الأمل بالعمل



الأكثر زيارة
 الصفحة الرئيسية   مقالات  

مآلات داعش ..والهجرة نحو الجنوب/ بقلم : نارام سرجون
August 13, 2014 04:12

مآلات داعش ..والهجرة نحو الجنوب/ بقلم : نارام سرجون


أخطر الكتابات على الاطلاق هي التي نكتبها في بدايات حياتنا وشبابنا لأننا في بداياتنا ليس لنا ماض لنراه ولالنصنع الندم والمراجعات بل مستقبل لنصنعه وفضاء من الزمن لاحدود له نسافر فيه .. عندما لايوجد ماض فانه يصبح مجهولا ويصبح المستقبل هو المعلوم .. واقتحام المعلوم أسهل من اقتحام المجهول .. عبقرية المغامرة هي في أن يحال المستقبل معلوما ويمسي الماضي هو المجهول .. وتتحول سين الاستقبال من أداة للخيال وأحلام اليقظة والوهم الى محركات نفاثة للأفعال المضارعة .. وتصبح "سوف" أداة للسفر عبر الزمن ..

والعظماء في الأمة هم من ترى عيونهم المعلوم ويسيرون اليه فيما عيون البلهاء لاترى الا قبور الأزمنة التي ماتت ..وتحاصرها نفس الأسماء والأحداث والكتابات المحنطة ..

ولذلك فان أسوأ الأفعال في اللغة هو الفعل الماضي الناقص "كان" لأنها كلمة ليس لها صلة الا بالماضي ولاترى عيونها المستقبل بل لاتدرك معنى المستقبل .. انها نذير شؤم عندما تغزو الكتابة وتنتصب قبل كل عبارة وتربط الكلمات بالأوتاد الى الذكريات .. وهي من علائم الشيخوخة التي تجلل بالشيب نصوص اللغة لأنها بوابة المذكرات والذكريات وشهادة وفاة للحكايات التي كانت ملأى بالفعل المضارع وسين الاستقبال .. وصارت في خبر كان ..!!

لاندري اليوم من هو الأحق بكتابة المذكرات اليوم .. أعضاء الائتلاف المعارض .. أم قبضايات المعارضة .. أم كل من انضم الى الثورة ؟؟ ولاندري من الذي تحول الى فعل ماض وصار يبحث عن حفرة من حفر الماضي لينام فيها كالمستحاثة ..

لكن لايوجد اختلاف على أن الاسلاميين سيكونون هم أحق الناس بكتابة المذكرات قريبا رغم الانتشار الكثيف للاسلام الجهادي .. فلايشك أحد أن الحركة الاسلامية التي عرفناها لعقود لم تعد على مايرام وهي تعيش أسوأ أيامها بعد أن وصلت الى مرحلة داعش .. ليس لأننا نخالف داعش في الرؤيا والهدف بل لأن داعش هي نبوءة تخبرنا عن مآلات الحركة الاسلامية ونهاياتها .. ولأنها تبين أن معادلة "الاسلام هو الحل" مخادعة وهشة جدا تشبه معادلة (صفر مشاكل) تماما .. فشعار "الاسلام هو الحل" كان يعني أنه سيجعل مشاكل المسلمين صفرا لأنه سيحلها كلها .. ومعادلة صفر مشاكل لصاحبها أوغلو هي ترجمة أخرى لعبارة "الاسلام هو الحل لكل المشاكل" .. ولكن أصحاب "صفر مشاكل" صاروا في مرحلة "صفر اسلام سياسي" .. فقد وصل الجميع في النهاية الى أن "لاحل مع الاسلام" .. ليس لأن الاسلام ليس عنده حلول أو أنه دين فاشل .. بل لأن الحقيقة هي أن لاحل مع الأديان جميعا .. لذلك لاحل مع المسيحية .. وليست المسيحية هي الحل .. ولاحل مع اليهودية .. ولاحل كذلك مع البوذية أو الهندوسية .. ولاحل حتى مع الوثنية أو الالحاد طالما أنها قائمة على التركيز حول فكرة العلاقة مع الله وليس الانسان .. فهي مبنية على قاعدة اما مع الله أو ضده .. وهو نفس منطق القاعدة وجورج بوش والمسيحيين الجدد والحاخامات اليهود وحاخامات داعش والاخوان المسلمين .. ولذلك طالما أن الدين ليس هو الحل فان الاسلام ليس هو الحل ولايمكن أن يكون الاسلام استثناء .. واذا كان الأصل (أي الاسلام) ليس حلا فلايمكن أن نقبل أن أيا من مذاهب الاسلام وفروعه هي الحل لمشاكل العصر .. فلا الاسلام السني هو الحل .. ولا الشيعي ..

ولذلك فقد قويت وجهة النظر القائلة بأن كل الحلول القائمة على الفصل بين الروح والجسد عبر فكرة الاله أو تذويب الحدود بينهما أو تغليب أحدهما على الآخر ليست حلا بل مشكلة .. لأن الدين هو حل للتساؤلات الوجودية والروحية ولك أن تختار مايحل مشكلتك الروحية .. فتقول الاسلام هو الحل للروح .. أو المسيحية هي الحل للروح .. أو التشيع أو التسنن .. وغير ذلك .. أما الحياة والوجود فلها حلول على الأرض وليس في السماء .. فالسماء (الروح) لاتحل مشاكل الأرض (المادة) .. ولاتحل الأرض مشاكل السماء (الروح) مهما قيل عن سطوة الروح على الجسد .. وكل محاولات البشر لاستيراد حلول سماوية لمشاكل (المادة) لم تجد نفعا منذ (مغامرة العقل الأولى) .. وقانون العقوبات الالهي المؤجل الى يوم القيامة لم يمككنا من الاستغناء عن قانون العقوبات الأرضي الوضعي منذ حمورابي العراقي .. وكان الحل هو فصل المادة عن الروح دون الغاء أي منهما .. وكل محاولات لترجمة قلق الروح الى حلول أرضية لم تصل الى حل .. ولذلك بقيت عبارة الاسلام هو الحل تحتاج الى مفردة أخرى يقررها العقل الروحي .. فيختار أن ينهيها بالقول (الاسلام هو الحل للروح وليس للمادة) .. أو (المسيحية هي الحل للروح وليس للمادة) .. أما ترك العبارة سائبة لقيطة يلتقطها كل من يريد أن يحل بها مشاكله النفسية والسياسية والاجتماعية والمذهبية فانه اهانة للاسلام ولكل دين ..

فهذه الشعارات عن أن الدين هو الحل مثل أن الاسلام هو الحل ألحقت الاهانة بالاسلام وأهانت كل دين ومافعلته هو بالضبط "استعباد للدين وللاسلام" .. فالاسلام الذي يقدم الحلول لكل شيء صار يعمل عبدا في ملكوت الدنيا دون نقاش .. ووجدنا في حال التسليم بالحلول الدينية للسياسة كيف صار الاسلام عبدا للسياسة يحل المشاكل السياسية كما يحل المشاكل الجنسية على نفس طريقة الاباحيات والمثليات والتابوات الجنسية فظهر جهاد النكاح كمكافأة (لدعم خط الاسلام السياسي) الذي هو اباحية صريحة والبعض وصل حتى الى زنا المحارم لدعم الجهاد ..

وللأسف فان الحقيقة هي أن من حل مشاكله بالاسلام هو الغرب واسرائيل .. والشعار الحقيقي لاسرائيل والغرب هو: "الاسلام هو الحل" لاسقاط أعداء الغرب .. حيث يحل الاسلام مشاكل الغرب كلها ويحارب نيابة عنه ويموت نيابة عنه ويقتل الاسلام المسلمين نيابة عنه وينسف آثارهم حتى الكعبة لم تنج من التهديد بالنسف على يد الداعشيين مثلا .. الاسلام يدمر البنى التحتية والثروات المتراكمة لعدة عقود في خمس جمهوريات مسلمة وكل تراكم المال في ممالك النفط التي تدفع بلاحساب ثمن برامج دعم وسلاح وفواتير لمعامل السلاح واعادة البناء للشركات الغربية التي تنعش اقتصاد الغرب باعادة بناء ليبيا والعراق وسورية واليمن والسودان ولبنان ..من أموال المسلمين ..

أخطر ثلاث سنوات في عمر الاسلاميين

والحقيقة التي لامراء فيها هي ان السنوات الثلاث الأخيرة هي أكثر السنوات الحرجة في تاريخ الحركات الاسلامية على الاطلاق ومنها ستبدأ غزوات الفعل الماضي لامكانات وفعاليات ونشاطات الحركات الاسلامية .. وربما كانت هذه السنوات الثلاث هي السنوات التي أنهكت الحركات الاسلامية عقائديا وأنضبت فكرها أكثر من كل العقود الأخيرة لأنها أفرغت جعبتها من الشعارات جميعا ووجدت نفسها في حيرة مابعدها حيرة لأنها أخرجت كل مالديها في مخازنها العميقة من طاقات ونظريات ومنظومات راكمتها طوال عقود ولكنها لم تعرف كيف تستثمر هذه الامكانيات الهائلة وخلطتها مع كل النظريات المستوردة عن التحالفات والتقلبات الايديولوجية البراغماتية .. وخاضت المعركة الخطأ بالوسائل الخطأ .. في التوقيت الخطأ .. في المكان الخطأ .. ولذلك ارتكبت الحركات الاسلامية أشنع أخطائها القاتلة التي كانت تشبه عملية انتحارية مجنونة ساذجة .. فالاندفاعة الجهادية المتهورة تسببت في صدمة وهزة اجتماعية هائلة لدى نفس الشعوب التي كانت تتغنى بحكم الشريعة والدين وتحلم بها كما لو كانت الفردوس والأرض الموعودة .. وبعد أن جربت النموذج الداعشي ونموذج جبهة النصرة حدث نفور الشعوب العربية والشرقية بشكل نهائي من النظرية الاسلامية في الحكم وهي تراها غير قادرة على ضبط اندفاعتها والسيطرة على جموحها بل ولم تظهر أن لديها المناعة من أن يتم ركوبها بسهولة من قبل أية قوة لااسلامية مما قلل جدا من مستوى الثقة بقدرتها على حماية نفسها فما بالك بقدرتها على حماية اسلامها ومجتمعاتها .. علاوة على ذلك فان تلك الاندفاعة كما تردد تقارير الاستخبارات الغربية مكنت الغرب بشكل غير مسبوق من استدراج الجهاد المخبأ في كل العالم - وخاصة في الغرب - الذي برز دون حذر لأن الاسلاميين نشطوا علنا في كل مكان حتى في الغرب باعتبار انهم ابرموا هدنة مع الغرب وهم يقاتلون نفس العدو (محور المقاومة وحلفاء روسيا) .. وكشفت عملية التجنيد شبه العلنية عن طاقات مخبأة وأعشاش غير مكتشفة ومنظومات جريمة وعنف ديني تغذيه الكراهية العمياء للجميع بحدودها القصوى الخفية في مدن الغرب .. منظومات تخرج جهارا نهارا لتصبح كل قنوات الاسلاميين في اوروبة مرصودة ومكشوفة بعد خروجها الى العلن والضوء .. كما تقول الوفود الأمنية الغربية التي صارت تصل الى دمشق ..

ستخضع مغامرة الاسلاميين الأخيرة الى دراسات طويلة وأبحاث بلا نهاية لمعرفة كيف وصل المشروع الاسلامي الى مرحلة داعش الأخيرة التي كشفت الخور والانهاك والتعب الذي تعاني منه النظرية السياسية الاسلامية بعد انطلاقها منذ عقود في أول انفعال سياسي مع واقع واسع .. ولكن في أولى الملاحظات والنقاشات بدأ التنويه الى حقيقة أنها أول مرة تخرج فيها النظرية الاسلامية (في عهد اسلاميي الربيع العربي ) من الاطار الذي صممه لها الرواد الأوائل وعلى رأسهم جمال الدين الأفغاني والشيخ محمد عبده .. فالرواد الأوائل للحركات الاسلامية الأولى من أمثال الشيخ محمد عبده وجمال الدين الأفغاني كانوا يريدون مغادرة الماضي بالطرق على بوابات المستقبل وكتاباتهم المحرضة على الوحدة الاسلامية واضحة في الجريدة التي أصدرها الأفغاني ومحمد عبده باسم (العروة الوثقى) .. وكان من الواضح أن أيا من أولئك الرواد الذين عاشوا في كنف الخلافة العثمانية لم يكن هاجسه الحفاظ على الخلافة والخليفة في استانبول بل احياء الاسلام كمجتمع وأخلاق ومنهج حياة بتجديد الفقه الاسلامي ومناوأته للغرب تحديدا والذي تجلى في تحريض جمال الدين الأفغاني على تدخل الانكليز في شؤون مصر ليكون الأب الروجي لثورة أحمد عرابي .. فقد رأى الأفغاني أن دولة الخلافة آنذاك (العثمانية) لم تحم الاسلام وأهله من الانهيار المعرفي والاجتماعي والديني ولم توقف التخلف الذي دفعنا ثمنه بالدخول في عصر الاستعمار الغربي الذي تلاه استعمار عصبة الامم .. فالفقه الاسلامي كان رجلا مريضا مثل الامبراطورية العثمانية تماما وسياساتها المريضة .. الرجل المريض كان له فقه مريض أيضا .. واليوم الاسلام السياسي مريض جدا تنتجه قيادات مريضة في تركيا وغيرها ..وهو ينتج فقها مريضا خاليا من الأخلاق والانسانية والسياسة ..والفقه المريض ينتج سياسة مريضة ..والدليل على ذلك تقلب المنتجات السياسية الاسلامية وتعفنها بشكل مأساوي حتى وصولها الى مرحلة داعش ..

أما الحركات الاسلامية الحالية فقد خرجت لأول مرة من مربع الجهاد الاسلامي الموحد ووحدة الخطاب ضد الغرب الذي أعطاها شرعيتها وجوهرها الى حقل الجهاد الطائفي الذي هو جهاد مع الغرب وليس ضده .. وتشبه عملية الجهاد ضد نصف الاسلام والسعي لاقامة دول طائفية عملية فصل مكة عن المدينة والأوس عن الخزرج .. وهو بحد ذاته فخ غربي تسبب في تشققات كبيرة في جسم الدعوات الاسلامية جميعا ولذلك وقعت التناقضات المميتة بين أجنحتها .. فلا يمكن لاسلام سياسي أن يحيا بنصف اسلام وهو يحارب الى جانب عدو الاسلام النصف الآخر للاسلام .. ولايمكن لاسلام سياسي أن يبقي على شرعيته طالما أنه تحول الى نصف اسلام ونصف ناتو (مثل حزب العدالة التركي) .. وأقسى ضربة تلقاها الاسلام السياسي هو الخروج من الخطاب الاسلامي السياسي الجامع الى خطاب خاص بأهل السنة فقط وكان هو الطعنة التي سددها للحركة الاسلامية قادة هذه المرحلة من اسلاميي حزب العدالة والتنمية والتنظيم الدولي للاخوان المسلمين الذين خلعوا فقه التجديد الذي أتى به جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وارتدى جهابذة الاخوان المسلمين فقه التبعيد والعزل وفقه البراغماتية لأنهم قرروا أن تجديد الفقه يبدأ بعزل السني عن الشيعي .. في معركة من الواضح أنها لاتنتهي بألف سنة .. وقد نكتشف يوما أن يهود الدونمة الذين تغلغلوا في حزب الاتحاد والترقي ودمروا الخلافة العثمانية فعلوا نفس الشيء في حزب العدالة والتنمية التركي وغيروا مسار الحركات الاسلامية كلها بركوب القاطرة التي جرت عربات الاخوان المسلمين ..لتدمير مابقي من الاسلام السياسي ..

يخطئ جدا من يعتقد ان داعش ستعيش طويلا .. لأن تقلبات المشروع الاسلامي سريعة ومنتجاته سريعة التفسخ والعطب .. بسبب أنها صارت منتجات سوق سياسي لا عقائدي ولأن نموذجها الطالباني القاعدي في أفغانستان وباكستان يصطدم لأول مرة وجها لوجه بالمنابع الرئيسية الاسلامية في العواصم الرئيسية الأصيلة للاسلام .. دمشق وبغداد والقاهرة .. داعش مثل جبهة النصرة ليست قادرة على تغيير قدر الموجة الاسلامية المحتوم بالنهايات التراجيدية لأن داعش هي ذروة مرحلة الانهاك الفكري والمأزق الايديولوجي الذي وصل اليه الاسلام السياسي وهي اعلان نهاية مشروع جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده بتجديد الفقه ..

بولادة مشروع البغدادي قالت لنا داعش رسالة بسيطة جدا هي أن مشروع الاسلام السياسي الذي عشنا معه عقودا كان هلاميا يتغير مع قوالبه وأوانيه وليس عنصرا ثابت الايديولوجيا .. فالاخوان المسلمون وهم من يعدون أنفسهم أعرق الحركات الاسلامية تحولوا بجرة قلم الى جيش حر .. ولكن الجيش الحر تحول معظمه بسرعة الى جبهة نصرة .. وجبهة النصرة تحولت نصف كتائبها بين عشية وضحاها الى داعش وقد تتحول داعش الى مخلوق آخر غريب الأطوار حسب سوق الجهاد .. وغاب الجولاني وذاب كفص الملح .. وانطوى الظواهري في غاره .. وترك البغدادي يقود المرحلة .. وتنقل المقاتلون جيئة وذهابا بين هذه المكونات في عملية صادمة كدليل لايرد على هلامية الاسلاميين الذين يتنقلون بين المذاهب الجهادية والتنظيمات ويغيرون البيعات للتنظيمات وصلت حدا كوميديا مأساويا كما لو كانت هذه التنظيمات مكاتب سياحية وليست مذاهب سياسية صلبة .. وهي سقوط مريع لمقولة أن الاسلام السياسي نظرية ومنظومة صلبة لاتتفتت فيما هي تتغير كما الطقس ..

أهم سبب لانهيار مشروع الاسلام السياسي هو - كما أسلفت - تآكل فلسفة التجديد للفقه الاسلامي الذي اسس له جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده .. وكان قلب المشروع قائما على فكرة الصراع مع الكولنيالية الغربية وليس لخوض صراع ضد الاسلام .. وسبب صعود وبقاء الاسلام السياسي على الطرف الآخر المتمثل في ايران وحزب الله هو أن الولي الفقيه قد أمسك بما بقي من فلسفة التجديد للأفغاني وربطها مباشرة بالمواجهة مع الكولنيالية الغربية والصهيونية فأبعدها عن التفتت وحافظ على توازنها .. ولكن الولي الفقيه عندما يحول مشروعه الى اسلام يحل مشاكل الغرب ويأكل النصف الآخر للاسلام فسيسقط مثلما ستسقط داعش ومثلما يتساقط

الاخوان المسلمون تباعا .. وكما تترنح بعض الأحزاب الشيعية العراقية التي أبرمت يوما نفس التحالف والصلح الذي أبرمه الاخوان مع الأميريكيين والكولنيالية الغربية ..


مآلات داعش ..والهجرة نحو الجنوب

داعش هي من أضعف منتجات الاسلام السياسي مهما حاول الاعلام الرفع من شأنها وتصويرها على أنها لاتقهر .. ولايقدر لها بالاستمرار طويلا لأنها تريد الانتشار في وسط اجتماعي جرّب العلمانية والشيوعية والقيم القومية والشوفينية وتشربها (الشام والعراق) وهذه التجارب القومية والشيوعية والفكرية العميقة شئنا أم أبينا فانها تركت أثرها في البنية العقلية للمنطقة وتفعل فعل اللقاح ضد الجدري والطاعون .. بل ان الاسلام الذي وصل من الصحراء في القرن السابع للميلاد الى الهلال الخصيب قد وجد نفسه ينفض غبار الصحراء عنه وخشونة الفاتحين الاوائل ويستحم في حضارة ومدنية أنهار الفرات ودجلة وبردى والنيل ويتمدن ويتهذب .. ولذلك يمكن أن تطفو داعش في فترة سريعة بسبب التفاعل المذهبي الحالي لكنها ستذوب بسرعة قياسية في هذه المنطقة .. وعلى العكس فان داعش ستجد أفضل بيئة لها تتقبلها في الجنوب العربي في الحجاز والخليج العربي المحتل .. فالحركة بعد تحجيمها المتوقع في بلاد الشام والرافدين لن تجد ممرا اجباريا لشظاياها الا بيئة الخليج العربي والحجاز حيث مأواها وسريرها الدافئ وحيث لاتجارب فكرية ولاحركات علمانية واستلاب فكري لاحدود له واستسلام للفكرة الدينية ومخدراتها .. وهي بيئات لم تتذوق طعم المذاق القومي والشيوعي والبرلمانات والتقلبات الحزبية والعسكرية وتفاعلات الغرب والشرق والمماحكات الفكرية الخلاقة التي شهدتها الشام والعراق ومصر لتشكل حائط مواجهة صلبا .. وداعش ان عاجلا أو آجلا ستلحق الجاذبية الارضية نحو الجنوب والمغناطيس الديني في شبه الجزيرة العربية بعد أن يضطرب استقرارها في العراق والشام .. وسيجد من يمسك لجامها أنها ستتدفق نحو الجنوب بشكل طبيعي لن يمكن منعه .. وهذا هو سبب بعض القلق السعودي والغربي والتوتر من اخفاق داعش في الاستقرار في بلاد مابين النهرين والشام لأن عملية السيطرة على حركة تستقر وتبني دولة أو منظومة حياة سهل .. لكن السيطرة على قطيع مذعور مطارد صعبة وسيدهس بحوافره رعاته وعازفي الأنغام الدينية في الجنوب ..

هذه الهجرة نحو الجنوب متوقعة جدا لأن البقاء في الشمال مستحيل حتى من الناحية الجغرافية فانتشار هذه المجموعات على مساحة واسعة بين العراق والشام وطموحاتها السريعة للتوسع في بيئات متفاوتة مذهبيا هي مقتلها .. فالانتشار الواسع هو مقتل الامبراطوريات الكبرى كما أثبت تحليل حركة التاريخ .. وهو سبب انهيار أي امبراطورية .. وداعش لاتقاس بمقاييس الامبراطوريات فهي ليست الا حركة فوضوية بلا معايير ولاضوابط غايتها خلق الفوضى واللااستقرار في بقعة ولكن تسري عليها قوانين التحول والتشكل ذاتها .. فالانتشار الذي بدأته من شرق سورية الى العراق لايمكن تثبيته حتى لدول كبرى مجهزة بتكنولوجيا كبيرة .. فالامريكيون لم يستطيعوا ضبط مساحة العراق رغم كل مافعلوه وكان المطلوب وجود جيش لايقل عن نصف مليون جندي بكامل تجهيزاتهم .. فهل تقدر سيارات الدوشكا وبضعة آلاف من المسلحين على حكم مساحة هائلة بين العراق وسورية والانتشار وفرض حكم الخليفة وهناك تنافر كبير ورفض يتسع بسرعة هائلة بين مكونات هذه المنطقة ؟ بدليل أن مقاتلي داعش يتحركون ملثمين ويصرون على اظهار الجانب العنفي في سلوكهم لمنع مظاهر التمرد عليهم والسلوك الرافض لهم في الأماكن التي ينتشرون بها .. فداعش لاتتمتع بجاذبية عند معظم الناس من جميع الطوائف والأعراق بمجرد الاحتكاك بها *..

أخيرا..

أنا لاأخشى في العمر الا أن يداهمني الفعل الماضي ويقتل فعلي المضارع ولاأقدر أن أكتب الا أفعالا ماضية عن نفسي وأحلامي وتصوراتي .. وسأعرف أنني مضيت وانتهيت عندما سأكتب يوما وأنا أتكئ على الأفعال الماضية وأسكب اللغة في كؤوس "كان وكنت" وقوارير الأطلال ولايبقى متسع أو مكان أو قطرة تسكب في فعل مضارع أعيشه أو مستقبل سأعيشه .. وسأعرف عندها ان العمر قد مضى وانقضى لأن كتابة المذكرات تشبه الوصايا أو هي تذاكر الرحيل في عربات النهايات .. ولكني في كتابتي عن داعش والاسلاميين والمشروع الاسلامي فأنا أعرف أنني سأكتب عنهم وأنا أحزمهم في قوافل الزمن الماضي .. كما كتبت عن كل الراحلين والراكبين ..

وهذه أول مرة يكون فيها الفعل الماضي ضيفا عزيزا على لغتي وهو يمتطي ظهور أسماء كانت يوما تصول وتجول على خيول الافعال المضارعة وتسافر على متن سين الاستقبال و"سوف" ..

بالأمس القريب كان هناك من يريد ان يحولنا ويحول عصرنا وأحلامنا الى أفعال ماضية .. وكان يريد تحويل كل ماكتبناه من تحد للغرب الى مجرد مذكرات ميتة .. وبالأمس القريب كان هناك من يريد تحويل كل مشاريعنا الكبرى الى حائط مبكى تقف عنده الأفعال الناقصة (ليت ولعل وكأن وكان ..) كما يقف حاخامات اليهود أمام حائط المبكى ..

لكننا لانزال على جياد الزمن الأصيل ويسقينا الفعل المضارع ونسقيه .. ونشرب منه البقاء بكؤوس الخلود .. ونحن من لانزال ملوكا للزمن الحاضر ومن يربطون بالأوتاد المستقبل فلا يسير الا بعد أن يصلوا اليه .. وصار مابقي من الثورة السورية حائط مبكى يجتمع حوله حاخامات الثوار ..نحن أعطينا الاشارة للفعل الماضي ليبدأ بموسم الحصاد بعدما أينعت رؤوس الخونة .. وسلاله متشوقة لموسم الحصاد ..

* توضيح

داعش لها دور واحد هو خلق منطقة فوضى عنيفة لاأكثر بين العراق وسورية .. وخلق بؤرة توتر غير مستقرة تقطع اوصال الشام والعراق .. ولهذا برغم مايقال عن حاضنة سنية لها فانني فوجئت أن أصدقاء تواصلت معهم من عائلات عريقة في الموصل أن هناك نفورا واضحا من داعش وكل المشروع الجهادي الذي تحمله .. ومن يتواصل مع سكان الموصل يعرف كم هم مضغوطون بالغم والهم وكم هم لايقدرون على التعبير عما يجول في نفوسهم من احتقار ورفض لمجاهدي داعش التي تقتل الجميع .. ومن يعرف الحقائق يعرف أن حاضنة داعش في الموصل وغيرها ليست بالقوة التي يشاع عنها .. لأن حاضنة داعش القوية هي في حزب العدالة والتنمية في تركيا .. وخاصة في مكاتب حقان فيدان .. وهناك حادثة ذات دلالة وقعت في الجزيرة السورية على هشاشة داعش في بيئة بدأت تتمرد عليها .. فداعش يتجول رجالها ملثمين بلا وجوه كي لايعرفوا لأنهم يدركون أن مايفعلونه مشين ومخجل وجريمة وليس مقبولا .. لكن الى جانب الغاية الأمنية في التخفي فهناك غاية أخرى هي نشر الذعر من مجهولين بلا رحمة ولاملامح .. هذا اللثام كان سببا توجس السكان القريبين منهم .. ولكن كان هذا اللثام نفسه سببا في نجاح أبناء احدى القرى السورية في تنفيذ اعدام جماعي بحق أربعين داعشيا كانوا في دورية بلثامهم ولباسهم الأسود .. لأن الدواعش حاولوا مرة التسلل الى أحد المواقع بارتداء بزات عسكرية للجيش السوري لكن الخدعة كشفت .. وبعد ذلك قامت وحدة خاصة سورية بنفس الخدعة مع شباب عشائر سورية ناقمين على داعش وارتدت ثياب داعش ولثامها واندست في موكب لداعش وهو يمر من احدى القرى ولم ينتبه الداعشيون للمتسللين لأنهم ملثمون مثلهم .. وعندما توقف موكب القتلة الداعشيين للتزود بالوقود .. قامت الوحدة الخاصة الملثمة المندسة بالانفصال عن الموكب بسرعة واطلاق النار على عناصر داعش جميعا وخلال أقل من دقيقتين تمت ابادة القافلة بكل مافيها وانسحبت الوحدة بسرعة قبل اكتشافها .. وهذه الكمائن الملثمة هي على بساطتها ستكون هي احدى طرق المواجهات التي ستقصم ظهر داعش والتي بدأت تنتشر في الجزيرة السورية كمقاومة شعبية .



  عدد المشاهدات: 1733

إرسال لصديق

طباعة
شارك برأيك

الاشتراك بالقوائم البريدية
البريدالإلكتروني: