الأمل بالعمل



الأكثر زيارة
 الصفحة الرئيسية   مقالات  

سورية تحرر علمها ومقعدها / بقلم الدكتورة أشواق عباس
March 27, 2014 15:05

سورية تحرر علمها ومقعدها / بقلم الدكتورة أشواق عباس

كل الأخبار - البناء

ما بين قمتي الدوحة والكويت، يبدو أن القادة العرب تاهوا في صحراء التخبط بين الآمال والفشل، بين الأهداف والمصالح وبين الواقع. فسقف الآمال والأهداف العربية التي ظهرت واضحةً في الدوحة وصلت إلى الإتيان بوفد الائتلاف السوري المعارض وإجلاسه عنوةً وقسراً على مقعد الجمهورية العربية السورية، واستبدال العلم الوطني السوري بعلم الانتداب الفرنسي.
وفد الائتلاف، الذي لم يستوعب حينها صدمة إجلاسه مرةً واحدةً على مقعد الجمهورية العربية السورية، راح أعضاؤه آنذاك يتناوبون تباعاً على كرسي الرئاسة، ربما لرغبة أعضائه بالتمتع، ولو للحظات، بشعور السلطة التي من أجله قدموا الكثير من التنازلات السياسية والأخلاقية، وبسعر بخسٍ جداً، لداعميهم الإقليميين والدوليين.
عامٌ مضى على قمة الدوحة، والعرب يجتمعون مجدداً في الكويت، مع فارقٍ وتحولٍ نوعيين، فسورية المُغيبة كانت الحاضر الأبرز بينهم بعد أن تمكنت من تحرير علمها الوطني، ومقعدها الاعتباري، بصرف النظر عن رغبة دول وممالك عربية مؤثرة في إعطاء هذا المقعد لوفد الائتلاف.
صحيحٌ أن مقعد الجمهورية العربية السورية بقي شاغراً في القمة، لكنه كذلك فقط لمن لا يُبصرون. فسورية كانت حاضرة وموجودة بقوة عبر ما فرضته على الدول العربية المجتمعة من إعادة حساباتها المختلفة، فالحقائق الجديدة التي أخذت تتضح ملامحها يوماً بعد يوم على الجغرافيا السورية، وما أحدثته من تغييرات في السياسات الإقليمية والدولية، فرضت نفسها بقوة على المجتمعين في الدوحة. فليس كرماً في الأخلاق من قبلهم إعادة العلم السوري الوطني، بل بفعل الواقع الجديد الذي أخذت ملامحه بالتشكل منذ معركة القصير وصولاً إلى معارك الغوطة ويبرود والزارة وقلعة الحصن، والقائمة تطول لتشمل المناطق الأخرى.
وليس بعيداً من هذا الواقع، الحقائق الجديدة التي بدأت تفرضها «القيصرية الروسية» في محيطها الجيو-استراتيجي. وما إعلان الأركان العامة للقوات البحرية الروسية مؤخراً عن انضمام ثلاثة سفن حربية إلى الوحدة العملياتية للأسطول الحربي الروسي دائمة الإقامة في شرقي المتوسط إلا مؤشر لا يمكن تجاهله في الحسابات السياسية والميدانية للقوى الإقليمية والدولية.
يضاف إلى ذلك التغيرات الهامة التي أخذت تطال العديد من القوى الإقليمية والدولية، بدءاً من تركيا التي تشهد تطورات متسارعة تهدد الاستقرار والأمن فيها، مروراً بالخليج الذي بات مستقبل واستمرار اتحاده الخليجي موضع شك. وليس انتهاءً بأوكرانيا التي تشهد نزالاً سياسياً بين القوى الدولية ذاتها الفاعلة في الأزمة السورية. فرغم التهديد والوعيد الأميركي والأوروبي، وسلسلة العقوبات التي فرضوها على الروس، تمكنت موسكو وبكل هدوء، وبتجاهل واضح للضجيج الغربي، من استعادة القرم كجزء طبيعي وتاريخي منها، غير آبهة بكل جعجعة الطَّحْن التي أثيرت. وبذلك تفرض روسيا نفسها عالمياً كلاعب ليس مؤثراً فقط، بل وحاسماً في المعادلة الدولية الجديدة.
وربما ليس من باب المصادفة، أن يتزامن رفع العلم الروسي فوق شبه جزيرة القرم، مترافقاً مع النشيد الروسي الوطني، بما يعنيه ذلك من رمزية تتجاوز فكرة استعادة شبه الجزيرة، إلى إثبات أن معادلة العلاقات الدولية الجديدة التي بلورتها روسيا خلال العقدين الماضيين قد أخذت ملامحها شبه النهائية، وهذا سينعكس بالضرورة على كل الملفات الدولية. ليس مصادفة أن يتزامن ذلك مع إعادة العلم الوطني السوري إلى القمة العربية، بما يعنيه ذلك أيضاً من رمزية فاعلية الدولة السورية، وقدرتها على فرض سيادتها ووجودها، بغض النظر عن كل المحاولات الدولية والإقليمية لانتزاعها.
ما بين قمتي الدوحة والكويت، دمشق تحسم السجال والصدام السياسي العربي لصالحها، تماماً كما تتمكن من حسم الميدان العسكري لصالحها. وتفرض على القادة العرب إعادة حساباتهم، عبر إجبارهم إعادة الاعتبار لرمزية العلم الوطني السوري، ولمقعدها الذي لا يمكن لأحد احتلاله أو الاستيلاء عليه بالقوة أو بالتآمر الإقليمي والخارجي.
صدمة وفد الائتلاف في قمة الكويت كانت توازي صدمته في قمة الدوحة، لكن مع تغير اتجاه المؤشر في الثانية إلى الحالة النقيضة في الأولى، ما بين إجلاسهم على المقعد في الدوحة، وعدم السماح لهم بالجلوس عليه في الكويت. الأمر الذي يدلل بشكل واضح إلى أن الفارق في المؤشرات والحسابات السياسية بين القمتين باتت تتجاوز «المعارضة» الخارجية إلى الدول الداعمة لها. صدمةٌ كانت واضحة في المناشدات التي تضمنتها كلمة الجربا للمجتمعين من أجل السماح لهم بالجلوس مجدداً على المقعد السوري.
إذاً فعلتها دمشق، وهي التي لم تحضر إلى القمة، حررت مقعدها ومنعت أحداً آخر من الجلوس عليه.



  عدد المشاهدات: 2285

إرسال لصديق

طباعة
شارك برأيك

الاشتراك بالقوائم البريدية
البريدالإلكتروني: