الأمل بالعمل



الأكثر زيارة
 الصفحة الرئيسية   مقالات  

اتفاق فيينا النووي بين إيران و دول ( 5+1) ... صمود و انتصار بقلم : يونس أحمد الناصر
July 23, 2015 05:55

اتفاق فيينا النووي بين إيران و دول ( 5+1) ... صمود و انتصار  بقلم : يونس أحمد الناصر

من حق الشعب الإيراني أن يفرح بتوقيع هذا الاتفاق لأنه جاء ثمرة صمود , عانى خلالها الشعب الإيراني من العقوبات الظالمة لمنعه من الحصول على حقه بالاستخدام السلمي للطاقة النووية فصبر و صمد و أصر على الحصول على هذا الحق ,  و توقيع هذا الاتفاق هو انتصار جديد للثورة الإيرانية مكَّن إيران من انتزاع حقها , عبر أطول مفاوضات يشهدها التاريخ ,  لتحجز لنفسها مكاناً في نادي الكبار   

فما هي الطاقة النووية و ما هي استخداماتها السلمية التي استحقت من الشعب الإيراني كل هذا الصمود و الإصرار؟؟   

إن كلمة " ذَرية " تقترن في أذهان الكثيرين بالقنبلة التي استحدثت قبل أكثر من خمسين عاماً, ولكن التكنولوجيا تطورت في الواقع منذ ذلك الحين في اتجاه الاستخدام السلمي للذرة، ولا يتجاوز عدد البلدان المسلَّم بملكيتها للأسلحة النووية خمسة بلدان هي الولايات المتحدة وروسيا والصين والمملكة المتحدة وفرنسا,  وقد بلغ عدد بلدان العالم التي تعهدت بالتخلي عن بناء أسلحة نووية أو الحصول عليها، مقابل التعهد لها بتمكينها من الوصول إلى التكنولوجيا النووية السلمية، 180 بلداً و منها الجمهورية الإسلامية الإيرانية .  وهذا التعهد من جانبها يشكل جزءاً من معاهدة دائمة هي معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية.

وللتحقق من تنفيذ هذه التعهدات يقوم 200 من خبراء الوكالة الدولية للطاقة الذرية يومياً بإجراء عمليات تفتيش موضعي في كل أركان العالم, وهدفهم هو التأكد من عدم تحويل أي من المواد النووية المودعة في 1000 منشأة نووية في حوالي 70 بلداً عن الاستخدامات السلمية المشروعة إلى ما قد يكون برامج سرّية لصنع الأسلحة.

وبهذا تسهم الوكالة في حماية الأمن الدولي وتوطيد الجهود الرامية إلى وقف انتشار الأسلحة والانتقال إلى عالم خالٍ من الأسلحة النووية.

كما أن أول مفاعل نووي قد شيّد في عام 1951 , وإن عدد المفاعلات النووية بلغ 17 في عام 1960 ثم ارتفع إلى 90 في عام 1970 وواصل الارتفاع بعد ذلك حتى بلغ 263 في عام 1980و توجد حالياً 400 محطة قوى نووية في 31 بلداً.

و يشار إلى أن الطاقة النووية ستوفر في عام 2000 نسبة 31% من مجموع الكهرباء المولَّدة في أوروبا الغربية و15 % في أمريكا الشمالية و2.8 % في أمريكا الجنوبية و2.4 % في أفريقيا.

القضاء على ذبابة " تسي تسي" مثال جيد للاستخدام السلمي للطاقة الذرية

ففي إطار عملية تدعمها الوكالة الدولية للطاقة الذرية  تُربَى ذبابة " تسي تسي"  ثم تعقّم بالإشعاع وتطلق في الجو من قاعدة في 'تنغا' بتنزانيا.  وبفضل هذه الطريقة الجديدة لتعقيم الحشرات ستتخلص عدة مناطق أخرى في أفريقيا من هذه الحشرة التي لا يقتصر أذاها على الماشية بل يمتد أيضاً إلى الإنسان.

" هذا حقاً شيئاً لا يصدق,  فقبل عشر سنوات لم يتبق في المنطقة رأس واحدة من الماشية,  كانت كل الحيوانات تموت بسبب ذبابة "تسي تسي" .  والآن تجد عند المزارعين عدداً قد يصل إلى 300 رأس كلها في صحة جيدة .

وهذا القول لا ينطبق على هذه القرية وحدها بل يصدق أيضاً على أنحاء الجزيرة كلها,  وإذا استمر الحال على هذا المنوال ستكون ذبابة " تسي تسي "  قد اختفت تماما في فترة قصيرة جدا."

ما سبق هو قصة حقيقية مصدرها الوكالة الدولية للطاقة الذرية

فما هي الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية و لماذا تمنع الدول الكبرى الدول الفقيرة من امتلاك تقنيات الاستخدام السلمي للطاقة الذرية ؟؟؟

لعل أفضل طريقة للدلالة على ضخامة الطاقة التي تنتج عن التفاعل النووي هي مقارنة كمية الطاقة الناتجة عن الاحتراق الكيماوي لكمية ما من معدن من المعادن ، مع الطاقة الناتجة عن فناء ذات الكمية من المادة نفسها في تفاعل نووي .

 فالاحتراق الكيماوي للكيلو غرام الواحد من اليورانيوم ، مثلاً ، يحدث بضعة آلاف من الوحدات الحرارية، بينما تبلغ كمية الحرارة الناتجة عن انفجار قنبلة نووية زنتها كيلو غرام واحد من اليورانيوم ، حيث يفنى حوالي 1/1000 من المادة ، حوالي ألف مليون مليون مليون وحدة حرارية .

يمكن استخدام الطاقة النووية في المجالات السلمية على شكلين :

أولاً - كمصدر للقوة لتسيير المحركات وتوليد الكهرباء وغيرها .

 ثانياً-  باستعمال العناصر التي تظهر في التفاعل النووي في الأبحاث العلمية والطب والزراعة وغيرها من الحقول التطبيقية .

 فالتفاعلات النووية مكَّنت علماء الفيزياء من الحصول على عناصر لم يكن من الممكن الحصول عليها بأي طريقة أخرى ، وذلك لأنها لا تعمر إلا لمدة قصيرة في حالتها الطبيعية ، ومكَّنت بالتالي العلماء من إجراء دراسات أوسع وأدق على تركيب المادة وخصائصها .

 وفي حقل الطب ، تستعمل النظائر المشعة لدراسة نمو الخلايا البشرية ومعرفة مدى حياتها ، ولمكافحة وعلاج بعض الأمراض كالسرطان مثلاً . وفي الزراعة، أصبح بالإمكان الحصول على أنواع جديدة من النباتات لم تكن موجودة من قبل .

 فقد أُستحدِث نوع جديد من القمح يقاوم الأمراض التي تصيب القمح والتي لم يكن من الممكن القضاء عليها بالطرق الكيماوية , وفي هذا فائدة اقتصادية كبيرة .

و بهذا يمكن تصنيف مجالات استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية التي في أربعة أبواب :  استخدام الطاقة كمصدر للقوة , و استخدام الطاقة في الأبحاث العلمية الصرفة , و استخدام النظائر المشعة في الأبحاث العلمية وفي حقل الطب , و أيضاً  استخدام النظائر المشعة في الحقول التطبيقية كالزراعة والصناعة وما إلى ذلك .

 ويدخل ، بالطبع ، ضمن كل من هذه الأبواب عدد كبير من التفاصيل والاستعمالات الفرعية .

ملف إيران النووي و اتفاق فيينا مع الدول الكبرى ( 5+1)

تعتبر الجمهورية الإسلامية قدوة لغيرها في مجال التقدم العلمي و إصرارها على حقوقها و التي خاضت ربما أطول مفاوضات في التاريخ و تمكنت في النهاية من حقها المشروع في الحصول على حق استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية و هو ما كانت تصر عليه و تؤكده دائماً بأنها لا تسعى لاستخدام مشروعها النووي لأغراض عسكرية بل أكثر من ذلك بأن قائد الثورة الإسلامية أفتى بحرمة حيازة السلاح النووي لمخاطره على البشرية و إن ما تريده إيران من دخولها عالم الكبار في هذا المجال هو تطوير إيران علمياً و اقتصاديا ًو هو الأمر الذي قطعت فيه إيران أشواطاً كبيرة فقد عملت بعد الثورة على إعداد الطاقة البشرية و أعني إعداد العلماء و اليد الماهرة الخبيرة التي يمكنها القيام بتشغيل منشآتها النووية و رغم الحصار العالمي لإيران و العقوبات الاقتصادية عليها لعقود من الزمن صمد فيها الشعب الإيراني انطلاقا من إيمانه بحقه المشروع في التطور العلمي و التقني و أن تحجز لها مكاناً تحت الشمس إلى جوار الدول العظمى , و قد نجحت بذلك أخيرا .

أما لماذا استماتت إيران في الحصول على حقها في الاستخدام السلمي للطاقة النووية ,  كما استماتت الدول الصناعية الكبرى لمنعها من امتلاك هذه التكنولوجيا  , فقد سبق أن أشرت في المقدمة إلى مزايا الاستخدام السلمي للطاقة النووية في مجالات الطاقة و الصحة و الزراعة و بالفعل تمكنت إيران من إنتاج الطاقة الكهربائية الرخيصة ,  فأنارت بها المدن الإيرانية و شغلت بها مصانعها و منشآتها العلمية و الاقتصادية كما عملت على تصدير الفائض من هذه الطاقة إلى دول الجوار بملايين الدولارات و يكفي أن نشير إلى أن إنتاج أي سلعة باستخدام الكهرباء النووية يخفض كلفة الإنتاج إلى 10% باستخدام وسائل الطاقة الأخرى  مما يمكنها من المنافسة في الأسواق الدولية , و هذا هو بالضبط ما حدا بالدول الاستعمارية لمحاولة منعها و دخولها كمنافس لهم في السوق الدولية و اليوم و بعد الاتفاق النووي يمكن لإيران ليس فقط تصدير الكهرباء و غيرها إنما بيع منتجاتها من اليورانيوم و الماء الثقيل في الأسواق الدولية و هو ما سيوفر لها دخلاً ربما يفوق دخل بعض الدول المصدرة للنفط الخام و يضاف لها الاستخدامات الأخرى في مجالات الطب و الصحة و الاقتصاد و التي ستنمو بشكل متسارع باستخدام هذا النوع من الطاقة  

كما أن إيران تعلم بأنه و بعد عدد من السنين طالت أم قصرت ستتحول البشرية إلى استخدام الطاقة البديلة للوقود الأحفوري و أقصد النفط الذي سينضب و من المنطق  أن تبدأ الآن بالبحث عن بديل  و هو ما فعلته إيران

العرب و الاستخدام السلمي للطاقة النووية حلم .. يمكن أن يتحقق  

على العرب البدء بإرساء الأساس العلمي النظري قبل الإقدام على استخدام الطاقة في الحقول التطبيقية , و إن على البلدان الحديثة العهد بالطاقة النووية أن تبدأ بالأبحاث العلمية المجردة في هذا الحقل قبل أن تبدأ بالنواحي التطبيقية ، حتى تستطيع أن تكون الأساس الصحيح لصناعة نووية ناجحة .

فلو نحن بدأنا ، كأمة ناشئة ، باستخدام الطاقة النووية عملياً من دون تركيز الأساس العلمي ، فسنجد أن التطور العلمي والعملي في الدول المتقدمة ,  سيجعل ما نستخدمه من الآلات والمعدات النووية وسيلة بالية غير فعالة ، ويصعب علينا عند ذاك مجاراة التقدم في هذا الميدان .

و كما أعلم , لم تجر حتى الآن دراسة وافية لمعرفة مدى توفر المواد الأولية الضرورية لإعداد الطاقة النووية في البلدان العربية , فمن الجائز أن يكون لدينا بعض خامات الراديوم واليورانيوم , إلا أننا لا نستطيع أن نجزم بذلك ,  والبلد العربي الوحيد الذي يقوم بدراسات / كيميا – جيولوجية  / واسعة النطاق هي جمهورية مصر العربية   .

و أعتقد بأن هناك ناحية أكثر أهمية من المواد الأولية لإعداد الطاقة النووية هي توفر الطاقة البشرية، أي العلماء والفنيين الأخصائيين , ووجود هؤلاء ضرورة حيوية ، ليس في حقل الطاقة النووية فحسب ، بل من أجل تقدم البلاد العربية في مختلف الميادين العلمية .

 فقد أصبح عصرنا الحالي ، بفضل التقدم السريع والكبير في شتى الحقول العلمية ، يدعى بحق "عصر الثورة العلمية" .

 فإن نحن أردنا أن لا نبق دولاً متخلفة ، وأن نسهم بصورة فعالة في مجالات التقدم العلمي ,  بحيث نصبح في وضع يمكننا من أن نخلق بدلاً من أن نقلِّد ، وبحيث نستطيع الاستفادة من كل الاكتشافات والاختراعات العلمية ، علينا أن ندخل فعلاً وجدياً "عصر الثورة العلمية ", وهذا يتطلب منا إقامة القاعدة العلمية النظرية والتطبيقية وإحداث المؤسسات التي يمكن لها أن تستوعب هؤلاء العلماء والأخصائيين .

أما وضعنا الحالي ,  فلا يؤهلنا للاستفادة من التطور العلمي الحاصل في البلدان المتقدمة ,  وأود أن أضيف بأن التعليم ، بشكل عام ، له أثر إيجابي كبير في التقدم في كل مجالاته ، وقد يكون للتعليم أهمية تفوق أهمية وجود الموارد الأولية والمعطيات الاقتصادية .

كما أنني أعتقد أنه ليس من الحكمة أن نقوم الآن بشراء وإنشاء الأفران النووية ، إذ أن الفائدة التي سنحصل عليها تكاد لا تضاهي تكاليف إقامة هذه الأفران ,  فالفرن النووي الذي يجري إنشاءه حالياً في مصر ، ليس مصنوعاً لإنتاج طاقة محرِّكة ,  لذلك لا فائدة من هذه الأفران.

 أما النظائر المشعة التي يمكن إنتاجها في هذه الأفران ، فمن الأفضل شرائها من الخارج ، إذ نستطيع الحصول عليها بثمن أقل من كلفة إنتاجها هنا ، وبدرجة أكبر من النقاوة ,  ولن يكون باستطاعة أفراننا الذرية أن تنافس منتجات الأفران العاملة في الخارج في المستقبل القريب .

 وعليه ، نجد أن بناء أفران نووية سيعود علينا بفائدة واحدة هي تدريب العلماء الأخصائيين في حقل الذرة .

العرب و الإيرانيون ... ضرورة التعاون

لقد حققت الجمهورية الإسلامية الإيرانية نجاحات كبيرة في مجال تأهيل كوادرها العلمية في مجال الاستخدام السلمي للطاقة النووية ,  و بنت منشآتها النووية ,  و أجبرت العالم في اتفاق فيينا الأخير على الاعتراف لها بحقها في الاستخدام السلمي للطاقة النووية و تصدير اليورانيوم المخصب و الماء الثقيل في الأسواق الدولية , و قد بادرت فور توقيع الاتفاق مع الدول ( 5+1) إلى طمأنة جيرانها العرب و عرضت مدّ اليد للتعاون معهم , و الكرة الآن في ملعب العرب للاستفادة من هذا العرض , و لكن العرب دائما كما أعتقد يضيعون فرص التسجيل ,  و ما نتمناه حقاً هو التعاون بين مصر و إيران كونهما أنموذج يمكن أن يحتذى للدول العربية الأخرى التي تسعى لامتلاك الطاقة النووية للاستخدامات السلمية و كون مصر لديها من العلماء ما يمكنها من السير في هذا المجال, فهل سنرى هذا التعاون في قادم الأيام و ينتصر العقل و الحكمة عند العرب على التعصب و الجهل , ربما  

  



  عدد المشاهدات: 1816

إرسال لصديق

طباعة
شارك برأيك

الاشتراك بالقوائم البريدية
البريدالإلكتروني: