الأمل بالعمل



الأكثر زيارة
 الصفحة الرئيسية   مقالات  

نارام سرجون: الأسد والتخلص من النطاق العفن.. ومن حمير الوحش
July 18, 2014 12:30

نارام سرجون: الأسد والتخلص من النطاق العفن.. ومن حمير الوحش

في سابق الأيام كنت عندما كنت أكتب وأثني على الرئيس الأسد كنت أعرف أنني أكتب في زمن صعب ليس مسموحا فيه تمجيد الزعماء مهما كانوا كبارا.. زمن أراد أن يجعل الشرق بلا سادة ولا قادة ولا زعماء بحجة أن الحرية قهرها تمجيد الزعماء والقادة.. وعندما كنت أكتب عن الرئيس الأسد كنت أعرف أن الكتابة عن الزعيم الأسد ستلوكها الألسن الزرقاء على أنها نوع من الكتابات التي لم تعد تناسب عصر (الشعوب التي تريد) وأنها كتابات تنتمي إلى ثقافة انتهت وأنها ستحاسب على أنها كتابات لا تنتمي للعالم الحر.. ومع هذا لم أكترث بالضجيج والاستهجان.. لأن من يكتب وهو في عين العاصفة والإعصار فإنه لن يخشى العاصفة ولا عينها الغاضبة ولا شدة الإعصار.. ومن يختر أن يكون في قلب الإعصار لن يكتب فقط عن سرعة الرياح وعن الأشجار التي اقتلعت بل عن رجال تصارعوا مع العاصفة.. سواء هزموا أم انتصروا.. وأنا كنت في قلب العاصفة وكتبت عنها ورأيت رجالا قصوا أجنحة العاصفة وأجنحة التنين وزجوا به في أقفاص الزمن كما تحبس الوحوش الكاسرة وهي لا تملك إلا أن تزمجر كسيرة.. وليس هناك أجمل من أن يرى إنسان السلاسل في معاصم العواصف.. وأن يصف الأعاصير وهي مربوطة من قرونها بالحبال كما الثيران الهائجة.. بعض الكتاب يفضلون أن يكتبوا عن الثيران والأبقار لا العواصف لأنهم يعيشون في حظائر الثيران وبين أظلافها ولا يجرؤون على الخروج في وجه الزوابع والرياح.. أما أنا فأفضل أن أكتب عن العواصف وصفيرها.. وعن زعماء الأزمنة العاصفة الذين يصطادون الأعاصير ويضعون اللجام في أشداقها قبل أن يسرجوها..
صار البعض في زمن الربيع أسيرا لثقافة تخشى مديح الزعماء أو بعض تجربتهم لأنه يعد نوعا من الذل وسوء الأخلاق الوطنية وقلة التربية الديمقراطية وضحالة المحتوى الإنساني واضمحلالا في الذوق والكرامة.. وكان الأمر مقصودا لأن إفراغ الأمة من الأبطال هو إحياء لطفيلياتها وزعران العنتريات فيها.. وهذا ماحدث في عملية الربيع العربي حيث نمت الطفيليات واستأسد البغاث وصار الروث وردا والزعران ثوارا.. وامتلأ الشرق بقيادات كارتونية هزيلة من نوعية ميكي ماوس وتوم وجيري وبالأشقياء والمغامرين واللصوص من أمثال ثلاثي تركيا وثوار الفنادق الباريسية.. وصار أقصى ما لدى الشرق من زعامات هو زعامات من مقاس أمراء وشيوخ الخليج العربي المحتل من تميم وحمد ومكتوم وبندر وزعتر والبغدادي والجولاني وملوك السعودية البؤساء.. فهل هناك أردأ من زمن يكون فيه لقب ملك السعودية "حكيم العرب"؟؟.. فإذا كان هذا هو حكيم العرب فمن هو حمار العرب؟؟!!.. لم يعد في الشرق إلا زعماء ظرفاء ومراهقون من مقاس القائد الفذ سعدو الحريري وسمير جعجع.. وبعد وصف "حكيم العرب" الذي ناله (أبو متعب) يستحق سعدو الحريري أن يمنح لقب لينين الشرق وفيلسوف "المستأبل".. ويستحق سمير جعجع أن ينال لقب.. ماو تسي تونغ البيروتي.
بقاء هؤلاء بيننا كان يطرح مشكلة عن مدى استيعابنا لتجربة الحكم والدولة والحرية بل إن كنا كشعوب نستحق الحرية ونستحق الاحترام ونستحق الحياة.. لأن بقاء ظاهرة الحكم الأميري والملكي على الطريقة السعودية والخليجية سبب كاف للإحساس أن هناك مشكلة في الثقافة العربية والشخصية العربية وخللا في غريزة الحرية والحياة لدى الشرقيين.. وهو سبب كاف لخجلنا من الحضارة والمدنية..
أستطيع وأنا كلي ثقة أن أقول إننا على تخوم أهم مواجهة في جيلنا عندما تابعت الرئيس الأسد بدقة في خطابه الأخير الذي لخص مشهد سبع سنوات قادمة.. ربما ستكون أقسى سبع سنوات على المنطقة في القرن الحادي والعشرين على الإطلاق لأنها السنوات التي ستشهد عملية تحطيم قواعد العلاقات القديمة والروابط المتعفنة التي تبين أنها لم تكن واقعية بل طوباوية طالما أنها لا تتخلص من النطاق العفن.. وحسب قراءات غربية فإن الرئيس الشاب صاحب نظرية ربط البحار وجد أن عليه قبل ذلك التخلص من النطاق العفن لإعادة بناء الشرق الأوسط وفق الرؤية الإستراتيجية.. وعندها يمكن ربط البحار.. وإسقاط مشروع الدولة العبرية..
ولفتني ما يسميه المراقبون الغربيون الذين تابعوا الرئيس الأسد في يوم تتويجه رئيسا أن الأسد كأنه كان يتحدث بشكل ما عن "نطاقه النظيف" كما لو كان يرد على مشروع بنيامين نتنياهو الذي وضع نظرية (النطاق النظيف) عام 1998 لتنظيف محيط إسرائيل من الجيوش القوية والدول الموحدة بتدمير الجيوش الرئيسية العربية الثلاثة السوري والعراقي والمصري وتفكيك هذه البلدان وتدمير ما بقي من الدول والجيوش العربية.. ويبدو أن الهجوم المعاكس على عملية النطاق النظيف لنتنياهو قد تم الإعلان عنها في بيان الرئيس الأسد.. وأن عملية النطاق النظيف الإسرائيلية قد انتهت بالأمس عندما اندحر مشروع تحطيم الدولة والجيش السوريين.. ويتفق البعض الآن على تسمية المشروع السوري الذي سيقوده الأسد على مدى سبع سنوات كمضاد للنطاق النظيف الإسرائيلي بأنه النطاق النظيف السوري.. وهو يقضي بالتخلص من كل عوامل قوة إسرائيل في المنطقة.. واستئصال بؤر إسرائيل ومستوطناتها خارج فلسطين.. وهناك من أطلق على المشروع السوري مصطلح (التخلص من النطاق العفن)..
يرى الأسد أن النطاق العفن المحيط بسورية والذي يقوي إسرائيل متمثل في مثلث أضلاعه تركيا والسعودية والإسلام السياسي.. وقد وصل الأسد إلى قناعة أن التخلص من النطاق العفن عملية ضرورية لخنق إسرائيل عدوه اللدود.. ولذلك فإن الأسد قد أعلن عزمه على إغلاق الملف التركي في سورية بأسرع وقت ممكن وأن يكون إخراج تركيا تدريجيا ونهائيا لكن سريعا من كل الملفات الإقليمية بمساعدة حلفائه.. وهذا هو الشق التركي في عملية النطاق النظيف السوري القاضي بالتخلص من النطاق العفن التركي في جميع الملفات دون استثناء.. وفي تنظيف النطاق السوري من العفن السعودي فقد تبين بشكل جلي في حديث الأسد أن لا عودة إلى المعادلة السعودية في السياسة السورية ولذلك فإن إخراج السعودية من ملفات المنطقة من العراق إلى لبنان هي ما ستكون عليه عملية النطاق النظيف السورية في شقها السعودي- الخليجي والتي ستفضي إلى فقدان إسرائيل لركيزة هامة ومنصة إسرائيلية كانت تتقنع باسم التنسيق السوري السعودي.. أما الإسلام السياسي وهو مايجمع تركيا والسعودية من حيث الولوج إلى النطاق السوري النظيف عبر تغلغل مذهبي وديني فإنه سيتلقى أكبر عملية استئصال على مدى سبع سنوات.. وهي عملية شاملة ثقافية وتعليمية ودعوية واقتصادية وإطلاق القوى العلمانية الكامنة بالتوازي مع ثورة دينية تصحيحية.. وقد بدا عداء الأسد للإسلام السياسي المتمثل بالإخوان المسلمين بوصفه أعضاء هذا التنظيم على أنهم شياطين. ويتوقع أن تجري عملية اجتثاث ليس لها مثيل لقوى الإسلام السياسي في سورية وفي النطاق المحيط بسورية.. وسيكون استئصال الإسلام السياسي تنظيفا لسورية ومحيطها من البؤر التركية والسعودية التي تشبه المياه الراكدة التي تضع فيها تركيا والسعودية وإسرائيل بيوضها كما تفعل حشرات البعوض وهي تنشر وباء الملاريا.. وبدا الأسد على يقين من أنه سيكون قادرا اليوم على إطلاق مشروعه الكبير الذي سيفقد إسرائيل قدرتها على استعمال النطاق العفن ضد سورية ومحورها.. فهو يتحدث من موقف قوي غير مكترث بالأشقاء السعوديين ولا غضبهم وبدا أنه بدأ عملية الاستغناء عن المعادلة السعودية في سخريته من العائلة السعودية الذين لم يعد هناك شك أن أعضاءها صاروا غير قادرين على الرد وهم مرتبكون بسوء الحصاد.. وبدا استخفافه بالأتراك وبعنتريات اردوغان مدعاة للدهشة وكأن الأسد يرى مالا نراه قد اقترب في تركيا.. الأسد لم يتغير فهو في خطابه وفي العام الرابع عشر من حكمه لا يغير أولوياته.. ففلسطين هي الهدف.. وإسرائيل هي العدو الأول والأخير.. وكل ما دفعته شعوب المنطقة من دمار كان من أجل هذه الدويلة ونطاقها النظيف.. ولذلك فإن عملية التخلص من النطاق العفن هي عملية الوصول لإضعاف إسرائيل.. بنطاق سوري نظيف.
إن عملية تطهير النطاق السوري في شقها الخارجي ستثمر في تطور عملية التخلص من النطاق العفن الداخلي المتمثل في النفاق السياسي والثقافي والفكري.. وهي التي ولد منها النفاق الإداري والمالي وكل أشكال الفساد المستشري في القيم الأخلاقية لصالح الغايات.. فعندما تكون الثقافة فاسدة بسبب تلاقحها مع النطاق العفن فإن كل منتجاتها الفكرية والاقتصادية والسياسية ستكون فاسدة.. وهذا ما تسبب بكارثة الربيع العربي التي قادتها مجموعة من المنافقين والوصوليين والانتهازيين الذين أفرزتهم عملية التلاقح بين النطاق العفن النفطي والإسلام السياسي المتقلب.. فالربيع العربي كشف أن السياسي العربي والمثقف العربي في النطاق العفن طور نوعا أكثر دقة في التعبير عن الغموض من مصطلح الحربائية والتلون.. وهو نموذج يسبب الحيرة.. والغضب والاحتقار.. إنه نموذج جلد حمار الوحش.. فهناك دوما سؤال إن كان حمار الوحش أبيض مخططا بالأسود أم أسود مخططا بالأبيض.. والنخب العربية -دون اعتذار من كثيرين منها- مع استثناءات قليلة جدا يمكن اعتبارها قطعانا من حمير الوحش لأننا عندما نقرأ لأحدهم سطرين اثنين في صحيفتين مختلفتين نجد أننا نقرأ رأيين.. وما يقوله في الليل يمحوه في النهار. وما يؤلفه في بداية حياته يؤلف نقيضه في نهايتها.. ولا نعرف إن كان المثقف علمانيا تدين أم متدينا تعلمن.. والأمثلة كثيرة إلى حد مفجع ومؤلم.. وتحيرنا التناقضات المذهلة في المواقف من الأشياء إلا على أنها ثقافة النطاق العفن.. فبرهان غليون كان سوربونيا شتم الإسلاميين والمال الخليجي نصف قرن ثم صار مع نسائم الربيع أشبه مايكون بالرئيس الأفغاني برهان الدين رباني ويكاد ينهي حياته تحت راية أبي بكر البغدادي ويرسل مبايعته لملك السعودية.. وصادق جلال العظم كاد يهدم الدين وأركانه في بداية حياته وعندما اهتزت أعمدة بيته الثقافي تبين أن عقله يشبه جلد حمار الوحش.. فهو مخطط بالأوهام التركية العثمانية والذهنية الطائفية.. ومن يسير في عقله يحس أنه يسير على جلد حمار وحش مرة علماني ومرة عثماني.. مرة فيلسوف غربي ومرة مثل ابن تيمية.. وبينهما يزوغ البصر وتنقبض الحدقات.. ويدوخ العقل.. ولا يفهم ماهو لون حمار الوحش الحقيقي.. أبيض مخطط بالأسود أم أسود مخطط بالأبيض.
ومن يستمع لعبد الباري عطوان وهو يحلل موقف الرئيس الأسد يذهله هذا الانقلاب في الألوان وتحول الخطوط السوداء إلى بيضاء والخطوط البيضاء إلى سوداء.. فالرجل كان منذ أشهر عندما يقبض راتبه من قطر يبشر بالثورة السورية ويتباكى على خذلان الناتو للشعب السوري المسكين الذي يدافع عن نفسه ضد طاغية لا يرحم.. ويحلم في كتاباته بالدولة الإسلامية التي انطلقت يوما من دمشق ولابد أن تعود إليها.. واليوم صار يزبد ويرعد ويتحدث عن مؤامرة على سورية والدول العربية.. الربيع العربي والثورة السورية وكل من ركب فيهما قطيع كامل من الحمير الوحشية بخطوط سوداء وبيضاء.. مثل الشيوعي جورج صبرة المخطط بجبهة النصرة وبيعة أبي محمد الجولاني.. والمسيحي ميشيل كيلو المخطط بالوهابية الصليبية.. وجلد رياض نعسان آغا الذي كان وزير الثقافة هو جلد مخطط أيضا.. فالرجل كان مثقفا ووزيرا للثقافة فإذا به ثائر في دبي يبيع المديح والثقافة على بسطة ويدور على العتبات متسولا.. وظهر فنانون يسدون النصح للأسد وينتقدونه على محطات نفطية وكانوا بذلك لا يشبهون إلا حمير الوحش المخططة وهم يصنعون (الحرية من محطة العربية السعودية).
في درس الربيع العربي تبين أن كل معارض عربي هو حمار وحش مخطط لا يمكن الوثوق بلونه لأنه لا يعرف لونه السياسي أسود أم أبيض.. وبعضهم أثبت العكس بأنه ليس حمارا مخططا بل حمار بلون واحد أسود أو أبيض.. أردوغان بالطبع هو كبير حمير الوحش ورئيس هذا القطيع.. فالرجل غضب من بيريز ولكنه رفع من سوية التبادل التجاري معه ثلاثة أضعاف.. ثم غضب في بحر غزة من أجل سفينة مرمرة لكنه انتقم من السوريين والعراقيين.. وهو يريد أن يكون خليفة المسلمين ولكنه يريد أن يبقى خادما في الناتو.. ويريد الصلاة في المسجد الأموي لكنه لا يريدها في الأقصى.. وبالأمس كان عنترا في سورية واليوم في غزة صار.. غلاما مخصيا..
النطاق النظيف السوري الذي سيتخلص من النطاق العفن أفقيا وعموديا.. داخليا وخارجيا.. برنامج انطلق ولن يتوقف.. وسنرى نتائجه في سبع سنوات.. وسيرى نتنياهو ومن يلحقه كيف يكون نطاقنا نظيفا.. ونطاقه العفن حولنا يسقط.. وقد سقطت معه كل الحمير الوحشية.. والحمير الأهلية.. وحمار العرب.. فمن ينقذ إسرائيل عندما يسقط نطاقها العفن وتخلو حدودها من قطعان حمير الوحش والحمير الأهلية.. وتبقى في مواجهة الأسد؟؟.



  عدد المشاهدات: 1556

إرسال لصديق

طباعة
شارك برأيك

الاشتراك بالقوائم البريدية
البريدالإلكتروني: