الأمل بالعمل



الأكثر زيارة
 الصفحة الرئيسية   مقالات  

قراءة في كتاب( المتلاعبون في العقول ) – إعداد : يونس أحمد الناصر
May 19, 2013 11:52

الكتاب هو المتلاعبون بالعقول (The Mind Managers)

 
كل الأخبار - كتاب من تأليف الكاتب الأميركي هربرت شيللريعالج فيه طبيعة الإعلام وكيفية صناعته لتوجيه الرأي العام بدلا من توعيته كما يفترض فيها.

يناقش شيللر أستاذ الإعلام والاتصال في جامعة كاليفورنيا في كتابه " كيف يجذب محركي الدمى الكبار في السياسة والإعلان وسائل الاتصال الجماهيري وخيوط الرأي العام".
الكتاب من نشر دار بيكون للنشر عام 1975.
المجتمع الأميركي "الحر" نموذجا
 
يضع الكتاب تصورا فريدا ومقاربة غير مألوفة للمجتمع الأمريكي ولأجهزة الإعلام التي تتحكم فيه بصورة علمية مقصودة لتحقيق أهداف الجهات الحقيقية المهيمنة على الإعلام
وهي الشركات العملاقة التي يقول شيللر في كتابه إنها حولت الحياة إلى شريط إعلاني ترويجي مستمر للسلع تتخلله مقاطع من الأحداث الجارية من حولنا.
ويستعرض شيللر كيف تطغى الإعلانات على حياتنا في الشارع وأنفاق المشاة وملاعب الكرة وحتى في التلفزيون تغمرك سيولا متدفقة من الإعلانات تبدو معها بقية الحياة والأحداث والفنون مجرد محطات توقف عن استهلاك العيون لإقناع العقول بالاقتناء.

في مقدمة الكتاب يعرف الكاتب القائمين على أجهزة الإعلام في الولايات المتحدة بأنهم الذين يضعون الأسس والأفكار التي تحدد معتقدات ومواقف وسلوك الفرد.

ويرى شيللر أن تضليل وبرمجة عقول البشر ما هو سوى تطويع الجماهير للأهداف والسياسات السائدة حتى يتم ضمان تأييد النظام بغض النظر إذا ما كان هذا النظام يعمل للمصلحة العامة أو ضد الصالح العام للشعوب،
ويضيف هربرت شيللر بأنهم لا يلجؤون إلى التضليل الإعلامي إلا عندما يبدأ الجمهور في الاستيقاظ والظهور على الساحة لكي يصحح مساره،
أما عندما يكون الجمهور مضطهداً غارقاً في همومه وفقرة المدقع ويعايش بؤس الواقع فهم يتركونه في غيبوبته دون تدخل.
يحاول شيللر في كتابه كشف الأيديولوجيات المستترة خلف سيول المعلومات المتدفقة على عقول البشر محاولا فضح المصالح الحقيقية المخفية وراء الرسائل الإعلانية التي تبدو للجميع خالية من القيم و الايدولوجيات والرسالة الإخبارية التي تبدو محايدة، وحتى المعلومة التي تبدو للمتلقي مجرد معلومة مجردة.

ويقول إن الإعلانات والأخبار وحتى المعلومات هي نتاج معرفي تديره وتوجهه شركات أمريكية، وسياسات الحكومة الأميركية، فهي التي تتحكم في وسائل الاتصال في الولايات الأمريكية وفي الكثير مما يتداوله العالم، وهو تحكم يمكنها من السيطرة على آليات النظام الإعلامي، وبالتالي السيطرة على مصادر المعلومات التي يتم عبرها التلاعب بالعقول المستهلكة لهذه المعلومات.

يتفحص الكاتب الأدوات الإعلامية المختلفة وخاصة تلك التي تبدو بريئة ومحايدة مثل استطلاعات الرأي، وأفلام ومنشورات والت ديزني والإعلان التلفزيوني ومنتجات التسلية والترفيه والمجلات واسعة الانتشار مثل مجلة دليل التلفزيون وحتى مجلة ناشيونال جيوغرافيك، وهو في استعراضه لنتاج تلك الأدوات يسعى للبحث والتنقيب عن المصالح المستترة و الايديولوجيات المخفية والتضليل المحبوك بمهارة فائقة.

أساطير إعلامية

يعتقد شيللر أن صناعة التلاعب بالعقول تتم عن طريق خمس أساطير جرى ترويجها بعناية وذكاء، حتى باتت تلك الأساطير تشكل الإطار التضليلي الذي يوهم عقولنا بادعاء الحقيقة، وتتمثل هذه الأساطير التي تسيطر على الساحة الإعلامية بوصفها حقائق في:

أسطورة الفردية والاختيار الشخصي

يرى شيللر الخبير في الإعلام الأميركي أن أعظم انتصارات التضليل الإعلامي في الولايات المتحدة خصوصا وبقية العالم بدرجات متفاوتة يتمثل في تكريس وترويج تعريف محدد للحرية، وهو تعريف ينتقده الكتاب من حيث صياغته بشكل يعزز النزعة الفردية، ما يتيح له أداء وظيفة مزدوجة، فحسب شيللر فإن مفهوم الحرية الغربي يحمي حيازة الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج من ناحية، ويتم ترويجه بوصفه حارسا لرفاهية الفرد.

وتوحي أجهزة الإعلام وطريقة صياغة مفهوم الحرية أن حرية الأفراد لا يمكن بلوغها إلا بحيازة الملكيات الخاصة لوسائل الإنتاج.

وفوق هذه الأسطورة القائمة على تفسير متسلط لمفهوم الحرية يجري بناء هيكل كامل من التضليل الإعلامي يعيد إنتاج الأسطورة التي أنتجته ليقنعنا أن حقوق الفرد المطلقة ليست أسطورة بل حقيقة لا مراء فيها.

أسطورة الحياد
الإنجاز الآخر الذي حققته صناعة التضليل الإعلامي يتمثل في إخفاء شواهد وجوده، فالتضليل لا ينجح حين يعرف المخدوعون أنهم يتعرضون للخديعة، لكنهم حين يشعرون أن ما يعرض عليهم هو الحقيقة الطبيعية وأن الأمور يجب أن تجري على هذا النحو وإلا فإن شيئا ما قد أخل بالنظام مما يستدعي إعادة تصحيحه.

ولتحقيق هذا الهدف وإخفاء آثار الخديعة كان لا بد من الترويج لأسطورة الحياد وفي النموذج الأميركي للأسطورة التي يناقشها شيللر في كتابه كان لابد أن يؤمن الشعب عبر وسائل الإعلام أن الحكومة والإعلام والتعليم والعلم بعيدة جميعاً عن صراعات المصالح الاجتماعيـة.

ويرى شيللر أن الحكومة تبقى ركيزة أسطورة الحياد، فالأسطورة تفترض مسبقا الاقتناع الكامل باستقامة وعدم تحـزب الحكومة، وعناصرها المكملة للنظام السياسي مثل الكونغرس والقضاء والرئاسة.

وعند وقوع أو اكتشاف قضايا فساد بين الفينة والأخرى يتعامل معها الإعلام باعتبارها نتاج الضعف الإنساني لا طبيعة السلطة الإنسانية وبالتالي انخراطها في صراع مصالح لا يتوقف ولا ينتهي مما يجعل من حيادها أسطورة لا حقيقة.

أما المؤسسات فهي بعيدة تماما عن الاتهام، ويسوق شيللر على ذلك مثالا بالإشارة إلى وسائل الإعلام شاركت على مدى خمسة عقود في الترويج لأسطورة مكتب المباحث الفيدرالية (FBI) بوصفها وكالة لا سياسية عالية الكفاءة تعمل بلا كلل لتنفيذ القانون، بينما تثبت الحقائق التاريخية والشواهد الواقعية على أن جهاز المباحث استخدم في الواقع، طوال الوقت في إرهاب وتطويق أي سخط اجتماعي بالولايات المتحدة.
كذلك فإن وسائل الإعلام ( الصحافة و الدوريات و الإذاعة و التلفزيون )هي جميعاً وبلا استثناء مشروعات تجارية وبالتالي فهي غير محايدة، فهي تتلقى دخولها وأرباحها من الاستغلال التجاري لمساحاتها الزمنية، أو المكانية لنشر الإعلانات.
ومن عناصر أسطورة الحياد وهو عنصر يحظى برعاية فائقة يقول أن لا سيطرة لأي مجموعات أو آراء خاصة على عملية صنع القرارات المهمة في البلاد.

أسطورة الطبيعة الإنسانية الثابتة


أسطورة غياب الصراع الاجتماعي


أسطورة التعددية الإعلامية


أهداف السيطرة

يؤكد الكاتب على أن الهدف الأساسي لمن يملكون مقاليد الثروة والسلطة والقوة يكمن في الاحتفاظ بما يملكون وتعزيزه وتكريس وضع من لا يملكون على حاله.
ويرى من خلال استعراض دقيق وتقصي عميق لدور التلفزيون والصحف والأفلام وحتى الرسوم الكارتونية للأطفال في صناعة الوهم وتسويق مفاهيم خطرة، تؤذي المجتمع وتجعله في النهاية منقادا لرغبات المسيطرين حتى لو تعارضت تلك الرغبات مع مصالحه.

ويرى شيللر أن أجهزة الإعلام المختلفة نجحت في جعل الجماهير منقادة ومقيدة ضمن أغلال أبواق الإعلام من تلفاز وإذاعة وصحف ومجلات رغم أنهم وفي أبسط الأمور في حياتهم اليومية يتصرفون ضد مصالحهم دون ما شعور بهذا العبء أو أدراك بأنهم مسيرون وليسوا مخيرين.
وفي بداية من سطور المقدمة يقول شيللر : "ففي داخل البلاد تنعم صناعة توجيه الجماهير بفترة نمو استثنائية بهدف تعليب وبرمجة العقول، وكما يفعل حكام العالم الثالث عندما يودون تسيير قرار أو قانون ما فهم يلجؤون إلى وسائل الإعلام عن طريق السيطرة التكتيكية من صور ومعلومات بقصد التحكم في عقول الشعوب من خلال الاستفادة من الظروف التاريخية، وبهذا الأسلوب يصبح ابسط الناس وأشدهم حاجة أكثرهم تحمسا لقوانين الملكية الفردية والحيازة وأشدهم عداوة للحرية في ابسط مفاهيمها.. بل هو يصبح أكثر الناس عداوة للمنتمين لها".

خطر اجتماعي

ويعتقد المؤلف أن الخطر الداهم الذي يتهدد الكيانات الاجتماعية للبشرية يكمن في الدوافع التجارية الخالصة والتي لا تهدف إلا للربح, وبهذا أضيفت إلى الإعلان قيم جعلت من السلعة الاستهلاكية محورا للحياة بدلا من أن تكون جزءا منها وباتت الكماليات بفضل التضليل الإعلاني أساسيات يجدر بذل كل شيء للحصول عليها،

هذه الصورة الوهمية التي روجتها أجهزة الإعلام جعلت من الحياة سلسلة من الاستهلاك المادي، وهددت الاستقرار الأسري والاجتماعي كثيرا لدى من لا يملكون، وجعلتهم في النهاية أداة طيعة بيد من يملكون.

في الإعلان تختفي الضرورات القيمية وتتبدد المفاهيم الإنسانية لمصلحة الاستهلاك، ولترويج الاستهلاك وتأجيج الرغبة بالاقتناء جرى استخدام العنف والجنس وحتى التلاعب بعقول الأطفال من خلال برامج تبدو للوهلة الأولى مسلية وممتعة ولكن الأمر في حقيقته أخطر بكثير من ذلك من خلال ما يعرض من أفلام الكرتون.

الأطفال ليسوا بمنأى عن قصف العقول

ويستخدم شيللر دراسات استقصائية على سلاسل مجلات الأطفال الشعبية وخاصة تلك التي تنتجها شركات والت ديزني خلصت إلى أن الجنس والمال والمغامرات سيطرت على مواضيع المجلات، فالبطل مغامر، وهي قيمة تتعارض مع قيمة العمل والجد والبذل الشريف للحصول على مقابل، وهذا البطل المغامر يغامر في أراضي الأغيار غالبا - والاغيار في مجلات الأطفال مختلفون لونا وشكلا وأقل قدرة عقلية وقوة جسدية من البطل القادم من أميركا دائما- والمغامرة تدور أحداثها بحثا عن كنز - قد يكون مخفيا في الأرض أو مقدسا لدى شعوب بدائية - وحين يحصل البطل المغامر على غنيمته سرقة أو بأي وسيلة كانت فإنه يحظى بإجازة على شاطئ البحر يشرب مشروبا مثلجا وبرفقته حسناوات بانتظار مغامرة جديدة.
إدارة الأزمات إعلاميا
ويعتقد شيللر أن العبقرية "المرعبة للنخبة السياسية الأميركية تمثلت في قدرتها على إقناع الشعب بالتصويت ضد أكثر مصالحه أهمية دون حاجة إلى القمع والاضطهاد، فيقوم مديرو أجهزة الإعلام في أميركا بوضع أسس عملية لتداول الصور والمعلومات ويشرفون على معالجتها وتنقيحها وإحكام السيطرة عليها، تلك الصور والمعلومات تحدد معتقدات الناس ومواقفهم، بل وتحدد في النهاية سلوكهم".

ويؤمن شيللر أنه عند وقوع أزمة حقيقية أو مفتعلة، ينشأ جو هستيري محموم بعيد تماما عن العقل والمنطق ويؤدي إلى الإحساس الزائف بالطابع الملح للأزمة ونتيجة لذلك تضعف قدرة الجمهور على التمييز بين درجات الأهمية ، ويتحول العقل إلى غربال تصب فيه التصريحات والإعلانات أقلها مهم وأكثرها لا أهمية له، وبدلا من أن يساعد الإعلام في تركيز الإدراك وبلورة المعنى، نجده يسفر عن الإقرار الضمني (اللاشعوري) بعدم القدرة على التعامل مع موجات الأحداث المتلاحقة التي تطرق بإلحاح وعيَ الناس فيتعين عليه دفاعا عن النفس أن يخفض درجة حساسيته واهتمامه.
عزل الممتنعين على التضليل
وهكذا يبقى الجمهور في دوامة من الأحداث والتدفق والإغراق ولا يجد فسحة للتأمل والتفكير والتحليل، وعندما يجد البعض فرصة للتساؤل والشك، فإنهم يتحولون إلى أقلية تفكر عكس التيار وتخالف المجموع العام ويبدون مغفلين ومجانين ولا يفهمون، وقد يضطرون -وهذا ما يحدث غالبا- إلى إخفاء تساؤلاتهم وقناعاتهم بدلا من أن تتولى آلات الإعلام الضخمة نبذهم وحشرهم في الهامش باعتبارهم متعصبين أو متطرفين وربما مجانين فـ (نعوم تشومسكي) يصور باعتباره يساري متطرف أو عالم محلق في خيال طوباوي و ( ليندون لاروش) مجرد مجنون وسجين سابق مهووس بالمؤامرات أما غير الأميركيين فهم إرهابيون يكرهون نمط الحياة الأميركي أو يحسدون الأميركيين على ما لديهم.



  عدد المشاهدات: 1376

إرسال لصديق

طباعة
شارك برأيك

الاشتراك بالقوائم البريدية
البريدالإلكتروني: