الأمل بالعمل



الأكثر زيارة
 الصفحة الرئيسية   أخبار اليوم  

الربيع العربي و تدمير الحياة السياسية - بقلم : يونس أحمد الناصر
January 01, 2014 14:43

الربيع العربي و تدمير الحياة السياسية - بقلم : يونس أحمد الناصر


كل الأخبــــار - بانوراما الشرق الاوسط

 
 انتقلت الحياة العامة عبر العصور بتطورات هامة أفرزتها حاجة الأفراد إلى تنظيم حياتهم العامة و تحقيق مطالبهم و حاجاتهم البشرية , فمن حياة الأفراد الغير منظمة التي عاشها إنسان ما قبل التاريخ إلى حياة الاجتماع لمواجهة أخطار الطبيعة في عصور لاحقة , تلاها عصور بناء التجمعات البشرية على ضفاف الأنهار و نشوء الملكية الخاصة و تنافس البشر على الموارد فكانت المجتمعات على أساس القرابة الدموية أو مجتمع العائلة الواحدة و العائلة الأكبر و أعني العشيرة التي ساعدت أفرادها في أمور حياتهم اليومية و حل الخلافات ما بينهم و الدفاع عنهم ضد الأخطار الخارجية يقوم فيها شيخ العشيرة مقام السلطة الزمانية في هذه الأيام و كانت أوامره قوانين على الجميع الخضوع لها يعاونه في هذه السلطة التي امتلكها السلطة الدينية التي قد تجتمع أو تنفصل عن شيخ العشيرة .

ومع تطور الحياة البشرية و تضخم هذه المجتمعات , لم يعد الرابط بين الفرد و السلطة ممكنا بشكل مباشر فنشأت الحاجة إلى حلقة اجتماعية وسيطة بين الفرد و السلطة قامت بها فئة من أفراد المجتمع اختياريا ثم في فترة لاحقة بالانتخاب أو الشورى و ما شابهها من طرق لاختيار أفراد يحوزون على ثقة الأفراد في متابعة أمور حياتهم و العمل على تلبية احتياجاتهم , فنشأت فكرة الدولة التي ينتمي إليها مجموعة كبيرة من أفراد تجمعهم صفات و مقومات محددة كاللغة و العادات و غيرها من الصفات التي توحد أفراد هذا المجتمع , وأصبحت السلطة الزمانية في هذه الدول تتم بتفويض من الأفراد لهم بإدارة شؤون حياتهم ولو لم تربطهم معهم قرابة الدم كما في النظام العشائري

و مع تطور وسائل الإنتاج من مرحلة لاقطي الثمار إلى الزراعة فالصناعة و نشوء حرف كثيرة يحتاجها المجتمع و أنشطة كثيرة كالتجارة و البناء و غيرها , برزت الحاجة إلى تنظيمات اجتماعية تدافع عن حقوق المنضوين تحتها كأبناء المهنة الواحدة أو النشاط الاجتماعي الواحد فبرز إلى الوجود ما يسمى شيخ الكار أو شهبندر التجار

ومع تطور المهن و الحرف و انضواء العمال و الفلاحين تحت إدارة أفراد آخرين مالكين لوسائل الإنتاج , و ظهور المظالم التي لحقت بهذه الشريحة من أفراد المجتمع , ظهرت فكرة التنظيم النقابي للدفاع عن حقوق العمال و الفلاحين بمواجهة أرباب العمل سواء كانوا صناعيين أو إقطاعيين و هذه النقابات كانت هي البذرة التي نمت لتكوين الأحزاب التي رفعت مطالب أفراد المجتمع شعارات تسعى لتحقيقها و تحسين ظروف أبناء المجتمع الواحد

مقدمة لابد منها لما أريد الخوض فيه و هو الأحزاب و دورها في حياتنا المعاصرة , فزمننا الحاضر يشهد مشاهد متفاوتة لدور الأحزاب في الحياة السياسية , فهناك تجربة الحزب الواحد أو الأحادي أو الحزب القائد، وهناك تجربة الثنائية الحزبية ثم تجربة التعددية الحزبية وسيطرة الحزب على مجمل الميدان السياسي.

إن التطور الذي عرفته الأحزاب السياسية منذ بداية القرن العشرين وتحولها إلى ظواهر اجتماعية مؤسساتية أدت إلى تحولات بنيوية عميقة في طبيعة الأنظمة السياسية، خاصةً في البلدان المتقدمة.

فالأنظمة السياسية الحديثة المرتكزة على الأحزاب المنظمة تختلف كلياً عن أنظمة الحكم الفردي التي عُرفت في القرن التاسع عشر.

فالنظام البريطاني بعيد عن النظام الفرنسي وعن النظام الأميركي بالرغم من تشابه المؤسسات القائمة

تنصب الدراسات للأنظمة السياسية المعاصرة حول مفهوم الديمقراطية التي تعني بالتعريف الكلاسيكي اختيار الحاكم من قبل المحكومين عن طريق الانتخابات الحرة.

وقد ظهرت بفضل الفلاسفة وعلماء القانون نظرية التمثيل التي بموجبها يُعطي الناخب للمنتخب وكالة ليتكلم ويتصرف باسمه.
غير أن نمو الأحزاب وتطورها أدّى إلى تحوير كبير لعملية الانتخاب, فلم يعد الحوار بين الناخب والمنتخب ولا بين الأمّة والبرلمان، إذ تدخل فريق ثالث بينهما مما أدى إلى تغيير جذري في العلاقة السابقة , فقبل أن ينتخب النائب من قبل ممثليه يقع عليه اختيار الحزب.

مقدمة لابد منها وصولا لما أريد قوله بخصوص استهداف الأحزاب فيما يسمى زورا ” ثورات الربيع العربي ”

الحياة السياسية في الدول التي استهدفها المخططون لهذه الثورات كانت حياة غنية بغض النظر عن موقفنا من هذه الأحزاب فقد شكلت رافعة للحياة السياسية انتظم فيها المثقفون و العلمانيون , و انتظمت فيها المرأة إلى جانب الرجل و لكون الدول التي طالها العدوان و هي الأنظمة الجمهورية بشكل رئيسي فقد تم استهداف الأحزاب الحاكمة في هذه الدول و التي تنتمي إليها غالبية الشريحة المهتمة بالسياسة فتشير المؤشرات إلى أن الحزب الوطني في مصر مثلا ينتظم فيه ما يوازي 2/3 من الحياة السياسية في مصر بينما ينتظم الباقون في 1/3 وفي عام 2010 استطاع أن يفوز بأغلبية ساحقة تقارب 97% من مقاعد مجلس الشعب المصري.

أما في تونس كان التجمع الدستوري الديمقراطي، الحزب الحاكم في تونس والمهيمن على الحياة السياسية منذ الاستقلال 1956 إلى بداية سنة 2011، أي عندما اندلعت ثورة تونس

و في العراق الشقيق كان حزب البعث العربي الاشتراكي ( قطر العراق) وصل إلى الحكم لأول مرة بعد حركة 8 شباط 1963 التي قام به عدد من الضباط البعثيين , وقد حلت سلطات الاحتلال الأمريكي الحزب وحظرته بعد احتلال بغداد عام 2003.

فبعد الغزو الأمريكي للعراق تم حظر الحزب وشكلت الهيئة الوطنية لاجتثاث البعث لفصل مسؤولي الحزب من الوظائف الحكومية ، فيما تعرض العديد من كوادره إلى الاعتقال.

أما في سورية فقد تم الترويج لتحميل حزب البعث العربي الاشتراكي مسؤولية الأزمة تمهيدا لحله أسوة بحزب البعث في العراق و فيما لو نجح المخططون لهذه الثورات المصنعة في معامل الاستخبارات العالمية

و يشار إلى أن لحزب البعث العربي الاشتراكي في سورية هو الحزب الحاكم فيها منذ آذار 1963

وقد تم تأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي في سوريا سنة 1947 وبذلك يعتبر التنظيم السوري الأقدم في العالم العربي.

شهد فترة الستينات عدة صراعات وانقسامات بين القيادة القومية والقيادة القطرية, ثم بين تيار يساري وآخر يميني, قبل أن يتسلم حافظ الأسد قيادة الحزب والدولة في نوفمبر 1970 إثر الحركة التصحيحية سنة 1972 وشكل الحزب قيادة سياسية دعيت بالجبهة الوطنية التقدمية مع أحزاب قومية وتقدمية بقيادته تعمل على توحيد طاقات جماهير الشعب ووضعها في خدمة أهداف الأمة العربية”

ينتمي إلى الحزب حوالي مليون ونصف شخص منهم نصف مليون عضو عامل , وشعار البعث هو “أمة عربية واحدة .. ذات رسالة خالدة” .

مما تقدم نرى بأن استهداف هذه الأحزاب هو تدمير للحياة السياسية يوازي تدمير البنية التحتية الذي عانت منه هذه الدول و قد عمل المخططون لهذا العدوان إلى تقديم أحزاب دينية يعتمد فكرها التكفير كبديل للجماهير العربية و التشجيع على قيام أحزاب سياسية صغيرة وغير فاعلة للتعمية على الجماهير مما يمهد لاستلام الأحزاب الدينية التي ليس لديها أي مشروع سياسي فاعل زمام السلطة في هذه البلدان و بالفعل استطاع الإسلاميون الوصول إلى الحكم في كل من تونس و ليبيا و مصر و عانى العراق من بذور الفتنة الطائفية التي زرعها الغزاة الغربيون إلى يومنا هذا .

اذا الهدف الأول و الأخير لما يحدث في هذه الدول هو تدمير البنية التحتية التي أنفقت عليها هذه الدول ثرواتها عبر عشرات السنين كبحا لهذا التطور و إعادة هذه المجتمعات إلى حياة بدائية تحتاج عشرات السنوات مجددا كي تستطيع الوقوف و تدمير للحياة السياسية عبر تدمير الأحزاب السياسية القوية القادرة على توحيد جهود الجماهير لمقاومة فكرهم الاستعماري الجديد و قد نجح مشروعهم جزئيا في بعض الدول إلى أن اصطدم بالحاجز السوري الذي فضح مخططاتهم و أفشلها و نبه الشعوب العربية إلى ما حاكه الغزاة و ضرورة التصدي لها فكانت سورية بهذا قائدة حركة التنوير العربي و كما قال السيد الرئيس بشار الأسد عن الإسلاميين الذين وصلوا إلى الحكم في بعض الدول بأنهم فقاعة لا تلبث أن تنطفئ و بالفعل فقد بدأت هذه الفقاعات بالانفجار لتستعيد الشعوب العربية زمام المبادرة و تستعيد حياتها السياسية المتراكمة التي حاول المخططون طمسها تحت الركام وطمس بذرة القومية العربية التي ترعبهم تحتها .
خاص بانوراما الشرق الاوسط - نسمح باعادة النشر شرط ذكر المصدر تحت طائلة الملاحقة القانونية



  عدد المشاهدات: 6385

إرسال لصديق

طباعة


التعليقات:

إرسال تعليق:
الاسم الكامل:
البريد الإلكتروني:
البلد: