغربي لا يُعدِّل في القاعدة العامة، عندما تحدث بعض الاختراقات هنا أو هناك، ولا عندما تروّج بعض الأطراف الإقليمية لوهم الاعتقاد، بأنها أضحت قادرة على رسم سياسات بعيدة عن حسابات الغرب، حيث يقتضي دورها الوظيفي التنفيد الحرفي لأمر عمليات بالتصعيد والتسخين، وتوجيه رسائل اختبار لدراسة المتغير الإقليمي ومعادلات الاشتباك السياسي المزدوج على جبهات الاحتكاك المباشر بين الغرب والشرق، خصوصاً بعد الحضور الروسي ميدانياً الذي أثبت علو كعبه في المسرح السياسي عالمياً.‏

الفرق هنا لا يقتصر على حدود الاشتقاق الدبلوماسي، في صياغة المشهد، وما يخفيه من حوامل إضافية قادرة على تحديد وتوصيف ما يشتق من تصرفات لبعض الأطراف الإقليمية، وإنما في تقليم مظاهر عربدتها، وربما تطويقها.‏

ما نستطيع الجزم به أن الأمر تجاوز الخلط في حسابات الغرب ومعادلاته الإضافية في تحريك أدواته، وما ينتج عنه ليس مجرد تحول يمكن للدبلوماسية أن تضبط إيقاعه، وأن تحد من استطالاته، بل بات منهجاً في مقاربة غربية تريد أن تقدم دليلاً على اتساع خياراتها في التصعيد والتلويح بحماقة أدواتها الإقليمية، لتكون منبراً لرسائل تسخين، لا تكتفي بمحاولة تغيير قواعد الاشتباك السياسي، وإنما تعربد على هوامش المشهد الدولي، لتكون في نهاية المطاف أحد محددات الخلط الغربي ذاته في قراءة معطيات ما يجري على الأرض.‏

والخلط هنا وبهذه المعايير، أصبح أبعد من محاولة يائسة لتعويم أدوات فقدت فرصة حضورها الوظيفي وباتت أوهن وأعجز من تعديل موازين المشهد الإقليمي، وعربدتها التي لا تضيف جديداً على الدور الوظيفي ولا على المهمة التقليدية لوجودها العضوي في المشهد الغربي، وهي تحمل بذور التفجير الذاتي الذي عجز الأميركي عن الحضور المباشر فيه، فكانت مهمة تحريك أحجار الشطرنج على رقعة المواجهة للإسرائيلي والتركي، فيما بقيت التنظيمات الإرهابية محتفظة بحصرية وكالة الحروب الأميركية، في رسائل أدركت روسيا مسبقاً حدود ومساحة الخلط الغربي في توجيهها.‏

فالخطأ ليس في الاتجاه فقط، ولا في المكان فحسب، بل أيضاً في التوقيت، وما يحمله من انزلاقات يصبح الخلط في الرؤوس الغربية أبعد من مجرد إشارات ملتبسة وغامضة أو حمالة أوجه، وأكثر من ضوء أخضر أميركي للعبث بالمشهد الإقليمي، حيث أطنان الأسلحة المقدَّمة للإرهابيين مجرد قصف سياسي تمهيدي لخطوات تصعيدية يصبح فيها الخلط الأميركي تحديداً إشعاراً بحالة العقم السياسي والعسكري المزمن لأدواتها في المنطقة وخارجها، وإخباراً قسرياً بما ينتظر من تبقى من مرتزقة وإرهابيين.‏

بقلم: علي قاسم 



  عدد المشاهدات:

إرسال لصديق

طباعة
شارك برأيك

الاشتراك بالقوائم البريدية
البريدالإلكتروني: